شرطة تامسنا تُوقف مبحوثاً عنه ظهر في فيديو وهو يهدد قاصراً بسلاح أبيض    اختتام فعاليات دوريي أراغي والمرحوم إبراهيم مزياني ببني بوعياش    تحديد موعد العودة للساعة الإضافية.. توقيت "مرهق" أم ضرورة اقتصادية    إشكاليات سوق إمزورن الأسبوعي تدفع امغار إلى مساءلة وزير الداخلية    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي يفتتح دورته الأولى: "شاشة كبيرة لمدينة صغيرة"    بيراميدز يهز شباك الجيش 4 مرات    احتجاج يجمع أساتذة للتعليم الأولي    "التنس المغربي" يتواضع في مراكش    تدريبات تعزز انسجام "منتخب U17"    القنصلية العامة في دوسلدورف تكرّم أئمة المساجد والمرشدين الدينيين    الولايات المتحدة ترسل حاملة طائرات ثانية إلى الشرق الأوسط    ريال مدريد يتجاوز سوسييداد ويبلغ نهائي كأس إسبانيا    إعلام الكابرانات ومحاولة التشويش على المنتخب الوطني    المغرب يسرّع استكشاف 44 موقعًا معدنيًا استراتيجيًا لتعزيز مكانته في سوق المعادن النادرة    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في أكثر من 28 في المائة على وقع ارتفاع الاستهلاك    الدورة 39 لجائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس.. المغربيان إليوت بنشيتريت ويونس العلمي لعروسي يودعان المنافسات    كرة اليد.. المغرب يستضيف النسخة الأولى من بطولة العالم لأقل من 17 سنة ذكورا من 24 أكتوبر إلى 1 نونبر 2025    "أوبك+" تبدأ اليوم في زيادة إنتاج النفط مع بدء التخلص التدريجي من التخفيضات الطوعية    قرار منع تسليم السيارات خارج المطارات يغضب مهنيي التأجير في المغرب    19 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية ‏خلال الأسبوع المنصرم    إسبانيا تخصص أزيد من نصف مليون أورو لدعم خدمات النظافة بمعبر بني أنصار    مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.. تلاقي وتواصل والتئام حول موائد الإفطار طيلة شهر الصيام بعدد من المؤسسات السجنية(بلاغ)    ترامب يهدد بسحب مليارات من جامعة هارفرد بسبب الاحتجاج ضد حرب غزة    الإسبان يقبلون على داسيا سانديرو المصنوعة في طنجة    بلجيكا تشدد إجراءات الوقاية بعد رصد سلالة حصبة مغربية ببروكسيل    مزور: تسقيف الأسعار سيضر بالعرض والطلب ولن يحل مشكل الغلاء    مجلس الحكومة سيصادق يوم الخميس المقبل على مشروع قانون يتعلق بالتعليم المدرسي    السلطات البلجيكية تشدد تدابير الوقاية بسبب سلالة "بوحمرون" مغربية ببروكسيل    أجواء من الفرح والسرور ببرنامج راديو الناس احتفالا بعيد الفطر رفقة مجموعتي نجوم سلا والسرور (فيديو)    وفاة أحد رواد فن المديح وإصابة 6 آخرين في حادثة سير بالرباط    5 نقابات تعليمية: الوزارة تستهتر بالتّعليم العمومي وتسوّق لإنجازات لا وجود لها في الواقع    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    دراسة معمارية لإنجاز المدخل الثالث لميناء أكادير بما يقارب 20 مليون درهم    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تدعو لمسيرة وطنية بالرباط دعما لغزة    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    ارتفاع ضحايا غزة إلى 1042 شهيدا منذ استئناف اسرائيل عدوانها بعد الهدنة    أغنية تربط الماضي بالحاضر.. عندما يلتقي صوت الحسن الثاني بإيقاعات العصر    أكثر من 122 مليون مسلم قصدوا الحرمين الشريفين في رمضان    هذا موعد رجوع المغرب إلى الساعة الإضافية    أسعار الوقود بالمغرب تسجل انخفاضا طفيفا ابتداء من اليوم    المملكة المغربية تجدد الدعم لاستقرار إفريقيا    بعثة نهضة بركان تصل إلى الكوت ديفوار استعدادا لمواجهة أسيك ميموزا    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    نائب في حزب الله يصف الضربة الاسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية ب"عدوان الكبير جدا"    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة مع هبوب رياح قوية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    القهوة في خطر.. هل نشرب مشروبًا آخر دون أن ندري؟    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    طواسينُ الخير    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المدينة المغربية في الزجل والملحون» لسعيد بنفرحي احتفاء بالمكان وعلاقة ود موصول

صدر للباحث سعيد بنفرحي كتاب «المدينة المغربية في الزجل والملحون»، وهو محاولة رصدية للمكان كرمز يستدعي الذاكرة داخل كل واحد منا، حيث تنبعث رائحة المكان مع كل استحضار لشريط الذكريات، هذا المكان الذي ينتصب مدينة، قرية، بيت، تلة، بحر... لذا اجتهد الكتاب والشعراء في الاحتفاء به في نصوصهم كشكل من أشكال حفظ الذاكرة، وحفظ الود الذي يجمعهم به.
