قبل دقائق معدودة من إسدال الستار على فعاليات "الملتقى الوطني الثاني للشعر" (دورة الزجال احميدة بلبالي)، المنظم من طرف جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة، أُعلن عن اسم العريس الذي ستحمله النسخة الثالثة من الملتقى، وهو الشاعر المغربي "عبدالكريم الطبال"، ولم يفت ذات الجمعية تجديد التزامها ب "تكريس الملتقى موعدا سنويا للشعر والزجل"، ومواصلة "انفتاحها على المبدعين الشباب بمختلف مناطق الإقليم وربوع المملكة"، مع "دعم ونشر الإبداع الشبابي المحلي والوطني"، وقد نجح الملتقى في دورته الثانية من خلال استضافته للعديد من النقاد والزجالين والشعراء، في مقدمتهم "شيخ الزجل المغربي" أحمد لمسيح، وبينما احتفلت الجمعية بعريس الدورة، الزجال المغربي احميدة بلبالي، اختارت الاحتفاء بفاعل محلي أسهم بشكل وافر، في إثراء أدب الزجل، المبدع الحاج أمدياز. وقد تميز الملتقى بالمشاركة النوعية لعدد من الزجالين والشعراء الذين تقدموا بأشعارهم، هم أحمد لمسيح، احميدة بلبالي، أحمد وعتيق، عبد السلام مصباح، الحاج أمدياز، مالكة حبرشيد، عبد الله فراجي، مصطفى الشاوي، قاسم لوباي، جمال الخلادي، عبد الحميد شوقي، سارة القدوري، صالح لبريني، الطاهر لكنيزي، حسن درويش، محمد البلبال بوغنيم، محمد لفطيسي، الميلودي العياشي، ادريس الزايدي، حسن كورياط، عبد العزيز مزيان والناجي العلوي. الجمعية المنظمة للملتقى توجت محطتها الثقافية بمائدة نقدية حول اتجاهات وآفاق الزجل المغربي، اختير لتسييرها القاص محمد العتروس، الذي انطلق في كلمته من وصف الشعر ب "ماء الروح والجمال والصدق"، وشارك فيها ثلاثة باحثين، بينهم الناقد عبد الحميد شوقي الذي شارك بمداخلة حول "أوليات نظرية لفهم النص الزجلي الحداثي"، استهلها بطرحه لأسئلة عميقة من قبيل: ماذا ينتظر المتلقي من النص الزجلي الحديث؟ هل ينتظر نصا يتماهى مع النص الشعري والموروث المألوف الذي تعودته الذائقة العامية من خلال قصائد الملحون والعيطة والشعر الحساني وإنشادن الأمازيغية، والرباعيات المجذوبية؟، أم ينتظر نصا شعريا يقف على قدم المساواة مع النص الشعري الفصيح، بكل ما يعنيه ذلك من تحقيق قطيعة شعرية مع الشفاهي والجاهز والمطبوع وترديد الرؤية العمومية؟ في حين أبرز المتدخل كون الزجال المغربي المعاصر "يقدم نفسه اليوم كمبدع قادم من كل الخلفيات الثقافية والفكرية"، وك "حامل لمشروع يروم تأسيس نص حداثي يؤسس لانفصال عن النص التقليدي" بسؤال المعرفة وليس سؤال الوجود كاشكالية في حقل الشعر، ليحلل معنى الجمال الذي أصبح يميز الشعر، والفورة التي بات يعرفها الزجل بالمغرب، واتجاهاته وآفاقه، وما حققه من طفرة على المستويين الكيفي والكمي، إلى جانب تطرقه لما وصفه ب "الحداثة الزجلية" وما تعنيه من دلالات، ثم للقصيدة الأمازيغية التي تعطينا دليلا على اكتشاف ما بداخلنا المغربي. أما الناقد ذ. حسن خرماز، فاختار التركيز، ضمن ورقته، على "شعرية الماء عند احميدة بلبالي" في ديوان "شمس الما"، مشيرا إلى أن قصائد احميدة بلبالي ذات لغات متعددة، وتجربة تمثل اندماجا كليا بمعالم وأعماق المحيط والعالم، وليس تجربة محاكاة أو تعبير عن العالم، كما هي تجربة كشف عن وجود، وليس تجربة وصف لموجود، عندما تتحول القصيدة إلى "كيمياء شعورية" ومعها يتلاشى الخيال في زمن التفكير، ولم يفت المتدخل الوقوف عند مجموعة من قصائد احميدة بلبالي، ومعنى الماء فيها كمصدر للمعرفة، كما ركز على رؤى الزجال واستدعائه للجمال من عالم التخفي. ومن جهته، تناول الدكتور ميمون الراكب، منظوره للزجل والشعر الشعبي بالمنطقة الشرقية، معرفا بروادها وشيوخها، وزجاليها، عبر تحقيب زمني رام الكشف عن الجذور العميقة للموروث الزجلي بالجهة، مستعرضا العديد من النماذج والمقاطع بغاية إبراز ما يطبع هوية الزجل بشرق المغرب من اختلافات في التوظيف والدلالة والمعنى، كما كشف عن ثراء القصيدة الزجلية وبصمتها المحلية تبعا لمختلف المناطق وللمؤثرات الثقافية المحلية، ما جعل الزجل بالمغرب الشرقي، رغم تعدد لغاته وقواميسه، ينتقل من "القصيدة البدوية" إلى التعايش مع القصيدة الزجلية الحديثة بالحفاظ على