السقوط من الطابق الثالث ينهي حياة أم بطنجة    أمن البيضاء يحقق مع جزائريين وماليين على خلفية دهس بين 7 أشخاص بسيارات رباعية    ميناء طنجة المتوسط يقوي قدراته اللوجستية باستثمار 4 مليارات درهم    الدرهم يتراجع بنسبة 1,18 في المائة مقابل الدولار الأمريكي بين شهري شتنبر وأكتوبر (بنك المغرب)    وقفات تضامنية مع غزة ولبنان بعدد من مدن المملكة        عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    الدريوش يتلقى استدعاء لتمثيل هولندا    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    "جبهة نقابية" ترفض المس بالحق الدستوري في الإضراب وتستعد للاحتجاج    المغرب وفرنسا… إضاءة التاريخ لتحوّل جذري في الحاضر والمستقبل    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    وسيط المملكة يعلن عن نجاح تسوية طلبة الطب ويدعو لمواصلة الحوار الهادئ    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان        إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام والحداثة والتدين الجديد 03 : قراءة في كتاب: «إسلام السوق» لباتريك هايني

نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود يوم السبت 14 مايو ندوة قراءة في كتاب «إسلام السوق» لباتريك هايني، بصالون جدل الثقافي، الكائن بالمقر المركزي للمؤسسة بالرباط، شارك في هذه الندوة الأستاذان الباحثان في علم الاجتماع، عبد الهادي أعراب )جامعة المولى إسماعيل( ورشيد الجرموني)جامعة شعيب الدكالي).
هكذا قدم الاستاذ عبد الهادي أعراب ورقة حول الكتاب سجل فيها أن تناول «هايني » لما أسماه «إسلام السوق » يأتي في سياق انشغاله بالديناميات الدينية والهوياتية التي عرفها العالم العربي والإسلامي، بدءا من منتصف تسعينيات القرن المنصرم. ولاهتمامه تحديدا بتحولات الإسلاموية ومنعطفاتها الراهنة، نبّه إلى مسارات جديدة من تعايش الأسلمة والعولمة، ضد الطروحات الاستشراقية التي اعتبرت المجتمعات الإسلامية محكومة بنمط تدين ثابت وضد الخطاب الإعلامي الأجنبي والسياسات الغربية المرددة لذات المنظور المختزل لتعددية هذه المجتمعات المختلفة.
وعلى الرغم من أنه أكاديميا، عالم سياسة ومتأثر ب «أوليفييروا »، ويمثلان معا أطروحة فشل الإسلام السياسي وانحسار نموذج تدينه المنغلق؛ فقد وطّن مؤلفه ضمن سوسيولوجيا الدين عبر مقاربة زاوج فيها بين التحليل الاقتصادي والاجتماعي؛ متأثرا ب «ماكس فيبر » لمّا هو مزج بين الاقتصادي والديني لبلورة أخلاقيات اقتصادية، واستلهم من «بيير بورديو » نظريته في «الحقل » لتجسيد تقاطع «إسلام السوق » مع مؤسسات الحقل الاقتصادي وثقافة الشركات التي تغذي نماذج الخطاب الذي يستخدمه. ولتأطير هذا التدين الجديد، تبنّى منهجا وصفيا تحليليا عبر عدّة مفاهيمية تركيبية غنية، كما اعتمد لجمع بيانات بحثه، على استجوابات غير مباشرة، هي شهادات لنشطاء إسلاميين حول قضايا وإشكاليات دينية من خلال الموقع الإلكتروني «أون لاين ». وبملاحظته وتتبعه للممارسات الاجتماعية، متقمصا دور عالم الاجتماع، تنبّه للتحولات الاجتماعية الدقيقة التي مسّت العلامات والرموز والمفاهيم الدينية كالحشمة والعمل الخيري ونموذج الدعوة الجديدة وخطابها الإسلامي المنغمس في التجارة والمشاريع التنموية ونظريات المنجمنت.