كتاب «المدينة المغربية في الزجل والملحون» يغرد داخل هذا السرب ، مثل الطيور التي تحن الى أعشاشها فتعزف ألحانها بنوتات الحنين.
الكتاب يتقدمه تصدير للدكتور عباس الجراري وقد جاء فيه:
«تعتبر المدينة في المفهوم الجغرافي المادي تجمعا عمرانيا تلتئم فيه ثلة من الناس يضمهم جوار وتربطهم مصالح مشتركة. وهي في المدلول الحضاري مظهر متطور لحياتهم في هذا التجمع، بما يكون لهم بالعيش داخله من سلوك يجعله بالنسبة إليهم مجالا ليس لهذا العيش فحسب، ولكن كذلك إطارا للتواصل والتعاون والتفاعل والتحاور والتحاب.
ولعل هذا المستوى من الارتباط هو الذي جعل الناس على وجه العموم، وخلال مختلف الحقب والمراحل، يتخيرون لمواقع إقامتهم المكان الملائم لحياة رغدة هنية وسعيدة، أي الملائم بساكنيه ليكون ملتقى فكريا ونفسيا تشده أو تشد القاطنين إليه ذكريات وعهود ومواقف، تجعله بالنسبة إليهم وطنا يلتحمون به، مهما تكن التطورات التي يعرفها هذا الوطن، أو يعرفها ساكنوه، بكل ما يمثله لهم وما يؤمنون به من مبادئ وثوابت ومقومات ومرجعيات.
وهو التحام يمس طبيعته وما تزخر به من خيرات، كما يمس أنماط الحياة والسلوك فيه، وما يتصل بذلك كله من معارف وفنون وتقاليد وأعراف هي وليدة الثقافة المتداولة والمتوارثة فيه، بدءا من تاريخ المكان إلى جهود أهله في تنميته وترقيته والنهوض به، وقبل ذلك في الدفاع عنه، وإنه لوضع لا يتغير إن لم يكن يزيد، حتى حين تكون المدينة تعاني مشكلات وأزمات، كأن تكون معرضة للتوسع والتضخم، مما قد يجعل السكان يشعرون ببعض الضيق، أمام طغيان المعالم المادية التي قد تطغى بضغوطها المتراكمة، وما ينتج عنها من قيم جديدة تفرزها وتفرضها على المجتمع بما يغير طبائعهم وما كانوا قد ألفوا فيه.
ورغم ذلك تبقى المدينة هي هي، أي قائمة بأهلها وما يتبادلونه فيها من نشاط، باعتبارها الواسطة الجامعة بينهم والحاوية لرغباتهم وأحلامهم وهمومهم كذلك، ومن ثم لا غرابة أن تكون لها في نفوسهم - ولا سيما منهم الكتاب والشعراء وسائر الأدباء والفنانين - مكانة متميزة يبوئونها فيه رمزا يكاد يكون مقدسا، بدءا من اعتبارها موطن المولد إلى مكان النشأة والتربية والتعليم والعمل، بل باعتبارها مناط الوعي الذي تبلور في نفوسهم عبر كل تلك المراحل التي لا يلبث الفرد منهم يستعيد فيها ذاكرته، ويسعى إلى حفظها وصيانتها وتأملها بالكثير من الحنين والفخر والاعتزاز.
