في سياق ندواته الحوارية، الفكرية، استضاف الملحق الثقافي ل «الاتحاد الاشتراكي»، بمقر الجريدة، ندوة حوارية فكرية عميقة مع الكاتب والباحث والمترجم السوري هاشم صالح، شارك فيها ثلة من الأساتذة والباحثين (موليم العروسي، عزالدين العلام، عادل حدجامي، محمد آيت حنا، بوجمعة آشفري، لحسن العسبي ومصطفى النحال). وهي الندوة التي خُصّص موضوعها لمناقشة مشروع الأستاذ هاشم صالح، الذي كان له الفضل في تعريف الجمهور العام العربي، خاصة بدول المشرق، بأطروحات المفكر الجزائري الراحل محمد أركون. مثلما تشعّب النقاش ليمتدّ إلى واقع الأصولية في العالم الإسلامي اليوم، وسؤال الثورة، بالمعنى الفلسفي الذي طرحه كل من هيغل وكانط وفيبر. وكان الحوار سجاليا، نقديا، جريئا، أنضج تحليلات عميقة بجرأة معرفية رصينة. قاربتْ الأصوليات الفكرية المؤطرة للواقع العربي اليوم، وإيجابيات الثورة في بلورة أشكال تجريب غير مسبوقة لأجوبة سياسية وفكرية، ظلت على الهامش في القرار السياسي للدول، مما أفرز محدوديتها وعطبها الفكري. الندوة التي امتدت لأكثر من ثلاث ساعات، قاربت أيضا، إشكال الرؤية للواقع العربي الساخن بالحراك الاجتماعي، بمرجعيات معرفية متعددة، وأن إنتاج الخطاب المحلل، لابد أن يستند على أرضية معرفية سابقة، خاصة أطروحات محمد عابد الجابري وعبد الله العروي وعبد الكبير الخطيبي ومحمد أركون. أي الأطروحات التفكيكية، البانية للمعاني، غير السجينة في الأحكام الإطلاقية أو شرنقة الإيديولوجيا. من هنا غنى الأفكار التي تضمنتها هذه الندوة الفكرية الهامة. لحسن العسبي باسم جريدة «الاتحاد الاشتراكي» ، أرحب بكم في هذه القاعة الرمزية التي مرّت منها أسماء استثنائية، ربما من أبرزها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الذي اتخذ منها مكتبه، وهي أيضاً قاعة المرحوم أحمد باهي ومحمد اليازغي ومحمد الصديقي? كما استقبلتْ هذه القاعة أدباء ومفكّرين لعل أبرزهم الروائي الكبير عبد الرحمان منيف? وحين نستقبل اليوم الأستاذ المفكر والمترجم السوري المقيم بفرنسا، هاشم صالح، فهذا تشريف لهذه المؤسسة ولصحافييها، وأشكره كثيراً على قبوله الدعوة، كما أشكر الأصدقاء الباحثين والمثقفين على حضورهم ومشاركتهم، لأنه فيه تقدير للجريدة. { مصطفى النحال بدوري أتقدم بالشكر لأستاذنا هاشم صالح على تلبية الدعوة، وأشكر بالخصوص، الأستاذ عز الدين العلام الذي بادر بالفكرة، وأرحب بالأستاذ موليم العروسي، الباحث والروائي والناقد، وعادل حدجامي، أستاذ الفلسفة الذي أهنئه مرة أخرى على نيْله جائزة الشيخ زايد، وأشكر على الحضور، الأستاذ محمد أيت حنّا، أستاذة الفلسفة، والصديق بوجمعة أشفري، الناقد والإعلامي. أقترح في هذا اللقاء المفتوح أن نقسم هذا اللقاء إلى قسمين? قسم أول نتناول فيه من جهة، الجانب المعروف كثيراً عن هاشم صالح، وهو تخصصه في ترجمة أعمال المفكر محمد أركون وكذا الكتب الخاصة به التي خصصها للفكر العربي المعاصر? أما المحور الثاني، فسوف نناقش فيه الكتاب الأخير للأستاذ هاشم صالح : «الانتفاضات العربية في ضوء فلسفة التاريخ?». في البداية أعطي الكلمة لهاشم صالح? { هاشم صالح شكراً جزيلا على الدعوة? نعم أنا مترجم أساساً، ولكنني كاتب أيضاً? وهما فعاليتان متساويتان لدي، وتغذيان بعضهما البعض? لماذا أركون؟ لأنني عندما التقيت به في صيف 1978 بمكتبه بالسوربون، لم أكن أعرفه من قبل? فقد كنت أفكر في تحضير شهادة الدكتوراه مع أندري ميكال أو جاك بيرك? لكن عندما بدأت أحضر دروسه بالسوربون، أدركتُ يومها مدى خطورة هذا الرجل، وأهمية هذا المفكر الجزائري الأصل، المغربي الهوى والانتماء، فحين كان يتحدث عن المغرب، كان يتحدث عنه بمحبة وحنين? أركون واحد من أهم المفكرين في تاريخ الإسلام? لقد حرّرني المرحوم أركون من تُراثيتي، من تربيتي التراثية التقليدية، كل التصورات التي أخذتها من طفولتي وبيئتي غيّرها? فقد كنا نخرج من دروسه وأفكارنا قد زعزعها? لذلك قلت? لماذا يبقى هذا المفكر حبيس السوربون، بينما هو ملك للعرب والمغاربة? من ثم، فكرت في ترجمته إلى العربية? يومها لم يكن اسمه متداولا في العالم العربي? واليوم بعد كل السنين، أظن أن أركون أصبح تيَّاراً، لأن أي فكر يلبي حاجة تاريخية ينجح? ففي بداية الثمانينيات، حين شرعت في ترجمته، كانت الثورة الخمينية قد نجحت، وبدأ المد الأصولي في التبلور. وأركون مفكك كبير للعقل الإسلامي التقليدي. هو مفكّك ?السياجات الدوغمائية المغلقة، وعنوان آخر كتاب صدر له قبل رحيله هو Pour sortir de la clôture dogmatique السؤال هو كيف يمكن للعرب والمسلمين الخروج من القفص العقائدي الضيّق، أو من السجن اللاّهوتي المغلق؟ السؤال في الحقيقة هو? كيف نخرج هنا والآن من حالتنا؟ من هنا فأركون ظاهرة هامة في تفكيك الانغلاقات اللاّهوتية، كان قوياً حتى أمام العلماء الفرنسيين، بحيث يبدّد الأوهام الغربية عن الإسلام، ويعود حتى إلى المسيحية ليقارن ويبرز لهم تشابه المسارات? من ثم، فهو محرر كبير للتراث الإسلامي من الداخل? محمد أركون لا يقول: أنا ملحد أو شيوعي أو ماركسي متجاوزاً التراث? لا، كان يشتغل من داخل الإسلام، وأعتقد أنه في أعماقه، كان مُسلماً أقصد مُسلماً إسلام أبي حيّان التوحيدي ومسكويه وابن رشد، الذي كان يتماهى معه كثيراً، لأن السؤال الذي طالما طرحه هو? لماذا فشل ابن رشد على أرضه وفي ثقافته، في حين نجح في الضفة الأخرى، وشكّل تياراً فكرياً يسمى «?الرشدية?». ربما كان يجد نفسه في ابن رشد، لأنه كان يخْشى فشله في العالم العربي. { هاشم صالح بطبيعة الحال، من خلال ترجمتي لأركون، كنت ألبّي حاجة داخلية. فقد حضرتُ إلى باريس محمّلا بالعديد من الأسئلة التي لم أكن أجد لها جواباً، وخصوصاً أسئلة تتعلق بكيفية قراءة التراث والفكر الإسلامي. كيف يمكن تجديدهما؟ لم أجد أجوبة لا عند واحد مثل الطيب تيزيني ولا عند حسين مروة، مع احترامي لهما. وهذه حال معظم الباحثين المشارقة، لأنهم كانوا بعيدين، في نظري، عن المنهج الابستيمولوجي? من هنا وجدتُ ضالتي في أركون وفكره? فقد كان شأنه في ذلك، شأن ميشال فوكو، يقوم بالحفر في التاريخ الإسلامي? المنهج التقدمي التراجعي، بمعنى لكي نفهم ما يجري في الحاضر، لا مناص من العودة الى الماضي والحفر فيه، مثل مشكلة الطائفية في المشرق التي لابد لفهمها من الرجوع إلى الفتنة الكبرى في تاريخ الإسلام? قبل 1400 سنة. قل الشيء نفسه عن ظاهرة إغلاق باب الاجتهاد والاجترار الفكري والفقهي، التي يعود بها إلى الانتقال من العصر الذهبي لكبار الفلاسفة والمفكرين والمجتهدين إلى عصر الانحطاط? منهج الحفر لدى أركون هو منهج فوكو ونيتشه ومنهج العصر الحديث? الحفر الأركيولوجي في الأعماق. { مصطفى النحال: هل معنى هذا أن أركون يشكّل قطيعة معرفية في تاريخ الفكر الإسلامي. { هاشم صالح: لا ريب في ان اركون يشكل قطيعة معرفية كبرى في تاريخ الفكر الاسلامي. فقبله لم يتجرأ أحد، حتى ولا طه حسين، على إحداث القطيعة مع النظرة التراثية المهيمنة على المجتمعات والعقول. أكاد أقول إن فكر أركون يقسم تاريخ الإسلام إلى قسمين كبيرين: ما قبله وما بعده. تاريخ الإسلام لن يقسم بعد الآن إلى ما قبل الفارابي وما بعده، او ما قبل ابن سينا وما بعده، او ما قبل ابن رشد وما بعده، او ما قبل طه حسين وما بعده. أقول ذلك على الرغم من أهمية هؤلاء وعظمتهم. وإنما سوف يقسم إلى ما قبل محمد أركون وما بعده. فلعله الوحيد الذي تجرأ على طرح مسألة الوحي من خلال منظور مقارن، واسع، حديث. بمعنى انه ربط الوحي القرآني بالوحي التوراتي والإنجيلي أيْ التوحيدي بشكل عام دون أن يطمس خصوصية القرآن الكريم وعبقريته كما يفعل بعض الاستشراق. ومعلوم انه وصل الأمر ببعضهم إلى حد اعتبار القرآن عبارة عن فوطوكوبي، أي نسخة طبق الأصل، عن التوراة! لقد ساهم في تأسيس منهجية الدراسة المقارنة للكتب التوحيدية الثلاثة كاشفا عن نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف في ما بينها. ثم بشكل أخص كشف عن علاقة هذه الأديان السماوية بالاديان الارضية: اي بأديان الشرق الأوسط القديمة لوادي الرافدين وسواها. انظر علاقة طوفان نوح التوراتية والقرآنية بملحمة جلجامش مثلا. كما ميز بين الخط الديني التوحيدي من جهة، والخط الفلسفي اليوناني من جهة أخرى. وهما التياران الكبيران اللذان سيطرا على الشرق كله، وأيضا الغرب كله طيلة قرون وقرون. وميز عندئذ بين الخطاب النبوي من توراتي وإنجيلي وقرآني، وبين الخطاب الفلسفي المنطقي العقلاني. فالتركيبة اللغوية للخطاب الأول غير التركيبة اللغوية للخطاب الثاني. الأول، أي الخطاب النبوي، يعتمد على المجازات الخارقة المنْبجسة ويقترب من لغة الشعر. هذا في حين أن الخطاب الأرسطوطاليسي يعتمد على المحاجات المنطقية والبراهين الإقناعية ويستخدم اللغة بطريقة مختلفة تماما. { عز الدين العلام أعود إلى مسألة الترجمة، فحين نترجم، سواء على الصعيد الفردي أو على مستوى الأمم فالعرب مثلا ترجموا كتب السياسة الفارسية ابن المقفع، أردشير إلخ.. ماركس كان مفكراً أكثر منه سياسي، ومن الصعب الجمع بين ماركس ولينين وللأسف، أن كتباً مؤسسة في التاريخ لم تترجم إلى اللغة العربية. فالمجهود الفردي مهما كانت أهميته، يبقى محدوداً، لذلك نحتاج إلى مؤسسات? وبخصوص محمد أركون، أعتقد أنه إلى جانبه، كان هناك مفكرون آخرون أمثال محمد عابد الجابري الذي اشتغل كثيراً على التراث بنية العقل العربي، وكذا كتابات رضوان السيد في التعريف بجانب كبير من التراث. { هاشم صالح هذا صحيح، لكن الأهمّ عند أركون هو أنه يتجه إلى عمق أعماق الأشياء في العقلية الاسلامية نعم هناك جهود فكرية محترمة، لكن الذهاب إلى العمق الأركيولوجي في تفكيك عناصر التراث الإسلامي، ومظاهر الانغلاق في الإسلام هو الأهم. هو يصل إلى أعمق اللحظات في التراث ويحللها ويضيئها لغوياً وأنتروبولوجيا وسميائياً وعن طريق علم الأديان المقارن. أغلب الباحثين العرب وقفوا عند منتصف الطريق، بينما هو ذهب إلى النهاية. { بوجمعة أشفري في نقد المبادىء والقيم الإسلامية? بقي أركون دائماً في تحليله وتفكيكه داخل بنية العقل الإسلامي. ربما لهذا السبب قلت بأن أركون مسلم بمعنى من المعاني. { هاشم صالح مسلم بالمعنى الروحاني والتنزيلي المتعالي? غير أنني لا أعتقد بأنه ظل منغلقاً داخل الإسلام، لأنه كان مطلعاً على التراث المسيحي أيضاً والتراث العلماني الغربي لم يكن ملحداً ولم يكن مؤمناً بالمعنى الإيماني الضّيّق كان مؤمناً بالمعنى الذي يخترق العقائد والأديان? عندما يجد في التراث أشياء رائعة يبرزها ويقارن بينها وبين ما هو مضيء في ثقافات وديانات أخرى. { موليم العروسي كان محمد أركون منفتحاً على نظريات وأفكار أخرى غربية هذا مؤكد، لكن أظن أن بنية تفكيره، ظلت في مجملها بنية مطبوعة بالدين. صحيح كما تقول، يمكن عند أركون أن تكون مقالة مثل «نقد العقل الإسلامي» أن تغنيك عن كتاب بأكمله، من ناحية عمق السؤال ولكن ما لفت انتباهي عند أركون، في توظيفه للسانيات والأنتروبولوجيا والسيميائيات إلخ، هو أنه يستعملها كأدوات? وهنا أعود لما قاله الأخ بوجمعة أشفري لكي أوضح هذه المسألة? ففي كتابه الأول حول «?النزعة الإنسانية في القرن الرابع الهجري ?عن مسكوية»، كان موضوعاتياً، لكن بعد ذلك، حين نشطت مسألة القراءات Les lectures، أصدر كتباً في قراءة القرآن، ثم حين ظهرت التفكيكية، بدأ يدخل اعتبارات جديدة كالسيميولوجيا والأنتروبولوجيا، أي أنه كان يتعامل مع هذه المناهج بشكل أداتي، وهذا هو الصعب في التفكير، لأنه لا يفيد كثيراً ففي نفس الفترة التاريخية ?