قد يعتبر البعض ان تصريح الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون و الذي وصف فيه المغرب بأنه بلد محتل لصحرائه المسترجعة بأنه منزلق لفظي او زلة لسان . لكن الواقع الذي لا شك فيه هو تصريح مقصود و ملغوم لذلك لا يجب الاستخفاف به انطلاقا من موقعه كأمين عام لأعلى هيئة اممية في العالم . انه يعرف جيدا ان القرار الاخير الذي صدر عن مجلس الامن كجهاز تنفيذي هو ايجاد حل سياسي متوافق عليه بين الطرفين المغرب جبهة البوليساريو حول النزاع القائم في الصحراء . و هذا القرار يقتضي على الامين العام للأمم المتحدة كمسؤول ان يبحث عن صيغة يسعى من خلالها الى تنفيذ المقرر الاممي . كما يتعين عليه اتخاذ كل الخطوات و المبادرات التي تؤدي الى اخراج المقرر الذي طل جامدا مند مدة على ضوء اقتراح للاستقلال الذاتي الموسع . و هذا الاقتراح المغربي يعتبر ارضية يجب على الامين العام ان ينطلق منها و يبلورها للوصول الى الحل المتوافق عليه اذا كان جديا في اطار مسؤوليته و لديه نية حسنة . اما وصف المغرب بالبلد المحتل و ان كان خروجا عن اختصاصه فانه تعبير عن اللياقة لم يسبق للأمناء السابقين ان اتخذوا مثله اطلاقا و بدأ واضحا ان بان كي مون و هو على اهبة مغادرة منصبه يأتي بتصريح نيابة عن خصوم المغرب و اعدائه قصد التأثير على مواقفه تجاه قضايا دولية او اقليمية و يتمتع بالأمن و الاستقرار خلافا للوضع المقلق في بعض بلدان العالم العربي الاسلامي. و هو ما اثار ردود الفعل الرسمي و الشعبي حول تصريح بان كي مون فقد وقع فيه اجماع وطني لامثيل له . و كانت مسيرتي الرباط و العيون اكبر تعبير و جاءت بلاغات الاحزاب السياسية من اليسار الى اليمين و من الحداثي الى الاسلامي و من منظمات نقابية و حقوقية و مجتمع مدني . و اجمع الكل على التنديد و الاستنكار و عدم الرضا بكل ما من شأنه المساس بوحدته الترابية التي لا تقبل التجزئة و المزايدة و المساومة . و يبدو جليا ان هذه الردود هي تعبير خالص و ادكاء للحس الوطني و بالتالي تجاوز لكل الحسابات الضيقة من مختلف اطياف الشعب المغربي حيت يضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار . و في هذا الصدد اعتقد ان تقوية الجبهة الداخلية و سن الديمقراطية الحقة و تلبية الحقوق و الحاجيات المشروعة لأبناء الشعب المغربي و صيانة كرامتهم و اقامة العدل و تخليق الحياة العامة في مختلف المجالات و محاربة الفساد و حين تجتمع هذه الامور و تضافرها في التطبيق على ارض الواقع ستساهم لا محال الى اقامة دولة مؤهلة لمواجهة كل التحديات التي تواجهها و انتظارات الشعب المغربي . و بذلك ستصبح قوية سياسيا و اقتصاديا و ديمقراطيا و قادرة على مسايرة تطورات العصر و تحولاته . هذا و تجدر الاشارة الى انه بعد 28 ماي 1956 بعد الغاء معاهدة الحماية كان مطلب استكمال وحدة التراب الوطني من طرف مختلف القوى الوطنية ضروريا . و لكن هذه المطالبة لم تكن تختلف عن المطالبة السابقة للاستقلال في اتجاهه الرئيسي من قبل جميع الاطراف التي شكلت طاقم الدولة الوطنية .غير ان واقع هذه المطالبة عن طريق الضغط السياسي في ظل الاستقلال تفتقد تلك الفعالية التي كانت تملكها في ظل نمو الغضب الشعبي و تقدم جيش التحرير في العهد الاستعماري و تضاءل اهميتها مع الانشغال ببناء الدولة الجديدة و غياب عنصر الضغط الاستعماري المباشر .