ومن ثم لا نستغرب إذا وجدنا المبدعين في مختلف أنماط التعبير يتغنون بجمال طبيعة مدنهم، أو مدن أخرى أقاموا فيها وعشقوها، يستحضرون تاريخها ويستذكرون مآثرها ويشيدون بأعلامها ويطربون لفنونها ويتشبثون بعاداتها وتقاليدها، وربما لجأوا إلى إثارة منافستها مع غيرها، ولا سيما مع المدن المجاورة لها أو المشابهة، مما تنشأ عنه بعض الظواهر الانسانية كالمدح والرثاء وربما الانتقاد والهجاء كذلك.
وإذا كان الأدباء في كل زمان ومكان قد تغنوا بمدنهم على هذا النحو بما هو معروف عن شعراء العربية منذ القديم حتى الآن على سبيل المثال، فإن تعبيرهم - ومن بينهم المغاربة - ما كان ليقتصر على المغرب من القول، بل تعداه إلى ماهو عامي، وفق ما نقرأ في هذا السفر النفيس الذي جمع فيه الأستاذ الصديق الدكتور السعيد بنفرحي نخبة من نصوص الزجل والملحون لمبدعين، وصفوا مدنا بعينها وأعربوا عما لها في نفوسهم من مشاعر جميلة.
وعلى الرغم من أن الأمر لم يكن سهلا بسبب تفرق تلك النصوص وصعوبة الوصول إليها، سواء أكانت منشورة في دواوين أم مدمجة في أقراص غنائية، فإن الباحث على ما هو معروف عنه من دؤوب ومثابرة ومن حرص وصبر، قد وفق إلى جمع باقة منها لاشك أنها تبرز مدى شغف أصحاب هذه النصوص بالحواضر التي عاشوا فيها أو تعلقوا بها فأحبوها ولم يكتموا هذا الحب، بل كشفوه وأذاعوه مشيدين به ومعتزين.
وإني لأهنئ الأخ الكريم الأستاذ الدكتور السعيد بنفرحي على هذا الإنجاز الذي هو لا شك لبنة تضاف إلى ما أغنى به المكتبة المغربية من دراسات قيمة، مع الدعاء بدوام عون الله وتوفيقه واطراد مدده وسداده».
كما تضمن الكتاب تقديما للدكتور حسن أميلي جاء فيه:
«تعتبر العلاقة بين المبدع والفضاء المديني عموما، نثرا أو قريضا، فصيحا أو زجلا، علاقة سديمية متواصلة تلميحا أو تصريحا، يمثل فيها الركح المديني سندان الخامات، ويلعب فيها المبدع دور الواصف والنابش والمقلب والكاشف والمعدل للشوائب، ديدنه في ذلك التبئير لسمات وخصائص المكان/الأمكنة، وإجمال مزاياها أو تناقضاتها في قالب عاطفي أو نقدي، أو وفق ما يستفز خياله، وتنبري بها شطحاته.
وهذه العلاقة التي هي أرحب أفقيا، بحيث لا تقتصر على مدن بعينها، بل تتمدد مع الحيز الجغرافي الذي لا تتقيد هذه العلاقة في نطاقه العام، سواء في بعدها المكاني الذي تنتشر فيه القصيدة الزجلية لا يتقيد بمدينة معينة دون غيره من مدن المغرب حسب انشطار الذات/الذوات الزاجلة، مثلما كونها أعمق عموديا زمنيا قدر نشوء القصيدة وتبلورها واستمراريتها إلى راهنية الوقت بحسب النصوص المجسدة لتلك العلاقة.
لقد فرضت المدينة حضورها في القصائد الزجلية كفضاء طاغ، لا يفوقه حضورا إلا الفضاءات الداخلية للذات/الأنا، باعتبارها مقرا للتمثلات المشتركة، وللروابط المختلفة وفق مستوياتها، الكينونية، والمعرفية، والاجتماعية، والطبقية، الوصفية، مع ما يفرضه ذلك من تسلسل غالبا ما ينطلق من عاطفة المديح الانتمائي، ظاهره ومضمره، إلى مقاربة الاختلالات التناقضية، وانتهاء بمساءلة الوجود الذاتي داخل الفضاء المدني بما ينتاب المبدع من مناجاة و أحاسيس ومشاعر التفاعل معه، إيجابا أو سلبا.
