وفر اليوم الدراسي حول المناخ و قضايا البيئة ، مادة معرفية متكاملة حول الإشكال الإيكولوجي في ارتباطاته الكونية المتعلقة بالرهانات و الإكراهات الناتجة عن الاستغلال غير المسؤول للموارد الطبيعية في ظل هيمنة الليبرالية المتوحشة التي رهنت مستقبل الإنسانية بمظاهر التدهور الإيكولوجي التي تشكل مسا مباشرا بمختلف الحقوق الإنسانية . من الكوب 7 إلى الكوب 22 في كلمته الترحيبية أكد عبد الحق عندليب الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي بمراكش أن المدينة الحمراء حظيت سنة 2001 بشرف استضافة الدورة السابعة لمؤتمر الأطراف، حيث ترأس أشغالها آنذاك وزير إعداد التراب الوطني والبيئة في عهد حكومة التناوب ونائب الكاتب الأول للحزب محمد اليازغي، فكانت من بين مهامها إقناع عدد من الدول المصنعة بالمصادقة على اتفاقية كيوطو. وأضاف قائلا « اليوم إذ تستعد مراكش لاستقبال الدورة 22 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة حول التغيرات المناخية «COP22»، فإن أكبر تحد يواجه هذا المؤتمر الدولي الهام يتجلى في وضع استراتيجية واضحة وتدابير إجرائية ملموسة للعمل على الحد من ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بل وتخفيضها بمقدار اثنين درجة سلسيوس في أفق 2100، وهي واحدة من أهم التوصيات الصادرة عن الدورة الواحدة والعشرين المنعقدة بباريس بين 30 نونبر و12 دجنبر من السنة الماضية.» وفي إشارة إلى أهمية هذا اليوم الدراسي الذي تنظمه اللجنة الوطنية للبيئة والشبيبة الاتحادية بشراكة مع الكتابة الإقليمية للحزب بمراكش، تحت الإشراف الفعلي للكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر، أوضح عندليب أن اللقاء سيمكن من إدراك حجم التحديات التي يواجهها كوكبنا، خاصة ما يرتبط بالتغيرات السلبية للمناخ وما يترتب عن ذلك من مخاطر على مستقبل الحياة على وجه الأرض. مضيفا أن هذا الملتقى مكن من الاستعداد الجيد لاستقبال ممثلي الأحزاب الاشتراكية عبر العالم لعقد اجتماع تنسيقي بمدينة مراكش سيتشرف حزبنا برئاسته وذلك قبل موعد انعقاد مؤتمر الكوب 22، هذا الاجتماع التنسيقي الذي ستسعى الأحزاب الاشتراكية من خلاله إلى بلورة التصورات المشتركة وخطة العمل الكفيلة بالدفاع عن مقاربة الاشتراكيين في حماية كوكب الأرض من الانعكاسات والتداعيات السلبية لانبعاث الغازات الحبيسة بسبب غياب البعد البيئي في السياسات التنموية لعدد من دول العالم، لاسيما الدول العظمى. وخلص عندليب إلى أن رهان كل المدافعين عن بيئة سليمة كحق أساسي من حقوق الإنسان، رهان قوي من أجل تحقيق كل الأهداف التي رسمتها الاتفاقية الدولية حول التغيرات المناخية والتي عملت كل الدورات السابقة لمؤتمر الأطراف، منذ مؤتمر ستوكهولم سنة 1972 على ترجمتها على أرض الواقع من خلال إصدار العديد من التوصيات. البيئة همّ اتحادي «إننا نعتبر أن المبادئ الأساسية للاشتراكية الديمقراطية كالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والخدمة العمومية والدور الضابط للدولة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كلها تتقاطع وتتكامل مع التوجهات الرامية إلى حماية