في رحاب فضاء عبد الله العروي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن امسيك بالدارالبيضاء، افتتحت شعبة الفلسفة، مختبر الفلسفة والشأن العام، بذات المؤسسة العليا أنشطتها الفكرية برسم الموسم الجامعي الجديد، بدرس افتتاحي ألقاه الدكتور طيب تيزيني في موضوع: «في مشروع فكري متجدد»، وذلك أول أمس الثلاثاء 27 أكتوبر 2015. المفكر العربي الكبير المعروف بإسهاماته الفكرية الجريئة على مدى نصف قرن، تطرق في درسه الافتتاحي لشعوره بالمسؤولية عبر تناول مشروعه الفكري، المشروع الفكري الذي أصر صاحب «من التراث إلى الثورة» على أن يكون متجددا. وأبرز المحاضر كون التفكير يتأمل الماضي والحاضر في الآن ذاته، متوقفا عند كونه (التفكير) يتوجه أيضا إلى المستقبل. كما عرفت المحاضرة لحظات قوية وجد مؤثرة، حين انهمرت الدموع من عيون مؤلف «نحن والتاريخ و»نحن والتراث» «الأصولية بين الظلامية والتنوير» في بعض مجريات اللقاء، وهو ما لم يمنع المفكر البارز من التعبير في سياق تحليله عن تفاؤله بأن التاريخ لم ينته، وبأن صناعته بالنسبة للمستقبل ممكنة لا تزال. ولم يفت تيزيني التعبير عن حزنه وسعة آلامه جراء ما يعرفه بلده سوريا من تدمير، واسما هذا التدمير بكونه خارجيا وداخليا وأنه نتيجة علاقة جدلية بين الداخل والخارج. وقد كان الدرس الافتتاحي بحق تحليلا لما يقع الآن وآفاقه، بالإضافة إلى كونه شهادة حية على ما يقع. وتزامنا مع حضور صاحب «الأصولية بين الظلامية والتنوير» إلى المغرب، شهد نفس الفضاء برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن امسيك بالدارالبيضاء طيلة يوم أمس الأربعاء، ندوة فكرية حول أعمال طيب تيزيني، نظمت تحت عنوان: «التراث والمستقبل». وقد استهلت بكلمات عميد الكلية عبد القادر گنگاي، ورئيس الشعبة المنظمة موليم لعروسي ومنسق الندوة عبد الإله بلقزيز. كما كان مقررا أن تتضمن جلساتها العلمية مداخلات كل من الأساتذة محمد نور الدين أفاية، عبد الصمد بلكبير، المختار بنعبدلاوي، نبيل فازيو، عبد اللطيف فتح الدين، موليم لعروسي، عبد المجيد الجهاد، محمد مازوز، أحمد الصادقي وعبد العالي معزوز، على أن تختتم الندوة الفكرية كلمة للدكتور طيب تيزيني. عد ان اطلعت على خبر المحاضرة التي كان سيلقيها طيب تيزيني ، المفكر السوري المعروف ، قررت الذهاب إلى الدارالبيضاء لحضور تلك المحاضرة نظرا لمكانة الرجل في الفكر العربي المعاصر، و لكن أيضا نظرا للصداقة الخاصة التي تربطني به . كما ذهبت برغبة في التواصل مع زملائي في كلية ابن مسيك اللذين تربطني بكثير منهم علاقات زمالة و صداقة . أما آخر ما نشره طيب تيزيني قبل حلوله بالبيضاء، فهو مقال تحليلي في «دنيا الوطن» تحت عنوان «المأزق من سوريا إلى فلسطين!» (22 أكتوبر) موضحا ضمنه أن «الصراع القائم بين السوريين والقوى الأخرى المناوئة يحمل الآن، للمفارقة، طابعاً دينياً ظلامياً، راح يبدو وكأنه يسير جنباً إلى جنب مع صراع من نمط آخر، كان هو المهيمن والسائد في مراحل ما بعد الاستقلالات عن القوى الاستعمارية السابقة، ونعني به الصراع القومي بين معظم العالم العربي وبين الدول الاستعمارية ومن ضمنها إسرائيل خصوصاً. والأمر هذا خطير جداً، وربما يحتمل ما لا تحمد عقباه، بحيث قد يومئ إلى ما يمكن أن يُنتج اشتعالاً عالمياً، وبصيغة أكثر تخصيصاً، فإن ما يحدث راهناً وصل إلى قلب حرب باردة تذكّر، عملياً، بما كان موجوداً في العالم تحت عنوان هذه الحرب». وقد خلص تيزيني في مقاله هذا إلى كوننا «لا نعيش أمام تزلزل المشاريع القومية في العقدين الأخيرين فحسب، وإنما هي دعوة جديدة عالياً لتحقيق مشاريع دينية ومذهبية في غاية الظلامية والوحشية، وحيث يكون الأمر كذلك، فإننا حينئذ لن نندهش من ظهور «داعش» وازدهاره في عدة مناطق وبلدان. «كم هو هائل وفظيع في خطورته الراهنة والمستقبلية القريبة، على الأقل، أن يأخذ ذلك مداه على نحو مفتوح، ومن ثم فإن المشروع القومي العربي، الذي عفره بعض دعاته المزعومين ولطخوه بالعار والدماء، سيلاحقنا خطوة فخطوة للتمسك به، ولكن مع إضافات حاسمة تتمثل خصوصاً في الديمقراطية والمدنية والنظام السياسي، الذي يقوم على الحرية والكرامة، ومبدأ التداول في السلطة، وأخيراً على العدالة والمساواة.»