ماذا عساني أن أقول عن فاطمة المرنيسي, أنا التي بالكاد أتهجى لغة الكتابة والبحث العلمي؟ ماذا أقول عن سيدة شكلت وعي أجيال وأجيال من النساء والرجال؟ ماذا أقول عن التي آمنت بحلم الطيران على أجنحة الحلم وطارت بالفعل وصارت كتاباتها ملكا للإنسانية جمعاء؟ماذا أقول عن التي جسدت مفهوم المثقف العضوي دون شعارات رنانة وخرجت من أسوار الجامعة للقاء نساء ورجال من المغرب العميق وسافرت معهم على قوافل الأمل؟ ماذا أقول عن التي اعطت لمفهوم البراكتيس السارتري جسدا وكينونة فعلية جسدتها في أبحاثها الميدانية وورشات الكتابة مع الشباب؟ماذا أقول عن التي أعادت خلق السندباد البحري وجعلته أسمى صور الإختلاف والتسامح مقارنة بينه وبين الكوبوي المستعد لإفراغ محتوى مسدسه في الغريب؟ ماذا أقول عن التي جعلت من حوار الحضارات واقعا ممكنا رغم الإختلاف؟ ماذا أقول عن التي سافرت بالشهرزاد وجعلتها تغادر بغداد لتصير صورة لكل امرأة تسعى إلى الحرية والتحرر؟ ماذا أقول عن التي لم تختر بين الأنوثة والتفكير وكانت امرأة في كامل أناقتها تفكر؟ مفكرة تفكر في كامل أبهة النساء ولباسهن وحليهن وجمالهن؟ لا أعرف ماذا أقول عن التي علمتنا أن العالم ليس حريما وعن التي شجعت تلعثماتنا الأولى في بحر البوح وجعلت تشجيع النساء إحدى مهامها الأساسية؟ ماذا أقول عن المحاورة اللبقة؟ عن المواطنة العالمية التي جابت الافاق وحاورت المختلف في كل مكان وحازت على إعتراف العظماء؟. إنها ليست فاطمة بل عدة فواطم اجتمعن في امرأة واحدة. إنها لوحدها عالم, شعب من النساء متعطشات للمعرفة, مشبعات بالأمل وتواقات إلى عيش كريم. لن أستطيع إيفائها حقها و لهذا سأركز فقط على كتابها «الجنس, الإيديولوجيا والإسلام «كتابها الأول الذي أعترف أنه خلق وعيي النسائي وأعتقد ان هذا التأثير شمل اجيالا كاملة تربت على كتابات فاطمة المرنيسي. لقائي مع كتابات فاطمة المرنيسي كان في سن السادسة عشرة مع كتابها « الجنس, الإيديولوجيا والإسلام « حيث التقيت التحليل السوسيولوجي والتاريخي للأطر الاخلاقية التي تحكم وضعية النساء في المغرب.كنت قد قرأت آية النشاز وسخطت على المقدس.قرأت عن علاقة النبي محمد بنسائه المتسمة بالمودة والرحمة والتساكن وهشاشة رجل طبعته طفولة اليتم بالرغبة في الحنان والعطف وجسده في علاقته بزوجاته. كنت مرتبكة امام هذا التناقض بين قول الرسول « مااكرم المرأة إلا كريم وما أساء إليها إلا لئيم» كنت مرتبكة بين هذا وووضعية المرأة الفعلية في مجتمعاتنا العربية الاسلامية وجاء الكتاب الأول لفاطمة المرنيسي كمنقذ من الضلال. لقد حللت في هذا الكتاب تاريخ التشكلات التاريخية لتأويل المتن المقدس قرآنا وحديثا وسيرة. لقد فهمت أكثر من غيرها أن التقاليد والأعراف التي تحتقر المرأة معظمها آت من تأويل خاطئ للمتن الديني. إن التأويل السلفي للمتن الديني تأويل رجالي يتلبس عباءة التقاليد والتقديس ليبقي المرأة قيد المجال البيتي ويحجر على عقلها وجسدها. شرحت فاطمة المرنيسي الجنسانية الأنثوية باعتبارها جنسانية حيوية وليست سلبية تابعة كما يريدها الرجال. إن جنسانيتها فعالة لهذا تخيف الرجال ولهذا يضطرون إلى إخفائها وحجبها عن الأنظار. إن الخوف من الإغراء الأنثوي وسطوته هو مايخيف الرجال ولهذا يعمدون إلى قصر المرأة في المجال الداخلي وتقزيم حضورها في الساحة العمومية. يبررون ذلك بخليط من الموروث والتقاليد والمقدس. حين قرأت الكتاب فهمت أن المشكلة في الرجال وخوفهم وليست أبدا في ضعف مفترض في المرأة أو نقص دين وعقل. الضعيف يخلق قوانين ليحمي نفسه من القوي وهذا مافعله الرجال على امتداد العصور فمماذا يخاف الرجال اذن؟ وكيف السبيل إلى تحرير النساء؟ أعتقد أن خطورة كتابات لفاطمة المرنيسي هي أنها تقول خوف الرجال. انها تضع الاصبع على موطن الخلل. الرجال خائفون من القوة الجنسية للمرأة لهذا يقمعونها ويحاصرونها ويحجبونها. إن المشكلة هي في الرجال لهذا فهي تقول دائما أن من سيحرر المرأة هم رجال تحرروا من خوفهم وتستدل بنموذج قاسم أمين ومصطفى آتاتورك. إن مهمة تحرير المرأة منوطة بوجود رجال تحرروا من خوفهم من القوة الجنسية والفكرية للمرأة. خوف الرجال هذا خوف كوني لهذا مست كتابات المرنيس الغرب : المرأة أقوى جنسيا وهي التي تمتلك أسرار نسب الأطفال ولهذا فالرجال خائفون ومضطربون. إن الخطاب السلفي ومايدور في فلكه من تأويلات يقول بأن المرأة هي فتنة والفتنة لاتكون إلا بالخوف لهذا هي أشد من القتل. النقطة الثانية التي تحدث رجة في الفكر هي أن وضع الجنسانية في الإسلام مختلف عن تصورها في المسيحية. في هاته الأخيرة الجنسانية شر ويجب تجنبها ابتغاء الفضيلة في حين أن الإسلام يعترف بالقوة الايجابية للجنس وللإستمتاع شرط أن يكون في الإطار الشرعي وفي هذا يكون الإسلام في تصوره للجنس اكثر حداثة و أقرب إلى التحليل النفسي ومفهوم الليبيدو. تحلل فاطمة المرنيسي علاقة الرسول بزوجاته فتجد أنها كان يميل إلى الحنان والرفق ألم يقل «رفقا بهاته القوارير» ويميل الى الإعتراف بقدراتهن العقلية ويقول «خذوا نصف دينكم عن هاته الحميرة « وكان يقصد عائشة. كل هذا ينساه المؤولون فيمزجون العادات المعادية للمرأة بتأويل رجالي للدين لكي يبقوا النساء قيد السيطرة وليخفوا بذلك قلق الرجولة الكوني. توالت كتابات فاطمة المرنيسي فيما بعد وتشعبت إصداراتها وكلها يوجهها رابط في نظري هو الكتابة ضد الخوف : الخوف من النساء, الخوف من الاختلاف, الخوف من الحداثة. إنها تؤسس لضرورة الحوار بين الحضارات وبين الجنسين. لقد شكلت كتاباتها متراسا ضد الخوف من الحداثة وأعادت بناء تصوراتنا عن الإسلام والديمقراطية مثلا. نعم يمكن التوفيق بين الإسلام والديمقراطية. الإسلام الذي يخدم قيم المواطنة ممكن شرط إعادة قراءته وإصلاحه من داخل المرجعية الدينية وبتوافق مع قيم الحداثة والديمقراطية . إنها تؤسس لإسلام كوني واليوم في فرنسا بل في العالم أجمع خاصة بعد الأحداث الإرهابية ماأحوجنا إلى كتابات المرنيسي عن الإسلام الكوني, إسلام الإنفتاح, إسلام العارفين, إسلام المتصوفة وليس إسلام فقهاء الظلام. هذا ما آمنت به فاطمة المرنيسي ومادافعت عنه لهذا كان موقعها في لجنة الحكماء للحوار بين الحضارات إختيارا صائبا وذا معنى ولهذا كان قدرها الكوني من خلال الترجمات والجوائز العالمية قدرا مستحقا لإبنة فاس التي انطلقت من الخصوصية إلى العالمية. *محللة نفسانية وروائية جنوب فرنسا