البيئة وفي مقدمتها التنمية المستدامة والتكنولوجيات النظيفة وحماية التنوع البيولوجي وخفض انبعاث الغازات السامة والعدالة المناخية « ذلك ما أكده الطاهر أبو زيد في الكلمة التي ألقاها باسم اللجنة المنظمة لهذا اليوم الدراسي ، مضيفا أنه انطلاقا من الهوية السياسية للاتحاد الاشتراكي ومن رصيد عطائه فإن من صميم مهامه النضالية اليوم العمل على ترصيد هذه التجربة الرائدة التي أسستها حكومة التناوب في مجال حماية البيئة ، مع الحرص على إعادة قراءتها واستخلاص ما يلزم من دروسها في إطار استئناف التفكير حول التحديات البيئية الكبرى التي تواجه بلادنا . واعتبر الطاهر أبو زيد أن تشكيل لجنة البيئة وتنظيم هذه الندوة الوطنية حول التغيرات المناخية ليس مجرد اندفاعة حماسية عابرة أو مجرد تعبئة تنظيمية أملتها اعتبارات ظرفية،إن الأمر في الحقيقة يتعلق بالانخراط في سيرورة نضالية هي من صميم هويتنا كحزب اشتراكي ديمقراطي، ويتعلق بتجديد التعاقد مع الشعب المغربي حول البعد البيئي في مشروعنا المجتمعي، ويتعلق باستعادة المبادرة في القضايا الاستراتيجية لبلادنا، وفي مقدمتها محاربة الهشاشة والحفاظ على الموارد الطبيعية وإرساء العدالة المناخية. وقال الطاهر أبو زيد «إننا نستطيع الجزم بكل تواضع أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو من أكثر الأحزاب المغربية الجادة حساسية لقضايا البيئة، وهو في مقدمة القوى السياسية الوطنية التي لها وعي عميق بالإشكالية البيئة في بلادنا وبمخاطر التغيرات المناخية على منظومتنا الايكولوجية.» وأشار إلى مشاركة الخبراء الاتحاديين من موقعهم الحزبي في تنشيط عدة منتديات بيئية في إطار الأممية الاشتراكية، ومساهماتهم كنشطاء جمعويين في تنظيم عدة ملتقيات دولية في إطار منظمات غير حكومية، كما ساهموا من موقع مسؤولياتهم في تدبير الشأن المحلي في الاضطلاع بإنجاز العديد من المشاريع البيئية وتوفير كثير من الخدمات العمومية النظيفة لفائدة الساكنة. وقال في هذا الصدد «لعل الكثير من المتتبعين للشأن البيئي ببلادنا يتذكرون أن الاتحاد الاشتراكي أشرف في إطار حكومة التناوب وما بعدها على تدبير قطاع البيئة، وكانت لهذه الحكومة بقيادة الاتحاد الاشتراكي، الشجاعة في اتخاذ المبادرة من أجل تنظيم الدورة السابعة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة للتغيرات المناخية هنا في مراكش، وضمن ظروف صعبة محفوفة بالمخاطر،ولعل الفاعلين الحكوميين والبرلمانيين لا ينسون أن المبادرات التشريعية الرائدة في الحفاظ على البيئة ومحاربة التلوث وحماية الشواطئ كانت مبادرات اتحادية بالأساس ونابعة من صميم البرنامج الاتحادي ومن صلب القناعات الاتحادية، ونحن لا يمكن إلا أن نعتز اليوم بالمشاركة في هذه الندوة من طرف بعض الإخوة الذين عاشوا هذه الفترة وساهموا في صنعها من داخل موقع المسؤولية في قطاع البيئة.» الإيكولوجيا السياسية وأسئلة النزعة الإنسانية ما مدى توافق الإيكولوجيا السياسية مع النزعة الإنسانية ؟ وما مدى تطابقها مع الاشتراكية؟ شكل هذان السؤالان مدار مداخلة الأستاذ محمد بن عبد القادر الذي أكد أن الإيكولوجيا السياسية تحيل على مبدأ يقتضي الوعي بأن كل قرار سياسي لابد أن يأخذ في الاعتبار الأثر البيئي سواء كان طبيعيا أو اجتماعيا ، مباشرا أو غير مباشر . ومن ثمة أضحت الإيكولوجيا السياسية تحيل على مشكل حضاري مرتبط بانعكاسات النشاط البشري على المحيط الحيوي . ولاحظ المتدخل أن الاختلالات البيئية تؤدي إلى عالم تحكمه فوارق مذهلة ، ترتكز إلى مسلمة تتمثل في كون الصراع حول الموارد الطاقية التي ستصبح مكلفة ، سيكون على حساب الفئات الهشة والأكثر فقرا . ففي السنوات الأخيرة تراكمت الآثار المدمرة للبيرالية المتوحشة، وكذا عجز السياسة عن إيقاف نزيف الموارد الطبيعية . وتساءل إن كانت الإيكولوجية السياسية بديلا عن كل العروض السياسية المتاحة في عصرنا ؟ وفي معرض إجابته أوضح أن هذا التيار يقوم على مبدأين ؛ أولهما يقول إن هناك أزمة بيئية تستدعي التعبئة المستعجلة . والثاني يؤكد أن الإنقاذ لا يمكن أن يكون إلا من خلال شبكات التضامن ، لأن الإشكالات البيئية عابرة للحدود . ليلاحظ أن قضايا البيئة ليست بهذه البساطة ، بل هي بالغة التعقيد، وأن هذا النزوع أدى إلى بروز الإيكولوجيا المتطرفة. وأوضح قائلا «يبدو أن هاجس حماية الطبيعة هاجس مشروع غير أن هذا الطرح المتطرف داخل الإيكولوجيا السياسية أفضى إلى نزعة كارثية ، حولت البشر إلى أطفال يتم تخويفهم ، وانتعشت معها ثقافة كره العلم ورفض التقدم..» ودعا بن عبد القادر إلى القيام بتأصيل نسقي للإيكولوجيا السياسية ، إذ هناك تياران متعارضان : إيكولوجيا مضادة للنزعة الإنسانية ، وإيكولوجيا متصالحة مع هذه النزعة . موضحا أن الانحرافات المضادة للإنسانية أججت حالة من الخوف من كل شيء ( من اللحوم والتقنيات والهاتف والسرعة ..) معتمدة في ذلك ما سمي بالتوليد الخوفي . تراجعات قمة باريس أكد مولاي أحمد العراقي أن قيمة النضال في الحياة تتجلى في النضال البيئي مشددا على أن الموضوع الحضاري الذي يظل حاضرا في صلب النزاعات والصراعات والتحالفات هو البيئة. كاتب الدولة في البيئة على عهد حكومة التناوب الذي أكد أن الأخلاقيات البيئية ليست أخلاقيات رد الفعل وإنما أخلاقيات استباقية ، شدد على ضرورة تحمل مسؤولية الاختيارات المخصصة للمستقبل ، مشيرا إلى أن الملف البيئي ظل مستغلا بشكل ملتبس من طرف البعض مما يستوجب تحملا للمسؤولية وقدرة أكبر على النقد الذاتي. وانتقد العراقي بشدة ضبابية موقف بعض التيارات السياسية بخصوص الإشكال البيئي ، وتعنت اللبرالية المتوحشة التي لا ترغب في أن يشكل أي اتفاق حول التغيرات المناخية مسا بمصالحها على حساب الصالح العام الإنساني . وفي سياق تحليله لتعارض المدرسة الايكولوجية العميقة والمدرسة الايكولوجية المتمركزة ، نبه العراقي إلى أنه لا يمكن أن نتجاوز في التنمية ما لا تستطيع البيئة تحمله ، حيث لا يمكن للتنمية إلا أن تكون وفق مسلسل مضبوط. ، منتقدا الوضعية التي أضحى فيها العالم لا يعترف بالتنمية إلا إذا كانت من منظور غربي . ومن خلال استعادته لأجواء تنظيم الكوب 7 سنة 2001 بمراكش في عهد حكومة التناوب ، ومقارنة الرهانات والانتظارات التي كانت معقودة عليه ، وما تحقق فعليا ، عمد العراقي إلى مقارنة ما تحقق سنة 