و بعد ذلك نشأت قطاعات واسعة من البرجوازية المدنية و اعوان البادية و البرجوازية المتوسطة و تتسع اساسا الى توسيع حصتها و الاستفادة من ظروف الاستقلال بهدف احتلال المواقع الهامة داخل البنية الاقتصادية السياسية القائمة في الجزء المستقل انذاك . لذلك فقد راحت هذه الفئات تعمل كل ما في وسعها لمد الجسور نحو السلطة السياسية المزمع تقويتها قبل اي شيء اخر و و صارت تفتقد الى الحس الوطني بالتدريج . و هذا ما ادى الى ان فئات من جيش التحرير نفسها تقبل بعرض الدولة الوطنية بإلقاء السلاح و الاندماج في الجهاز العسكري للدولة . و قبل هذا الاندماج كان تقدم جيش التحرير في المنطقة الصحراوية الاسبانية و تهديده للمنطقة الفرنسية في افراغ الاسبان و قلب موازين القوى رأسا على عاقب . ففي سنة 1957 حررت قوات جيش التحرير السمارة و بئر انزران و اوسيرت و دخلت الى ادرار الواقعة حاليا في الحدود مع موريتانيا . هذا و قبل ان تلتفظ القوات الاسبانية بنفسيها من المتغيرات العسكرية كان جيش التحرير قد حقق تحصين مواقع جيش التحرير في طرفاية و الساقية الحمراء و واد الدهب و تطويق قوات الاسبان المتواجدة في العيون و تعبئة جميع القبائل قصد تحرير الارض و توحيدها و طرد المحتل و كان لقبيلتي اولاد ادليم و الرقبيات دور هام في انضمامها لصفوف المقاومة و جيش التحرير و توغلهما في الصحراء إلا ان القوة الاستعمارية انسحبت من افني و طرفاية و بقي الامر على هذا الوضع الى غاية 1974 . و جدد المغرب مطالبته الجدية باسترجاع الصحراء بعدما تبين ان الاسبان قد شرعوا في الاعداد لإقامة كيان مستقل في الصحراء يتجلى في جبهة البوليساريو و جاءت سنة 1975 سنة استرجاع الصحراء بواسطة المسيرة الخضراء . لكن خصوم هذه الوحدة و على رأسها الجزائر تفتعل النزاع في شأنها و الذي ما زال مستمرا الى الان . هذا هو ما يمكن استخلاصه من تصريح بان كي مون و هو على اهبة مغادرته لمنصبه و لتأجيج الصراع و اذكاء النزعة الاستعمارية خدمة لمصالح جهات مناوئة للمغرب . لذلك يتعين على كل مواطن مغربي ان يعي بان بلده مهدد في استقراره و امنه في هذه الظرفية التاريخية الدقيقة . و ما يجب التذكير به ان القوى التالتة المشكلة من البرجوازية المشار اليها هي التي نسفت حكومة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية برئاسة المرحوم عبد الله ابراهيم كما نسفت حكومة التناوب التوافقي برئاسة المجاهد عبد الرحمان اليوسفي . و الحال ان الاتحاد كامتداد لحركة التحرير الشعبية ما زال يناضل بعد اختياره التموقع في المعارضة مند سنة 1960 من اجل الوحدة الترابية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية . و واجه الاستبداد و الظلم و اعطى التمن غاليا في شأنهما حيت ظل صامدا امام الة القمع و البطش طيلة اربعين سنة . إلا ان مواقفه ظلت قائمة في سجل تاريخ المغرب و ما زال في ذاكرة الشعب المغربي بتضحياته و نضالاته . فقد عارض حل جيش التحرير و ضد حرب الرمال مع الجزائر الفتية قاطع جميع الاستفتاءات الشعبية المتعلقة بدساتير المملكة الى غاية دستور 1996 تم دستور 2011 و كان معارضا للسياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة على الشأن العام المغربي الى الان باستثناء حكومة اليوسفي التي انقدت المغرب من السكتة القلبية و سجل ايضا موقفه التاريخي حول الاستفتاء الذي اقترحه الملك الراحل الحسن الثاني في نيروبي الثاني و اعتقل من اجله بعض اعضاء المكتب السياسي .و الاتحاد الاشتراكي هو من كان وراء تأسيس الاتحاد العربي الافريقي مع ليبيا و هو ما جعل ليبيا انذاك على توقف دعمها للبوليساريو . و بشان الاستفتاء الذي تمسك به البوليساريو كحل للنزاع في الصحراء و الحال ان المغرب تقدم باقتراح يقضي بالحكم الذاتي الموسع في الصحراء و هو ما حدا به الى توسيع الجهات لتكون اسوة بالصحراء . كما يجب في هذا الاطار التذكير بان المرحوم الحسن الثاني قد اعلن بعد مضي ثلاث سنوات على اقتراحه للاستفتاء بأنه خطا في حين ان المرحوم عبد الرحيم بوعبيد الكاتب الاول للاتحاد