أولا: السياق والخلفيات والدواعي والمنهج
يشكل كتاب «إسلام السوق » واحدا من الكتب المثيرة للجدل، لا من حيث المسمى ولا من حيث المعنى والمضمون الثاوي في الأطروحة / الكتاب. إذ أننا نعتبر أن هذا المؤلف، أرضية لفتح النقاش والحوار والجدل مع تيار عريض من حركات الاسلام السياسي ومن منتسبي ما يسمى في بعض الأدبيات «بالصحوة الاسلامية ». ذلك أن الكتاب يقدم رؤية نقدية مبنية على خلفية نظرية، وعلى عمل ميداني سوسيولوجي من خلال تتبعه لمختلف التحولات التي طرأت في رؤية حركات الاسلام السياسي، وللمنتسبين لها أو
المتعاطفين معها. سواء في البلاد العربية أو في البلاد الأوربية خصوصا فرنسا.
ويمكن اعتبار مجمل التحولات التي توقف عندها الباحث (هاني) معبرة بشكل او بآخر، عن صدمة الحداثة وما بعد الحداثة لهذه الحركات وللمشروع «الاسلامي » الذي تحمله، والذي كانت تدعي -هذه الحركات - انها أتت لكي «-تجنب » - مجتمعات العالمين العربي والاسلامي - مزالق التحديث والحداثة. فإذا بها تجد نفسها واقعة في شرك النيوليبرالية، وهذا ما يمكن تلمسه في وقوع شبه غياب للمرجعية 2 النظرية المؤطرة لميلاد حركات الاسلام السياسي، أو على الأقل وقوع تصدع في هذه المرجعية أو عدم الاجماع
حولها من طرف الأجيال الجديدة (أو كما يسميها الباحث هاني، بالاجيال الناقمة داخل حركات الاسلام السياسي).
1 وجبت الإشارة إلى أننا اعتمدنا في قراءتنا لهذا المؤلف، على الترجمة العربية، التي صدرت عن مركز نماء للبحوث والدراسات، (ترجمة، عمورية سلطاني، سلسة، ترجمات، العدد، 2، سنة، 2015، الرياض/ المملكة العربية السعودية، لبنان، بيروت).
2 إيريك هوبزباوم، «عصر التطرفات، القرن العشرون الوجيز، 1914 - 1991»، ترجمة فايز الصياغ، مؤسسة ترجمان، المنظمة العربية للترجمة، (بيروت)، 2011
يقدم الكتاب جملة من الأفكار النظرية والتفسيرية معززة بالعديد من الأمثلة التي تبين، إلى أي حد وقع انزياح في أسلوب التدين عند حركات الاسلام السياسي وعند العديد من الأجيال الشابة التي تقتنع بالاسلام كفكرة وبالقبول بمنتجات الحداثة بشكل أصبح نمط التدين يتماهى مع قيم السوق، وهو ما سنعرض له في هذه القراءة. يأتي كتاب «إسلام السوق »، في ظرفية سوسيوثقافية جد خاصة، حيث تبين أن مشروع الصحوة الاسلامية والحركات الاسلامية، قدفشل في تقديم نموذجها النقي للمجتمع وتحولها إلى مزيد من العلمنة وتقبل قيم السوق، كما يطرح ذلك كل من «أولف يروا » وجيل كبيل ». هذا على الرغم من أن ثورات الربيع العربي، أوصلت البعض منهم إلى السلطة، لكن ذلك لا يعني أنها نجحت في مشروعها الفكري والأيديولوجي والذي كانت ترفعه، تحت مسميات «أسلمة الدولة والمجتمع .» ما يميز هذا العمل، هو أنه جاء نتيجة متابعات مكثفة للمعيش اليومي لأنماط التدين والتصرف والسلوك، سواء للأفراد او الجماعات المنضوية في حركات الاسلام السياسي. وأيضا تحليل الخطاب المروج في