1997 في مؤتمر كيوطو بما تمخض عن قمة باريس الأخيرة ، ليخلص إلى أن قمة باريس شكلت تراجعا بالمقارنة مع كيوطو التي تقرر فيها تخفيض الانبعاثات الغازية الدفيئة بنسبة 5 بالمئة ، التي عادت لترتفع بعد الأزمة المالية لسنة 2008 ب37 بالمئة ، بسبب ضغط الدول العظمى ليبقى المواطن هو الضحية الكبرى لذلك . العدالة المناخية و أسئلة مابعد الكوب 22 أكد كمال لحبيب عن الائتلاف المغربي من أجل العدالة المناخية أن سنة 2000 شكلت منطلقا للاشتغال في إطار الحركات الاجتماعية والحقوق السياسية والمدنية مع إغفال الحقوق البيئية. وأشار إلى أن المقاربة التقنوقراطية للإشكالات البيئية تشكل عناصر تقنية لم نستطع استيعابها. وأضاف أن التفكير في نسف هذه الحقوق تبدأ من الانطلاق من كون الثغرات المناخية لا تخص الطبيعة وحدها ولكن للإنسان دور كذلك. وتساءل كمال الحبيب عن معنى التغير المناخي؟ ومن المسؤول عن هذه التغيرات؟ وما علاقة التقلبات المناخية بالفوارق الاجتماعية؟ كما تساءل أيضا عن البدائل لذلك، وهل الرأسمالية بإمكانها تقديم بدائل لما يقع بالكرة الأرضية؟ وفي معرض حديثه عن العدالة ، حدد لحبيب العدالة في ثلاثة أصناف : العدالة التبادلية والتوزيعية وعدالة المصالحة. الأولى فصلها في كون القوى العظمى لا تقبل بمنطق العدالة في إطار الاتفاقيات ،وبالتالي علاقتنا بالولايات المتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي تفرض علينا منطقا مغايرا والتناقض البين هو ما عشناه مؤخرا بين حملة « زيرو ميكا» واستقبال باخرة محملة بأطنان من النفايات الإيطالية. الصنف الثاني يتمثل في العدالة التوزيعية بين ثلاث مكونات : الماء والهواء والأرض عناصر تعتبر ملكا للجميع بحيث لا نقبل بأن يتم التبادل بدون أي حد أدنى للتوازن. عدالة المصالحة وهي مبنية على التوافقات، حيث في أمريكا اللاتينية تتم محاكمة المسؤولين على تدمير البيئة .وهنا وجب التذكير ، يضيف لحبيب- أن cop 21 منحت 100 مليار دولار من أجل تعويض ما أفسدته الدول الصناعية لكن توقفت المبادرة في عدالة توزيع التمويل بحكم حجم الدول المتضررة بصفة أكثر. كمال لحبيب أكد أيضا أننا اليوم نعيش على وقع نقاش عميق حول البيئة وبوعي مشترك. كما أشار إلى أن COP22 هي محطة لإدماج كل من المسؤولين والأحزاب السياسية والمجتمع المدني وذلك خدمة للأجيال الصاعدة بدون خوف ولا تخوف. كما نبه الحضور أن المتضرر هي الدول الأفريقية وخصوصا الأطفال والنساء والعجزة إضافة إلى اللاجئ والذي يحكم عليم بالنزوح أمام التقلبات المناخية. وعن منطق حسابات الدول الصناعية العظمى أشار كمال لحبيب إلى أن هذا المنطق يحكم بموجب الرأسمالية مقابل المناخ على أساس إدماج التقلبات المناخية واستنزاف الموارد الطبيعية. وعن محطة cop22 القادمة والتي سيحتضنها المغرب أكد المتحدث أنها ستدوم أسبوعا واحدا في حين وجب علينا أن نستمر في تتبعها عبر سياسات مجالية بتدخل المنتخبين والنقابات والقطاع الخاص ، منتقدا غياب تجاوب حقيقي من قبل منتخبي بعض المدن المغربية كوجدة ومراكش والعيون وغيرها مما ضيع فرصة ذهبية لتهييء ما قبل قمة المناخ بمراكش. كمال لحبيب أكد أن العدالة