إن القصيدة الزجلية في تطرقها إلى المدينة كليا أو جزئيا - على غرار الفصيحة - بفضل ما تحبل به من توصيفات مجالية، ومن أحداث ووقائع، ومن إبراز لقيم العيش المشترك تثمينا أو نقدا، تشكل شهادات حية عن زمانها، و مصادر لتفاصيل على جانب من الأهمية تجعل منها جانبا مصدريا مهما لتوثيق واقع المغرب المديني متمما لفراغ بعض حلقاته، ومسعفة لاستخلاص معطيات مجالات مختلفة، على المستوى الجغرافي أو التاريخي أو الاجتماعي أو غيرها.
لقد أضحت المدينة في تطورها الحضوري من الشعر التقليدي، في قصائد الملحون وقصائد التفعيلة العمودية، وبداية حضورها في القصيدة الزجلية المعاصرة إلى حالة تجديد الرؤى، ساعية إلى تجاوز الاستثمار التقليدي للفضاء المديني وإعادة توظيفها من مجرد الدلالة على الفضاء لتغدو مفهوما من مفاهيم الشعر المتطورة مع اتخاذها أشكالا ومعاني ودلالات تتغاير بتغاير الاتجاهات المعرفية والأدبية والفنية التي ينطلق منها المبدع الزجال، وحالات انفعاله مع الفضاء الذي يعيش فيه.
إن هذا ما دفع الدكتور السيعد بنفرحي، الباحث والزجال، لأن يقوم بإعداد مؤلفه هذا المدينة المغربية في الزجل والملحون. لا بغاية القيام بقراءة في مجمل المتون الزجلية، وذلك أمر لا يدعيه، وإنما بتجميع جملة من النصوص الزجلية قاربت السبعين نصا، أبدعها اثنان وثلاثون زجالا، انتقاها كلها من أعمال مبدعين تنتمي غالبيتهم لما بعد منتصف القرن 20، ويعود أقدمهم إلى القرن 16م، كمسعى لربط الماضي بالحاضر، ولتطور صياغة القصيدة الزجلية المتصلة بالمدينة عبر عصور متباينة، موازيا فيها بين المجالات الجغرافية المتنوعة - سهول - جبال - صحاري، وبين المدن الساحلية ونظيرتها الداخلية، موفرا بذلك للباحث والمهتم مادة منتقاة تستحضر الفضاء المديني وتشرع أمامه نوافذ مشرعة لمساءلة الشأن المديني.»
صدر للباحث سعيد بنفرحي كتاب «المدينة المغربية في الزجل والملحون»، وهو محاولة رصدية للمكان كرمز يستدعي الذاكرة داخل كل واحد منا، حيث تنبعث رائحة المكان مع كل استحضار لشريط الذكريات، هذا المكان الذي ينتصب مدينة، قرية، بيت، تلة، بحر... لذا اجتهد الكتاب والشعراء في الاحتفاء به في نصوصهم كشكل من أشكال حفظ الذاكرة، وحفظ الود الذي يجمعهم به.
كتاب «المدينة المغربية في الزجل والملحون» يغرد داخل هذا السرب ، مثل الطيور التي تحن الى أعشاشها فتعزف ألحانها بنوتات الحنين.
الكتاب يتقدمه تصدير للدكتور عباس الجراري وقد جاء فيه:
«تعتبر المدينة في المفهوم الجغرافي المادي تجمعا عمرانيا تلتئم فيه ثلة من الناس يضمهم جوار وتربطهم مصالح مشتركة. وهي في المدلول الحضاري مظهر متطور لحياتهم في هذا التجمع، بما يكون لهم بالعيش داخله من سلوك يجعله بالنسبة إليهم مجالا ليس لهذا العيش فحسب، ولكن كذلك إطارا للتواصل والتعاون والتفاعل والتحاور والتحاب.
ولعل هذا المستوى من الارتباط هو الذي جعل الناس على وجه العموم، وخلال مختلف الحقب والمراحل، يتخيرون لمواقع إقامتهم المكان الملائم لحياة رغدة هنية وسعيدة، أي الملائم بساكنيه ليكون ملتقى فكريا ونفسيا تشده أو تشد القاطنين إليه ذكريات وعهود ومواقف، تجعله بالنسبة إليهم وطنا يلتحمون به، مهما تكن التطورات التي يعرفها هذا الوطن، أو يعرفها ساكنوه، بكل ما يمثله لهم وما يؤمنون به من مبادئ وثوابت ومقومات ومرجعيات.
