1- ما أبهاك غفورٌ قلبُكِ الوهّاجُ يا أمّي ولكنْ، كيف يغفرُ للّصوص ذنوبهم ويجيزُ بالحسنى معاصيَهم؟ صحيحٌ كلُّنا في البدْء كنا نطفةً من صلبكِ القدسيّ لكنّ الخواءَ الباطنيَ عقوقْ يقطّع في الدّجى حبلَ المودّةِ لا يوقّرُهُ، يبيع ويشتري غدَهُ، يتاجرُ في بهائه بالمزادِ مقامرونَ على الصّوامعِ في زوايا السّوقْ... وهم يتجشّأون على كراسيهم وقد شرِبوا دمَ الأجدادِ والآباءِ والأبناءِ في زوّادة العتمَة، وهم قد أحرقوا الماضي وما تركوا سوى أنقاضِ أنقاضِ، لأن زمانهم قِرْشٌ بلا ماضٍ تحاصرُ في الظلام بريقَهُ التخمَة. وهم فقأوا عيونَ الغيثِ بالإبرِ وهم نهبوا تمورَ النّخلة الفرعاءِ كالجرذانِ بين غروبنا المكدودِ والسّحرِ، وهم جدفوا الحقولَ وأحرقوا ليلاً بيادرَها وعاثوا بالمنى الرقراقِ في باكورة الثّمَرِ... غنيٌّ حقلُكِ المعطاءُ يا أمي وما أعطيتني إلا فتاتاً من نعيم بهاكْ: بقيّةَ كسْرةٍ صمّاءْ وقطرةَ ماءْ ولكنّ اللصوصَ سطوا على بيتِ الخراجِ وخرّبوا أركانَه، لم يتركوا بعد الدّمارِ وخلفَ جعجعةِ السّعيرِ سوى القليلِ من الشعيرِ يخالطُ الأحساك والأشواكْ. بهيٌّ صوتُك الوضّاحُ يا أمي ونسمُ بهائك الفوّاحِ أمواجُ، هذا وعْدُكِ الموؤودُ في سنداتهم جبلٌ من الكذبِ، وهذا وجدُكِ المولودُ بين جوانحي ينسابُ هطّالاً يناجي ريشيَ الدامي، وما أهديتِني إلا أفولَ النّورِ في عينيّ يهتاجُ... ولكنْ قلبُك الوَقّادُ يعرف صدق أشواقي ويعرف كم أحبّكَ، كم أحبُّ ثراكِ في سرّي وفي علَني ويعرف أنّني صبٌّ، وفي محرابك المكويِّ قلبي يرتوي بهواكِ بين خمائل الأفراح هاربةً وبين هواجرِ المحنِ... 2 التّمثال لحقدِكَ أن ينازلَ صوتَنا بجمالِه وبغالِه وحميرِه والخيْلِ تترُكُ روثَها في برزخ التّحريرِ شاهدةً على غثٍّ من العجَبِ ونحن لنا حقولُ العشقِ واسعة لزرع فواكهِ الغضبِ. لكَ السّيفُ الحسيرُ يهدّدُ الأشجارَ حين تحرّك الأنسامُ أشجانا وحين تثورُ زوبعةٌ مشاغبةٌ، لك السّاطورْ ونحن لنا المحالُ مجنحاً في شاشةِ الحاسوبِ، يرسمُ طيفُهُ زمناً يعرّي عورةَ السّفهاءِ حينَ يورّثون عروشَهم كَرَماً لما ملكَتْ أياديهم، ويفضَحُ سَوْرةَ التمثالِ لا تخبو ابتسامتُهُ تثبّتُه براغي الصُّلبِ في الكرسِيِّ يَغرَقُ في دمٍ ما زال جمرُهُ يشتهي غدَنا... لنا إن ضاقتِ السّاحاتُ - في سجْنٍ تعالى في فم الخرتيتِ - كلّ حواضرِ الدّنيا، وكلّ سمائها الزّرقاءِ تحضن حلمَنا وحمامَنا في فسحةِ الفايسبوكِ يحفُر فجّه كالسّيل هدّاراً يغازلُ نورَه أعْلى من السّغبِ يوزّعُه خوارُ المكْرِ حين يجورْ، وأعلى من عصيِّ القهْر والرّهَبِ... إفران، فبراير 2011