القنوات الفضائية، عبر ما يسمى في الأدبيات السوسيولوجية «بالدعاة الجدد ». وقد كان لا فتا للاهتمام، كيف فكك الباحث «هاني » بنية الخطاب الذي تتداوله الأدبيات الجديدة لأبناء حركات الاسلامي السياسي، من مفاهيم ورؤى وأفكار وتصورات، خصوصا ما تعلق منها بالانتقال من جدلية السياسي والديني إلى جدلية جديدة تجمع بين الدين والاقتصاد. أو من خلال التبني، - لأبناء حركات الاسلام السياسي-، الساذج لأدبيات التنمية البشرية و «المانجمينت » والقيم البروتستانتية، التي تمجد النجاح الفردي، وهي كلها قيم ومسلكيات سبق أن عرفتها المجتمعات الغربية خصوصا ذات التوجهات الدينية البروتستانتية. قبل أن نعرض لأهم ما جاء في هذا الكتاب الشيق والجدلي، يجمل بنا التوقف عند بعض المنطلقات النظرية التي أصبحت تؤطر وتشرط وضعنا الانساني عموما، حيث أن قيم الحداثة وما بعد الحداثة أصبحت توجه الجميع ولا تستثني أحدا، بل حتى الموروث الديني والتقليدي الذي لا زال مترسبا في الذهنية العربية والاسلامية، هو الآخر يتعرض للعديد من التحولات والتغيرات والانزياحات. فكيف يمكن أن نشرح ذلك؟ لا شك أن مجتمعاتنا اليوم تجد نفسها غارقة في النزعة الاستهلاكية، حيث الطقس الاستهلاكي المفرط لكل السلع والمنتوجات والقيم والرموز، أدى إلى بناء مجتمعات تنشد الخلاص الفردي وتبحث عن الربح بأي ثمن، وهو ما يضرب في العمق كل الايديولوجيات والفلسفات الكبرى التي كانت تؤطر المجتمع، وحلت محله قيم السوق بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وقد تولد عن هذه القيم الاستهلاكية، قيم جديدة تنحو نحو الفردنة والعزلة والغربة أحيانا، مما يقوض في العمق الروابط المجتمعية، الاسرة والقبيلة والحي وأشكال التجمع التي خلقتها حركات الاسلام السياسي، خصوصا في المدن التي يكثر فيها هذا النمط من العيش. وإذا أردنا ان نفهم جيدا طبيعة هذه القمي، فإن الباحث «لويك هولمان »، يشير، إلى «كون مجتمعات التحديث وما بعد التحديث لم تعد تستمد توجهاتها القيمية من الدين ومؤسساته، وإنما من الاستقلالية الفردية، فكل فرد أصبح هو المرشد الاخلاقي لنفسه، وبذلك تراجع التوجيه الاخلاقي الجماعي لصالح الاستقلال الفردي الذي أخذ يملي على الافراد اختياراتهم الخاصة واساليب حياتهم »1 . ولعل أهم ما ميز الثورة المعلوماتية الجديدة، هو الصعود القوي لمجتمع «الفرجة والتلذذ » وطلب النجومية، يقول «بودريار: «لقد وصلنا إلى النقطة التي يحيط فيها الاستهلاك بكل شيء، حيث تتسلل كل النشاطات طبقا لنمط تركيبي واحد، وحيث ترسم مسبقا لوحة الاشباعات ساعة فساعة، فالاستهلاك هو طقس »2 . ولهذا من خلال هذه الفكرة يمكن أن نفهم كيف وقع ذلك الصعود القوي للدعاة الجدد عبر الشاشات التلفزيونية وكيف بدأوا يشكلون «موضة » ديني في هذا الحقل الديني الشديد التعقيد والتركيب. وليس بخاف على أحد أن أهم ما يسم طبيعة المجتمع الشبكي، هو أن يصنع هويات جديدة، تعيش على وقع «مجتمع الانغماس في العوالم الافتراضية »، أو ما سماه أحد الباحثين الحياة الثانية ) .)seconde life في هذا الصدد يقول أحمد توفيق )وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية المغربي الحالي(: «يجد المدمن على الوعظ الالكتروني نفسه في حالة تشبه اليتم، تقوي الشعور بالغبن والعزلة وتدفع إلى تضخيم الأنا وإلى الاعلاء المتطرف للذات .»3 كل هذه الإفرازات التي برزت مع موجات الحداثة وما بعد الحداثة، كان لها بالغ التأثير على مجموع القيم والمسلكيات التي يتفاعل معها الانسان المعاصر، وهو ما تجلى بشكل كبير في الحقل الديني. لهذا فإن كتاب «إسلام السوق »، حاول أن يستدمج كل هذه المقولات، لقراءة واقع التحولات التي جرت في السنوات الاخيرة من القرن الفائت وبداية الألفية الثالثة. ثانيا: في الدلالات والخلفيات النظرية لمفهوم السوق الديني
-1 في الخلفيات النظرية لمفهوم السوق
