عسكريون أمريكيون: تزود المغرب بمروحيات "الأباتشي" يردع الإرهاب    الإصلاح يتواصل بمراكز الاستثمار    المغرب ينتقي شركات للهيدروجين الأخضر    عملية رمضان 1446.. توزيع 1456 حصة غذائية في مدينة شفشاون    الحزب الاشتراكي الموحد فرع تمارة يحيي اليوم الأممي للمرأة 8 مارس    استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر.. حالة من الهوس المرضي الذي يعاني منه النظام الجزائري تجاه المغرب    المنتخب النسوي بالرتبة 60 عالميا    مأساة الطفلة ملاك.. بالوعة قاتلة تُعيد فتح ملف الإهمال بالمغرب    بعد محاولات إنقاذ صعبة لساعات... السلطات تعثر على طفلة ابتلعتها قناة للصرف الصحي ببركان    حزم أمني ضد مروجي المفرقعات بطنجة.. مداهمات وتوقيفات في الأفق    رسميًا.. إعلان موعد إقامة بطولة كأس العرب 2025    بوريطة يؤكد أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب ودول مجلس التعاون في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية    أمن طنجة يحبط محاولة تهريب أزيد من خمسة أطنان من المخدرات بضواحي مولاي بوسلهام    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الخميس    أسعار الخضر تواصل الارتفاع في شهر رمضان.. الفلفل يتجاوز 16 درهما والطماطم تستقر في 10 دراهم    حملة مراقبة تغلق محلَّات تجارية في شفشاون وتحجز حجز مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك    المغرب يستضيف دوري دولي في "الفوتسال" بمشاركة أربع منتخبات    "القسام" تلتزم باتفاق وقف الحرب    وكالة بيت مال القدس تواصل توزيع حصص الدعم الغذائي على أهالي القدس بمناسبة شهر رمضان    سلسلة 'صلاح وفاتي' تتصدر المشهد على القناة الأولى وتحقق رقما قياسيا في نسبة المشاهدة    ممثل البنك الأوروبي للاستثمار يشيد بالتقدم الملحوظ للمغرب تحت قيادة جلالة الملك    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    بايتاس: 12 ألف منصب شغل مرتقب في منطقة التسريع الصناعي ببن جرير    الفنان ابراهيم الأبيض يطل علينا باغنية "أسعد الأيام" في رمضان    مرصد: مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالمملكة تسجل 2,04 مليون ليلة مبيت    بايتاس يطمئن المغاربة بشأن مراقبة المواد الأساسية ويؤكد على الوفرة في المنتجات    على عتبة التسعين.. رحلة مع الشيخ عبد الرحمن الملحوني في دروب الحياة والثقافة والفن -06-    السلطات تمنع تنقل جماهير اتحاد طنجة نحو فاس لمؤازرة فريقها أمام "الماص"    مانشستر يونايتد يدخل التنافس على خدمات نايف أكرد    قمة الدول العربية الطارئة: ريادة مغربية واندحار جزائري    جون ماري لوكليزيو.. في دواعي اللقاء المفترض بين الأدب والأنثربولوجيا    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية مرتقبة اليوم الخميس بعدد من مناطق المملكة    شركة لإيلون ماسك تفاوض المغرب لتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في الصحراء المغربية    الملك يهنئ رئيس غانا بالعيد الوطني    الكاف: إبراهيم دياز السلاح الفتاك لأسود الأطلس وريال مدريد!    الأداء السلبي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    قصص رمضانية...قصة الصبر على البلاء (فيديو)    سكينة درابيل: يجذبني عشق المسرح    توقعات نشاط قطاع البناء بالمغرب    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    "مرجع ثقافي يصعب تعويضه".. وفاة ابن تطوان الأستاذ مالك بنونة    الفاتنة شريفة وابن السرّاج    السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    كأس العرب قطر 2025 في فاتح ديسمبر    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    تقارير تنفي اعتزال اللاعب المغربي زياش دوليا    بريظ: تسليم مروحيات أباتشي يشكل نقلة نوعية في مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    اليابان.. قتيل وجريحان في انفجار بمصنع لقطع غيار السيارات    قمة أوروبية طارئة بمشاركة زيلينسكي على ضوء تغير الموقف الأمريكي بشأن أوكرانيا    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المدينة المغربية في الزجل والملحون» لسعيد بنفرحي احتفاء بالمكان وعلاقة ود موصول

صدر للباحث سعيد بنفرحي كتاب «المدينة المغربية في الزجل والملحون»، وهو محاولة رصدية للمكان كرمز يستدعي الذاكرة داخل كل واحد منا، حيث تنبعث رائحة المكان مع كل استحضار لشريط الذكريات، هذا المكان الذي ينتصب مدينة، قرية، بيت، تلة، بحر... لذا اجتهد الكتاب والشعراء في الاحتفاء به في نصوصهم كشكل من أشكال حفظ الذاكرة، وحفظ الود الذي يجمعهم به.
