فتور لفّ القمة العربية أمس، في دورتها ال 27 بنواكشوط . وبدا على وجوه المشاركين فيها، كما لو أنهم يستعجلون اختتامها، كي يغادروا موريتانيا، ويعودوا إلى بلدانهم، لا هربا من شدة قيْظ صيف العاصمة نواكشوط، التي تعد أبعد نقطة عن جل العواصم العربية، ولكن ليقين يجد صداه لدى العرب، قمة بعد قمة خلال العقدين الماضيين، بأن «دواء» المؤتمرات العربية، لا يعالج أبسط داء، بجسد الأمة الممتد من المحيط إلى الخليج ، بل بدا للكثيرين أن صلاحية أدوية الجامعة العربية، التي تلتئم تحت لوائها هذه القمة، انتهت، أو أن مصانع إنتاجها، لا تمتلك النجاعة، ولا الفعالية، لتحل مشكلا ،أو تصالح جيرانا ،أو توقف حروبا، أو تواجه احتلالا، وأساسا الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين. في جدول قمة نواكشوط، كما سابقاتها، هناك نفس النقط المسجلة .وفي مشروع البيان، الذي أعده وزراء الخارجية العرب، هناك نفس الفقرات والتعابير. وخطب الجلسة الافتتاحية ،صباح أمس، كان جلها بمثابة نسخ منقحة، تم إلقاؤها في قمم سابقة . هل هناك جديد في القمة ؟ نعم . هو تأكيدها أنها عجزت عن إيقاف شلالات الدم بأربع دول عربية هي: اليمن وليبيا والعراق و ...سوريا تتطاحن فيها على العموم ثلاثة أطراف : طرف يسعى لإحراق الأرض وآخر يهدف إلى إبادة البشر و ثالث، هدفه القضاء على الناس والأرض . ووراء كل طرف، ثمة عاصمة عربية تزوده بالمال والعتاد، وتغذي فصائله، بإمكانيات لوجيستيكية، تزيد التطاحن رعبا وفتكا . في نواكشوط، يجلس ممثلو هذه العواصم جنبا إلى جنب بالخيمة، التي وفرتها السلطات الموريتانية كفضاء لعقد القمة ،يرسمون على أوجههم ابتسامة نصر وهمي، أمام عدسات الكاميرا وآلات التصوير .وكل واحد منهم، يرى أن حل الاقتتال، الذي يضرب أكثر من نصف مساحة العالم العربي، يكمن في إبادة الطرف الآخر، وإهداء الحكم للطرف الذي يحتضنه ويموله ... القمم العربية اليوم، شأنها شأن الجامعة العربية، التي تأسست منتصفَ أربعينيات القرن الماضي . «بناء» يندثر يوما على صدر يوم. يعتري أسسه وأركانه بداية خراب، كدار مهملة لم يسع أصحابها إلى تجديدها . القمة والجامعة، كلتاهما لا تنتج اليوم، سوى الخطب والبيانات الباردة كجثث الموتى. وانعكس ذلك على الأجهزة المتفرعة عن هذه الجامعة التي تحاصرها قضايا البيروقراطية والتمويل ... قمة نواكشوط، التي كان فيها مستوى التمثيل منخفضا بشكل لم تعرفه القمم السابقة، ستنتج إعلانا، وتعبر عن مواقف، وتبرز بالبنط العريض عبارات الشجب والإدانة والمناشدة والدعوة للتضامن العربي وما إلى ذلك من الكلمات التي تفتتح بها الفقرات . لكن كل ذلك أصبح منذ زمن.. مجرد طلقات لا تزعج صوتا أو مدى أو حمولة ...وعسى أن تكون هذه القمة محطة تعيد فيها العواصم العربية النظر في العمل العربي المشترك وفي صناعة أدوية حقيقية لعلاج أمراض الأمة.