يقف أبو محمد قرب نافذة في مبنى ويرسل من هاتفه النقال رسالة عاجلة إلى شبكة سرية من الزملاء يقول فيها «إقلاع حربي روسي باتجاهكم: انتباه». بعد لحظات، تعلو أصوات صفارات الإنذار في منطقة واقعة تحت سيطرة المعارضة ويركض السكان للاختباء. والرسائل التي يتداولها أعضاء الشبكة عبر تطبيق «واتس آب» جزء من جهد مشترك بين مجموعة من الناشطين المدنيين وآخرين من الفصائل المقاتلة في مناطق عدة من سوريا يطلق عليه اسم «المراصد». ومن مواقعهم قرب مطارات عسكرية تابعة للنظام السوري، يستخدم بعض اعضاء الشبكة اجهزة اتصال لاسلكية وخدمات رسائل هاتفية لتحذير ناشطين آخرين ومسعفين ومقاتلين من طائرات حربية تتجه نحوهم. ويرصد الناشطون حركة الطائرات الروسية او السورية وينجحون باعتراض بعض المكالمات والاتصالات المتعلقة بطلعات هذه الطائرات، بحسب قولهم، بواسطة اجهزة رفضوا الكشف عنها. ثم يعمدون الى محاولة فك شيفراتها لتحديد الجهة التي تقصدها. ورفض ناشطو «المراصد» الكشف عن اسمائهم او اماكن تواجدهم لاسباب امنية. ووافق ابو محمد على التصريح لوكالة فرانس برس باسم مستعار. ويقول انه يتواجد بالقرب من موقع للجيش السوري في محافظة اللاذقية (غرب) حيث عمد الى اطفاء الانارة من حوله كي لا تكشفه طائرات الاستطلاع الروسية وليتمكن من متابعة رصد حركة الطائرات الحربية. ويروي ابو محمد «اعلم متى تقلع الطائرات، وفي اللحظة الذي يحصل ذلك اخبر الناس انها انطلقت باتجاههم». ويضيف «وحين يصل الخبر اليهم يختبئ البعض في ملاجئ وآخرون في انفاق تحت الارض». ومنذ بدء النزاع السوري قبل حوالى خمس سنوات، تتهم منظمات حقوقية قوات النظام باستهداف المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة بشكل عشوائي دون التمييز بين عسكريين ومدنيين. وذكرت منظمة العفو الدولية اخيرا ان روسيا قتلت العديد من المدنيين منذ بدء حملتها الجوية في سوريا في 30 شتنبر، الامر الذي تنفيه موسكو مشددة على انها تستهدف تنظيم الدولة الاسلامية و»مجموعات ارهابية اخرى». ويؤكد ابو عمر، احد ناشطي المراصد في اللاذقية والذي رفض ايضا ذكر اسمه الحقيقي، انه وزملاءه منظمون في وحدات. ويقول «الفكرة تكمن في تحذير الناس والثوار من الطيران والقصف (...) المرصد ضروري جدا في سوريا ولا يتبع ايا من الفصائل». وتعمل المراصد بشكل سلسلة. فحين تنطلق طائرة روسية من مطار حميميم في اللاذقية مثلا، يحذر احد الناشطين زملاءه في المحافظات التي يتوقع ان تتجه المقاتلة اليها، ويعمد هؤلاء بدورهم الى تحذير الناشطين المحليين ومقاتلي الفصائل. وتستخدم موسكو قاعدة حميميم العسكرية مقرا لقواتها. ويؤكد ناشطون يعتمدون على تحذيرات المراصد اهميتها. ففي محافظة حمص في وسط البلاد، يقول حسان ابو نوح انه يترقب رسائل التحذير حول الطائرات الحربية المتجهة الى اجواء تلبيسة في الريف الشمالي والتي تتعرض دائما لغارات تشنها الطائرات الروسية والسورية. ويضيف متحدثا لفرانس عبر الانترنت «حين بدأ النظام باستخدام الطيران الحربي والمروحي ضد المناطق المدنية، بدأ الشباب يبحثون عن طرق لتنبيه المواطنين»، مشيرا الى «محاولات عدة حتى توصلوا اخيرا الى تركيب اجهزة اتصال لاسلكية على مآذن المساجد». ويتيح ذلك للناشطين تحذير سكان البلدة كلهم. وعلى سبيل المثال من النداءات التي تبثها اجهزة الاتصال اللاسلكية «مروحية برميل دخلت الاجواء من الشرق. انتباه. مدنيين انتباه. اخلوا الشوارع. اخلوا التجمعات». وبات عمل المراصد اكثر تعقيدا مع بدء روسيا حملتها الجوية، اذ اصبح على الناشطين ان يفككوا شيفرات الطائرات باللغة الروسية. ويوضح ابو نوح «بعد فترة استطاع الشباب تفكيك رموز الاتصالات الروسية بالاضافة طبعا الى مراقبة حركة الطيران ان مباشرة عبر مشاهدتها او بالصوت». في ريف حلب (شمال)، يعتمد السكان ومسعفو الدفاع المدني على ثلاث قنوات لاجهزة الاتصال اللاسلكية للتواصل في ما بينهم حول الغارات الجوية، بحسب ما يقول الناشط الاعلامي عادل بخصو. وظهرت المراصد في بلدته عندان منذ حوالى ثلاثة سنوات لتصبح ضرورية جدا مع بدء الطيران الحربي التابع للنظام بالقاء البراميل المتفجرة. ويوضح بخصو «في ظل حملة القصف بالبراميل المتفجرة التي شهدتها محافظة حلب في النصف الاول من العام 2014، كانت عندان والقرى المحيطة بها تتعرض بشكل يومي لما لا يقل عن عشرة براميل متفجرة، الى جانب غارات الطيران الحربي». ويضيف «قامت المراصد وفرق الدفاع المدني بدور مميز عبر اعلام الناس بقدوم المروحيات او دخول الطيران الحربي الاجواء وتشغيل صفارات الانذار قبل وقت من وصولها لتفض التجمعات ويسارع المواطنون الى الاقبية». وحين تنطلق صفارات الانذار يبقى امام المواطنين بين خمس الى سبع دقائق للاختباء في الاقبية او الفرار الى قرى مجاورة. وبحسب بخصو، بنى المجلس المحلي في عندان مؤخرا خمسة ملاجئ اضافية معززة بسواتر اسمنتية بعضها تحت الارض. ويخلص ابو نوح الى القول «المراصد مسألة مصيرية... لقد انقذت ارواح العديد من المدنيين».