المناخية تدخل في إطار ربط التنمية بالمناخ من خلال امتلاك عنصر قوي للتنمية ومحاربة الفقر والقرب من المواطن. مثلما أشار إلى أن المرحلة الهامة هي ما بعد Cop 22 حيث لا توجد أحزاب تأخذ بجدية مفهوم البيئة كاشتغال في الحياة اليومية. واختتم مداخلته بالتأكيد على أن قمة المناخ بمراكش ستكون ملزمة في اتفاقياتها للدول كما المغرب وبالتالي يستوجب إدماج المقاربة الحقوقية والاهتمام أكثر بالفئات المتضررة كالنساء والأطفال والعجزة والمهاجرين. تدهور البيئة يؤثر على باقي الحقوق الإنسانية التغييرات المناخية وحقوق الإنسان ، هو المحور الذي تدخل فيه الأستاذ محمد أنوار الهزيتي ،الذي أكد أن قضية البيئة أضحت قضية مفروضة في حد ذاتها ، لأن لها طابعا عالميا وعابرا للحدود . وأشار إلى أن هذه القضية ترتبط ، بالحق في العيش في بيئة سليمة ، وبالحق في الحياة والصحة والغذاء والماء، وتتعلق بمدى زمني ومكاني إذ لا تتوقف عند حدود الحاضر بل تتعلق بواجب حماية حقوق الأجيال المقبلة ، وهو العنصر الذي ضُمن في برامج التنمية المستدامة . وخلص إلى أن آثار التغيرات المناخية على الحقوق الفردية ثابتة كالحق في السكن والحق في الماء والتغذية والصحة، مما يستلزم تعاونا دوليا للتخفيف من وطأة هذه التغيرات . سياسات و استراتيجيات لإعادة النظر في أنماط الإنتاج والاستهلاك يطرح سؤال البيئة بشكل عام وقضية إعادة النظر في أساليب الإنتاج والاستهلاك ، في سياق دولي ووطني يحدد طبيعة الرهانات والتحديات المرتبطة بتدبير هذه القضية . ذلك ما أكده الخبيران الدوليان حسن الشواوطة وإدريس الفنا في الورقة التي ألقيت نيابة عنهما . فعلى المستوى الدولي يؤكد الخبيران أن التطور الديمغرافي والاقتصادي أدى إلى زيادة مستمرة في وتيرة الاستهلاك العالمي التي وصلت نسبة ارتفاعها السنوي بحوالي 3 بالمئة . هذا الارتفاع في الاستهلاك العالمي يهم بالدرجة الأولى الاستهلاك الغذائي والطاقي إضافة إلى خدمات النقل والسكن وغيرها . ومن الملامح الهامة في هذا السياق أن الاستهلاك غير موزع بشكل منصف بين ساكنة العالم ، حيث أن 86 بالمئة من الاستهلاك الكلي العالمي موزع بين سكان البلدان الغنية الذين يشكلون 20 بالمئة فقط من ساكنة العالم . ويلاحظ الخبيران أنه في الوقت الذي يعاني فيه سكان بلدان الجنوب من سوء التغذية ، يتفاقم الفائض الغذائي ببلدان الشمال. ورغم الاستغلال المفرط للموارد المرتبطة بالتغذية ، إلا أن حوالي 800 مليون شخص يعانون من نقص التغذية . وتزايد الطلب على المواد الغذائية أدى إلى استنزاف الموارد الطبيعية المرتبطة بها. ويسجل الخبيران أنه رغم التحسن الملحوظ في عدد من المجالات المرتبطة بالتنمية المستدامة، إلا أن هناك مجموعة من التحديات التي تدفع المجموعة الدولية للتحرك لمواجهتها، ومنها التغيرات المناخية وأزمة الإنتاجية الفلاحية والنقص المتفاقم للموارد المائية، واستنزاف الموارد البحرية ، والأضرار الناتجة عن النفايات والانبعاثات الغازية . ويعتبر الخبيران أن مفهوم التنمية المستدامة فرض نفسه بقوة كعنصر حاسم لمواجهة هذه التحديات ، حيث أن هذا المفهوم قُدم باعتباره الوسيلة الفعالة لمصالحة البيئة