أثناء زيارته إلى تيندوف وإلى الجزائر، أدلى الأمين العام للأمم المتحدة بتصريحات إحدى أكثرها خطورة التصريح الذي قال فيه :" إنني أتفهم غضب الشعب الصحراوي تجاه استمرار حالة احتلال أرضه ووطنه". ويضيف قائلا بأنه يدعو ممثله الخاص كريستوفر روس إلى إستئناف الجهود الديبلوماسية لخلق أجواء مناسبة لاستئناف المحادثات بين الأطراف من أجل حل النزاع. مثل هذه التصريحات تستوجب، من وجهة نظر القانون الدولي ، الإدلاء بالملاحظات التالية: أولا: تحدد المواد من 97 إلى 100 من ميثاق الأممالمتحدة طريقة تعيين ومهام الأمين العام. وتنص الفقرة الأولى من المادة 100 على أن :" ليس للأمين العام ولا للموظفين التابعين له أن يطلبوا أو أن يتلقوا، في تأدية واجبهم، تعليمات من أية حكومة أو من أية سلطة خارجة عن الهيئة. وعليهم أن يمتنعوا عن القيام بأي عمل قد يسيء إلى مراكزهم بوصفهم موظفين دوليين مسؤولين أمام الهيئة وحدها". ما يهمنا من هذه المادة هي الجملة الأخيرة، التي تؤكد على ضرورة عدم قيام الأمين العام والموظفين التابعين له بأية تصرفات أو مواقف أو سلوكات أو تصريحات من شأنها أن تضر بمصداقية الأممالمتحدة. وإذا علمنا أن تدخل الأممالمتحدة لحل الخلافات الدولية من خلال الأمين العام، يجب أن يتم في حياد تام. فإن التصريح الذي قدمه بان كي مون يخرق ميثاق الهيئة بمحاباته للجزائر للبوليساريو، باعتبار المغرب دولة محتلة للصحراء. ومثل هذا التصريح المسيء للمغرب لم يدل به أي أمين عام سابق في تاريخ الأممالمتحدة. هذا ينضاف إلى أن المتحدث باسم بان كي مون السيد "فرحان حق"، حينما رد على الاحتجاج المغربي قال:" بأن الأمين العام يعتبر أنه والأممالمتحدة شريكان حياديان في هذا الملف". وهذا دليل آخر على أن الأممالمتحدة وموظفيها يجب أن يتدخلوا بطريقة محايدة في النزاع. ثانيا: يوجد تناقض صارخ في التصريح الذي أدلى به بان كي مون. فمن جهة تحدث عن "احتلال" المغرب للصحراء، ومن جهة أخرى يدعو كريستوفر روس إلى مباشرة الاتصالات الديبلوماسية للعودة إلى المفاوضات، كما أقر ذلك مجلس الأمن بشكل نهائي منذ 2004، اقتناعا من مجلس الأمن ومن الأممالمتحدة بأن قضية الصحراء هي عبارة عن نزاع إقليمي لا يمكن حله إلا بالطريقة الواقعية والممكنة، والمتمثلة في المفاوضات المباشرة. ولم يذكر مجلس الأمن أبدا في قراراته بأن المغرب دولة محتلة للصحراء. وهنا يبدو التناقض الكبيروالصرخ لتصريح بان كي مون. ثالثا: مفهوم الإحتلال لا ينطبق على حالة الصحراء طبقا للقانون الدولي. جاء مصطلح " الاحتلال" لأول مرة في اللائحة التنفيذية المرفقة باتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 " حول قواعد وأعراف الحرب البرية". فنصت المادة 42 من هذه اللائحة (التي تشكل جزءا من الاتفاقية الرابعة)، قائلة:" تعتبر أراضي الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو". ورغم أن هذا التعريف غير واضح، لكن يلاحظ أنها ذكرت مصطلح "إحتلال إقليم دولة". والحال أن البوليساريو ليست بدولة معترف بها من قبل الأممالمتحدة. وبعد ذلك جاء تعريف الاحتلال في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية السكان المدنيين في حالة النزاع المسلح وحالة الاحتلال. حيث نصت المادة الثانية من الاتفاقية المذكورة على :"… تنطبق هذه الاتفاقية أيضا على جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة". ويلاحظ أن هذه المادة اشترطت ليكون هناك حالة إحتلال وجوب أن تقوم دولة طرف في الاتفاقية باحتلال جزء أو كل إقليم دولة أخرى طرف في الاتفاقية. والحال أن البوليساريو ليست طرفا في أية اتفاقية من اتفاقيات جنيف. بمعنى آخر أن هذا النص لا ينطبق على وجود المغرب في الصحراء، كون الجمهورية الصحراوية الوهمية لم تكن طرفا في الاتفاقية الرابعة المذكورة حينما استرجع