من طبرق إلى بنغازي التي سقطت بين أيدي المعارضين، تمكن عدد من الصحافيين والمراسلين من الوصول الى مدن الشرق الليبي، في هذه التغطية، يحكي مراسل صحيفة» »ليبراسيون»« فرحة سكان الشرق المحرر، بعد عدة أيام من المواجهات الدامية. ثكنة سيرين تحولت الى مقبرة للسيارات والدبابات, حوالي ثلاثين عربة محروقة مثل بنايات الموقع العسكري الذي كان يأوي وحدات من القوات الخاصة لنظام القدافي, أرضية الموقع ملطخة بالزيوت وخراطيش الدخيرة، وتشاهد سيارة وقد اصطدمت بعربة مصلحة، ويبدو أنها اصطدمت بالمدرعة وهي مليئة بالبترول، لتدميرها، مما خلف مشهداً من ركام الحديد يصعب معه التمييز بين قطع السيارة وقطع المدرعة، وهو ما يؤكد أن الموقع شهد معركة ضارية. هذه المعركة بدأت يوم 16 فبراير، كان طرفاها في البداية الوحدات الخاصة التابعة للقدافي والسكان. ثم بعد ذلك، تدخلت وحدة للجيش النظامي بعد تمردها وإعلان انضمامها للسكان المدنيين. يحكي القائد إدريس رفض الكشف عن اسمه الكامل أنه تلقى الأمر من القيادة العامة بفتح النار ضد المتظاهرين، لكنه رفض. »»جمعت ضباطي وطلبت منهم عدم فتح النار والالتحاق بالمتظاهرين«, يحكي هذا الضابط الذي يشرف حالياً على قيادة كل شرق البلاد حتى مشارف بنغازي, ويحكي أنه تمت محاولة وساطة عبر مكبر الصوت بالمسجد المجاور، بين الجيش والقوات الخاصة، لكن »العقيد مصطفى أرتيمة، الذي حاول القيام بمصالحة قتل برصاص أحد »المرتزقة«، وهو الآن أحد شهدائنا«.في إحدى مدارس المدينة، يوجد حوالي 200 من المرتزقة محتجزين، كلهم يقولون بأنهم جاؤوا من جنوب البلاد، لكنهم يؤكدون أنهم خدعوا من طرف النظام الذي جندهم، حسب قولهم، من أجل تنظيم مظاهرة مقررة في طرابلس، وتم إرسالهم مرغمين عبر الطائرات إلى سيرين، ويبدون كضحايا مساكين أكثر منهم مقاتلين، وجدوا أنفسهم في دوامة تتجاوزهم. في الثكنة المدمرة، يتظاهر حوالي 300 من السكان معبرين عن فرحتهم رافعين شعار» »لا شرقية، لا غربية فقط ليبية«« نفس الفرحة تبدو في كل مكان، على طول البلدات المتواجدة في الطريق بين طبرق الى بنغازي. كل المظاهرات رجالية بالخصوص وأغلب المتظاهرين من الشباب, الشعارات تتمنى صراحة الموت للقدافي الذي نال كل النعوت الحاقدة »»كفى من القتلى، كفى من الدم«« شعار كتب على إحدى اللافتات, في بلدة المرج، سارت المظاهرة على إيقاع الرصاص الملعلع في السماء. في درنة، البلدة الصغيرة بلدة الملك الراحل إدريس، الذي أطاح به القدافي، تبدو الفرحة أقل ظهوراً، رغم أن المدينة كانت من أول المدن التي »تحررت,« يقول ناصر، وهو رجل أعمال شاب قريب من المعارضة »خلال 48 ساعة، حسم الأمر، وقعت هناك معارك عنيفة خلفت حوالي 20 قتيلا. وكانت المدينة قد شهدت سنة 1996 انتفاضة، تم قمعها بعنف من طرف الجيش، خلفت أكثر من 100 قتيل والعديد من المختفين. على أطراف المدينة التي يحدها البحر تشاهد عدة مباني محروقة. بنايتان منها توجد بالقرب من الميناء، أحرقت حسب ناصر من طرف اللجان الثورية التي كانت في عهد القدافي تحكم المدينة بدون رادع. في طرف المدينة يوجد فندق الجوهرة