بالمجتمع والاقتصاد . وهي محددة بالاستعمال الجيد للموارد الطاقية والمواد الأولية غير المتجددة بما يسمح باستخدام تكنولوجيات أقل إضرارا بالبيئة ، واعتماد طرق مسؤولة في الإنتاج والاستهلاك تأخذ بعين الاعتبار دورة الحياة في المواد المطروحة في السوق ، ويفيد في تقليص الانبعاثات الغازية المحدثة للاحتباس الحراري وحماية الأنظمة البيئية . مع إشراك المواطنين في اتخاذ القرارات وتقييمها . ويشير الخبيران إلى أنه على المستوى الوطني أدى التطور الاجتماعي والاقتصادي إلى انعكاسات سلبية مباشرة وغير مباشرة على الأنظمة البيئية كتلويث الموارد المائية وارتفاع كمية النفايات وتدهور الأراضي وتقلص مساحة الغابات ، مثلما انعكست سلبا على النشاط الاقتصادي ونجاعته . وحسب دراسة أنجزت سنة 2003 ، فقد قدرت كلفة التدهور البيئي بالمغرب ب3.7 بالمئة من الناتج الداخلي الخام . ومن مظاهر ذلك حسب الخبيرين ارتفاع الفاتورة الطاقية التي وصلت إلى 12 بالمئة من الناتج الداخلي الخام ، وتدهور الفرشة المائية حيث انتقلت من 2560 مترا مكعبا في السنة لكل مواطن سنة 1960 إلى 730 مترا مكعبا سنة 2010 لتصل إلى 520 مترا مكعبا في 2020 أي بانخفاض تعادل نسبته 80 بالمئة . ويشير الخبيران إلى أن هذه الوضعية المقلقة دفعت السلطات العمومية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير من أجل تحسين قدراتها في مجال الحماية البيئية . ومنها تقوية الإطار القانوني والإصلاح المؤسساتي واعتماد مجموعة من البرامج والاستراتيجيات في مجموعة من القطاعات كالنفايات المنزلية و المياه ، والتطهير السائل والطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية والمخطط الأخضر وغيرها .. ويؤكد الخبيران أن المغرب في العقدين الأخيرين أدمج حماية البيئة في مختلف استراتيجياته القطاعية ، مذكرين بالترسانة القانونية المعتمدة في هذا المجال ابتداء من قانون 1995 ، وقانون 2003 المتعلق بتثمين البيئة ، وكذا القانون المتعلق بدراسة التأثير على البيئة وقانون محاربة التلوث والقانون المتعلق بتدبير النفايات (2006) وقانون الطاقات المتجددة 2010 ، والميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة (2014) وقانون منع الأكياس البلاستيكية ( 2015) .. إضافة إلى مجموعة من المراسيم والقوانين التنظيمية المتعلقة بتطبيق هذه القوانين . ويعتبر الخبيران أن الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة يشكل إطارا مرجعيا للسياسات العمومية في مجال النهوض بالاقتصاد الأخضر . وعلى المستوى المؤسساتي توقف الخبيران عند المتدخلين في المجال البيئي ابتداء من الوزارات والجماعات الترابية ووكالات التنمية والوكالات المتخصصة والمجالس العليا والوطنية (كالمجلس الوطني للبيئة والمجلس الأعلى للمياه والمناخ والمجلس الوطني للغابات) إضافة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومؤسسة محمد السادس لحماية البيئة. وبالنسبة للسياسات والاستراتيجيات أكد الخبيران أن المغرب كان من البلدان السباقة في مجال النهوض بالطاقات المتجددة ، حيث أنه يتوخى إنتاج 50 بالمئة من حاجياته من الكهرباء من أجل