يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. قال الزهري: دخلت على عبد الملك بن مروان فقال: من أين أقبلت يا زهري، قلت : من مكة، قال: فمن خلّفت بها يسود أهلها؟ قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: وبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية، فقال: إن أهل الديانة والرواية ينبغي أن يسودوا الناس. قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاوس بن كيسان. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: فبم سادهم؟ قلت: بما ساد به عطاء. قال: من كان كذلك ينبغي أن يسود الناس. قال: فمن يسود أهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب، قال:فمن العرب أم من الموالي ؟قلت: من الموالي.فقال كما قال في الأولين.قال فمن يسود أهل الشام؟ قلت: مكحول الدمشقي، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هُذيل. فقال كما قال، ثم قال:فمن يسود أهل الجزيرة؟قلت ميمون بن مهران.قال :من العرب أم من الموالي؟قلت:من الموالي .فقال كما قال.ثم قال : فمن يسود أهل البصرة؟ قلت: الحسن بن أبي الحسن البصري قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: ويلك! فمن يسود أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النخعي، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من العرب. فقال: ويلك يا زهري! فرجت عني والله تسودون الموالي على العرب حتى يخطب بها على المنابر وإن العرب تحتها! قلت: يا أمير المؤمنين، أمر الله ودينه، فمن حفظه ساد ومن ضيعه سقط!