نهاية 1978، حين كان أركون لايزال حبيس قراءة القرآن، كان المرحوم عبد الكبير الخطيبي يقوم بالنقد المزدوج الذي يقوم أساساً على تفكيك اللاهوتية التي هي تتعاقد وتتحالف مع المصلحة مع البنية الامبريالية. للأسف أن الناس لم ينتبهوا إلى كون الخطيبي من مؤسسي التفكيك والهدم، تفكيك التراث العربي? فهو أول من أدخل هايدغر في التفكير العربي، ومن الأوائل الذين انخرطوا في مجموعة جاك ديريدا التي بلورت الفكر التفكيكي? في تلك المرحلة، وأنا حضرت لندوات أركون، كان لايزال يتحدث بالمنهج التاريخي الماركسي الجديد لألتوسير وغيره? { هاشم صالح تعميقاً لما قلت، أعود للتذكير بأن آخر كتاب لأركون هو? ?من أجل الخروج من السياجات المغلقة? { بوجمعة أشفري (مقاطعا) أنا أقصد أنه، في بنية تفكيره، لا يذهب أبعد من البنية الدينية رغم تنويعه المنهجي? { موليم العروسي نفس الشيء يصدق على عنوان كتابه الأخير الذي هو استحضار لعنوان? ?من أجل الخروج من السياج الميتافيزيقي?? { هاشم صالح هذا الكلام، على الرغم من وجاهته، يحتاج إلى نوع من التعديل? نعم إن التجربة الدينية كانت لها أهمية كبرى بالنسبة إليه، بمعنى الواسع? وعلى الصعيد المنهجي العام، ما كان يعنيه في فرنسا ليس ألتوسير كشخص، وإنما الذي كان يعنيه هي تلك الطفرة البنيوية، وبالخصوص على صعيد الثورة التي أحدثتها اللسانيات ?بنفنيست، غريماس إلخ?، والتي خوّلت له القيام بحفر لغوي في التراث??? { موليم العروسي (مقاطعا) لأن المهم ليس في الرجوع إلى المادة، وإنما نحن نتحدث عن المنهج، هذا هو المهم، وليس الرجوع في حد ذاتها، فحين أعود لا أقف عند حدود الإيمان، أضع الإيمان على المحك. { هاشم صالح لا ينبغي أن نجعل الإيمان هو الأفق، أو هو المقياس، لأن الذي كان يهم مفكراً مثل أركون هو ليس تجاوز الإيمان كعقيدة متعالية وروحية وشخصية، وإنما هو تقديم قراءة جديدة له، وإضاءة بالمقارنة مع أساطير أخرى وديانات أخرى، وذلك لتوسيع أفق المسلم المعاصر، وجعله يتبنّى مواقف أكثر رحابة وانفتاحاً على الدين الإسلامي دائماً كان يقارن بين التراث الإسلامي والتراث المسيحي في أوربا الغربية التي تحررت من الفكر الديني المنغلق خلال العصور الوسطى، خلافاً للتراث المسيحي الأورثوذوكسي، أو اليهودي في قسم كبير منه، ماعدا اليهودي الغربي، وذلك من أجل تسليط الضوء على الانغلاق الإسلامي هل هذا انغلاق؟ بالعكس أنا أعتبره، في السياق العربي الإسلامي اليوم خيْر نموذج عن التفكير العقلاني المنفتح للتراث? { موليم العروسي السؤال الذي ينبغي أن يُطرح هنا هو هل خرج محمد أركون من التوحيدية Le monothéisme هاشم صالح? كان يتأسّف لكونه لم يكن له اطلاع كبير على ديانات الشرق الأوسط القديمة كالبوذية وغيرها للخروج بالضبط من التَّصور التوحيدي الذي يقدمه الإسلام والمسيحية واليهودية، وللخروج أيضاً من البنية الدينية التي تشيع فكرة «الفرقة النَّاجية»، لكي يخرج المسلمين من حديث «الفرقة الناجية» المرتبط بالحديث الانغلاقي المُسيَّج نفس البنية عكستها الكنيسة الكاثوليكية التي وقفت حجر عثرة في وجه التقدم والعقلانية لكن في الإسلام لم تحدث ثورة لاهوتية للخروج من مفهوم الفرقة النامية، لا عند السنة ولا عند الشيعة كل هذه الانغلاقات مُعيقة ومُكْبحة. { عادل حدجامي أود الحديث عن أشياء بسيطة جداً تحدثنا في البداية عن الترجمة، وعَطْفاً على ما قلتم، أعتقد أن مفهوم الشفافية في الترجمة، الذي تحدث عنه الأخ مصطفى النحال، يأتي من كوننا محكومين في البدء بثنائية ميتافيزيقية هي ثنائية الأصل والصورة المترجم هو صورة، هو نقل عن أصل التفكير اليوم في العالم العربي يتخذ صورة الترجمة الترجمة هي التي تجتمع فيها القراءة بالفهم بالكتابة بالاستيعاب بتمرين اللغة عملياً وفعلياً هناك رأي شائع عند الكثيرين هو أن المترجم ليس مهماً، لذلك يوضع اسمه على ظهر الغلاف صغيراً، لا يأتي مقروناً بالكاتب وأظن أنه إذا كان ثمة شيء ينبغي إبرازه فهو المترجم، لأن قدر ومفعول فكر محمد أركون، على الأقل في المشرق العربي. إن كان له مفعول، يمر عبر ترجمة هاشم صالح. النقطة الثانية أعود فيها إلى ما دار بين هاشم صالح وبوجمعة أشفري وموليم العروسي أعتقد أن هناك عنصر قوة لأركون ومن جرى مجراه، وهناك عنصر ضعف? عنصر القوة هو أن أركون والجابري ومن نحا منحاهما، أي المفكرين الذين يأخذون التراث مأخذ الجد، ويقررون أن يشتغلوا من داخله، يستند تصورهم للتراث على علاقة قوية بالتاريخ وبالزمن لا يمكن أنْ أتجاوز شيئا ما التجاوز لا يمكن أن يكون من فراغ الثوريون الكبار هم الذين يمتلكون مرجعيات في التاريخ، لهم علاقة ومرجع ما في التاريخ الثورة تستدعي فهماً غنياً لمعنى الزمن، وهو ما يسميه هايدغر ب »شرط التاريخ» حين يعتبر أن التراث يحرّرنا من شرط التاريخ وثقله. هذا هو عنصر القوّة، أي أن علاقتهم بالتاريخ علاقة قوية، وبالتالي القيام بثورة جذرية من عدم هي بمثابة وهم. التراث، شئنا أم أبيْنا يفعل فينا فعله، في واقعنا وحاضرنا. نحن للأسف والحسرة نعيش في مجتمع يمينيّ، له علاقة قداسة مع تراثه وماضيه. ومن ثمّ، فالتراث واقع موضوعيّ. فلا يمكن أن يكون حديثنا جدّيا دون أن نستحضر هذا العنصر. إننا نعيش للأسف في مجتمعات يمينية. هذا واقع وهو أحد المبررات التي تبرّر كوْن محمد عابد الجابري، مثلا، كان له وقع أقوى ممّن اختار التفكير والتنظير من خارج التراث، أو على الأقلّ بدون استحضار شرط التراث. { موليم العروسي (مقاطعا): من هو المفكّر العربي الذي اشتغل خارج التراث كلهم اهتموا بالتراث، الفرق هو أنهم اختلفوا في الرؤى والمواقع والمواقف.. { عادل حدجامي: أذكر أن الجابري استحضر صورة تشبيهية لها وجاهتها في نظري. فقد قال له أحدهم :»ينبغي قلب الصفحة»، فقال له :»عندما تقلب الصفحة يبقى عندك الكتاب، اطلب قراءة الصفحة أوّلا، أي القيام بجرد الحساب لأعرف ما لي وما عليّ. أنتقل الآن للحديث عن عنصر الضّعف في هذا النوع من المقاربات، وهو «النزعة الإرادوية» التي تسكن هذه المشاريع، وهي مسألة تهمّ الإيديولوجية العربية المعاصرة