المغرب صحراءه. في هذا الإطار يبدو أن بان كي مون يجهل أو يتجاهل القانون الدولي المتعلق بالاحتلال، اذ لا حق له مطلقا في اعتبار المغرب " دولة احتلال". وطبقا لقرارات الأممالمتحدة، خاصة قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، كان المغرب يعتبر دولة :" تمارس إدارة فعلية لإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي Administrateur de fait"، أي أنه مدير للإقليم بحكم الواقع. وهذا الأمر ينظمه الفصل الحادي عشر من ميثاق الأممالمتحدة الذي يتكون من مادتين 73 و74. ((قبل أن نحلل هذا الفصل أود الإشارة إلى الفصل 12 من الميثاق من المادة 75 إلى 85، الذي يهم نوعا آخر من الأقاليم التي تخضع للوصاية، وهي الأقاليم التي كانت فعلا مستعمرة ووضعتها الدول الاستعمارية تحت وصاية الأممالمتحدة ليسير بها مجلس الوصاية نحو الاستقلال. بمعنى أن هذا الفصل لا يهم المغرب إطلاقا)). وبالعودة إلى تحليل المادتين 73 و74 فإن المغرب قد امتثل بشكل كلي لما ورد فيهما. ومن الأمور التي جاءت في المادة 73 نذكر ما يلي:" هناك مبدأ أساسي يقضي بأن مصالح هذه الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، لها المقام الأول. فتلتزم الدولة المكلفة بإدارة هذه الأقاليم بالعمل على تنمية رفاهية أهل الأقاليم إلى أقصى حد مستطاع، ولهذا الغرض يكفلون تقدم هذه الشعوب في شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم، كما يكفلون معاملتهم بإنصاف وحمايتهم من الإساءة. وكل ذلك مع مراعاة الاحترام الواجب لثقافة هذه الشعوب. وكذلك الالتزام بتنمية الحكم الذاتي، ويقدرون الأماني السياسية لهذه الشعوب قدرها، ويعاونونها على إنماء أنظمتها السياسية الحرة نموا مطردا…". تجدر الإشارة إلى أن هناك حالات عديدة، اليوم، في القانون الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة، تعترف فيها الأممالمتحدة بوجود مناطق غير متمتعة بالحكم الذاتي، ولم تقل أبدا الأجهزة الأممية بأن الأمر يتعلق بالاحتلال. نذكر من تلك الحالات ما يلي: * حالة بريطانيا المسؤولة عن إدارة عشرة أقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي، ومنها جزر المالوين Malvinas وتسمى عند الإنجليز بجزر فولكلاند Falkland ومساحتها 11961 كلمتر مربع؛ وجزر برمودا؛ وجزر الكايمان Caimanes؛ وسانت هيلين؛ وجبل طارق… * حالة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تدير الأقاليم التالية: الجزر العذراء الأمريكية les iles vierges américaines ومساحتها 340 كلمتر مربع؛ وغوام Guam ومساحتها 540 كلمتر مربع؛ وجزر ساموا 197 كلمتر مربع. * بالنسبة لفرنسا تدير الأقاليم التالية: بولينيزيا الجديدة 4167 كلمتر مربع؛ وكاليدونيا الجديدة 35853 كلمتر مربع. في هذه الحالات كلها، لم تستعمل الأممالمتحدة تعبير الاحتلال، وبالأحرى في قضية الصحراء المغربية. مع العلم أن أغلب الحالات السابقة تعود إلى الفترة الاستعمارية التقليدية، وتلك الأقاليم تبعد آلاف الكلمترات على الدول المديرة لها، فكيف يمكن استعمال تعبير الاحتلال بالنسبة للصحراء التي هي منطقة تابعة تاريخيا وديموغرافيا وجغرافيا ودينيا ومذهبيا ولغويا وثقافيا للمملكة المغربية. يجدر التذكير بأنه، أمام التزام المغرب بكل واجباته في التنمية المستدامة في الصحراء طبقا للمادتين 73 و74 من الميثاق السابقة الذكر، وأمام التزام المغرب بكل قرارات الأممالمتحدة في هذا الصدد، وتقديرا لهذا المجهود المغربي غيرت الأممالمتحدة موقفها السابق حول ضرورة اجراء استفتاء في الصحراء، وأصبحت تدعو إلى حل سياسي متفاوض بشأنه، وأصبحت الأممالمتحدة تعتبر قضية الصحراء نزاعا إقليميا يجب حله بالتراضي بين الأطراف في إطار مفاوضات بناءة. بمعنى آخر أن الأممالمتحدة تخلت عن مسألة الاستفتاء لمصلحة الحل السياسي