كتاب «المدينة المغربية في الزجل والملحون» يغرد داخل هذا السرب ، مثل الطيور التي تحن الى أعشاشها فتعزف ألحانها بنوتات الحنين.
الكتاب يتقدمه تصدير للدكتور عباس الجراري وقد جاء فيه:
«تعتبر المدينة في المفهوم الجغرافي المادي تجمعا عمرانيا تلتئم فيه ثلة من الناس يضمهم جوار وتربطهم مصالح مشتركة. وهي في المدلول الحضاري مظهر متطور لحياتهم في هذا التجمع، بما يكون لهم بالعيش داخله من سلوك يجعله بالنسبة إليهم مجالا ليس لهذا العيش فحسب، ولكن كذلك إطارا للتواصل والتعاون والتفاعل والتحاور والتحاب.
ولعل هذا المستوى من الارتباط هو الذي جعل الناس على وجه العموم، وخلال مختلف الحقب والمراحل، يتخيرون لمواقع إقامتهم المكان الملائم لحياة رغدة هنية وسعيدة، أي الملائم بساكنيه ليكون ملتقى فكريا ونفسيا تشده أو تشد القاطنين إليه ذكريات وعهود ومواقف، تجعله بالنسبة إليهم وطنا يلتحمون به، مهما تكن التطورات التي يعرفها هذا الوطن، أو يعرفها ساكنوه، بكل ما يمثله لهم وما يؤمنون به من مبادئ وثوابت ومقومات ومرجعيات.
وهو التحام يمس طبيعته وما تزخر به من خيرات، كما يمس أنماط الحياة والسلوك فيه، وما يتصل بذلك كله من معارف وفنون وتقاليد وأعراف هي وليدة الثقافة المتداولة والمتوارثة فيه، بدءا من تاريخ المكان إلى جهود أهله في تنميته وترقيته والنهوض به، وقبل ذلك في الدفاع عنه، وإنه لوضع لا يتغير إن لم يكن يزيد، حتى حين تكون المدينة تعاني مشكلات وأزمات، كأن تكون معرضة للتوسع والتضخم، مما قد يجعل السكان يشعرون ببعض الضيق، أمام طغيان المعالم المادية التي قد تطغى بضغوطها المتراكمة، وما ينتج عنها من قيم جديدة تفرزها وتفرضها على المجتمع بما يغير طبائعهم وما كانوا قد ألفوا فيه.
ورغم ذلك تبقى المدينة هي هي، أي قائمة بأهلها وما يتبادلونه فيها من نشاط، باعتبارها الواسطة الجامعة بينهم والحاوية لرغباتهم وأحلامهم وهمومهم كذلك، ومن ثم لا غرابة أن تكون لها في نفوسهم - ولا سيما منهم الكتاب والشعراء وسائر الأدباء والفنانين - مكانة متميزة يبوئونها فيه رمزا يكاد يكون مقدسا، بدءا من اعتبارها موطن المولد إلى مكان النشأة والتربية والتعليم والعمل، بل باعتبارها مناط الوعي الذي تبلور في نفوسهم عبر كل تلك المراحل التي لا يلبث الفرد منهم يستعيد فيها ذاكرته، ويسعى إلى حفظها وصيانتها وتأملها بالكثير من الحنين والفخر والاعتزاز.