الراقي، لم تطله المواجهات، ويقول أحد أطر الفندق،وهو تونسي أن »سكان الحي هم من حمى الفندق. صحبة 15 من مواطنيه، يأمل في مغادرة ليبيا في أسرع وقت, رغم أنه لا يحس بأنه مهدد مباشرة, »كل الناس مع الثورة، لانتخوف منهم، ولكننا نفضل الرحيل، لأنه مازال هناك أنصار القدافي، وهم اشرار، احترسوا منهم«. وحسب نفس المواطن التونسي. درنة توجد حاليا تحت »سيطرة الملتحين« وهو أمر ليس مفاجئا في حد ذاته، لأن المدينة معروف بكونها محافظة. ما يثير أيضا وفي كل المدن التي مررنا بها، والتي بدأ المواطنون يستعيدون ببطء أنشطتهم ويخرجون إلى الأزقة والشوارع،و حيث المتاجر ماتزال مغلقة، ما يثير هو حالة الفوضى والتخوف التي توجد عليها. ويبدو أن العائدات الضخمة من النفط الليبي لم تظهر آثرها على هذه المدينة التي لا توجد بها أزقة مرصفة والأزبال في كل مكان، باستثناء الشوارع الكبرى. نفس الإحساس عندما وصلنا الى بنغازي، المدينة الشهيدة التي تحررت خلال أربعة أيام, لكن الثمن كان غاليا، مئات القتلى، يقول أحد أطباء الصليب الأحمر، »ما جرى هنا ليس احتجاجات، إنها حرب حقيقية، يمكن أن تروا ذلك من خلال آثار الدمار الذي أصاب واجهات المباني، لقد استعملت حتى الرشاشات المضادة للطائرات لقصف المحتجين,« ويقول هذا الشاهد أنه لا يستطيع تقدير عدد الضحايا، إلا أن ما يؤكده هو أن »جميع مستودعات الموتى في مستشفى الجلاء مليئة بالجثث، وأن باقي مستشفيات المدينة معبأة بالكامل لاستقبال العديد من الجرحى، ونلاحظ أن القدافي أعلن علينا الحرب من خلال الطريقة التي هددنا بها في خطابه الأخير« ويبدو أن ما أثار غضب المواطنين هي الحملة التي وعد فيها الدكتاتور بالبحث عن الجردان والمرتزقة بيتا بيتا«. ويحكي الصيدلي, بعد ذلك توالت الأحداث, »في اليوم الأول نزلت حشود كبيرة إلى شارع جمال عبد الناصر، وتصدى لها الجنود بالرصاص. المجزرة بدأت حوالي الساعة الواحدة والربع ظهرا وانتهت حوالي الساعة الثالثة من صباح اليوم الموالي، الناس لم يكونوا مسلحين باستثناء البعض الذين كانوا يحملون أسلحة بيضاء. في اليوم الثاني عاد الناس للتظاهر حاملين موتاهم، وأطلق الجيش النار من جديد. في اليوم الثالث كانت هناك سيارات تجوب الشوارع وتطلق ا لنار عشوائيا على المواطنين، وهكذا قتل جاري رمضان, ويمكن رؤية إسمه مكتوبا في الجدران. في اليوم الرابع كان الغموض كليا, كان الرصاص يطلق في كل الاتجاهات وعادت السيارات تطلق النار في الشوارع والأزقة حتى في الأحياء البعيدة عن وسط المدينة وتجمعات المتظاهرين، في الواقع كانت هذه العملية من أجل تمكين الجنود والمرتزقة من الاختفاء خلال الليل. ودائما حسب نفس المصدر، شيئا فشيئا، اكتشف في التكنة الرئيسية بلحسن عشرات الجثث المتفحمة. هل هم من عناصر الجيش أم من المرتزقة؟ الجواب صعب، وربما تعلق الأمر بصراع بين قوات القمع. ومنذ ذلك الوقت لم يعد يظهر في المدينة لارجال الأمن ولا الشرطة. بنغازي التي يبلغ سكانها حوالي مليون نسمة، أصبحت حرة. سكانها أصبحوا أحرار أو على الأقل هذه هي الكلمة التي ترددها كل الألسن. عن ليبراسيون الفرنسية