لم يكن «باتريك هاني » هو الوحيد الذي استعمل مفهوم «السوق » في دراسته عن الاسلام، وعلى مجمل التحولات التي اعترت المشهد الديني الاسلامي، بل إن المفهوم يجد له تراثا نظريا يستمد أصوله من الحقل الاقتصادي ما هو معلوم، لكن تم توظيفه في إطار نظري أوسع، أو كنموذج تفسيري صالح للدراسة والتحليل. وهو ما نجده مثلا عند الباحث «اولف يروا » الذي رصد في كتابه «الجهل المقدس »1 ، الخلفيات النظرية التي تساعدنا على فهم مختلف التحولات التي عرفها الدين والتدين في عالمنا المعاصر، إذ يعتبر أن هناك نظريتان تؤطران الحديث عن هذا الموضوع وهما:
أ- نظرية التثاقف ) )Acculturation
ب- نظرية السوق
بالنسبة للنظرية الاولى، فهي ليست جديدة داخل التراث الانثروبولوجي، بل تقوم هذه النظرية على فكرة أن التأثير في التحولات الدينية أو غيرها، تقتضي أن هناك نموذجا مسيطرا هو يتم الاحتذاء به، وقد يكون سياسيا أو فكريا أو إديولوجيا، وهو - أي هذا النموذج -، يتم استبطانه من طرف المغلوب الذي يخضع لسيطرة الطرف القوي. أو كما كان يقول سابقا «ابن خلدون » أن المغلوب مولع بتقليد الغالب ». وهذه الفكرة تصدق على عمليات التثاقف التي تحصل في عالمنا المعولم، والتي لم تستثن أي حقل من الحقول، بما فيها أقدس الحقول وهو الدين. «ونظرية التثاقف تقتضي أن هناك ثقافة دينية مهيمنة تؤثر على الطرف المسيطر عليه ) dominé (، وهذا ما يؤدي إلى وجود حالة من التدين «الهجين » و «التلفيقي ». ولعل أطروحة الكتاب «إسلام السوق » تتبنى وتدافع عن هذا الطرح من خلال تتبع كيف وقع تحول هام في المشهد الديني عند المسلمين من اختراق ثقافة السوق للمقدس الديني وذلك عبر العديد من المجالات الحياتية. ورغم أن الباحث «روا » قلل من قيمة هذه النظرية، لأنها تتجاهل الديناميات الداخلية التي تتمتع بها، كل ثقافة ديني على حدة. وأيضا لاننا لا نجد أنفسنا أمام استيلاب كلي للمغلوب لثقافة الغالب. إذ بقدر ما نتحدث عن تمازج هجين بين الثقافات، فإننا نجد أن أغلب الشعوب، تعيش نوعا من التلون الاستراتجي »، الذي يعكس ذكاء هذا الشعب المغلوب، أو ذاك، في استيعاب ثقافة الغالب بطريقته الخاصة.
-2 نظرية السوق: استدمج مفهوم السوق من الحق الاقتصادي ليندلق للحقل الديني، عن طريق العولمة التي خلقت موجة من التدفقات الكثيرة في عالم الرموز والافكار والقيم والدين وجعلت كل ذلك في متناول الفرد » وهذه النظرية على خلاف النظرية الأولى، تستلهم بوعي أو بدونه الخلفية النيوماركسية خصوصا عندما تتحدث عن الاستلاب والاستغراب، والتي كان تنظر للدين باعتباره هيمنة وهيمنة مضادة. لكن نظرية السوق تستلهم بشكل آخر نظرية النيولبرالية ». ولهذا فالتساؤل المهم الذي طرحه «روا » يتجلى في كيفية اشتغال السوق الديني؟ ما هي الوسائل التي يتعمد عليها؟ وقبل ذلك وبعده، ما هي الخلفيات الفلسفية التي تعتمل في هذا السياق؟ للاجابة يقدم الباحث المتخصص في الحركات الاسلامية، الفصل بين السجل الديني والسجل الثقافي، وكذا سقوط الهيمنة الاجتماعية والمؤسساتية التي كانت من قبل. إنها نوع من العلمنة الصامتة التي تفعل فعلها في التأثير في إسلام السوق، حيث لا تعني العلمنة تهميش الدين كما هو سائد في الحس المشترك، ولكن عبر إزالة الحمولة الثقافية من الدين، وجعل منتجات هذا الاخير مستقلة بل محايدة وبدون هوية «ما سماه الباحث باتريك «بالسيولة .»