ككلّ. أعتقد بأن الحديث الفوقيّ عن تغيير نظري لمجتمع هو واقع، في اعتقادي، من الناحية الفلسفية فقير نوع ما. وهذا نراه في العديد من المقاربات. الثورات تحصل في الموسيقى والأنترنيت وليس على المستوى الإيديولوجي. فالجابري مثلا، أصبح الحديث عنه كأنه جزء من التراث ينبغي الافتخار به وتثبيته والاحتفال به كأنه شيء متحفيّ، في حين أن الثورة التي أرادها لا تكاد تُذكر. ولهذا فإنّ مفهوم «الفاعل» في الإيديولوجيا العربية المعاصرة ضعيف، مفعوله هو مفعول إرادويّ. وأنا شخصيّا استغربتُ، خلال لقاء كان مع الأستاذ عبد الله العرويّ مؤخّرا بمدينة الرباط، تحدث بلغة أكاد أجدها لغة رواقية، أي أنه تحرّر من كلّ لغاته ومعجمه الإرادوي الحاسم، وقال نحن : «نحن أبناء التاريخ، وأبناء الاستعمار، وحاولنا أن نفعل شيئا ما، إنْ حققناه فذاك، وإن لم نحقق شيئا فهذا حكم التاريخ». ربما هذا وعي من عبد الله العروي بحدود النزعة الإرادوية التي تسكن خطاب الإيديولوجية العربية. { موليم العروسي: أودّ العودة إلى موضوع يعرفه كلّ من الصديقين النحال وأشفري، في نهاية هذه السنة أصدرت كتابا عن الفنون التشكيلية «زوم على سنوات الستينيات». ورغم أنه كتاب في الفنون التشكيلية، فإنه يطرح المشكل في عمقه، وهو: كيف وصلنا إلى هذا النقاش الذي ساهمنا جميعا في بلورته، ونحن الآن نتساءل عن جدواه اليوم، سواء بالطريقة التي يطرحها بها أركون أو العروي أو أنت الخ. الطرح الأساسيّ الذي طُرح بعد الاستقلال في المغرب، عند المفكرين المغاربة الذين بخلاف المشارقة لهم رصيد إثنولوجي وأثروبولوجي مشترك، استعماري أساسا، والذي كان محلّ تساؤل، وهو شيء نجده حتى عند بن بركة وعند الكثير من السياسيين، وعند المفكّرين وهم ينشأون، وهم قيْد التّشكّل. نجده عند عبد الله العروي كما نجده في تجربة «أنفاس»، ونجده في تجربة مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، سوف نجده بعد ذلك في تجربة «ناس الغيوان»، ونجده في السينما وفي الفكر (بالمعنى «العرْبيّ) في مجلة «أقلام»، وسوف يتطور شيئا فشيئا مع تأسيس «جمعية الفلسفة بالمغرب»، حيث أصبح الحديث عن نوع جديد من التفكير. ولم يكن هناك حديث عن إبستيمولوجيا لأنّ الفلسفة لم تكن قد عُرّبتْ بعد. سوف يبدأ الحديث عن ألتوسير وعن القراءة الجديدة للماركسية في أوج الصراع حول الماركسية اللينينية والماركسية المتشدّدة. هذا الاتجاه، وعندما طرح سؤال فرانز فانون: «كيف يمكننا أن نأخذ من هذا الغرب المستعمر؟ إذا أخذنا بتقنياته، فكيف نأخذ أيضا بروحه الداخلية؟ أليست لنا روح؟ أي أننا ينبغي أن نعيد النظر وأن نحرّر، وأن نصفّي الاستعمار على جميع المستويات بما فيها المستويات الثقافية؟ في الفنون التشكيلية، تم الاتجاه نحو الرمز الأمازيغي الإفريقي ثم إلى الحرف العربي، ثم الانتقال إلى السؤال النظري، غير أن سؤال عبد الله العروي كان سبّاقا، وهو الذي لخّصه في سؤال «من نحن؟»، وهو أيضا سؤال علال الفاسي والخطاب السلفي عموما. وتحديد من هو الآخر هو المختلف فيه. فيما بعد، ومن خلال القراءات التي صدرت، بدأ الحديث مع الجابري، مثلا، عن «نحن والتراث»، وهو الأمر الذي كان يبدو لنا تقليديا ساعتها، وكان يبدو لنا أركون متميّزا إلى حدّ ما، لكن العروي أفضل منه، والخطيبي أفضل من العروي الخ. وساهمنا في بلورة ذلك من خلال الحديث عن الثقافة الشعبية والتصوف، ولكن المشكل الذي وقع، هو أن هذا الكلام أعطى حججا نظرية للاستبداد، وهو المتمثّل في العزف على مسألة الخصوصية، وعلى أنه يمكن أن نجد في نظامنا الفكري، في «عقلنا الجهوي» كل ما وجده الغرب لكي يتقدّم. وهذه المسألة مطروحة اليوم بحدّة في ضوء هذه الحراكات العربية. { محمد آيت حنا: فيما يخصني يمكن القول بأنّ الانطباع الذي كان عندي عن أركون، في علاقته بباقي المفكرين الذين يشتغلون في نفس الإطار، هو أنه كان يبدو لي أنه لا يشتغل انطلاقا من عقدة نقص، كأننا أمام مفكّر فرنسي اختار موضوعا عربيا، مثلما يختار مفكر آخر الكتابة على الاستهلاك أو أيْ موضوع يختاره فرنسي، بمعنى الاشتغال من الخارج دونما شعور بعقدة نقص تجاه الآخر، بينما عقدة النقص هذه نجدها مفكرين آخرين تناولوا نفس الموضوعات. فهل تمكّن أركون من الخروج من شرنقة التراث، من جانبه التوحيدي؟ المشكل هو أننا نتحدث عنه من موقعنا نحن، من اختياراتنا الحداثية، وربما العلمانية الخ. لكن إذا نظرنا إليه من الزاوية الأخرى، زاوية الأصوليّ مثلا، فإنه يبدو هو الشّرّ المطلق. من ثم يمكن الحديث عن «أركونات» متعددة، وليس أركون واحد. ولا زلت أذكر، مثلا، أن الأستاذ طه عبد الرحمان قال لنا يوما :»إنّ كل ما أقوم به هو ضدّا في أركون».. { موليم العروسي: لأنهما يشتغلان في نفس المساحة.. { لحسن العسبي: في نفس المساحة، ولكن ليست نفس الآليات. { موليم العروسي: أنا حين أناقش أركون، أناقشه انطلاقا من كلامه، فهو يوظّف مفاهيم من المفروض أن تضعك حيث توجد أنتَ لها، مفاهيم سياقاتها في الفكر الغربي. { محمد آيت حنا: أيْ ما نسمّيه فصل المضامين عن المناهج، عن الأواني، وهذا مشْكل كبير. هل بإمكاني اقتراض مفهوم «الإبستيمي» من ميشال فوكو وأشتغل به، في حين عندما تعود إلى فوكو تجد أنّ المضامين هي التي خلقت المفهوم وليس العكس. إنّ فوكو لمْ يبدع مفهوم «الإبستيمي» وقال لنا : الآن سأطبّقه وأدرس به الثقافة الغربية. المُشكل في الثقافة العربية هو أننا نفصل بين الأمريْن ونستعمل المفاهيم بسهولة باعتبارها أدوات، بينما هي تبلورت من خلال صناعة الموضوعات. { لحسن العسبي: أتفق معك، وما أخشاه هو أن نبقى سجناء الإيديولوجيا كيفما كانت. الاجتهاد الفكري ينبغي النظر إليه من الباب العالم، باب اجتهاد العالم. وأعود لأقول إن أهمية أركون هو أنه قام بتفكيك البنية الدينية من الداخل. { هاشم صالح: ومن هنا فإن خطابه مقنع، وربما نحن اليوم في أمس الحاجة لهذا النوع من التفكيك من الداخل. { محمد آيت حنا: في كتاب «الإصلاح والسنة»، يقف عبد الله العروي عند ما يسميه :«التاريخ الشخصي». فبعيدا عن الأفكار الكبرى والإيديولوجيات هناك تاريخ شخصيّ، فرديّ ويهم ذلك المفكّر نفسه الذي تختلف أفكاره ما بين الشباب والكهولة والبلوغ والشيخوخة. فالمثقف العربي حين يقترب من الشيخوخة تخبو عنده جدوة الثورة والحماس. { بوجمعة أشفري: حين كان هاشم صالح يكتب في مجلة «الكرمل» كانت هناك أسماء أساسية في الفكر الغربي، أسّستْ لما يسمى بالجروح النرجسيّة، وهي أسماء ثلاثة: ماركس، فرويد، نيتشه. { بوجمعة أشفري لست أدري ، المفكر العربي دائما في ذهابه من خلال إعادة قراءة التراث يظل دائما رشديا، لماذا؟ لأن ابن رشد يظل دائما سجين العقل، وهذه الذات ليس بها جرح، وإنه ليس هناك جرح مصدره الاقتصاد، ونقد المبادئ والقيم الاخلاقية? لست أدري أيضا، لماذا دائما نتحدث عن المفكر المفكر، ولا نتحدث عن الشاعر المفكر في إعادة قراءته للتراث؟ فمع أدونيس، في معظم قصائده، يعيد قراءة التراث بشكل جنيالوجي، بما أنه متأثر بفرويد ونيتشه? لا أعرف لماذا، نظل دائما حبيسي الرشدية? { هشام صالح الفرق بيني وبين شاعر كبير، مثل أدونيس، وأركون متخصص كليا في هذا التراث وقادر أن يطبق المنهج الحديث على هذا التراث من أجل إضاءته، بشكل مقنع من الداخل? والشاعر الكبير أدونيس يحلل عن طريق الشعر، وليس عن طريق كتابه عن التراث، وهي بالتالي هو بنفس يخرج على نفسه من خلال ابداع شعري? من سيخلخل العقل العربي الإسلامي؟ إذن الشاعر يحاول أن يفكك من خلال الإبداع الشعري? ويفكك بابداع شعري خارق? أما المفكر الذي ليس شاعرا، يستخدم طريقة أخرى، هي طريقة المنهج المنطقي العقلاني ?طريقة اركون مثلا?، وأتصور الفكر دروتين شاهقتين: ذروة الفكر، وذروة الشعر ذروتان تطلعان الى السماء، وتشقان عنان السماء، المفكر الكبير مثل نيتشه، وهو من المفكرين النادرين، استطاع ان يجمع بينهما، لأنه كان قادرا على الجمع، لأنه شخص ومفكر جينولوجي عملاق? وأركون كان مفكرا، وليس شاعرا? و يكتب بفرنسية قوية ناصعة? أدونيس شاعر كبير، ولكن لا أعتبره مفكرا بحجم اركون، من حيث دقة المصطلحات? إذن، اركون متخصص كليا في هذا التراث، وقادر ان يطبق المنهج الحديث على هذا التراث من أجل اضاءته بشكل مقنع من الداخل. المعري هو اصله نصراني، في أشعاره نلمس فيه ذلك المحرر الكبير في عصره? نقد الأصولية التي قدمها الأصولي، مشكلته أنه منغلق في سياج دوغمائي، ويعتقد دينه هو الحقيقة المطلقة وكل ما عداها باطل. هذا الانغلاق الذاتي والفكري يعطيني طمأنة كبيرة، ونفسية وقوة وأمل? والأصولي لما يتعرض لمكروه له إيمان يحميه وللخروج من سجن الاسلام التقليدي، او المسيحي او اليهودي، وهذا ما نلمسه في صراع الاصوليات المشتعل مابين الشيعة والسنة، في المشرق. وهذا نفس الصراع الذي عرفه صراع الكاثوليك البروتيستانت سابقا? { موليم العروسي موقفي ابستمولوجي، معنى أنه أجد انسانا يستعمل موقفا ابستمولوجيا معينا،و لكنه يستعمل في موقع لم يؤسس له اصلا. أكيد، انه لما نتحدث عن المناهج الجديدة، التي يستعملها اركون سواء تعلق الامر بالقراءات، او التركيب، هي ناتجة عن موقف محدد مما سمي في فترة محددة انسداد الميتافيزيقا على عهد هيغل، وفيما يتعلق بالمنهج الجدلي، الذي هو إعلان عن نهاية الفلسفة? طبعا، الاختراقات، كما قالها نيتشه وفرويد، أن هذا السؤال مبني اساسا على فكرة ضمنية على أن البشرية تتقدم و لا يمكنها ان تقف اليوم، و اذ ا أرادت أن تتقدم يجب أن نعود الى «العودة هيدغيرية»، وذلك ليس للتبني بل لأرى ما الذي حدث في المنطلق حتى وصلنا الى هذه المسألة? ماهو الخطأ؟ كيف طرح السؤال؟ وهل فهمنا السؤال فعلا؟ ومع أركون والجابري ليس هناك أي شيء حول هذا الموضوع? { لحسن لعسيبي ماكس فيبر، لما يحلل السياقات تختلف? لان البنية التحليلية الغربية التي استثارت الاسئلة الغربية او السؤال الفكري في الحضارة الغربية، ليست نفس البنية في العالم العربي الاسلامي، انت تتحدث برؤية وخلفية،بكون المعرفة هي معرفة كونية? وهذا هو المأمول من المفترض ان يكون يحكم بنيتنا الفكرية، ولكن واقعنا ضاغط وأتفق مع الأستاذ عندما قال إنه لا يمكننا أن نبني هذه ثورة من الفراغ? وفعلا لا يمكن ان نبني هذه الثورة، بدون الاستقلال عن ذواتنا? { مصطفى النحال: ننتقل الآن إلى محور آخر، وهو نقاش الوضع العربي الراهن في ضوء كتاب هاشم صالح «الانتفاضات العربية في ضوء فلسفة التاريخ»، وأعطي الكلمة للأستاذ عز الدين العلام. { عز الدين العلام: منذ ما يفوق الثلاثين سنة، والأستاذ هاشم صالح يشتغل على واجهتين: ترجمة مجمل كتابات الراحل محمد أركون من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، وإليه يعود الفضل في تعريف قرّاء اللغة العربية بفكر أركون. و بالموازاة مع ذلك كان له اهتمام خاص بالفكر التّنويري النّهضوي الأوروبي. وبالموازاة مع ذلك أصدر عددا من الكتب التي تبرز بكلّ جلاء انشغاله بقضايا النّهضة العربية المأمولة كما تدلّ على ذلك عناوين مؤلّفاته مثل «الانسداد التاريخي» و»الانتفاضات العربية في ضوء فلسفة التاريخ» الذي سأحاول أن أتحدّث عنه بإيجاز شديد. عنوان الكتاب «الانتفاضات العربية في ضوء فلسفة التاريخ» يثير سؤالين أساسيين في نظري. أوّلهما صعوبة الحديث، و بالأحرى الإدلاء بأحكام حول موضوع يعرف الجميع أنّ مساره لم ينته بعد (انظر الحالة المصرية)، وانعكاساته لم تتحدّد بالكامل (انظر الحالة السورية). وثانيهما هو الجمع بين الانتفاضات العربية وفلسفة التاريخ. ما أثارني في الكتاب هو أنّ المؤلّف يطمح لقراءة الانتفاضات العربية مستعينا بفلسفة التاريخ. و من يقول فلسفة التاريخ يقول بالضّرورة الفيلسوف الكبير هيغلW F Hegel ، وما أدراك ما هيغل! كيف يمكن للجدلية الهيغلية أن تقرأ انتفاضات الرقعة العربية ؟ ذاك هو السؤال الذي تفرّعت عنه كلّ فقرات الكتاب، وتقاربت مهما تباعدت مواضيعها. وهي فعلا مواضيع متعدّدة تشمل مجموعة من التّساؤلات: هل الانتفاضات العربية حدث تاريخي أم زوبعة في فنجان؟ هل نحن أمام ربيع عربي أم خريف أصولي؟ الانتفاضات العربية و تصفية الحسابات التاريخية الانتفاضات العربية من منظور فلسفي الانسداد التاريخي والانغلاق اللاهوتي المثقف العربي ومشكلة الطائفية الديموقراطية والدّولة المدنية فلاسفة التنوير والنّزعة الإنسانية هل التّنوير هو الذي صنع الثّورة الفرنسية؟ لا ثورة سياسية بدون ثورة تنويرية يعلم الجميع أنّ أكبر مشكلة أثارها «الربيع العربي» هو احتلال الأصولية بكلّ أطرافها المعتدلة الإخوانية والمتطرّفة السلفية للفضاءات العامة...ومن هنا كان من الطبيعي أن يعبّر كثير من المثقّفين والفاعلين المدنيين عن تخوّفاتهم من مأل ما سبق أن تحقّق من حريات وحقوق. كما عبّر البعض عن سخطه من سرقة هذه الانتفاضات العربية، وعن رفضه لما يقع باسم الإسلام، مناديا بالدولة المدنية وتحييد الدين... ورجوعا إلى هيغل، يبدو أنّ الجدلية التاريخية من منظور فلسفة التاريخ الهيغلية تقتضي أوّلا و قبل كلّ شيء صراع المتناقضات، وأنّ تجاوز الشيء لا يمكن أن يتمّ دون معاركته و تحقيقه فعليا. وفي هذا السياق يعترف هاشم صالح ويقول: « لم أقتنع إطلاقا بأنّنا تجاوزنا المرحلة التراثية لمجرّد أنّنا تبنّينا أحزابا وإيديولوجيات تبدو حداثية وتقدّمية، ولكنّها حداثة هشّة وسطحية يمكن أن تسقط من أوّل صدمة وأوّل مواجهة مع القوى التراثية والماضوية الراسخة. وهذا ما حصل فعلا في كلّ الدول التي شهدت ظاهرة الربيع العربي. كلّ الحركات الإيديولوجية في الخمسينيات والستينيات (بعثية وناصرية وماركسية) توهّمت إمكانية حلّ كل الرواسب التاريخية عن طريق القفز عليها، وما حدث فعلا هو العكس تماما». أمّا الملاحظة الثانية فتتمثّل في توظيف المؤلف لفكرة «مكر التاريخ». ومؤدّى فكرته أنّ حركية التاريخ تشتغل أحيانا بنقيض أدواتها. وهو ما يقع اليوم في الساحة العربية مع الحركات الإسلامية. هكذا يرى هاشم صالح أنّ هناك «عقل» يحكم التاريخ رغم ما يعتريه من قشور وعوائق ظاهرية. وبالتالي فإنّ وصول بعض الحركات الإسلامية إلى مراكز السلطة هو أفضل طريق لتبيان قصورها. فأن تبقى مقموعة في المعارضة معناه حصد المزيد من التعاطف لفائدتها. وثالث ملاحظة يؤكّد عليها الكاتب هي فشل الإصلاح العربي مقابل نجاح التنوير الأوروبي. وفي هذا الصدد يبرز أنّ من بين الأسس التي قام عليها التنوير الأوروبي نقد الفكر الديني. ولتبيان ذلك يعود الكاتب إلى تاريخ الفكر الأوربي منذ «عصر الأنوار» والفلسفة النقدية الألمانية مرورا بحركات «الإصلاح الديني» ومقومات الفكر السياسي الحديث، وهو «نقد» تمحور أساسا حول تقويض الركائز العتيقة التي يقوم عليها النظام القديم، والإيمان بسلطة التاريخ. وبالمقابل، لم يشهد تاريخ العرب الحديث حركات ثقافية تحديثية وإصلاحية دينية. كما أنّ ما يجري هنا والآن دليل على اجترار «سؤال النهضة» وفشل حركتها التي لم تصل، لعوامل عدة، إلى أن تصبح حركة نقدية قادرة على تعرية أسباب التّخلف الفكري والثقافي وعلى رأسها التيارات التراثية التقليدية، فظلت بالتالي عبارة عن شدرات معزولة واجتهادات «فردية» كان مصيرها الارتكاس في محيط مشبع بعوامل التخلف التاريخي. ورابع ملاحظة أختم بها تتمثّل في أنّ قارئ الكتاب قد يستشفّ وقوع مؤلّفه في بعض التناقضات. غير أنّها تناقضات ظاهرية تنبئ عن واقع عربي شديد التعقيد. فالكاتب يعرّي الأصولية بكلّ أطيافها ويكيل لها نقدا لاذعا، غير أنّه يتسامح معها و يتمنّى لو أنّها سارت على النّهج التركي لتتلاءم مع مبادئ الحداثة والعصر. وهو تارة يشيد بالتجربة التونسية و أخرى يستأنس بما قاله محمد الطالبي الذي أثار شكوكه في نوايا راشد الغنوشي المزدوج اللسان...أحيانا كثيرة ينتقد بلا هوادة شيخ «الإخوان» القرضاوي وجهله بأسس الدولة المدنية والعلمانية، بل و يشبّه دخوله مصر برجوع الخميني إلى طهران واحتوائهما للثورتين المصرية والإيرانية، وتارة يرى في بعض مواقفه بريقا من نور وأمل. وهو غالبا ما يمدح النظام الديموقراطي، بل يرى فيه آخر ما توصلّت إليه الإنسانية، غير أنّ هذا لم يمنعه من انتقاد آلياته الكمية وإجراءاته المسطرية، واختزاله أخيرا في مجرّد الإدلاء بأصوات انتخابية. { بوجمعة اشفري لدي سؤال مباشر، وهو انه سبق ان كتبت على أن الحركات الاصولية الاسلامية، ربما سنة 2004 اي قبل الربيع العربي، ان هذه الحركات حاولت الاقتداء بالنموذج التركي، في نظرك وعلي ضوء الربيع العربي وكذلك ما وقع في تركيا مؤخرا، هل مازال هذا الرأي قائما؟ { هشام صالح انا احيانا أكتب بلغة صحافية، واحيانا احاول ان اعمق بلغة فلسفية، بقدر ما أتمكن من الموضوع، فانا ايضا استخدم التكتيك. وهل هو على سبيل التقية خوفا من الشارع او الجماهير، او التيارات الاصولية، وهنا من المحتمل ان يكون معهم بعض التكتيك، ولكن بالاضافة الى هذا التكتيك هنا استراتيجية في العمق. بالنسبة لتركيا، يعني الشيء الذي قلته وكان الاصوليون يلومونني ولايزالون بأنني متطرف جدا،في العلمانية، اكثر من اركون، رغم انه يساعدني على التحرر من الانغلاقات التراثية، ولكن فيما بعد انا اشتغل بنفسي من خلال التنوير .في هذا السياق، لما اريد ان ارسل هذه اللغة للناس احتاج الى لغة تكتيكية وأخرى استراتيجية لانه لا يجوز ان تصدم الناس. واريد فقط ان اقول، اردوغان كشف عن اعماق اخوانية، ولم اقل ابدا ان اردوغان هو نهاية التاريخ . وقد مدحته لما جاء الى مصر، لما قال للاخوان المسلمين، لا تخافوا من العلمانية، وكل انسان حر في اسلامه، وكل مسلم وغير مسلم فهو مواطن. ولكن هل فعل ذلك اردوغان تكتيكيا؟ فكل واحد محكوم بلحظة تاريخية، لذلك لما احسست انه يحاول إعادة المجتمع التركي الى الوراء، تخوفت منه، رغم مدحي له في الكتاب. يعني قصدي، هو اننا نحاول ان نفهم هذه اللحظة التاريخية، التي نعيشها، لان المثقف من المفروض عليه ان يفهم اللحظة التاريخية،حيث إذا لم تستطع فهم اللحظة التاريخية على الاقل، حاول ان تشرح هذه اللحظة التاريخية. وقصدي ان الفيلسوف العميق هو الذي ينظر الى الصعوبة والعرقلة قبل ان ينظر الى الكشف. وأعتبر التقدميين العرب، وانا واحد منهم، كانوا سطحيين وهشين جدا، في نظرتهم للتاريخ، بما فيها كل الاحزاب التقدمية العربية لانهم تفاجأوا بالمد الاصولي، وانا اعتبر في هذا السياق ان الشعب تراثي، وهذا حقه. وذلك لان الشعب مهدد بكل شيء، وانا لا أدعو الى إلغاء الاسلام، بل ادعو فقط الى التمييز بين الاسلام كدين الذي سيستمر الى يوم القيامة، و مابين تفسير الاسلام. فماهو التأويل السائد عن الاسلام، في هذه الفترة التاريخية وتلك الماضية؟ هل فهم الاسلام في العصر الذهبي، كان هو نفس الفهم في عصر الانحطاط؟ اذن، كان هناك فهم للاسلام مشرق وعقلاني، في فترة ما، ثم انقلب تأويل الاسلام الى تأويل انغلاقي ظلامي، اخاف العالم و لايزال. فتفسير الوهابي للاسلام، هل هو اسلام؟ واذا الامر هكذا، فقد انتهى الموضوع. ولكن أنا اقول، هناك اسلام، و هناك التأويل الشائع عنه في هذه الفترة التاريخية وتلك، وعند هذه الجماعة الاسلامية وتلك، فالمعتزلة لم يكونوا يفهمون الاسلام كالحنابلة، ونحن اليوم، بشكل من الاشكال ندفع ثمن هذه الفاتورة، لانه انتهى الصراع بانتصار الحنابلة على المعتزلة. فقصدي القول، ان هيغل مثلا، يقول بان التاريخ هو التقدم الى الامام من خلال الوعي بالحرية، او الدولة الليبرالية هي نهاية التاريخ، أعتبر هذا الكلام جميل، على اعتبار ان هيغل يقول مكر العقل في التاريخ، معناه ان العقل يستعمل الشيء ليعكسه ويصبح ضده. والان في العالم العربي، يمكن ان يكون العقل يعمل على مكر كبير، ويعمل على أن يدفع بالاسلاميين لأن يمسكوا السلطة، ويطبقوا برامجهم، ومن بعد نحكم عليهم. وهذا هو الحل الوحيد للتجاوزات حسب النظرية ال هيغلية وهذا يظهر في الحالة المصرية، كيف انهم ادخلوا مصر في مأزق كبير، لانه لا يمكن حكم العصور الحالية بمنطق العصور الوسطى والفتوى اللاهوتية القديمة. والحل الوحيد، لازاحة هذه القدسية المحيطة بهم والمتمثلة في جماهير الشعب المتدنية، وتعتقد بانهم هم لا يمكنهم ان يمارسون الا النزاهة والصدق، في حين نرى اليوم انهم يقولون شيئا ويفعلون عكسه. فبالتالي الحل الوحيد، ان اللحظة الاصولية الاخوانية، حتى تتحجم ونتحرر من سيفها المسلط على رؤوسنا، ونحد من قداستها التاريخية، من الاحسن ان تتسلم السلطة وتحكم مباشرة. ليكون تجاوزها مع التحقق اما من نجاحها او فشلها. { موليم العروسي الآن نحاول أن نجعل في محل الله التاريخ، لاننا نعطي سلطة مطلقة، ربما بدون اعادة النظر فيما يقولون. وهنا أعود الى مسألة التراث، لاننا لا نحلل الا الخطاب التراثي، وهذا هو الخطأ الكبير، وهذه هي الاسئلة التي طرحتها الفلسفة المعاصرة، والتي اسميها مابعد الحداثة؟ لاننا لا يمكن ان نعثر على ما يفكر به الانسان، فيما يتفوه به كفكر، او فيما يكتبه، بل في الانتاجات المتعددة للانسان، والتي ربما اذا ما ناقشناها، لن نجد فيها التراث. { موليم العروسي: لأننا نحلل الخطاب ولا نحلل الانتاجات الفكرية، ككتاب وممارسة كتابية، ولم نحلل تمظهرات الانسان، والوحيد الذي كتب هذا وحاول أن يحللها بشكل منطقي هو عبد الله العروي، حيث حاول أن يبحث عن مظاهر التخلف في الانتاجات الأدبية والتشكيلية والسينمائية وغيرها.. إذن، عندما نريد أن نقارب الانتفاضات بما أننا نقول الربيع الديمقراطي ،نتساءل هل هو ديمقراطي أم لا؟ ليس كل شيء يقال في الخطاب، بل هناك أشياء توجد في أماكن أخرى. { لحسن لعسيبي صعوبة هذه الكتابة، ما يتحداها هو الآني، وبالتالي أن مكر الواقع، هنا تحضر أهمية سؤال كانط، حول علامة التنوير المتعلق بالثورة الفرنسية أي الحداثة.. فرأيي، أن الانفكاك من مكر الواقع، لا يعني أنه أننا اليوم في حاجة إلى أن نطرح السؤال فقط، دون أن نبحث عن الجواب. وأن اللحظة الآن، هي لحظة تعطينا كمفكرين وحاملين للسؤال، تعطينا فرصة للجلوس، ويطرح السؤال بمعناه العميق. { موليم العروسي ولكن بأي طريقة وبأي توجه يمكن طرح هذا السؤال؟ في هذا السياق، تابعت الحراك الذي عاشه الشارع المغربي، وكان سؤالي للشباب، هل هؤلاء الاسلاميون الذين كانوا متواجدين في مسيرات هل يقومون بالاستقطاب؟ ومن يستقطبون؟لكن الشباب الذين أعرفهم فشلوا في الاستقطاب داخل الحراك.بالعكس، الحداثيون هم الذين استقطبوا أكثر من الأصوليين، الذين فقدوا العديد من شبابهم أثناء الحراك. ولهذا هناك دليل على هذا، فطلب جماعة العدل والاحسان الدخول والرجوع إلى أروقة الزاوية، ليس فقط لأنها لا تريد أو تريد، بل خوفا على شبابها. { بوجمعة أشفري بالاضافة هناك صراع قوي جدا، في المواقع الاجتماعية بين الحداثيين والأصولية السلفية وبكل صراحة يعلنون موقفهم من الدين. { هشام صالح أعتقد بأن هذا ضروري، لأنه يخرج من الأعماق. وهذا أيضا يوجد في فلسفة التاريخ، أن الكبت لا يحل المشكل، بل جعله يخرج من الأعماق، من أجل إخراج كل هذا الكبت التاريخي. وهذا يفجر كقنابل موقوتة في المشرق. وبالتالي لا يمكن حل المشكل عن طريق طمسه، عندما يتفاقم ويستفحل. و»»الفيس بوك»« الآن، هو آلة تحريرية وبالتالي جدلية المتناقضات هي التي يمكن أن تصنع التقدم العربي الاسلامي. لذلك أعتبر هذه اللحظة تقدمية رغم أنها تبدو تراجعية. لكنن مازلنا نخاف من خلال طمس مشاكلنا، وبالتالي أي مشكل يتم طمسه يظهر على السطح مع الوقت. وبالتالي لا مصالحة قبل المصارحة وبالتالي كان الفكر العربي بالمشرق متخلفا على الواقع، وهذا الواقع انفجر الآن. وبهذا نجد أن الواقع متقدم عن الفكر المشرقي لأن طبيعتهم أنهم مكابرون. { عادل حدجامي أريد أن أقول: أوافق الفكرة العامة التي تحكم الكتاب، دع التاريخ يعمل، وربما هي نزعة قدرية، ولكن أعتقد أن هذه الفكرة لها وجاهتها والدليل هو ما يحصل في الكثير من الدول مثل إيران والسعودية.