هويته ومرجعيته، كما أكد الدكتور الراكب على الدور الذي تقوم به الجامعة من خلال اهتمامها بالموروث الثقافي الشعري الزجلي، وخلقها لخلية للبحث والتدريس كمسار ضمن تخصص جامعي للبحث في التراث. ملتقى الأنصار للشعر والزجل، المنظم هذه السنة، على مدى يومي السبت والأحد 21/ 22 مارس 2015، تحت شعار "الزجل المغربي الاتجاهات والآفاق"، قد تم بشراكة مع مجلس جهة مكناس تافيلالت، المجلس الإقليمي لخنيفرة، وبدعم من الجماعة الحضرية لخنيفرة، وتعاون مع المركز الثقافي أبو القاسم الزياني بخنيفرة، ومساعدة وزارة الثقافة ومنشورات ديهيا واتحاد كتاب المغرب، كان قد افتتح بكلمة ذ. حفيظة اسيد، أعلنت فيها بأسلوب شاعري رقيق عن افتتاح فعاليات الملتقى، قبل دعوتها للوقوف من أجل قراءة الفاتحة على أرواح ضحايا متحف باردو بتونس الياسمين. ولم يفت رئيس جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة، عبد العزيز ملوكي، أثناء انطلاق الملتقى، الترحيب بالحاضرين وبضيفات وضيوف الملتقى، وشكر المساهمين والداعمين والشركاء والمتعاونين، ومتوجها بخالص شكره لجمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب (فرع خنيفرة)، لانتصارها للفعل الثقافي، منوها بالمسابقة الثقافية المحلية في كتابة الشعر والقصة، التي نظمتها الجمعية بشراكة معها في السابع من مارس 2015، لما حققته من إشعاع ثقافي، واكتشاف لطاقات إبداعية محلية واعدة، كما نوه بجمعية وشمة للفن التشكيلي التي تساند الجمعية في شتى المحطات الثقافية. وفي ذات السياق دعا مختلف الجمعيات الجادة بالإقليم للانخراط في النهضة الثقافية التي جعلت من مدينة خنيفرة عاصمة للثقافة بامتياز، من حيث لا تنمية اجتماعية واقتصادية بدون تنمية ثقافية، قبل إعلانه عن عزم الجمعية تنظيم مهرجانها الوطني الخامس للقصة القصيرة جدا "دورة القاصة والروائية الزهرة رميج"، أيام 29، 30 و31 ماي 2015، وتنظيم مسابقة فاطمة الراوي الوطنية في كتابة القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، وعن ملتقى الشعر والزجل أبرز رئيس الجمعية "أن احتفاء الجمعية بالزجال المغربي المتأصل احميدة بلبالي، يأتي لكون هذا الزجال قد سكنته القصيدة الزجلية فأعطاها من روحه"، مع خلفية تكريس ثقافة الاعتراف التي حملتها الجمعية بمثابة أمانة. وبعد كلمة مدير المركز الثقافي أبو القاسم الزياني، رضا العبدلاوي، عاش الحاضرون حفل تكريم الزجال المغربي احميدة بلبالي الذي قدمت في حقه شهادات من طرف كل من ذ. الميلودي العياشي، الذي أشار إلى علاقته بالمحتفى به، والتي ترجع إلى الطفولة والعمل المشترك، ثم ذ. مصطفى الشاوي الذي تقدم بشهادة وقراءة في ديوانين للمحتفى به، "لسان الجمر" و"شمس الما"، كعملين ممتدين ومتكاملين ذات دلالات عميقة وأبعاد تأويلية، امتازا بطريقة توزيع السواد على بياض الصفحات، مع الإشارة إلى المرجعية المستند عليها في استحضارها لنصوص بعض رواد الزجل المغربي. وخلال الملتقى، احتفلت الجمعية بابن مريرت، الزجال المحلي الحاج أمدياز، الذي قدم في حقه القاص والناقد حميد ركاطة شهادة حول مشاركاته العديدة في الملتقيات الوطنية وأنشطة جمعية الأنصار للثقافة، وإغنائه للقصيدة الزجلية بأسلوبه المتميز، مسجلا أن تكريم هذا الزجال هو تشجيع للكفاءات المحلية والإقليمية والوطنية التي سنته الجمعية على امتداد سنوات من اشتغالها في الحقل الثقافي، وتم تقديم هدايا تذكارية، وذرع الجمعية، للمحتفى بهما، الحاج أمدياز واحميدة بلبالي، كما تقدم المبدع محمد لفطيسي تذكارات فنية لجمعية الأنصار. في حين لم يفت شيخ الزجل، أحمد لمسيح، التقدم بشهادة مؤثرة في حق عريس الدورة احميدة بلبالي، مؤكدا فيها على خصوصية أزجاله، وإمكانياته التعبيرية التي بصمت القصيدة الزجلية المغربية، وكم تميز الحفل بالفقرات الغنائية والموسيقية للفنان نور الدين فرح، والعازف تاج الدين العابد، ثم بمواويل سعيد معقول. وعلى هامشه، تم تنظيم معرض للصورة الفوتوغرافية الملتقطة بعدسات سعيد طعشي، خالد بوعبيد وأحمد نبكوري، ومعرض للكتاب، وآخر للوحات التشكيلية الموشومة بأنامل عتيقة ملوكي، وتوقيع عدة أعمال زجلية وشعرية.