الواقعي والمقبول. وذلك ما جاء في قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2001 إثر صدور قرار المجلس رقم 1359، الذي أيد مشروع الاتفاق الإطار الذي قدمه جيمس بيكر في نفس السنة، وصار مجلس الأمن يؤكد في كل سنة على هذا الحل السياسي إلى غاية قراره الأخير في 2015. بمعنى أن الأممالمتحدة تخلت نهائيا على مسألة تقرير المصير عن طريق الاستفتاء الذي ثبت لدى الجميع بأنه حل غير واقعي وغير ممكن التطبيق. وإضافة إلى ما سبق لا بد من التنويه بكون أن المغرب إقترح مشروع الحكم الذاتي منذ 2007، وهو مقترح نال قدرا كبيرا من الدعم الدولي، خاصة من قبل القوى العظمى كالولاياتالمتحدة وفرنسا. معتبرين أن المغرب قد قدم حلا قابلا للتطبيق وأن المملكة المغربية قد عبرت عن حسن نيتها في إيجاد حل نهائي للنزاع في الصحراء. رابعا: من الناحية القانونية والواقعية لا يمكن اعتبار البوليساريو حركة تحرر وطني تمثل شعبا أو دولة محتلة أو حتى إقليما محتلا. وذلك لعدة أسباب، منها: * السبب الأول: حركة البوليساريو أنشأها مواطنون مغاربة. فأول قائد مؤسس لها هو الولي مصطفى السيد، الذي ولد عام 1948 ببئر لحلو شمال الصحراء المغربية، وكان يعيش مع عائلته في مدينة طانطان المغربية، ثم التحق بالتعليم الأصيل في مدينة تارودانت، وتابع دراسته الثانوية بالرباط، ثم التحق بجامعة محمد الخامس حيث حصل على الإجازة في الحقوق عام 1970. وقتل في عام 1976 في معركة عسكرية في موريتانيا. أما خليفته محمد عبد العزيز، فقد ولد هو أيضا في عام 1948 بمدينة مراكش وتابع دراسته الثانوية بنفس المدينة كما تابع دراسته الجامعية بمدينة الرباط إلى غاية 1975. حيث التحق بجبة البوليساريو وأصبح قائدا لها مدى الحياة. هؤلاء هم قادة البوليساريو الذين ولدوا في المغرب وترعرعوا فيه لا يمتون بصلة لما يسميه سجناء " الحرب الباردة" و أسرى الحسابات الاقليمية من جيراننا ب " الشعب الصحراوي"، فهم عبارة عن مغاربة منشقين ومعارضين إستفادوا من دعم الجزائر وليبيا لتكوين كيان وهمي. * السبب الثاني: جبهة البوليساريو أنشئت عام 1973. أي أنها لم تكن موجودة أثناء الاحتلال الإسباني لكي تعتبر حركة تحرر وطني. وقد تم إنشاءها بعد أن عبرت إسبانيا صراحة عن نيتها في الانسحاب من الصحراء. ثم أن البوليساريو لم تنشأ في إقليم الصحراء وإنما نشأت على أرض الجزائر وبدعم من الحكومة الجزائرية والحكومة الليبية اللتان كانتا تمتلكان موارد مالية هائلة بفضل عواد البترول والغاز. وعلى العكس فإن المغرب مباشرة بعد استقلاله طالب إسبانيا باسترجاع الصحراء. غير أن إسبانيا قسمت المنطقة التي احتلتها إلى شطرين: شطر ستعيده إلى المغرب ويتضمن إفني وطرفاية عام 1979. وشطر فضلت عدم تسليمه بتواطؤ مرة أخرى مع الجزائر وليبيا. ومن الناحية الجغرافية والتاريخية والديموغرافية لا يمكن فصل إفني وطرفاية عن باقي الأقاليم الصحراوية. * السبب الثالث: تتفق جميع المصادر الدولية على أن الجزائر وليبيا لعبت دورا رياديا في الدفاع عن البوليساريو، بعد خلقها، في كل المحافل الدولية. واستطاعت هاتان الدولتان كسب الدعم لهذا الكيان المصطنع في العديد من البلدان إلى ان تم الاعتراف بها من قبل منظمة الوحدة الإفريقية. غير أن عدد الدول التي اعترفت بالجمهورية الوهمية لا تتجاوز اليوم 38 دولة من أصل 194 دولة عضو في الأممالمتحدة، وهي في معظمها من الدول المجهرية أو الفقيرة التي تتلقى دعما ماليا من الجزائر. وكان آخر من إعترف بها هو جنوب السودان عام 2011. غير أننا يجب أن نذكر بأن 48 دولة أخرى كانت قد اعترفت بالجمهورية الصحراوية وسحبت الآن الاعتراف بها، فمنذ فقط عام 2010 سحبت 17 دولة الاعتراف بالبوليساريو والجمهورية المصطنعة. هذه بعض عناصر الترافع التي قد تكون مفيدة لديبلوماسيتنا الموازية وللحديث بقية..