لهذا أعتقد أن هذه فكرة وجيهة إن الخصم في رغبته لإزاحة الخصم الذي يثبت أقدامه، اعتقد أن هذا يفعله الاسلاميون دون أن يشعروا به بشكل من الاشكال يثبتون الثورة الحديثة، ولهم الحق أن يوجدوا لأنهم جزء من هذا المجتمع، ولهم الحق في أن يمارسوا تجربة ونحن ضدها ، ولكن لن نقيس الواقع بما نريد نحن. وأنا ضد خطاب الصدمة رغم احترامي لمن يمارسه، وذلك لأنه يدخل مع الخصم في إشكالية دون أن نشعر ويعطيه مشروعية وجود بالمعنى السيء للكلمة. أما عن مسألة المجتمع التراثي، أختلف مع الأستاذ موليم نحن في مجتمع تراثي، وصحيح أن الشخص العادي لن يذهب للصلاة في الجمعة، ولكن نظامه الأخلاقي العام الذي مرجعيته دينية، ستجعله يشعر بالذنب، وهذا الشعور سيدفعه في المساء رغم أنه كل يظهر كل مظاهرالحداثة،إلى أن يظهر كل مظاهر الشراسة ضدي أنا الذي أدافع عن العقلانية. ثم إن من عارض الحراك الذي عاشه المغرب، هو الشعب نفسه. كما أسجل تحفظا على فكرة أجدها دائما في كتابات الاستاذ هشام صالح أن نظرتنا للأنوار نوعا ما كاريكاتورية وتبسيطية. ففترة الأنوار ليست »كارط بوسطال«، بل هناك أشخاص مجدون أعلنوا الحرب على الدين، أمثال ديكارت، فولتير وخلقوا الأنوار. أعتقد أنهم أعقد من هذا بكثير، فديكارت لم يكن مناهضا للدين. فولتير كتب كتابا في تمجيد ملك بريطانيا حينها. فالثورة حدثت في أشخاص لا نعرفهم في الفن.. وأعتقد أن المسألة أعقد من أن تختزل في أشخاص، وبالتالي ليس هناك فترة ذهبية اسمها الانوار، نعود لها كما نعود إلى الفترة المحمدية في تراثنا. ربما أن محنة الثقافة العربية أنها عاشت عصر أنوارها قبل قرونها الوسطى وأننا الآن نحيي قرون الثقافة العربية الوسطى وهذا قدر ودع التاريخ يعمل. هشام صالح هذا كلام جميل، وإن العرب عاشوا العصور التنويرية، وبعد العصور الوسطى، حقيقة هناك، وقبل أن أضيف كلام على هذه العبارة، سوف أقول حول تحمسي للتنوير الأوربي، لأن الأخ عادل، اعتبر أنه تبسيطي. حركة الأنوار الأوربية، بدون شك ديكارت، قال أحترم العقائد، ومذهبه الكاثوليكي. لكن كان معروفاً عند ديكارت، وهذا أثبته مؤرخ ألماني، أنه مات مقتولا، والذي قتله أصوليون كاثوليكيون، وكان كان يستخدم منهج التقية، وأنه لم يتجرأ على نقد الدين بشكل مباشر، ولكن على رغم كل التقيات التي اتخذها، كشف هذا المؤرخ الألماني، أنه مات مسموماً ولم ينج من الأصوليين الكاثوليكيين. { محمد أيت حنا إننا لم نفكر في الثورة كسيرورة، ولكن نفكر في الثورة كنتائج، وهذا ضد فكر الثورة. وجميع من يتكلم عن الثورة في أفقهم ماذا نريد أن نحقق من هذه الثورة؟ وكأن الثورة لم يسبق لها أن حدثت، ومادام أننا غير قادرين أن نفكر فيها بكونها سيرورة، لا يمكن أن نحققها ونفهم عمقها، بل أكثر من ذلك، أن العلمانيين وبما أنهم يفكرون في الثورة كنتيجة، ربما أصبحوا يتبنون أطروحات السلفيين.. وأما عن علاقتنا بكتابة التراث سواء الجابري أو غيره، إلى حد يمكنها أن تنتج ثورة فكرية، أقول إنه كان لدي دائماً موقفٌ شخصيٌ تجاه مشكل أفرزته الثقافة العربية دون باقي الثقافات،ألا وهو منطق محاكمة العقل. وأعتقد أن محاكمة العقل العربي هذه الإشكالية غير موجودة لدى الغرب، وحتى إذا ما تواجدت لديهم ستكون بشروط مخالفة. لهذا لابد من جلسة حقيقية مع الفلسفة الاسلامية والفكر الاسلامي، ونحاول دراستهما بشكل حقيقي. { بوجمعة أشفري: ينبغي أن ننتبه كثيراً حينما تقع نتيجة الانتخابات في بلاد ما ويصعد فقيه متنور، ونقول إن هذا البلد سيخرج مما كان عليه. ينبغي الانتباه لوضع يد الأنتلجنسيا العربية في يد الاسلاميين. { هاشم صالح: الاشكالية الأساسية التي طرحتها في هذا الكتاب، وهي ما هو سبب الفرق؟ وفي بداية الربيع العربي، كتب الكثيرون وقارنوا ما بين الثورة المصرية والفرنسية، وقالوا إنها مثل الثورة الفرنسية. فيما بعد، اكتشفنا أن الثورة المصرية هي مثل الثورة الإيرانية. والسؤال الأساسي المطروح، هو لماذا الثورة الانجليزية والأمريكية والفرنسية.. أعطت نتائج مضادة لثورات الربيع العربي. لماذا هذا الفرق الأساسي ما بين الثورات الأوربية الحديثة والثورات العربية، وهذا واحد من الأسئلة التي حاولت طرحها ولحظتها في الواقع، وهذا ما يجعل الاشكالية التراثية ضخمة جداً، وأن هذه الإشكالية لم تشرح وتشخص ولم تفكك على عكس ما فعله فلاسفة أوربا. المنهج التاريخي في قراءة القرآن «ربما كان أركون الوحيد، من بين مثقفي الإسلام، الذي طبق على القرآن الكريم المنهجية النقدية التاريخية التي كانت قد طبقت سابقا على التوراة والإنجيل من قبل علماء أوروبا وفلاسفتها. وأضاء بذلك النص المؤسس للإسلام بشكل رائع غير مسبوق. عندئذ عرفنا معنى القرآن بالفعل بعد أن تحررنا من النظرة التبجيلية الأسطورية المهيمنة على العقلية الجماعية منذ مئات السنين، وبخاصة منذ عصر الانحطاط. وهو الوحيد الذي درس التراث الإسلامي كله من خلال منهجيات العلوم الإنسانية الحديثة وكشف بالتالي عن خباياه وحررنا من الأفكار المسبقة والتصورات الخرافية أو الهلوسية الخاطئة. ولعله الوحيد الذي تجرأ على الخروج من ذلك المنظور الذي رسخه حديث الفرقة الناجية في الساحة الإسلامية على مدار القرون. وهو الحديث الذي يقول إن هناك فرقة واحدة في الجنة وبقية الفرق في النار. وحررنا بالتالي من النزعات المذهبية والطائفية الراسخة في العقول حتى اليوم. بمعنى آخر فإنه قلب كل المنظور التقليدي للإسلام رأسا على عقب. من هنا الثورة المعرفية أو القطيعة الإبستمولوجية الراديكالية التي أحدثها هذا الرجل في تاريخ الفكر العربي الإسلامي. وهي قطيعة لم يدرك الناس بعد مدى حجمها وخطورتها وأبعادها، بل لم يدرك مغزاها حتى أغلب المثقفين العرب»