طرح المغرب قضية الصحراء على قادة البلدان الافريقية، الذين عقدوا أول اجتماع لهم بالدار البيضاء سنة 1960 .كان من بين الحاضرين رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة إذ ذاك السيد فرحات عباس. ثم تم وضع القضية أمام منظمة الوحدة الافريقية سنة 1963 حين عبر عن تحفظه إزاء التنصيص في ميثاق المنظمة على احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار. وفي سنة 1964 طرح مطلبه على أنظار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرت يوم 16 دجنبر 1965 مقررا يطلب «بإلحاح من الحكومة الاسبانية اتخاذ التدابير المستعجلة لتحرير منطقة ايفني والصحراء »الغربية».» وطلبت منها كذلك »فتح مفاوضات حول مشكل السيادة على هذين الترابين». وواصلت الاممالمتحدة استصدار مقررات متشابهة من سنة 1965 إلى سنة 1974. غير أن الحكومة الاسبانية تجاهلت مقررات الاممالمتحدة واستمرت تنازع في سيادة المغرب على صحرائه مدعية بأن أرض الصحراء أرض خلاء، بينما كان المغرب يشدد على ضرورة تطبيق القرار (1514) الداعي إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير واحترام الوحدة الترابية للأقطار. صحيح أن حكومة فرانكو تنازلت سنة 1969 فسلمت للمغرب منطقة سيدي ايفني، ولكنها بقيت متشبثة بالصحراء الغربية (الساقية الحمراء ووادي الذهب) وابتداء من سنة 1973 أخذت حكومة فرانكو تفكر في صيغة جديدة تقطع الطريق على المغرب. فأعلنت عن نيتها في خلق كيان مصطنع تابع لها في الصحراء الغربية وبدأت الاجراءات العملية في هذا الاتجاه: إحصاء السكان. خلق منظمات سياسية تابعة لها. الدخول في حوار مع الجزائر لمساعدتها على تنفيذ مخططها، وذلك بصنع حركات تطلق عليها اسم حركات التحرير. وفي هذه السنة أي سنة 1973 خرب الجفاف مناطق شاسعة من مناطق الساحل الافريقي، الشيء الذي دفع بالعديد من السكان إلى الهجرة، وتم تجميع هؤلاء المهاجرين في تندوف منهم 3000 نسمة من قبائل الطوارق نزحوا من مالي، وكانت الحكومة المالية تسعى إلى التفاوض من أجل ارجاعهم إلى بلادهم، ولكن حكومة الراحل هواري بومدين الجزائرية رفضت ذلك، فشكلت في تندوف النواة الأولى التي تولد عنها ما يسمى ب »البوليزاريو».كانت الحكومة الجزائرية تسلك في ذلك الوقت سياستين:سياسة سرية تنفذها مع حكومة فرانكو الاسبانية ،وسياسة علنية تحاول بها ايهام الشعب المغربي أنها لن تقوم بأي عمل من شأنه عرقلة نضاله من أجل استرجاع صحرائه. وفي هذا الاطار، كان تصريح الرئيس الراحل هواري بومدين في مؤتمر القمة العربية المنعقد في الرباط، حيث قال بأن مشكلة »تصفية الاستعمار من الصحراء»، تهم المغرب وموريتانيا، وانه متفق تمام الاتفاق مع أي تفاهم يحصل بين الرباط ونواكشوط، وان كل ما يهمه، هو أمن بلاده إذا ما اندلعت حرب بين المغرب واسبانيا. لكن تبين بعد ذلك، أن الحكومة الجزائرية كانت تعول على الخلافات بين المغرب وموريتانيا، لإنجاح مخططها. وتجلى هذا بالخصوص، عندما اتفق المغرب مع موريتانيا على عرض»قضية الصحراء» على أنظار محكمة العدل الدولية سنة 1974. وشكل الاتفاق المغربي- الموريتاني اول ضربة للسياسة الجزائرية وارغمها على فضح اوراقها، فجهرت بموقفها المساند لحكومة فرانكو، ودافعت عن أطروحات اسبانيا الاستعمارية، سواء أمام الأممالمتحدة أو أمام محكمة العدل