وصل رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، إلى قمة الديماغوجية، وهو يتهجم على وزير التربية الوطنية، رشيد بلمختار، في البرلمان، أمام الكاميرات، بهدف دغدغة العواطف «العروبية»، لدى الشعب، في قضية لا تحتمل الشعبوية والديماغوجية. فما هو هذا الأمر الخطير، أو كما تقول العرب، «الأمر الجَلَلُ»، الذي يستدعي من رئيس الحكومة، أن يتهجم على وزير في حكومته على «رؤوس الأشهاد»، أي أمام الرأي العام؟ الأمر يتعلق بمذكرة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، تقضي بتدريس المواد العلمية (الرياضيات والعلوم الفيزيائية ) باللغة الفرنسية، في تخصص الجذع المشترك التكنولوجي وشعب ومسالك التقني الصناعي في جميع مستوياتها، علما بأن المواد الأخرى في هذا التخصص تدرس كلها بالفرنسية. ويمكن القول إن هذا القرار صائب، لأنه ينسجم مع تخصص هذه الشُعَب، وربما يهيء لقرارات أخرى صائبة تتعلق بمراجعة تدريس الرياضيات باللغة العربية، في الوقت الذي تدرس في الجامعات المغربية باللغة الفرنسية. وحتى نضع الأمور في نصابها، فإن قرار التعريب يسري فقط على التعليم العمومي، أي على أبناء الفقراء، أما أبناء الأغنياء والطبقات الوسطى الميسورة، فإنهم يدرسون أبناءهم في المدارس والإعداديات والثانويات الخصوصية، حيث يغلب التعليم باللغة الفرنسية ، مع انفتاح كبير على اللغة الإنجليزية. وكما يعرف الجميع، فإن بنكيران نفسه يستثمر في التعليم الخصوصي، الذي يمنح للتلاميذ والطلبة برامج وأصنافا أخرى من التعليم، يركز على اللغات الأجنبية، و لاعلاقة له بما يخصص لأبناء الفقراء، في التعليم العمومي. بالإضافة إلى كل هذا، فإن تعلم اللغات الأجنبية، وإتقان اللغة الفرنسية، عبر تدريس المواد العلمية بها، لا يناقض الهوية المغربية، بكل تنوعها، و لا أي هوية أخرى. فالمسألة براغماتية أكثر منها مسألة مبدئية، حيث إن إتقان اللغات الأجنبية قضية مرتبطة بالقدرة على التواصل والتفاعل مع ما يجري في العالم، وحبذا لو أن أبناء المغاربة كانوا كلهم يتقنون اللغة الإنجليزية، ولغات أخرى عالمية. أما بالنسبة لخطاب رئيس الحكومة في البرلمان، فتنقصه اللياقة، ويعبر عن منهجية سياسية لا تراعي أي ضوابط وأخلاقيات تنظم عمل الجهاز التنفيذي، حيث كان من الممكن أن يناقش الخلاف حول هذه النقطة في حوار ثنائي أو في مجلس حكومي، غير أن بنكيران أراد أن يسجل نقطة في حملة انتخابية مبكرة، ليضحك على ذقون الفقراء، الذين لا مَفر لهم سوى التعليم العمومي. ويكشف هذا التعامل عن الحدود التي يمكن أن يتجاوزها الخطاب الشعبوي الديماغوجي، الذي لا يراعي مصلحة أبناء الشعب، بل ما يهمه هو تحقيق مكاسب انتخابية مهما كان الثمن.