ومن ثم لا نستغرب إذا وجدنا المبدعين في مختلف أنماط التعبير يتغنون بجمال طبيعة مدنهم، أو مدن أخرى أقاموا فيها وعشقوها، يستحضرون تاريخها ويستذكرون مآثرها ويشيدون بأعلامها ويطربون لفنونها ويتشبثون بعاداتها وتقاليدها، وربما لجأوا إلى إثارة منافستها مع غيرها، ولا سيما مع المدن المجاورة لها أو المشابهة، مما تنشأ عنه بعض الظواهر الانسانية كالمدح والرثاء وربما الانتقاد والهجاء كذلك.
وإذا كان الأدباء في كل زمان ومكان قد تغنوا بمدنهم على هذا النحو بما هو معروف عن شعراء العربية منذ القديم حتى الآن على سبيل المثال، فإن تعبيرهم - ومن بينهم المغاربة - ما كان ليقتصر على المغرب من القول، بل تعداه إلى ماهو عامي، وفق ما نقرأ في هذا السفر النفيس الذي جمع فيه الأستاذ الصديق الدكتور السعيد بنفرحي نخبة من نصوص الزجل والملحون لمبدعين، وصفوا مدنا بعينها وأعربوا عما لها في نفوسهم من مشاعر جميلة.
وعلى الرغم من أن الأمر لم يكن سهلا بسبب تفرق تلك النصوص وصعوبة الوصول إليها، سواء أكانت منشورة في دواوين أم مدمجة في أقراص غنائية، فإن الباحث على ما هو معروف عنه من دؤوب ومثابرة ومن حرص وصبر، قد وفق إلى جمع باقة منها لاشك أنها تبرز مدى شغف أصحاب هذه النصوص بالحواضر التي عاشوا فيها أو تعلقوا بها فأحبوها ولم يكتموا هذا الحب، بل كشفوه وأذاعوه مشيدين به ومعتزين.
وإني لأهنئ الأخ الكريم الأستاذ الدكتور السعيد بنفرحي على هذا الإنجاز الذي هو لا شك لبنة تضاف إلى ما أغنى به المكتبة المغربية من دراسات قيمة، مع الدعاء بدوام عون الله وتوفيقه واطراد مدده وسداده».
كما تضمن الكتاب تقديما للدكتور حسن أميلي جاء فيه:
«تعتبر العلاقة بين المبدع والفضاء المديني عموما، نثرا أو قريضا، فصيحا أو زجلا، علاقة سديمية متواصلة تلميحا أو تصريحا، يمثل فيها الركح المديني سندان الخامات، ويلعب فيها المبدع دور الواصف والنابش والمقلب والكاشف والمعدل للشوائب، ديدنه في ذلك التبئير لسمات وخصائص المكان/الأمكنة، وإجمال مزاياها أو تناقضاتها في قالب عاطفي أو نقدي، أو وفق ما يستفز خياله، وتنبري بها شطحاته.
وهذه العلاقة التي هي أرحب أفقيا، بحيث لا تقتصر على مدن بعينها، بل تتمدد مع الحيز الجغرافي الذي لا تتقيد هذه العلاقة في نطاقه العام، سواء في بعدها المكاني الذي تنتشر فيه القصيدة الزجلية لا يتقيد بمدينة معينة دون غيره من مدن المغرب حسب انشطار الذات/الذوات الزاجلة، مثلما كونها أعمق عموديا زمنيا قدر نشوء القصيدة وتبلورها واستمراريتها إلى راهنية الوقت بحسب النصوص المجسدة لتلك العلاقة.
لقد فرضت المدينة حضورها في القصائد الزجلية كفضاء طاغ، لا يفوقه حضورا إلا الفضاءات الداخلية للذات/الأنا، باعتبارها مقرا للتمثلات المشتركة، وللروابط المختلفة وفق مستوياتها، الكينونية، والمعرفية، والاجتماعية، والطبقية، الوصفية، مع ما يفرضه ذلك من تسلسل غالبا ما ينطلق من عاطفة المديح الانتمائي، ظاهره ومضمره، إلى مقاربة الاختلالات التناقضية، وانتهاء بمساءلة الوجود الذاتي داخل الفضاء المدني بما ينتاب المبدع من مناجاة و أحاسيس ومشاعر التفاعل معه، إيجابا أو سلبا.
