منذ وضع غيڤارا قبعته ولحيته في متحف الشعوب المنتظرة، لم يعد حديث الديناصورات يغري أحدا بالمغامرة في أدغالها. لكن الثورات تحدث مع ذلك بدون قبعة وبدون سيجارة وبدون أغنية حماسية. الحزب الثوري اليوم لا يجتمع في الأحياء الهامشية، يوزع بيانات في منتصف الليل ويملأ الجدران بالشعارات، ولا يجتمع أعضاء خلاياه في الجلسات وهم يضعون الأقنعة حتى لا يتعرف عليهم المستقطبون الجدد، الحزب الثوري اليوم، بداية من تونس ومن مصر، لا ينبني تحت نيران الادعاء.. الحزب الثوري اليوم حزب .. إلكتروني، حزب يقوم على سواعد أمة الانترنت ، وفي مدينة الفايسبوك الفاضلة. ليست هناك ثورة اليوم تخرج من الكتب الحمراء والخضراء والصفراء، الثورات اليوم تخرج من الشبكة ومن الصفحات، قادتها الجنرال يوتوب والكوماندانتي تويتلير.. والثوار اليوم لا يحتاجون إلى مواعيد مفرطة في السرية ولا إلى كتابات لأوسفيتز . ولا يحتاجون إلى بروليتاريا وطلائع ثورية متقدمة، وإلى مكتب سياسي سري وجناح عسكري، ولا إلى إسمنت مسلح من الإيديولوجيا، الثوار اليوم قابعون وراء الفايسبوك ينتظرون لحظة ظلم، ولحظة جوع، ولحظة غرور، ولحظة تشنج، ولحظة فراغ.. لكي ينقضوا على الدول البوليسية ويلقون بها خارج الأرض، أرض البلاد.. اليوم لم تعد الثورة عدوى طبقية فقط، بل هي مثل المثال المغربي،«حَرْفتْ بُوكْ واللاَّ يَغَلْبُوكْ»، الفايسبوك واللايغلبوك الفايسبوك حول تونس إلى أم الدنيا، بعد مصر، وهذا ما فهمه المصريون أنفسهم وبدأوا يرددونها. وفي الفايسبوك اليوم يقيم الثوار المتاريس الإعلامية، وينصبون المشانق للدكتاتوريات، وفي الفايسبوك يعلنون قيام دولة الانترنت الجديدة. لا تضغط الثورات الجديدة على زناد الكلاشنيكوف وتكتفي بنقرات على ... الكلافيي! الثوار اليوم لا يريدون الدم ولا يؤمنون به سائلا، ولا يصدقون من يقول بذلك أيضا، ويستقبلون الأفكار الجيدة كما يجب بالحفاوة ذاتها التي تستقبل بها جماهير المحررين، طلائع الثوار في أفلام الستينيات.. هي اليوم محاولة لاستكمال الأحلام التي تبدأ على الشاشة. الثورات اليوم ينتهزها الجياع لكي تخرج من شاشات تعمل صباح مساء، لكنها شاشات تزداد قوة مع نقص الهواء الجيد في البلاد، ومع كل سنتمتر ينقص في ألسنة الناس. لنقص ملمترا واحدا من لسان مواطن وسنقطع مسافة .. ميل نحو الثورة الفايسبوكية.. في مصر وفي تونس ، وفي الدول التي لا تحب كثيرا الحرية وتفضل أن يأكل الناس أحلامهم ، يكون الفايسبوك دعوة مفتوحة للثورة.. وهي دعوة كل قوتها أنها آخر سلاح للبشرية إلى حد الآن..