إن قراءة الفيلم السينمائي سواء كان قصيرا أو طويلا هي مغامرة محفوفة بالمخاطر والانزلاقات التي من شأنها أن تؤدي القائم بها أكثر من الفيلم. لأن هذا الأخير قائم بذاته. لا ندخل عالم السينما مفرغين من ثقافة شاملة، فتسمية السينما بالفن السابع لم تأت جزافا. لذا فمهمة الناقد السينمائي ليست بالسهلة، وكل من يستسهل ذلك فهو واهم ولن يضيف للنقد السينمائي سوى السفسطة الخالية من تقدير حقيقي لهذا الفن الذي لن يكون بالضرورة في متناول المتهافتين. إذا كانت الصورة هي المادة الأولى التي يشتغل عليها المخرج، ونحن نعرف أن الصورة لها تاريخ عميق في تاريخ الانسانية، من الرسومات التي خلفها الانسان البدائي بالكهوف إلى الصور الافتراضية في زمن أصبحت الصورة تخلق واقعها، بعدما كان دورها هو تجسيد الواقع، فأين يتموقع الناقد وما محله من الإعراب في قراءة الصورة؟ لماذا أخذت الصورة هذا الإطار المتعارف عليه ولم تتشكل على هيأة أخرى؟ وكيف تعامل مخرج فيلم ما مع الصورة انطلاقا من تاريخها العام وتاريخه الخاص؟ ما قراءته لها وكيف تعامل معها لإنجاز فيلمه؟ كثيرا ما نمر مرور الكرام على هذه التجربة الهائلة للإنسان مع الصورة. إذ ليست هناك أية عفوية حينما يختار المخرج زاوية ما لأخذ الصورة وتحريك الكاميرا بطريقة تخدم هواجسه التي ما هي إلا نتاج لتفاعله مع ما هو بصري. إن تجربة المخرج التونسي ناصر الخمير رائدة في المجال لأنه وضع الأصبع على إشكالية علاقة العرب بالصورة وبالخصوص الكاميرا التي هي نتاج ثقافة أخرى، وكيف يمكن لنا نحن كمخرجين عرب أن نعبر بنفس الإطار المتحكم في الصورة أن نعبر عن ثقافتنا دون أن نشوهها خاصة حينما يتعلق الأمر بالعمارة العربية المتميزة بالأشكال الدائرية والمقوسة. وحتى لا نركز على الصورة، هناك كذلك حضور الممثل، الذي يتم استثماره داخل الصورة في فضاءات عدة دون إغفال للزمن. هذه المادة المتحركة والناطقة والمعبرة، كيف يولي لها المخرج اهتمامه، كيف يضعها داخل الإطار وكيف يتحكم فيها؟ هل هي جامدة أم متحركة؟ هل لها عمق نفسي أم مسطحة؟ أشياء كثيرة تستدعي من الناقد أن يبحر في تاريخ الانسان وعلاقته بالتمثل. ماهي البدايات التي استدعت من الانسان أن يخرج من إطار شكله الأول كي يقوم بتغييره للتوهيم أو المخادعة. البحث في الأشكال القديمة التي احتضنت الانسان كممثل. الاقامة الجبرية في قلب المسرح أب الفنون حيث تقلد الممثل دور الآلهة كي يرقى فوق كل نواقصه. ليس للناقد السينمائي من مهرب من الموسيقى وكيف وجدت لها مكانا في السينما إذ رافقته حنى في زمن صمته على شكل سينما حفل ciné concert . لأن الموسيقى، وعكس من فهموا أن وضعها داخل الفيلم هو سد الفراغات، فهي أحيانا تصبح الفيلم نفسه بحيث يشكل المخرج الفيلم في صيغة سينمائية ترقى أحيانا الى مستوى سمفونية سينمائية. في هدا الحيز البسيط لم نتطرق للتشكيل والديكور والإضاءة وأشياء أخرى ينطوي عليها إنجاز الفيلم. غير أن ما يهمنا هو أن نميط اللثام عن وهم الانغمار في قراءة وتحليل الفيلم في غياب تام لثقافة موسوعية من شأنها أن تجعل الناقد السينمائي في منأى عن إنجاز نصوص إنشائية.