يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. غضب.. واعتذار كان هناك رجل مؤمن توفي والده عندما كان صغيرا، وعاش سعيدا مع والدته ثم تزوج. في البداية عاشوا سعداء، من ثم، وبسبب سوء تفاهم بسيط أصبحت الزوجة والأم تكرهان بعضهما، وتنامى ذلك الكره حتى اضطرت الأم إلى ترك البيت لتعيش بمفردها. وبعد أن غادرت الأم البيت، ولد طفل للولد وسرت إشاعة وصلت إلى الأم تقول على لسان الزوجة: لقد كانت الأم تزعجني دوما، وطالما كانت تعيش معنا، لم يقع لنا حادث سعيد، ومع مغادرتها ولدت هذا الطفل الجميل. أغضبت تلك الإشاعة الأم فكان ردها: إن كان طرد الأم من البيت جلب الحدث السعيد، فإن العدالة قد ماتت في العالم، ومن ثم صرخت قائلة: الآن يجب إقامة الجنازة على العدالة. وتوجهت نحو المقبرة لإقامة إجراءات الجنازة،وسمع الإله بتلك الحادثة، وتراءى أمام الأم وحاول تهدئتها دون جدوى. ومن ثم قال لها: إن كان الأمر كذلك فلا جدوى. ثم قال: إن كان الأمر كذلك فعلي حرق الطفل وأمه حتى الموت، فهل يرضيك ذلك؟ بسماع ذلك أدركت الأم خطأها واعتذرت عن غضبها وتوسلت للإله أن يحفظ حياة الطفل وأمه. في الوقت ذاته أدركت الزوجة الشابة وزوجها مدى ظلمها للأم، وذهبا إلى المقبرة للبحث عنها، وقاما بمصالحتها، وعاشوا جميعا كأسرة واحدة وسعيدة.... عن كتاب:" تعاليم بوذا"