يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. طفيلي مُحَدِّث قال أبو عمرو نصر بن علي: كان لي جار طفيلي، وكان من أحسن الناس منظرا، وأعذبهم منطقا، وأطيبهم رائحة، وأجملهم لباسا، وكان من شأنه معي أني إذا دعيت إلى مدعاة تبعني فيكرمه الناس من أجلي، ويظنون أنه صاحب لي، فاتفق يوما أن جعفر بن القاسم الهاشمي أمير البصرة أراد أن يختن بعض أولاده، فقلت في نفسي، كأني برسول الأمير قد جاء، وكأني بهذا الرجل قد تبعني، والله لئن تبعني لأفضحنَّه! فأنا على ذلك إذ جاء رسوله يدعوني، فمازدت أن لبست ثيابي وخرجت، وإذا أنا بالطفيلي واقف على باب داره، وسبقني بالتأهب، فتقدمت وتبعني، فلما دخلنا دار الأمير جلسنا ساعة، ودعا بالطعام وأحضرت الموائد، وكانت كل جماعة على مائدة لكثرة الناس، فقدمت إلي مائدة والطفيلي معي، فلما مد يده وشرع في تناول الطعام، قلت: حدثنا نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): »من دخل دار قوم بغير إذنهم، فأكل طعامهم دخل سارقا وخرج مغيرا«. فلما سمع ذلك، قال: أنفت لك والله يا أبا عمر من هذا الكلام! فإنه ما من أحد من الجماعة إلا وهو يظن أنك تعرض به دون صاحبه، أولا تستحي أن تتكلم بهذا الكلام على مائدة سيد من أطعم الطعام، وتبخل بطعام غيرك على من سواك! ثم لا تستحي أن تحدث بهذا الحديث وهو ضعيف، وتحكم برفعه إلى النبي (ص) والمسلمون على خلافه! لأن حكم السارق القطع، وحكم المغير أن يعزر على ما يراه الإمام، وأين أنت من حديث حدثناه أبو عاصم النبيل عن ابن جريج عن جابر قال: قال رسول الله (ص) »طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية« وهو إسناد صحيح ومتن صحيح! قال: »نصر: فأفحمني فلم يحضرني له جواب، فلما خرجنا من الموضع للانصراف فارقني من جانب الطريق إلى الجانب الآخر بعد أن كان يمشي ورائي وسمعته يقول: ومن ظن ممن يلاقي الحروب --- بألا يصاب فقد ظن عجزا عن التطفيل للبغدادي