اكد في تدخله اتناء محاكمته و اخوانه المعتقلين بشان موقف الاتحاد من الاستفتاء ما يلي : ( ان هذه المحاكمة سيكون لها تاريخ . رب السجن احب الي ان التزم الصمت على قضية تهم وطني ). و هكذا فإننا في الاتحاد الاشتراكي ما زلنا متمسكين بربط النضال من اجل الوحدة الترابية و الديمقراطية و ان من خرج عن هذه المعادلة إلا من سفه نفسه و من يسعى الى انهيار الاتحاد فان سعيه هو زيغ عن الروح و الحس الوطنيين . اما ما يؤسف عليه ان المغرب قد تخلف على عدة مواعيد مع التاريخ و كان اخر موعد هو نسف حكومة اليوسفي . فلا ينتظر ممن لا يومن بالديمقراطية ان يدافع عنها و لا يمكن ان يدافع عن الوطن إلا من كان وطنيا و اعتقد ان الاحزاب التي اسست بالأمس فان اغترارها بالأصوات المشتراة او بسبب توظيف الدين في السياسة فقد اخطأت خطأ جسيما و ينطبق عليهم ما وصف به الله سبحانه طائفة المنافقين في سورة التوبة بقوله (( الذين يريدون ان يحمدو بما لم يفعلو)) اما ما يجب الالتفات اليه انه بعد سنة 1958 بدأ جهاز الدولة الوطنية يتهيكل . بينما راح الجناح الاقطاعي الوطني المهيمن على جهاز الدولة الوطنية في لم شتات هذه الطبقة و تمكينها منن السيطرة على الادارة و جهاز البوليس و الجيش و تقويتها لتكون قوة ضارية و متحكمة في اقتصاد المغرب و في القرار السياسي . و كل حكومة تحاول المساس بمصالحها ستتعرض للنسف و بذلك يتم الاجهاز على كل مكتسب يحققه الشعب و قواه الحية في جميع مناحي الحياة اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا و بات معه مسلسل الانتقال الديمقراطي سجينا الى ما لا نهاية . و في الختام يبدو ان وصف بان كي مون المغرب ببلد محتل لصحرائه المسترجعة هو اشارة قوية للمغرب قصد التأثير على مواقفه تجاه بعض القضايا الدولية و الاقليمية و مشاركته الفعالة في محاربة الارهاب و كذلك الحالة التي يوجد عليها من امن و استقرار يحسد عليهما . تعد لعبة كرة القدم، من أعرق الرياضات الجماهيرية الواسعة الانتشار عالميا، لما يميز مبارياتها من فرجة تبعث على البهجة في أجواء احتفالية، تنعش القلوب وتلهب حماس الجماهير الرياضية. بيد أنه غالبا ما ترافق هذه المقابلات أحداث شغب، قد تمتد إلى خارج الملاعب الرياضية، خاصة تلك الواقعة وسط الأحياء السكنية، مما ينغص على المواطنين سكينتهم وطمأنينتهم. والشغب فضلا عن كونه سلوكا عدوانيا، ينجم عن أنصار متعصبين لفرقهم الرياضية وغيرهم من المتهورين، الذين لا يؤمنون بقواعد اللعبة ويفتقرون إلى أبسط القيم الأخلاقية، فهو ظاهرة اجتماعية ونفسية تعكس واقع تصرفاتنا اليومية، وتشكل إحدى أبرز مظاهر الانفلات والعنف، التي باتت تخلق الفواجع وتقض المضاجع، على مستوى المسؤولين والدوائر الأمنية وكل المهتمين بالشأن الرياضي... ويلاحظ على ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية وكرة القدم تحديدا، أنها صارت في السنوات الأخيرة، تأخذ أبعادا خطيرة وأشكالا متعددة من العنف، الذي يتضح أن جذوره تعود إلى ما بات يلاحظ على الأسرة والمدرسة من تراخ في القيام بواجبهما، انعدام الحس بالمواطنة وغياب الوعي بالمسؤولية والروح الرياضية العالية، لدى فئات واسعة من الجمهور، لاسيما المنحدرون من الأحياء الهامشية، الذين يلجون الملاعب تحت تأثير المخدرات والمسكرات، ويشرعون في العبث بالمنشآت الرياضية تحت أنظار رجال الأمن، ومن ثم تتسع رقعة الشغب إلى الشارع العام، وتحويله إلى ساحة للاشتباكات والهجوم على وسائل النقل والممتلكات العامة والخاصة... ووفق شهادات المهتمين بالشأن الرياضي، لم يعد الشغب رد فعل عفوي ينجم عن مراهقين مندفعين وقاصرين طائشين، بل أصبح يقف خلفه أشخاص لا صلة لها بقيم الرياضة، يتصيدون هفوات بعض عناصر الأمن أو حكام المقابلات أو حركات لا رياضية للاعبين أو أي شيء آخر للركوب عليه، يرفعون شعارات تحريضية ويستخدمون شهب نارية، قصد تهييج الجماهير الرياضية وإثارة الفوضى. وإلا كيف يمكن تفسير مرافقة الشغب للمباريات حتى إبان فترات الفوز، وبين الجمهور الواحد؟ فقد سبق للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بمعية فاعلين آخرين، أن قامت بعدة محاولات في اتجاه إنهاء مسلسل العنف والشغب، معتمدة على حملات التحسيس الإعلامي، بواسطة طبع وتوزيع أقمصة رياضية ونشر لوحات إشهارية، ومعاقبة الأندية الرياضية المتورط جمهورها في إثارة القلاقل، بإجبارها على إجراء مباريات دون حضور أنصارها أو خارج ملاعبها، والسعي إلى منع القاصرين من ولوج الملاعب إلا برفقة الآباء والأولياء، باعتبارهم الفئة الأكثر حضورا وإثارة للشغب في الملاعب ومحيطها... ورغم صدور القانون الخاص بمكافحة الشغب، متضمنا مجموعة من المقتضيات الزجرية، فإن ذلك لم يزد الكثيرين إلا إصرارا على المزيد من السخط والتهور... وسعيا إلى الحفاظ على الأمن العام وحماية الأرواح والممتلكات، وللحيلولة دون استغلال الجانحين والمتهورين من طرف بعض المغرضين، في تغذية أعمال الشغب وتأجيج الصراعات المفتعلة والغضب الشعبي لزعزعة الأمن والاستقرار، كان لزاما على السلطات إعادة الكرة مع بداية شهر فبراير 2016، بعقد اجتماعات بين مجموعة من كبار المسؤولين في وزارات: الداخلية، العدل والحريات، الشباب والرياضة، ثم رئيسي الجامعة الملكية والعصبة الاحترافية، وممثلي الدرك والأمن والقوات المساعدة والوقاية المدنية، أسفرت عن حزمة من القرارات القانونية والرادعة، الرامية إلى الحد من ظاهرة شغب الملاعب الرياضية في الأجل المنظور. وإذ تعتبر هذه المبادرة خطوة إيجابية، فإنها ولا ترقى إلى مستوى النفاذ لعمق المعضلة، التي تواصل زحفها في اتجاه حصد المزيد من الأرواح، كما هو الشأن بالنسبة لما عرفته مقابلة الرجاء/شباب الريف الحسيمي، التي آلت نتيجتها بفوز الفريق الأول: 2/1 بالمركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء عشية السبت الأسود 19 مارس 2016، حيث خلفت أحداث شغب بين الجمهور الرجاوي موت ثلاثة شبان في عمر الزهور، إصابة العشرات بما فيهم رجال الأمن واعتقال آخرين. وتحدث هذه الكارثة في وقت لم يمر كثيرا على صدور بلاغ مشترك بين تلك القطاعات، يكشف عن الرغبة في النهوض بالمنظومة الرياضية، عبر الاستعداد لتجهيز ملاعب البطولة الاحترافية، بالوسائل التكنولوجية الحديثة: وضع كاميرات للمراقبة في الملاعب وتحديث نظام بيع التذاكر، تأهيل البنيات التحتية وتهييء الظروف الملائمة لاستقبال الجماهير الرياضية، عبر ترقيم الكراسي وتوجيه الجمهور، توفير المرافق الصحية ووسائل الترفيه، وتأطير جمعيات المشجعين من لدن السلطات الإدارية المحلية وإشراكها في الاجتماعات التحضيرية والتنسيق معها في ما يتعلق بالأنشطة الاحتفالية... فأمام هذه الأحداث الأليمة، لا أعتقد أن من يعشق وطنه يرضى بتحول ملاعبه إلى مسارح للجريمة. ولكسب رهان الحد من شغب الملاعب، يلزمنا الانخراط الفوري في اتخاذ التدابير الوقائية، الكفيلة بحسن تنشئة أطفالنا في الأسرة والمدرسة، والحرص على إدماجهم في الأنشطة التربوية والترفيهية، وأن تعمل الشركة الوطنية «سونارجيس»، المكلفة بالتنظيم اللوجستيكي لمباريات البطولة، على ابتكار أساليب حديثة لإنعاش الملاعب، وجعلها فضاءات ذات جدوى وجاذبية لنشر القيم الراقية واستقطاب الأسر المغربية. وأن تسهر وزارة الشباب والرياضة على البلورة الفعلية لاستراتيجية وطنية تواصلية، للتحسيس بخطورة تفشي ظاهرة شغب الملاعب، بتنسيق مع كافة الأطراف المعنية...