إن القصيدة الزجلية في تطرقها إلى المدينة كليا أو جزئيا - على غرار الفصيحة - بفضل ما تحبل به من توصيفات مجالية، ومن أحداث ووقائع، ومن إبراز لقيم العيش المشترك تثمينا أو نقدا، تشكل شهادات حية عن زمانها، و مصادر لتفاصيل على جانب من الأهمية تجعل منها جانبا مصدريا مهما لتوثيق واقع المغرب المديني متمما لفراغ بعض حلقاته، ومسعفة لاستخلاص معطيات مجالات مختلفة، على المستوى الجغرافي أو التاريخي أو الاجتماعي أو غيرها.
لقد أضحت المدينة في تطورها الحضوري من الشعر التقليدي، في قصائد الملحون وقصائد التفعيلة العمودية، وبداية حضورها في القصيدة الزجلية المعاصرة إلى حالة تجديد الرؤى، ساعية إلى تجاوز الاستثمار التقليدي للفضاء المديني وإعادة توظيفها من مجرد الدلالة على الفضاء لتغدو مفهوما من مفاهيم الشعر المتطورة مع اتخاذها أشكالا ومعاني ودلالات تتغاير بتغاير الاتجاهات المعرفية والأدبية والفنية التي ينطلق منها المبدع الزجال، وحالات انفعاله مع الفضاء الذي يعيش فيه.
إن هذا ما دفع الدكتور السيعد بنفرحي، الباحث والزجال، لأن يقوم بإعداد مؤلفه هذا المدينة المغربية في الزجل والملحون. لا بغاية القيام بقراءة في مجمل المتون الزجلية، وذلك أمر لا يدعيه، وإنما بتجميع جملة من النصوص الزجلية قاربت السبعين نصا، أبدعها اثنان وثلاثون زجالا، انتقاها كلها من أعمال مبدعين تنتمي غالبيتهم لما بعد منتصف القرن 20، ويعود أقدمهم إلى القرن 16م، كمسعى لربط الماضي بالحاضر، ولتطور صياغة القصيدة الزجلية المتصلة بالمدينة عبر عصور متباينة، موازيا فيها بين المجالات الجغرافية المتنوعة - سهول - جبال - صحاري، وبين المدن الساحلية ونظيرتها الداخلية، موفرا بذلك للباحث والمهتم مادة منتقاة تستحضر الفضاء المديني وتشرع أمامه نوافذ مشرعة لمساءلة الشأن المديني.»
صدر للباحث سعيد بنفرحي كتاب «المدينة المغربية في الزجل والملحون»، وهو محاولة رصدية للمكان كرمز يستدعي الذاكرة داخل كل واحد منا، حيث تنبعث رائحة المكان مع كل استحضار لشريط الذكريات، هذا المكان الذي ينتصب مدينة، قرية، بيت، تلة، بحر... لذا اجتهد الكتاب والشعراء في الاحتفاء به في نصوصهم كشكل من أشكال حفظ الذاكرة، وحفظ الود الذي يجمعهم به.
كتاب «المدينة المغربية في الزجل والملحون» يغرد داخل هذا السرب ، مثل الطيور التي تحن الى أعشاشها فتعزف ألحانها بنوتات الحنين.
الكتاب يتقدمه تصدير للدكتور عباس الجراري وقد جاء فيه:
«تعتبر المدينة في المفهوم الجغرافي المادي تجمعا عمرانيا تلتئم فيه ثلة من الناس يضمهم جوار وتربطهم مصالح مشتركة. وهي في المدلول الحضاري مظهر متطور لحياتهم في هذا التجمع، بما يكون لهم بالعيش داخله من سلوك يجعله بالنسبة إليهم مجالا ليس لهذا العيش فحسب، ولكن كذلك إطارا للتواصل والتعاون والتفاعل والتحاور والتحاب.
ولعل هذا المستوى من الارتباط هو الذي جعل الناس على وجه العموم، وخلال مختلف الحقب والمراحل، يتخيرون لمواقع إقامتهم المكان الملائم لحياة رغدة هنية وسعيدة، أي الملائم بساكنيه ليكون ملتقى فكريا ونفسيا تشده أو تشد القاطنين إليه ذكريات وعهود ومواقف، تجعله بالنسبة إليهم وطنا يلتحمون به، مهما تكن التطورات التي يعرفها هذا الوطن، أو يعرفها ساكنوه، بكل ما يمثله لهم وما يؤمنون به من مبادئ وثوابت ومقومات ومرجعيات.