وهو التحام يمس طبيعته وما تزخر به من خيرات، كما يمس أنماط الحياة والسلوك فيه، وما يتصل بذلك كله من معارف وفنون وتقاليد وأعراف هي وليدة الثقافة المتداولة والمتوارثة فيه، بدءا من تاريخ المكان إلى جهود أهله في تنميته وترقيته والنهوض به، وقبل ذلك في الدفاع عنه، وإنه لوضع لا يتغير إن لم يكن يزيد، حتى حين تكون المدينة تعاني مشكلات وأزمات، كأن تكون معرضة للتوسع والتضخم، مما قد يجعل السكان يشعرون ببعض الضيق، أمام طغيان المعالم المادية التي قد تطغى بضغوطها المتراكمة، وما ينتج عنها من قيم جديدة تفرزها وتفرضها على المجتمع بما يغير طبائعهم وما كانوا قد ألفوا فيه.
ورغم ذلك تبقى المدينة هي هي، أي قائمة بأهلها وما يتبادلونه فيها من نشاط، باعتبارها الواسطة الجامعة بينهم والحاوية لرغباتهم وأحلامهم وهمومهم كذلك، ومن ثم لا غرابة أن تكون لها في نفوسهم - ولا سيما منهم الكتاب والشعراء وسائر الأدباء والفنانين - مكانة متميزة يبوئونها فيه رمزا يكاد يكون مقدسا، بدءا من اعتبارها موطن المولد إلى مكان النشأة والتربية والتعليم والعمل، بل باعتبارها مناط الوعي الذي تبلور في نفوسهم عبر كل تلك المراحل التي لا يلبث الفرد منهم يستعيد فيها ذاكرته، ويسعى إلى حفظها وصيانتها وتأملها بالكثير من الحنين والفخر والاعتزاز.
ومن ثم لا نستغرب إذا وجدنا المبدعين في مختلف أنماط التعبير يتغنون بجمال طبيعة مدنهم، أو مدن أخرى أقاموا فيها وعشقوها، يستحضرون تاريخها ويستذكرون مآثرها ويشيدون بأعلامها ويطربون لفنونها ويتشبثون بعاداتها وتقاليدها، وربما لجأوا إلى إثارة منافستها مع غيرها، ولا سيما مع المدن المجاورة لها أو المشابهة، مما تنشأ عنه بعض الظواهر الانسانية كالمدح والرثاء وربما الانتقاد والهجاء كذلك.
وإذا كان الأدباء في كل زمان ومكان قد تغنوا بمدنهم على هذا النحو بما هو معروف عن شعراء العربية منذ القديم حتى الآن على سبيل المثال، فإن تعبيرهم - ومن بينهم المغاربة - ما كان ليقتصر على المغرب من القول، بل تعداه إلى ماهو عامي، وفق ما نقرأ في هذا السفر النفيس الذي جمع فيه الأستاذ الصديق الدكتور السعيد بنفرحي نخبة من نصوص الزجل والملحون لمبدعين، وصفوا مدنا بعينها وأعربوا عما لها في نفوسهم من مشاعر جميلة.
وعلى الرغم من أن الأمر لم يكن سهلا بسبب تفرق تلك النصوص وصعوبة الوصول إليها، سواء أكانت منشورة في دواوين أم مدمجة في أقراص غنائية، فإن الباحث على ما هو معروف عنه من دؤوب ومثابرة ومن حرص وصبر، قد وفق إلى جمع باقة منها لاشك أنها تبرز مدى شغف أصحاب هذه النصوص بالحواضر التي عاشوا فيها أو تعلقوا بها فأحبوها ولم يكتموا هذا الحب، بل كشفوه وأذاعوه مشيدين به ومعتزين.
وإني لأهنئ الأخ الكريم الأستاذ الدكتور السعيد بنفرحي على هذا الإنجاز الذي هو لا شك لبنة تضاف إلى ما أغنى به المكتبة المغربية من دراسات قيمة، مع الدعاء بدوام عون الله وتوفيقه واطراد مدده وسداده».