الدولية. وعندما أصدرت محكمة العدل الدولية، خلاصات دراستها وتوصياتها، التي أقر فيها بأن الصحراء المغربية ليست أرضا خلاء، وان سكانها تربطهم بالمغرب روابط البيعة، هذه الروابط التي كانت تشكل في الماضي مظاهر السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، توالت الاجتماعات السرية بين حكام الجزائر وحكام اسبانيا للاسراع في تنفيذ مخطط فصل الصحراء عن المغرب. أمام هذا الحلف المعادي لمطامح المغرب المشروعة، وأمام الخوف من حصول الأمر الواقع، بسبب تعنت فرانكو، ومساندة الجزائر له، لم ينفع المغرب إلا العودة إلى النضال الشعبي لتحرير أرضه. فتعبأت الجماهير الشعبية، وفاء لتقاليدها التاريخية. وجاءت المسيرة الخضراء، كصيغة جديدة، من صيغ النضال الشعبي التحريري. وكان لعودة المغرب إلى نهج النضال الشعبي، بتعبئة جماهيره وإدماجها في المعركة مباشرة، مفعول حاسم في سير الأمور وتطورها بالنسبة لقضية تحرير الصحراء المغربية من الاستعمار. وتجلى ذلك بالخصوص في: 1- رضوخ حكومة فرانكو، الذي كان على فراش الموت، وقبولها التفاوض مع المغرب، من أجل تصفية الاستعمار في الأقاليم الصحراوية، هذه المفاوضات التي أسفرت عن اتفاقية مدريد. وقد ...روعيت في المفاوضات المغربية- الاسبانية، وفي اتفاقية مدريد التي استرجع بموجبها المغرب سيادته على صحرائه، كل الشروط المطلوبة والمنصوص عليها في العهود والمواثيق الدولية وفي مقررات الاممالمتحدة حول هذا الموضوع. ويجدر التذكير في هذا الصدد أن الجمعية العامة للأمم المتحدة صادقت على مقرر يتبنى هذه الاتفاقية، وبذلك أصبحت تحظى بالمشروعية الدولية. 2 - إفشال سياسة حكومة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين التي كانت تعتمد في استراتيجيتها المعادية لوحدتنا الترابية على التنسيق والتحالف مع الحكومة الاسبانية. ولما انهار تصلب الاستعمار الفرنكاوي امام مسيرة التحرير الشعبية التي شارك فيها 350 ألف مواطن ومواطنة مدعمين شعب معبأ بأكمله، وجدت الجزائرنفسها وحيدة، وسقط من يدها أهم سلاح اعتمدت عليه، وهو التحالف مع اسبانيا الفرنكاوية. وكانت هذه هي ثاني هزيمة للمخطط الجزائري بعد الهزيمة الأولى المتمثلة في تجاوز المغرب وموريتانيا خلافاتهما وتوحيدهما لموقفهما. 3 - اثارة انتباه واهتمام الرأي العام الدولي، بكيفية ساطعة إلى تمسك المغرب الشديد بمغربية أقاليمه الجنوبية تمسكا لا يقبل أي مساومة أو تنازل، وبالتالي تصميمه على بذل جميع التضحيات في سبيل استرجاع جزء من ترابه أراد الاستعمار اقتطاعه منه. 4 - خلق ديناميكية تعبوية رائعة كان بإمكانها لو وظفت توظيفا جيدا من أجل بناء ديمقراطي صحيح ومن أجل تحرير اقتصادي، أن تدفع بمسلسل تطور المغرب وتنميته أشواطا بعيدة إلى الأمام. 5 - ظهور المغرب موحد الصفوف والكلمة أمام الخطر الاجنبي، بين الخصوم والاصدقاء ان التناقضات الطبقية يتم تجميدها عندما يتطلب الأمر الدفاع عن سيادة البلاد ووحدتها الترابية والوطنية. 