وهو التحام يمس طبيعته وما تزخر به من خيرات، كما يمس أنماط الحياة والسلوك فيه، وما يتصل بذلك كله من معارف وفنون وتقاليد وأعراف هي وليدة الثقافة المتداولة والمتوارثة فيه، بدءا من تاريخ المكان إلى جهود أهله في تنميته وترقيته والنهوض به، وقبل ذلك في الدفاع عنه، وإنه لوضع لا يتغير إن لم يكن يزيد، حتى حين تكون المدينة تعاني مشكلات وأزمات، كأن تكون معرضة للتوسع والتضخم، مما قد يجعل السكان يشعرون ببعض الضيق، أمام طغيان المعالم المادية التي قد تطغى بضغوطها المتراكمة، وما ينتج عنها من قيم جديدة تفرزها وتفرضها على المجتمع بما يغير طبائعهم وما كانوا قد ألفوا فيه.
ورغم ذلك تبقى المدينة هي هي، أي قائمة بأهلها وما يتبادلونه فيها من نشاط، باعتبارها الواسطة الجامعة بينهم والحاوية لرغباتهم وأحلامهم وهمومهم كذلك، ومن ثم لا غرابة أن تكون لها في نفوسهم - ولا سيما منهم الكتاب والشعراء وسائر الأدباء والفنانين - مكانة متميزة يبوئونها فيه رمزا يكاد يكون مقدسا، بدءا من اعتبارها موطن المولد إلى مكان النشأة والتربية والتعليم والعمل، بل باعتبارها مناط الوعي الذي تبلور في نفوسهم عبر كل تلك المراحل التي لا يلبث الفرد منهم يستعيد فيها ذاكرته، ويسعى إلى حفظها وصيانتها وتأملها بالكثير من الحنين والفخر والاعتزاز.
ومن ثم لا نستغرب إذا وجدنا المبدعين في مختلف أنماط التعبير يتغنون بجمال طبيعة مدنهم، أو مدن أخرى أقاموا فيها وعشقوها، يستحضرون تاريخها ويستذكرون مآثرها ويشيدون بأعلامها ويطربون لفنونها ويتشبثون بعاداتها وتقاليدها، وربما لجأوا إلى إثارة منافستها مع غيرها، ولا سيما مع المدن المجاورة لها أو المشابهة، مما تنشأ عنه بعض الظواهر الانسانية كالمدح والرثاء وربما الانتقاد والهجاء كذلك.
وإذا كان الأدباء في كل زمان ومكان قد تغنوا بمدنهم على هذا النحو بما هو معروف عن شعراء العربية منذ القديم حتى الآن على سبيل المثال، فإن تعبيرهم - ومن بينهم المغاربة - ما كان ليقتصر على المغرب من القول، بل تعداه إلى ماهو عامي، وفق ما نقرأ في هذا السفر النفيس الذي جمع فيه الأستاذ الصديق الدكتور السعيد بنفرحي نخبة من نصوص الزجل والملحون لمبدعين، وصفوا مدنا بعينها وأعربوا عما لها في نفوسهم من مشاعر جميلة.
وعلى الرغم من أن الأمر لم يكن سهلا بسبب تفرق تلك النصوص وصعوبة الوصول إليها، سواء أكانت منشورة في دواوين أم مدمجة في أقراص غنائية، فإن الباحث على ما هو معروف عنه من دؤوب ومثابرة ومن حرص وصبر، قد وفق إلى جمع باقة منها لاشك أنها تبرز مدى شغف أصحاب هذه النصوص بالحواضر التي عاشوا فيها أو تعلقوا بها فأحبوها ولم يكتموا هذا الحب، بل كشفوه وأذاعوه مشيدين به ومعتزين.
وإني لأهنئ الأخ الكريم الأستاذ الدكتور السعيد بنفرحي على هذا الإنجاز الذي هو لا شك لبنة تضاف إلى ما أغنى به المكتبة المغربية من دراسات قيمة، مع الدعاء بدوام عون الله وتوفيقه واطراد مدده وسداده».