كما تضمن الكتاب تقديما للدكتور حسن أميلي جاء فيه:
«تعتبر العلاقة بين المبدع والفضاء المديني عموما، نثرا أو قريضا، فصيحا أو زجلا، علاقة سديمية متواصلة تلميحا أو تصريحا، يمثل فيها الركح المديني سندان الخامات، ويلعب فيها المبدع دور الواصف والنابش والمقلب والكاشف والمعدل للشوائب، ديدنه في ذلك التبئير لسمات وخصائص المكان/الأمكنة، وإجمال مزاياها أو تناقضاتها في قالب عاطفي أو نقدي، أو وفق ما يستفز خياله، وتنبري بها شطحاته.
وهذه العلاقة التي هي أرحب أفقيا، بحيث لا تقتصر على مدن بعينها، بل تتمدد مع الحيز الجغرافي الذي لا تتقيد هذه العلاقة في نطاقه العام، سواء في بعدها المكاني الذي تنتشر فيه القصيدة الزجلية لا يتقيد بمدينة معينة دون غيره من مدن المغرب حسب انشطار الذات/الذوات الزاجلة، مثلما كونها أعمق عموديا زمنيا قدر نشوء القصيدة وتبلورها واستمراريتها إلى راهنية الوقت بحسب النصوص المجسدة لتلك العلاقة.
لقد فرضت المدينة حضورها في القصائد الزجلية كفضاء طاغ، لا يفوقه حضورا إلا الفضاءات الداخلية للذات/الأنا، باعتبارها مقرا للتمثلات المشتركة، وللروابط المختلفة وفق مستوياتها، الكينونية، والمعرفية، والاجتماعية، والطبقية، الوصفية، مع ما يفرضه ذلك من تسلسل غالبا ما ينطلق من عاطفة المديح الانتمائي، ظاهره ومضمره، إلى مقاربة الاختلالات التناقضية، وانتهاء بمساءلة الوجود الذاتي داخل الفضاء المدني بما ينتاب المبدع من مناجاة و أحاسيس ومشاعر التفاعل معه، إيجابا أو سلبا.
إن القصيدة الزجلية في تطرقها إلى المدينة كليا أو جزئيا - على غرار الفصيحة - بفضل ما تحبل به من توصيفات مجالية، ومن أحداث ووقائع، ومن إبراز لقيم العيش المشترك تثمينا أو نقدا، تشكل شهادات حية عن زمانها، و مصادر لتفاصيل على جانب من الأهمية تجعل منها جانبا مصدريا مهما لتوثيق واقع المغرب المديني متمما لفراغ بعض حلقاته، ومسعفة لاستخلاص معطيات مجالات مختلفة، على المستوى الجغرافي أو التاريخي أو الاجتماعي أو غيرها.
لقد أضحت المدينة في تطورها الحضوري من الشعر التقليدي، في قصائد الملحون وقصائد التفعيلة العمودية، وبداية حضورها في القصيدة الزجلية المعاصرة إلى حالة تجديد الرؤى، ساعية إلى تجاوز الاستثمار التقليدي للفضاء المديني وإعادة توظيفها من مجرد الدلالة على الفضاء لتغدو مفهوما من مفاهيم الشعر المتطورة مع اتخاذها أشكالا ومعاني ودلالات تتغاير بتغاير الاتجاهات المعرفية والأدبية والفنية التي ينطلق منها المبدع الزجال، وحالات انفعاله مع الفضاء الذي يعيش فيه.
إن هذا ما دفع الدكتور السيعد بنفرحي، الباحث والزجال، لأن يقوم بإعداد مؤلفه هذا المدينة المغربية في الزجل والملحون. لا بغاية القيام بقراءة في مجمل المتون الزجلية، وذلك أمر لا يدعيه، وإنما بتجميع جملة من النصوص الزجلية قاربت السبعين نصا، أبدعها اثنان وثلاثون زجالا، انتقاها كلها من أعمال مبدعين تنتمي غالبيتهم لما بعد منتصف القرن 20، ويعود أقدمهم إلى القرن 16م، كمسعى لربط الماضي بالحاضر، ولتطور صياغة القصيدة الزجلية المتصلة بالمدينة عبر عصور متباينة، موازيا فيها بين المجالات الجغرافية المتنوعة - سهول - جبال - صحاري، وبين المدن الساحلية ونظيرتها الداخلية، موفرا بذلك للباحث والمهتم مادة منتقاة تستحضر الفضاء المديني وتشرع أمامه نوافذ مشرعة لمساءلة الشأن المديني.»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.