-2 حول المفهوم: ما ذا يعني إسلام السوق حسب «باتريك هاني ؟»
يقول «هاني » عن هذا المفهوم، «إنه مزيج من النزعة الفردانية المتعولمة ونزع للقداسة عن الالتزام التنظيمي بما يتضمنه ذلك من التخلي عن الشعارات الكبرى التي كانت تدعو إلى أن الاسلام هو الحل، وإعادة النظر في فكرة شمولية الاسلام لكل مناحي الحياة ». إذا كانت قيم ما بعد الحداثة تتحدث عن موت الحقائق الكبرى، ومن بينها موت السياسية، فإن «إسلام السوق »، سعني في بعض تجلياته البارزة، التخلي عن الربط بين السياسية والدين والهوية، إلى موجة جديدة من التدين تربط بشكل تفاعلي بين قيم السوق/ الاقتصاد والدين. ولهذا فما يميز «إسلام السوق » هو كونه ليس «حركة مؤسسة على حزب أو تنظيم ولا تيارا أيديولوجيا كالسلفية، أو سياسيا كالإسلام السياسي، ولا يمثل مدرسة في الفكر الديني ». إسلام السوق حالة أو توجه قادر على التوطن والتأثير في كل حقائق الاسلام المعاصر. هذا التوجه يمكن أن يتجلى في بعض أنماط الحياة، وأشكال معينة من الدعوة، وحركية فكرية جديدة. ويمكن ان نلاحظ إسلام السوق لدى السلفيين والاخوان والصوفية. ويمكن أن نعتبر إسلام السوق في بعض المنتجات الهوياتيه )حجاب البحر، الاغنية الاسلامية، ...(. وهذا يعني أن إسلام السوق يؤشر على وقوع تصدعات في العقل الباطن لحركات الاسلام السياسي، ولمنتسبيه، حيث يبرز نوع من التدين، يبدو كحالة احتجاج داخلية هادئة على بعض النماذج الاساسية في الصحوة الاسلامية المعاصرة، بدء بفكرة الشمولية.
ثالثا: مورفولوجية الكتاب/ الأطروحة
إذا ما أردنا أن نلخص أهم الأفكار التي يناقشها الكتاب، فيمكن الإشارة إلى أربعة عناصر أساسية:
أولا: يدافع الكتاب عن تبلور حالة ملموسة من التدين الفردي، تتجاوز مرحلة الاسلاموية)الفصل الأول).
ثانيا: الانتقال من التفاعل بين ما هو ديني وسياسي، إلى ما هو ديني واقتصادي، أوما سماه الكاتب ب (لاهوت النجاح)، (الفصل الثاني).
ثالثا: التماهي مع قيم «المانجمينت » داخل تنظيمات حركات الاسلام السياسي الكلاسيكية، أو حتى المحدثة حديثا، حيث أصبحت هي العملة الرائجة في هذه الأوساط، مما دفع الكاتب إلى استخلاص علاقة تثاقف غير واعية بين القيم الأمريكية في الاقتصاد وأشكال التدين الحديثة في التنظيمات الاسلاموية المنتشرة هنا وهناك. (الفصل الثالث)
رابعا: من التشدد في إبراز الطابع السياسي الديني لحركات الاسلام السياسي، إلى تبني القيم المحافظة الأمريكية في التسويغ لفكرة الدولة غير المتدخلة في الشؤون الاجتماعية، مما يعطي الانطباع أننا أمام نموذج جديد من الدول لا يمت بصلة بينه وبين شكل الدولة في السابق. كل ذلك دفع الباحث «هاني » إلى استخلاص أهم فكرة في التحول الذي طرأ في نوعية الحراك الإسلاموي، من التخلي عن فكرة الدولة الحامية إلى الدولة المنسحبة. وهذا ما يزكي طبيعة التقارب الذي حصل ويحصل بين الاسلاميين والقياداتالأمريكية في الآونة الأخيرة. )الفصل الرابع والأخير).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.