«الفنيل كتونوريا»، هو مرض وراثي جيني متنحي، «أي أن كلا الأبوين يكون حاملا للجين المسبب للمرض، وتبلغ نسبة الإصابة في صفوف الأطفال 25%»، وهو ناتج عن عدم قدرة الجسم على استعمال حامض أميني يدعى «الفنيل الانين»، مما يؤدي إلى تراكمه بالجسم وخصوصا بالدماغ، وهنا تكمن خطورة المرض. وكما يعلم الجميع فالجسم يحتاج إلى البروتينات للنمو وبناء الخلايا الجديدة وترميم الأغشية، والتي يحصل عليها من اللحوم، والأسماك، والحليب، والبيض، والحبوب، والمكسرات، ثم يقوم بتحويل البروتينات إلى أحماض أمينية، التي من بينها «الفنيل الانين»، الذي يعجز جسم المصاب ب «الفنيل كتونوريا» التعامل معه، نظرا لتلف الأزيم المسؤول عن تحويله فيتراكم في الدم. يكون الطفل المصاب ب «الفنيل كتونوريا» عاديا خلال الأشهر الأولى بعد ولادته، ولا تظهر عليه الأعراض إلا بعد وصول «الفنيل الانين»، إلى تركيز معين بالدم، لكن للأسف حينها تكون الأضرار لا رجعة فيها. وتتمثل أعراض المرض في فقدان الطفل المصاب بالشعور بالاهتمام تجاه الأشياء المحيطة به بين الشهر الثالث والسادس من العمر، بحيث تكون أعراضه شبيهة بأعراض التوحد، إضافة إلى رفض الطفل للأكل، اصفرار الشعر وازرقاق العينين، ضعف النمو الجسدي، رائحة البول الكريهة التي تشبه رائحة الفئران، الخمول وضعف العضلات، لكن أخطر الأعراض تكمن في تأثيرات «الفنيل الانين» على الدماغ، حيث يؤدي ذلك إلى نوبات من الصرع، صغر الرأس، تخلف عقلي شديد، فرط النشاط الحركي وقلة الانتباه، إضافة إلى مشاكل نفسية وسلوكية أو ضعف التحصيل الدراسي. يعد مرض «الفنيل كتونوريا» من أمراض الاستقلاب الوراثية النادرة، إذ أنه يصيب شخصا من بين 10 آلاف حالة تقريبا بالمغرب، ولا فرق بين الذكور والإناث في نسبة الإصابة بالمرض. ويمكن فحص الطفل في المستشفى في غضون الثلاثة أيام الأولى بعد الولادة للتأكد من إصابته بالمرض أو عدم إصابته به، حيث يتم الحصول على بضع قطرات من دم الطفل عبر وخزه بإبرة في باطن القدم، وهو ما يسمى التشخيص المبكر عند الولادة، وهو للأسف غير اجباري بالمغرب وغير متوفر بمصالح الولادة، علما أنه يمكن تفادي الإصابة بالتخلف العقلي إذا أُخضع الطفل للعلاج خلال الأيام الأولى من عمره، والذي يتمثل في نظام غذائي خاص يتَّبعه الطفل مدى الحياة يحتوي على نسبة قليلة من «الفنيل الانين». ويشرف على هذا العلاج اختصاصي في التغذية له خبرة في مجال أمراض الاستقلاب. ويحصل الطفل في البداية على تركيبة مخصصة تحتوي على البروتين الخالي من «الفنيل الانين»، أخذا بعين الاعتبار أنه يمكنه الحصول على القليل من حليب الأم أو الحليب الصناعي يحدد كميته أخصائي التغذية. عند البدء بتناول الأطعمة الصلبة، يمكن للطفل تناول أنواع معينة من الخضار، والفاكهة، والحبوب، التي تحتوي على نسبة قليلة من «الفنيل الانين» ولكنه يُمنع من تناول الجبنة، والحليب العادي، والبيض، واللحوم، والسمك، وغيرها من الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من البروتين. يختلف النظام الغذائي من مريض إلى آخر وفقاً لكمية «الفنيل الانين» التي يمكن لأجسامهم تحملها، والسن والوزن وعوامل أخرى. لهدا فكل مريض له نظام حمية شخصي خاص به، يحدده اختصاصي التغذية، ويعدله وفقاً لمستوى «الفنيل «لانين» في الدم، لهذا وجب على مرضى «الفنيل كتونوريا» فحص مستوى «الفنيل الانين» في الدم بانتظام خصوصا في السنة الأولى، وعادة ما يتم السماح للمرضى في مراحل الطفولة المتأخرة والمراهقة بتناول كميات أكبر من الأغدية لكن في إطار حمية غذائية يجب اتباعها مدى الحياة. علما أنه يُمنع مرضى «الفنيل كتونوريا» من تناول المشروبات المخصصة للحمية، أو الأطعمة، أو الأدوية، التي تحتوي على «الأسبارتام»، وهو مستحضر للتحلية الصناعية يحتوي على «الفنيل الانين».. ويعدّ غياب التوعية وعدم التحسيس بهذا المرض لدى مصالح الولادة والأطفال، أكبر التحديات التي تواجه الاختصاصيين وعائلات المرضى بالمغرب، إلى جانب عدم وجود برنامج معتمد للتشخيص المبكر، ندرة الاختصايين في التغذية ذوي خبرة في امراض الاستقلاب، ومواد التغذية ذات نسبة قليلة من «الفنيل الانين» الباهظة الثمن، وغير المدرجة عند المصالح الوطنية للتأمين على الدواء. (*) اختصاصية في طب الأطفال وأمراض الجهاز العضلي والعصبي، وأمراض الاستقلاب الوراثية.