تقليص تبعيته الطاقية إذ أن 96 بالمئة من موارده الطاقية مستوردة . كما أن هذه الاستراتيجية الطاقية التي اعتمدها المغرب التي تتضمن عدة محاور منها إنتاج الطاقة الشمسية والهوائية والنجاعة الطاقية ، قوت جاذبية المغرب بالنسبة للمقاولات الدولية العاملة في مجال التكنولوجيات الخضراء . مؤكدين على أهمية مجموعة من التدابير المعتمدة في مجال النقل والفلاحة وتدبير المياه والتطهير السائل والبناء وتدبير النفايات . وشدد الخبيران شواوطة والفِنا على أهمية الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة ، التي يتم إعدادها ، معتبرين إياها مدخلا لوضع الاقتصاد المغربي على سكة الانتقال الأخضر . وتحدث الخبيران عن مجموعة من المبادرات المعتمدة ببلادنا التي تصب في هدف تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك ، ومنها تلك المتعلقة بإحداث المدن الخضراء ، واعتماد وسائل للنقل الجماعي أقل تلويثا ومعالجة وتدوير بعض المخلفات المضرة بالبيئة كإطارات السيارات والزيوت المستعملة والبطاريات . مشددين على أهمية الرهان الذي رفعه المغرب عقب قمة باريس (كوب 21) والمتعلق بتخفيض الانبعاثات الغازية الدفيئة ب32 بالمئة في أفق سنة 2030 . التغيرات المناخية و التغيرات العامة الإعلامي مصطفى غلمان شدد في تقديمه للجلسة الثالثة التي سيرها على الجوانب الشائكة المرتبطة بقضية البيئة، والتي تحول الأرض إلى السؤال المركزي للإنسان ، وهوالمصير. معبرا أن السؤال الإيكولوجي فرض يقظة الوعي الفلسفي المعاصر المتنبه إلى اختناقات نمط الحياة الذي صار يفرض الإفراط في الاستهلاك كواجب أخلاقي يظهر فعالية المواطن . ونبه إلى أن الوضع يستدعي مواصلة التفكير في قضية البيئة من حيث كونها واجهة لمساءلة أساليب العيش المتاحة أمام الإنسان اليوم في مجتمع الاستهلاك . ومن جهته أكد الأكاديمي مصطفى عشان أن المغرب سيعرف تطورات جذرية بداية سنة 2025 إن لم يوفق في ترتيب أوراقه الخاصة بالماء والعدالة الاجتماعية. فبلغة الأرقام أوضح عشان أن المغرب يستقبل 150 مليارا من التساقطات في حين أن 21 مليار متر مكعب فقط هي التي تبقى صافية . كما أن معدل الفرد الواجب هو 700 ألف لتر للفرد، ونحن اليوم أمام نقص حيث نلامس فقط 600 ألف لتر للفرد. عيشان أشار إلى مشكلة العدالة التي تتجلى على سبيل المثال في التمركز الجغرافي حيث ساكنة العمارات البسيطة والفيلات الفاخرة يتقاسمون نفس التسعيرة حول قيمة المتر المكعب الواحد من الماء. وفي معرض حديثه عن أهمية السدود نبه عشان إلى أن المغرب يضيع 50مليون متر مكعب فقط في طمر السدود وهي من أهم المشاكل لذوي الاختصاص، والتي ترهق سياسة السدود ببلادنا. مصطفى عشان نبه إلى التنافس الحاد بين الفلاحة والسياحة مما خلق أزمات اجتماعية. فحرب الماء يضيف عشان تندرج في إعطاء الأهمية للمسابح وملاعب الكولف والتعمير المزعج، على حساب الأراضي الفلاحية . وأكدت الباحثة زينب بنرحمون أن التنوع البيولوجي مقرون بالتنوع الثقافي حيث يعتبر المغرب ثاني بلد من حيث التنوع البيولوجي بعد تركيا ما جعل جل التهديدات تبقى معقدة وكبيرة. الباحثة بنرحمون أشارت أن التغيرات التي