كما تضمن الكتاب تقديما للدكتور حسن أميلي جاء فيه:
«تعتبر العلاقة بين المبدع والفضاء المديني عموما، نثرا أو قريضا، فصيحا أو زجلا، علاقة سديمية متواصلة تلميحا أو تصريحا، يمثل فيها الركح المديني سندان الخامات، ويلعب فيها المبدع دور الواصف والنابش والمقلب والكاشف والمعدل للشوائب، ديدنه في ذلك التبئير لسمات وخصائص المكان/الأمكنة، وإجمال مزاياها أو تناقضاتها في قالب عاطفي أو نقدي، أو وفق ما يستفز خياله، وتنبري بها شطحاته.
وهذه العلاقة التي هي أرحب أفقيا، بحيث لا تقتصر على مدن بعينها، بل تتمدد مع الحيز الجغرافي الذي لا تتقيد هذه العلاقة في نطاقه العام، سواء في بعدها المكاني الذي تنتشر فيه القصيدة الزجلية لا يتقيد بمدينة معينة دون غيره من مدن المغرب حسب انشطار الذات/الذوات الزاجلة، مثلما كونها أعمق عموديا زمنيا قدر نشوء القصيدة وتبلورها واستمراريتها إلى راهنية الوقت بحسب النصوص المجسدة لتلك العلاقة.
لقد فرضت المدينة حضورها في القصائد الزجلية كفضاء طاغ، لا يفوقه حضورا إلا الفضاءات الداخلية للذات/الأنا، باعتبارها مقرا للتمثلات المشتركة، وللروابط المختلفة وفق مستوياتها، الكينونية، والمعرفية، والاجتماعية، والطبقية، الوصفية، مع ما يفرضه ذلك من تسلسل غالبا ما ينطلق من عاطفة المديح الانتمائي، ظاهره ومضمره، إلى مقاربة الاختلالات التناقضية، وانتهاء بمساءلة الوجود الذاتي داخل الفضاء المدني بما ينتاب المبدع من مناجاة و أحاسيس ومشاعر التفاعل معه، إيجابا أو سلبا.
إن القصيدة الزجلية في تطرقها إلى المدينة كليا أو جزئيا - على غرار الفصيحة - بفضل ما تحبل به من توصيفات مجالية، ومن أحداث ووقائع، ومن إبراز لقيم العيش المشترك تثمينا أو نقدا، تشكل شهادات حية عن زمانها، و مصادر لتفاصيل على جانب من الأهمية تجعل منها جانبا مصدريا مهما لتوثيق واقع المغرب المديني متمما لفراغ بعض حلقاته، ومسعفة لاستخلاص معطيات مجالات مختلفة، على المستوى الجغرافي أو التاريخي أو الاجتماعي أو غيرها.
لقد أضحت المدينة في تطورها الحضوري من الشعر التقليدي، في قصائد الملحون وقصائد التفعيلة العمودية، وبداية حضورها في القصيدة الزجلية المعاصرة إلى حالة تجديد الرؤى، ساعية إلى تجاوز الاستثمار التقليدي للفضاء المديني وإعادة توظيفها من مجرد الدلالة على الفضاء لتغدو مفهوما من مفاهيم الشعر المتطورة مع اتخاذها أشكالا ومعاني ودلالات تتغاير بتغاير الاتجاهات المعرفية والأدبية والفنية التي ينطلق منها المبدع الزجال، وحالات انفعاله مع الفضاء الذي يعيش فيه.
إن هذا ما دفع الدكتور السيعد بنفرحي، الباحث والزجال، لأن يقوم بإعداد مؤلفه هذا المدينة المغربية في الزجل والملحون. لا بغاية القيام بقراءة في مجمل المتون الزجلية، وذلك أمر لا يدعيه، وإنما بتجميع جملة من النصوص الزجلية قاربت السبعين نصا، أبدعها اثنان وثلاثون زجالا، انتقاها كلها من أعمال مبدعين تنتمي غالبيتهم لما بعد منتصف القرن 20، ويعود أقدمهم إلى القرن 16م، كمسعى لربط الماضي بالحاضر، ولتطور صياغة القصيدة الزجلية المتصلة بالمدينة عبر عصور متباينة، موازيا فيها بين المجالات الجغرافية المتنوعة - سهول - جبال - صحاري، وبين المدن الساحلية ونظيرتها الداخلية، موفرا بذلك للباحث والمهتم مادة منتقاة تستحضر الفضاء المديني وتشرع أمامه نوافذ مشرعة لمساءلة الشأن المديني.»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.