6 - بروز الجماهير الشعبية من طبقة عاملة وفئات محرومة في طليعة المعركة، سواء على مستوى التجنيد والتعبئة والتسابق إلى المواقع الأمامية أو على مستوى المساهمة المادية والمعنوية. تناقضات الخصوم في غمرة فشلها وارتباكها، لجأت حكومة الجزائر إلى تنصيب جمهورية وهمية سمتها الجمهورية الصحراوية. أي أن حكومة الجزائر أعلنت عن قيام دولة. فأصبح لديها كيانان: حركة انفصالية أطلقت عليها اسم حركة تحرير (البوليساريو) ودولة بحكومتها (الجمهورية الصحراوية) . وفي نفس الوقت رفضت الجزائر مطلب إعطاء حق تقرير المصير لما اسمته بالشعب الصحراوي. أي أصبح هناك حركة تحرير و «دولة» بحكومتها. اسمان لمسمى واحد. وأضافت إلى هذا مطلب حق تقرير المصير، وطرحت بهذا عدة إشكاليات جديدة وتناقضات. فمن يمثل ما تسميه حكومة الجزائر «ب»الشعب الصحراوي»» «»حركة التحرير»» تحت اسم البوليساريو؟ ام دولة «الجمهورية الصحراوية» فاذا كانت هناك دولة قائمة، فهذا يعني ان مسألة تقرير المصير تصبح متجاوزة ولم تعد مطروحة، ثم وضعت الحكومة الجزائرية على المنظمات الدولية إشكالية قانونية أخرى لم يسبق له مثيل. وهي الاعتراف بكيان مزعوم (الجمهورية الصحراوية) ولا يتوفر على أي شرط من الشروط الواجب توفرها- حسب القانون الدولي - بصفته دولة قائمة. المثال الثاني: قضية «تقرير المصير» عندما كان المغرب يطالب بتطبيقه قبل سنة 1974 كانت الجزائر تتجاهله وتسعى إلى انشاء كيان مصطنع في الصحراء بتحالف مع الاستعمار الفرنكاوي. وعندما قرر المغرب الاستغناء عن هذا المطلب نظرا لتمكنه من تحرير أراضيه بوسائل مشروعة ومعترف بها، وعلى رأسها النضال الشعبي المجسم في المسيرة الخضراء، قامت الحكومة الجزائرية لتتبناه بغرض مضايقة المغرب، ووضعه في موقف ضعف أمام المحافل الدولية. مخطط جديد.. ولما قدم المغرب تنازله الكبير في القمة الافريقية الثامن عشر في نايروبي بقبوله تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء. حفاظا على بقاء الوحدة الافريقية واستمراريتها، شرع خصوم المغرب، لما تبينوا انه حتى هذا التنازل وتطبيق تقرير المصير لن يفيدهم، ولم يعد يصلح كسلاح ضد المغرب، وأن مشروعهم لفرض كيان مصطنع لن يفلح ،بفضل الانتصارات العسكرية، والاجماع الوطني، وتمسك سكان الصحراء بمغربيتهم) شرعوا في نسخ مخطط جديد، حيث أدخلوا عنصرا آخر في المعركة، وهو حكاية التفاوض المباشر مع الانفصاليين، وحاولوا ويحاولون الآن فرض هذا المشكل المصطنع الذي هو في الحقيقة تنكر لمبدأ تقرير المصير، الغرض منه هو انتزاع الشرعية لجماعة الانفصاليين، وجعل المغرب يزكي هذه الشرعية في حالة التفاوض معهم. وهذا الاسلوب الذي نهجته الحكومة الجزائرية، أدى بها إلى التنكر لمقررات منظمة الوحدة الافريقية، والزج بهذه المنظمة في ما يمكن أن يفجرها. ذلك أن الجزائر عندما أحست أن البساط،تم سحبه من تحت قدميها، بقبول المغرب، تنظيم استفتاء لتقرير المصير في مؤتمر نيروبي سنة 1981 ،عملت على تجاوز لجنة المتابعة الافريقية، وزجت بالمنظمة الافريقية في أزمة شلت حركتها، وحالت دون انعقاد مؤتمر القمة التاسع عشر مرتين، وكادت تقضي عليها نهائيا. مؤتمر الخرطوم.. وبداية مسلسل التراجعات وتعتبر التنازلات التي قبلتها الحكومة المغربية في مؤتمر القمة الخامس عشر المنعقد في الخرطوم عاصمة السودان، بداية مسلسل استصدار مقررات منافية لموقف المغرب ولمصالحه من طرف الأممالمتحدة ومجموعة عدم الانحياز ومنظمة الوحدة الافريقية. إذ أن هذا المؤتمر الذي خرج بمقرر ينص على »حق «تقرير المصير»» وعلى »الشعب الصحراوي» وعلى إنشاء لجنة للحكماء، عهد إليها بحث »قضية الصحراء» وعقد مؤتمر قمة استثنائي لبناء الوحدة الافريقية.