في سنة 1967 و في أعقاب هزيمة يونيه، تقدم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى الشعب المصري بخطاب أعلن فيه تحمله مسؤولية الهزيمة التي لحقت بالجيش المصري و أعلن تنحيه من الحكم، لكن الجماهير المصرية خرجت إلى الشارع في هبة واحدة مطالبة ببقاء القائد عبد الناصر الذي أعاد بناء القوات المسلحة و جمع الأمة العربية إلى أن وافته المنية ،ثلاث سنوات بعد ذلك،عن عمر 54 سنة و هو في عز العطاء و الشعبية. و في مستهل سنة 2011 خرجت الجماهير المصرية منذ 25 يناير حتى الآن مطالبة برحيل الرئيس المصري حسني مبارك داعية إياه إلى الاستقالة و المغادرة ، و هو في سن الثالثة و الثمانين ، و رغم ذلك فإنه ما زال يتشبث بكرسي الحكم الذي لم يعد يشده شيء و أصبح يترنح في الهواء و الناس تنتظر سقوطه المدوي بين لحظة و أخرى. فمن هو هذا «الزعيم» البارك على أنفاس الجماهير منذ ثلاثة عقود؟ و كيف كانت بداياته؟ و ما هو مساره؟ و كيف ستكون نهايته؟ البدايات: ولد الطفل محمد حسني سيد مبارك ، و هذا هو إسمه بالكامل، في رابع يونيو 1928 في كفر المصيلحة بمحافظة المنوفية ،حيث أتم تعليمه الثانوي بمدرسة المساعي الثانوية بشبين الكوم، قبل أن يلتحق بالكلية الحربية، و هناك حصل على باكالوريوس العلوم العسكرية في فبراير 1949 و تخرج برتبة ملازم ثان ثم التحق ضابطا بسلاح المشاة باللواء الثاني الميكانيكي لمدة ثلاثة شهور. و مع فتح كلية الطيران مباراة لقبول دفعة جديدة بها من خريجي الكلية الحربية ، تقدم الملازم حسني مبارك بترشيحه للالتحاق بها و اجتاز الاختبارات و قبل في كلية الطيران ثم تخرج منها حاصلا على باكالوريوس علوم الطيران في 12 مارس 1950 . و في عام 1964 (بعد قيام الثورة ب12 سنة) تلقى دراسات عليا بأكاديمية فرونز العسكرية بالاتحاد السوفياتي. و فور تخرجه عين بالقوات الجوية بالعريش في مارس 1950, ثم نقل إلى مطار حلوان بالصعيد للتدريب على المقاتلات ما بين 1951 و 1953 حيث تم نقله إلى كلية الطيران ليعمل مدرسا بها فمساعدا لأركان حرب الكلية ثم أركان حرب الكلية و قائد سرب في نفس الوقت حتى عام 1959 . و خلال حرب الرمال التي نشبت بين المغرب و الجزائر في الستينات تم أسره رفقة ضباط مصريين آخرين من طرف الجيش المغربي حيث بقي أسيرا إلى أن اصطحبه الملك الحسن الثاني رفقة رفاقه الآخرين إلى القاهرة ليقدمهم هدية لعبد الناصر. بعد ذلك سافر حسني مبارك في بعثات متعددة إلى الاتحاد السوفياتي حيث تدرب على طائرات « إليوشين28» و « توبوليف تي يو 16», قبل أن يصبح قائدا للواء قاذفات قنابل و قائدا لقاعدة غرب القاهرة بالنيابة حتى 30 يونيه 1966. و في 5 يونيو 1967 كان حسني مبارك قائد قاعدة بني سويف الجوية، و عقب هزيمة 1967 و بداية حرب الاستنزاف رقي مبارك إلى رتبة عميد في 22 يونيو 1969 و شغل منصب رئيس أركان حرب القوات الجوية ثم قائدا للقوات الجوية في أبريل 1972 و هو العام نفسه الذي عين فيه نائبا لوزير الحربية. و أثناء حرب أكتوبر 1973 قاد اللواء حسني مبارك القوات الجوية المصرية و تمت ترقيته إلى رتبة فريق في فبراير 1974 و في 15 أبريل 1975 عينه الرئيس محمد أنور السادات نائبا لرئيس الجمهورية. أبواب الرئاسة: في هذه المرحلة انفتحت أمامه أبواب الطريق السيار نحو قمة الهرم، فحينما أسس الرئيس السادات «الحزب الوطني الدمقراطي» برئاسته في يوليوز 1978 عين حسني مبارك نائبا لرئيس الحزب، و في هذه الفترة تولى أكثر من مهمة عربية و دولية من أجل تسويق معاهدة كامب ديفيد التي وقعها الرئيس السادات في خروج سافر عن الإجماع العربي آنذاك، و بدأ مبارك في هذه الفترة ينسج علاقاته الدولية. و عقب حادث المنصة الذي اغتيل فيه الرئيس السادات، تولى حسني مبارك في 14 أكتوبر 1981 رئاسة جمهورية مصر العربية، بعدما تم الاستفتاء عليه بعد ترشيح مجلس الشعب له خلفا للرئيس المغتال، و في 26 يناير 1982 تم انتخابه رئيسا للحزب الوطني الدمقراطي. و منذ ذلك التاريخ نزل حسني مبارك بكلكله على الشعب المصري و أصبح يجدد له في استفتاءات متوالية و مزورة (1982-1987-1993-1999) وفي سنة 2005 و تحت ضغوط دولية و داخلية، اضطر الرئيس مبارك إلى الرضوخ فأجريت أول انتخابات رئاسية تعددية بعد أن تم تعديل المادة 76 من الدستور المصري التي جعلت انتخاب الرئيس بالاقتراع العام المباشر و ليس باقتراع مجلس الشعب كما كان في السابق ، وفاز فيها أيضا في ظل انتخابات شهدت أعمال عنف و اعتقالات ضد مرشحي المعارضة التي وصفتها بالمسرحية الهزلية المقصود بها إرضاء بعض القوى الخارجية. و قد تم إجراء الانتخابات الرئاسية عوض الاستفتاء بعد تعديل دستوري، ارتبط بجدل سياسي حام بسبب الشروط التي وضعت للمرشحين والتي تجعل الترشح للمنصب من جانب الشخصيات ذات الثقل السياسي أمر مستحيل مما دفع المعارضة إلى المطالبة بتعديل المادة 33 التي تنظم الترشح للرئاسة، مبدين تخوفهم من أن هذه الفذلكات الدستورية إنما تهدف إلى بناء سيناريو لتوريث الحكم لنجل الرئيس جمال مبارك. غير أن إصرار الرئيس حسني مبارك على المضي قدما نحو إخراج هذا السيناريو و تراكم المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية التي يعاني منها الشعب المصري (ازدياد معدلات التضخم في عام 1998 خصوصا و تضاعف الأسعار و تزايد نسبة البطالة بين خريجي الجامعات و التي وصلت إلى 13 بالمائة) و خنق الحريات و ازدياد الفجوة بين الثراء الفاحش و الفقر المدقع جعل الشعب المصري يعيش فوق برميل من البارود قابل للانفجار في أية لحظة لا تنقصه سوى شرارة. و جاءت الشرارة من تونس التي أطاحت المظاهرات الشعبية فيها برئيس لا يقل استبدادا عن مبارك، فخرج الشعب المصري الغاضب منذ 25 يونيو بمطلب واحد هو «إرحل يا مبارك».