مرض «بيلة الفينيل كيتون» (la phénylcétonurie)، هو مرض وراثي نادر ينتج عن اضطراب في الاستقلاب الغذائي لمادة الفينيل ألانين، الحامض الأميني الموجود بشكل طبيعي في النظام الغذائي، بسبب عوز في أنزيم معين، الأمر الذي يؤدى إلى صعوبة في استيعابه مع تراكم غير طبيعي له، خاصة على صعيد دماغ الطفل الذي هو في طور النمو، مما يتسبب في إتلاف تدريجي للقدرات الذهنية وينتهي في آخر المطاف إلى تخلف عقلي في غياب التشخيص والعلاج المناسب. هذا المرض هو يصيب على قدم المساواة الذكور و الإناث، ويعرف انتشاره تباينا كبيرا بين البلدان، إذ في أوروبا نجد مولودا جديد من كل10 آلاف ولادة حية، في حين مثلا في تركيا نجد مصابا من كل 4 آلاف حالة ولادة حية، لكنه أكثر ندرة في وسط سكان فنلندا، إفريقيا واليابان. و»الفينيل ألانين» هو من الأحماض الأمينية الأساسية، لأنه لا يمكن توليفه من قبل الجسم، و يتم توفيرهفي النظام الغذائي، وتحويله في الجسم إلى التيروزين بفضل «أنزيم الفنيل الأنين» 4-هيدروكسيلاز. التيروزين ، حمض أميني آخر، تتكون منه مادة الميلانين التي تعطي الصبغة اللونية للجلد بسبب إنتاجغير كاف أو خلل في إلانزيم ، ولا يمكن تحويل الفينيل ألانين بشكل كاف إلى التيروزين، لكن يتم تحويل جزء منه، بفضل أنزيمات أخرى، إلى مواد يتم إفرازها عن طريق البول (phénylcétones)، إلا أنه ورغم هذه العملية، فإن ذلك لا يحول دون التراكم المضر للفنيل الأنين ويستمر تأثيره السلبي على الدماغ. وتبدأ علامات المرض في الظهور مبكرا، حوالي سن 3 أو 4 أشهر بنشوء بعض المشاكل السلوكية، تتطور في ما بعد إلى هياج مع فرط في النشاط وسلوك عدواني، إلى جانب صعوبة في التفاعل مع الأقران والمحيط الخارجي. هذه الاضطرابات في بعض الأحيان تشبه علامات مرض التوحد. وتصاحب هذه العلامات السلوكية، نقص في نمو محيط الرأس والدماغ (microcéphalie) ، مع تأخر في نمو المهارات العقلية والاجتماعية والحركية، وهو العجز الذي يمكن أن يكون لا رجعة فيه إذا تأخر التشخيص، لذلك يجب رصد المرض بشكل روتيني عند الأطفال حديثي الولادة لتجنب تطوره وحدوث إعاقة متفاوتة الحدة، من بسيطة إلى عميقة، وذلك في ظل عدم إتباع نظام غذائي خاص الذي وحده يسمح للأطفال أن يعيشوا حياة طبيعية، علما أنه قد تظهر علامات عصبية أخرى مثل تشنجات أو ارتعاش في الأطراف، كما قد يعاني بعض الأطفال من نوبات الصرع. وتتعدد علامات المرض التي من بينها القيء المتكرر وانبعاث رائحة تعفن من جسم المصاب، كمايكون للبول والعرق لدى الأطفال المصابين رائحة مميزة إلى حد ما، هذه العلامات المنبهة، كان يعتمد عليها الأطباء قديما للاشتباه بالمرض. ويكون لون الجلد والشعر والعينين فاتحا، أو على الأقل أكثر وضوحا مقارنة بأفراد الأسرة الآخرين بسبب نقص في التيروزين. ومن بين العلامات الشائعة للمرض، طفح جلدي مع عرضة أكبر للإصابة بالأكزيما، ويمكن لكل هذه العلامات أن تكون خفيفة أو شديدة بشكل متناسب مع درجة نقص الإنزيم. ويعتمد علاج المرض على إتباع نظام غذائي يحتوى على نسبة قليلة من الفنيل الأنين، لكن لا يوجد هناك توافق بشأن مستوياته التي تستلزم العلاج والتوصيات إذ تختلف من بلد إلى آخر، لكن لابد من إتباع الحمية على الأقل حتى نهاية نمو الدماغ، أخذا بعين الاعتبار أنه في مرحلة البلوغ، قد تكون أقل صرامة وتسمح مع ذلك بحياة يومية عادية، لكن في بعض الأحيان تظهر بعض المشاكل مثل التهيج، واضطرابات الذاكرة، واضطرابات الانتباه، ويجب في هذه الحالات إعادة تقييم العلاج، كما يتعين على المرأة المصابة إتباع نظام غذائي عندما تريد أن تكون حاملا وطوال فترة الحمل، لأنه في حال عدم اتباع ذلك فان الفنيل الأنين الزائد في الدم يمر عبرالمشيمة للطفل، وترتفع مخاطر الإجهضا إضافة إلى حدوث عيوب خلقية للجنين، بما في ذلك على مستوى القلب أو الوجه، علما أنه يمكن تفادي هذا الخطر إذا كانت المرأة تتبع نظاما غذائيا صارماخلال فترة الحمل. ونظرا لكل هذه المخاطر التي يشكلها مرض «بيلة الفينيل كيتون» و تداعياته الكارثية على الطفل، فلا بد من رصده عند الولادة بصفة ممنهجة كما هو الحال في الدول المتقدمة.