يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. جوائزه الصلاة! كان ابن المدبر إذا مدحه شاعر فلم يرضَ شعره قال لغلامه: امض به إلى المسجد الجامع، فلا تفارقه حتى يصلي مئة ركعة ثم خلِّه. فتحاماه الشعراء إلاّ الأفراد المجُيدين، فجاءه أبو عبد الله الحسين بن عبد السلام المصري، فاستأذنه في النشيد، فقال: قد عرفت الشرط؟ قال نعم! وأنشده: أردنا في أي حسن مديحًا كما بالمدح ينتجع الولاة فقلنا: أكرم الثقلين طُرَّا ومَنُّ كَفَّاه دجلة والفرات فقالوا: يقبل المِدْحَات لكن جوائزه عليهن الصلاة فقلت لهم: وما تغني صَلاَتي عيالي إنما الشأنُ الزكاةُ فيأمر لي بكسر الصاد منها فتصبح لي الصَّلاة هي الصَّلاتُ فضحك واستظرفه وقال: من أين أخذت هذا؟ قال: من قول أبي تمام الطائي: هذا الحَمامُ فإن كسرت عيافة من حائهن فإنهن حِمَامُ فأحسن صلته! - عن زهر الآداب والجزء III من «قصص العرب»