تطرأ هي مناخية وفيزيولوجية وتنعكس على الأنظمة الطبيعية والمجال السوسيواقتصادي ونمط العيش. وأضافت أن الأمن الغذائي والأمن المائي جعل الجميع يراهن على توازن محكم في الأنماط الغذائية خصوصا بعد مجموعة ظواهر كالتصحر وفقدان مجموعة من الأراضي الخصبة خصوصا وأن المغرب يتموقع في منطقة تعرف بشح المياه. وفي حديثها عن الفلاحة البيئية أكدت زينب بنرحمون أن الفلاحة هي محطة مهمة للاستهلاك المكثف للمياه، والفلاح ينطلق من مفهوم الربح كمنطق للعمل وليس الجودة أوسلامة النظم البيئية. من هذا المنطلق تأتي النظرة الفردية والتي شملتها المتحدثة في: أولا استعمال غير معقلن للبذور المخصبة والتي سميت بحرب البذور المخصبة. ثانيا،مفهوم البيئة والتنمية كحلقتين ضروريتين وبالتالي يستوجب النهوض بمنظور شمولي للمجال الترابي وإطلاق سياسات جديدة للحد من تدهور البيئة بتدبير علمي لمكونيين أساسيين : الماء والتربة. هذه المقاربة، تضيف زينب بنرحمون، أثمرت مجموعة من المشاريع الناجحة متعلقة بالفلاحة البيئية مما مكن العديد من الفلاحين وأسرهم من إعادة الاعتبار لأراضيهم عبر برامج مندمجة لاقتصاد الماء وإعادة إحياء أراضي ظلت إلى أمد قريب شبه قاحلة. وفي نفس المنحى توجه الأستاذ الصغير بعلي إلى الفلاحة الحافظة كنمط بديل للتكيف مع التغيرات المناخية . مركزا على ترابط نمط التفكير ونمط الإنتاج ونمط العيش . وأوضح أن كل ما وقع بالمغرب كان نتيجة اختيارات أملتها اللوبيات الدولية التي توجه الاقتصاد العالمي . وتحدث عن نتائج الفلاحة الكثيفة التي اختارها المغرب منذ الاستقلال لتلبية حاجيات السكان من الغذاء ، والتي أدت إلى أضرار بيئية واضحة مست المنظومات الإيكولوجية واستنزفت الموارد الطبيعية والتربة . وأشار في هذا الإطار إلى أهمية اعتماد تقنية الزرع المباشر لتجاوز الحصيلة المؤسفة لعقود من الاستغلال غير المعقلن للموارد الطبيعية . ومن جهته أكد الأستاذ عبد الهادي بنيس أن العالم في حاجة إلى حكامة تزيل أسباب التناقض مابين الرهانات الاقتصادية ومتطلبات حماية البيئة . مشيرا إلى أن أغلب الدول أدمجت التنمية المستدامة في استراتيجياتها ، لكن المشكل يكمن في تطبيق هذا المفهوم . ولاحظ في هذا الصدد أن الأممالمتحدة فشلت في حكامتها المتعلقة بالمناخ . بل إن الدول فشلت في تطبيق مفهوم التنمية المستدامة ، حيث لا يُلمس أي تأثير إيجابي في حياة الناس. إذ أن القرارات المعتمدة تتلقى ضغط اللوبيات الخارجية ولا تنصت لأصوات القاعدة الاجتماعية . وسجل الأستاذ بنيس أنه بالرغم من الطابع الاستعجالي لمشكل المناخ إلا أن قرارات قمة باريس لن تدخل حيز التنفيذ إلا في 2020، علما أن القرارات الكبرى تركت للتفاوض في قمة مراكش. وخلص إلى أن الكوب 22 فرصة لكي يتجند الجميع لإنجاحها على مستوى القرارات التي ستتخذ دوليا ووطنيا، وخاصة ضرورة العمل على فرض الالتزام القانوني للدول بالقرارات المتمخضة عنها . اليوم الدراسي اختتم بتسليم جائزة مسابقة أحسن رسم في موضوع مراكش في أفق 30 سنة المقبلة، نظمت على هامش اللقاء تحت إشراف الفاعلة وفاء الثوغرائي والناشر عبد القادر عرابي ، و فازت بها التلميذة آية الزين.