مساء السبت 28 نونبر المنصرم ، كانت كل الشروط ناضجة بمراكش لتهيئ احتفالية تليق بمسار مشع لشخصية وطنية اجتمعت في تجربتها الغنية كل معاني الإخلاص و التضحية و الصدق . ففي ذلك اليوم أضاءت وجوه نيرة من رموز النضال السياسي و الثقافي و الفكري فضاء القصر البلدي بالمدينة الحمراء ، متحلقين حول الرمز مولاي عبد السلام الجبلي بكل ما يمثله من قيم السمو و الرفعة و الوفاء ، احتفالا بصدور كتابه « أوراق من ساحة المقاومة المغربية « . حيث كان اللقاء ، الذي بادرت مشكورة إلى تنظيمه مؤسسة « أبناؤنا « ، لحظة فارقة في ذاكرة الجيل الجديد ، لتمثل كيف كانت السياسة و الأخلاق فعلا وجهان لا يفترقان من عملة واحدة . حسن أوريد : كتاب لا يكتفي بالتأريخ بقدر ما يطرح الأسئلة « إنه من طينة أولئك الرجال الذين كان يحركهم الأمل في مغرب يتسع للجميع ، و يضمن الحرية و العدالة و التضامن « بهذه العبارات تحدث حسن أوريد عن مولاي عبد السلام الجبلي وعن جيله من المقاومين والمناضلين . « في كتابه أوراق من ساحة المقاومة المغربية ، يقول أوريد ، لم يكتف مولاي السلام بالحديث عن تجربته ، بل عن تجربة جيله من الأفذاذ الذين ناضلوا من أجل مغرب حر يضمن الكرامة لجميع أبنائه .. و الكتاب يعكس التموجات الأولى للوعي الوطني ، الذي كان لمراكش دور أساسي في بلورته ، وشهادته ليست تأريخا للأحداث ، ولكنها وقوفا على قضايا ثقافية ببلادنا مازالت عالقة ، الكتاب لا يؤرخ بقدر ما يطرح الأسئلة « امحمد الخليفة : وقفة في وجه محاولات القتل غير الرحيم لذاكرة شعبنا و من جهته أكد القيادي الاستقلالي امحمد الخليفة أن مسار مولاي عبد السلام الجبلي يعكس سموا فكريا وأخلاقيا ورقيا في التضحية والعطاء . « فنحن نستظل بظل مجاهد فذ كبير له بصماته في تاريخ مراكش و المغرب ، فهو القائد الوطني البارز ، الملتزم بقضايا شعبه « يقول الخليفة . و بخصوص كتاب « أوراق من ساحة المقاومة المغربية « أوضح الخليفة أن ما يوجد في هذا الكتاب ، رغم أهميته التوثيقية للتاريخ القريب ، إلا أنه لا يمثل كل المذكرات الشخصية لمولاي عبد السلام الجبلي . إنما هو شذرات من تاريخ الرجل الضارب في جذور الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة . إنه ملخص مفيد وغني لمذكراته . ونبه الخليفة ، في سياق حديثه عن كتاب مولاي عبد السلام الجبلي ، إلى أن كاتب المذكرات ليس مؤرخا يتقيد بالقواعد العلمية لكتابة التاريخ ، بل هو مساهم في صناعة الحدث نفسه . إنه يكتب تحت سلطان ضميره ، لذلك فما يرد في المذكرات يلزم صاحبه . لأنها ذات بعد شخصي ، يقول فيها كلمته ويخلفها في التاريخ ويمضي . وقال أيضا « مولاي السلام الجبلي ، أشعل مصابيح كاشفة على فترة من أقوى فترات تاريخ المغرب . لأنها تؤرخ لنضال شعب و أمة . « و أضاف « صاحب المذكرات كان صادقا مع نفسه ، جعل من عبد الله إبراهيم أستاذه و مؤطره وملهمه في مدرسة الوطنية والسياسة والعلم والأخلاق . « الأستاذ الخليفة وقف طويلا عند قيمة مذكرات مولاي عبد السلام الجبلي ، حيث اعتبرها تضع الأصبع على الجروح النازفة في وطننا ، الناتجة عن محاولات القتل غير الرحيم لذاكرة شعبنا ، من قبل أقلام السوء لأهداف معلومة . و أكد أن مذكرات الجبلي تجسد قيما رفيعة ، في مقدمتها صدق الوطنية والشجاعة النضالية وعشق الحرية والإيمان بالعلم و التضحية والمثابرة والتحدي . ولم يفوت الأستاذ الخليفة الفرصة بالتعبير عن أمله في أن تصدر طبعة ثانية للكتاب مزيدة و منقحة ، تحمل إضافات جديدة وتدعم وعي الأجيال الجديدة بتدقيقات أكبر لمنحها القدرة على التفاعل مع التاريخ الغني ليخلص إلى أن مولاي عبد السلام الجبلي عُرف بكونه رجل المواقف الصعبة . فهو يكاد يصل إلى الانتحار في سبيل المبدأ . وهو رجل منصف أنقذ تاريخ المغرب القريب من الخزعبلات والبطولات الزائف ، ودافع عن الحق والأبرياء . محمد لخصاصي : رصيد أخلاقي يسائل مكونات المشهد السياسي اليوم « مولاي عبد السلام الجبلي ، مقاوم جسور ، ومناضل خلوق « هكذا وصف السفير محمد لخصاصي ، المحتفى به ، مقترحا قراءة سياقية للمسار النضالي للرجل ، ومتسائلا عن الروافع و الحوامل التي دعمت وأطرت هذا المسار . وبخصوص السياقات الوطنية والتاريخية التي أطرت المسار النضالي للرجل ، أوضح لخصاصي أن التجربة الكفاحية للجبلي تنطوي على أبعاد متعددة ، إذ هناك بعد وطني وبعد مقاوم وبعد معارض . فهي تجربة عابرة لسياقات نضالية تاريخية متعددة . انطلقت في سياق النضال الوطني ، ونضجت في المقاومة المسلحة ، تواصلت في سياق المعارضة . و أكد لخصاصي أن مولاي عبد السلام الجبلي انخرط في صفوف الحركة الوطنية منذ ريعان شبابه ، ونشأ في مناخ المدرسة الوطنية بمراكش التي كان يؤطرها مناضلون أفذاذ ، واضطلع بدور كبير في المقاومة المسلحة بفضل مؤهلاته التنظيمية وجسارته النضالية، وانخرط في المعارضة السياسية وتواصل نضاله بمغادرته الاضطرارية للمغرب . أما عن الروافع و الحوامل التي دعمت وأطرت هذا المسار، فقد أكد لخصاصي أن المسار الكفاحي للجبلي استند إلى مكونات فطرية وحوامل معنوية . وفي مقدمتها رافعة الغيرة الوطنية التي أظهرها في مواقف متوالية ، ورافعة الجسارة النضالية التي طبعت سلوكه ومساره في كل محطة من كفاحه ، و رافعة الالتزام الوطني الصارم . وخلص لخصاصي إلى أنه لا مراء في أن هذه الروافع الثلاث – رافعة الغيرة الوطنية، ورافعة الشجاعة النضالية، ورافعة الأخلاقية السياسية – التي حملت المسار النضالي للوطني المقاوم، مولاي عبد السلام الجبلي – لتشكل ميراثاً زاخراً في رصيد النضال الوطني والتقدمي بالمغرب. وهي تسائل اليوم بقوة مكونات المشهد السياسي الوطني حول مدى استلهامها وممارستها لقيم الأخلاقية السياسية، وخصال الشجاعة النضالية، ومقومات الغيرة الوطنية. وهي القيم والخصال التي من شأنها الحفاظ على مبدئية ووطنية ونيل الفعل السياسي الوطني. مولاي عبدالسلام الجبلي: الصدق والحب سر نجاح المقاومة والحركة الوطنية إن الخصال التي تحدث عنها المتدخلون جعلت مولاي عبدالسلام يتحدى عياءه ويتناول الكلمة بهدوء ورزانة كانت تتقطع بصمت يليه تصفيق القاعة احتراما وتقديرا للرجل، وتحدث لأزيد من 15 دقيقة، كما وقع عشرات النسخ من كتابه .. كانت لحظة وطنية شامخة تحدث فيها عن العلاقة التي كانت تربط بين رجال المقاومة ورجال الحركة الوطنية بأنها كانت علاقة حب ووفاء، وهو الامر الذي جعل عملهم النضالي يعرف نجاحا كبيرا ، وقال بانه كان ينظر الى مولاي عبد الله إبراهيم ومحمد الدباغ وعبد القادر حسن وآخرين كأنهم ملائكة، مؤكدا أن الصدق الذي تعلمه وعمل به رجال الحركة الوطنية والمقاومة، وتشبع به هو الذي جعله يتحدث بصدق ويبين الحقيقة في تاريخ النضال الوطني والكفاح ومواجهة العدو، من خلال الحياة والاحداث التي عاشها . وأضاف أنه» لما بدأت المفاوضات مع الفرنسيين حول الاستقلال، كانت نخبة من المحتالين يهيئون أنفسهم لاستغلال ضغط الاستقلال وينتهزون الفرصة لما تأكد لهم أن المفاوضات ستفضي الى الاستقلال، ومن هناك بدأت محاولة تزوير وتزييف تاريخ النضال الوطني من أجل الوصول الى مصالح خاصة.. ثم جاءت الاحزاب والسياسة وظهرت صحافة دخلت من باب المزايدة، كل هذه العوامل يقول مولاي عبد السلام الجبلي ساهمت في تزييف التاريخ النضالي للمغرب، فتم الكذب ونُسِجت الاساطير من أجل الادعاء بأنهم كانوا في الميدان، ومن هنا أنبه وأذكر المختصين في التاريخ من اجل معرفة هذه المصيبة التي أصابت تاريخ الحركة الوطنية وأن يعرفوا كيف يعالجون الاحداث ويتعرفوا على الاسباب التي أدت الى ذلك فلهذا سلطت الاضواء على ذلك في كتابي هذا.». عبد العزيز بنصالح: شرف عظيم لي أن أقوم بصياغة الكتاب الروائي المهتم بالتاريخ عبد العزيز بنصالح عبر عن سروره، وقال بأن له الشرف أن يصيغ مذكرات الرجل الوطني الشامخ مولاي عبد السلام الجبلي وتوجه بالشكر الجزيل الى كل الاسماء التي ربطت له العلاقة بمولاي عبد السلام حتى يكون له شرف صياغة هذا الكتاب، ثم قرأ فقرة مما جاء في الكتاب في صفحته الأخيرة. الاحتفال حضرته العديد من الوجوه المنتمية الى الصف الوطني وعدد من رجال المقاومة، وشخصيات وازنة من الحركة الاتحادية وفعاليات سياسية ونقابية وحقوقية وإعلامية .