تشكل الحملة الانتخابية للاستحقاقات الرئاسية الإيفوارية (25 أكتوبر الجاري)، التي انطلقت رسميا منتصف ليلة الجمعة قبل الماضية بجميع مناطق البلاد، اختبارا حقيقيا لصمود وشعبية المعارضة الإيفوارية. وبالفعل، فإن الحملة الانتخابية تتقدم بدرجات متفاوتة وتعكس في بعض الأحيان احتداما في الصراع بين المرشحين الثمانية، الذين يتنافسون على أرفع منصب بكوت ديفوار، فيما تتعالى أصوات تدعو إلى إشاعة السلم والاستقرار في جميع مراحل العملية الانتخابية. وإذا كانت هذه الحملة قد تخفي مفاجآت أخرى، ولاسيما بعد انسحاب اثنين من المرشحين، فإنها ستعرف من دون شك ارتفاعا في مستوى الاحتدام مع اقتراب يوم الحسم، وستشكل اختبارا صعبا لمرشحي المعارضة الإيفوارية التي تعاني من انقسامات عميقة وسيادة «للأنا» في السعي للوصول إلى السلطة. وكدليل على ذلك، فإن الحملة الانتخابية التي انطلقت ب 10 مترشحين تم قبولهم من قبل المجلس الدستوري الايفواري، تجري حاليا بثمانية مرشحين بعد انسحاب مرشحين من التحالف الوطني من أجل التغيير (معارضة). ويتعلق الأمر هنا بإعلان إيسي أمارا، وزير الخارجية الأسبق (1990-1999) «تعليق» مشاركته في السباق نحو القصر الرئاسي، وهو القرار الذي علله بعدم رغبته في التواطؤ في ما أسماه «مهزلة انتخابية». كما أن هذا القرار قد يعزى أيضا، وحسب مبرراته، إلى «رفض السلطة للحوار مع المعارضة»، قائلا إنه لا يريد أن يلعب «دورا صوريا في انتخابات لا تعبر رهاناتها عن تطلعاتنا للسلام...». كما يتعلق الأمر بمنافس آخر للحسن درامان واتارا، وهو مامادو كوليبالي، الرئيس السابق للجمعية الوطنية لكوت ديفوار، ومرشح حزب الحرية والديمقراطية من أجل الجمهورية، أحد الأحزاب السياسية المكونة للتحالف الوطني من أجل التغيير. وكتب كوليبالي في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) مساء الجمعة المنصرم «لن أشارك في هذه الانتخابات المتلاعب بها. ما يمثل دولة حق وقانون في البلدان الغنية تقابله دولة استبدادية للإيفواريين المساكين. لا»، مضيفا «أعتبر أن الانتخابات الإيفوارية تتعرض لإفشال متعمد من طرف من أنيطت بهم مهم تنظيمها ديمقراطيا، وأعني هنا اللجنة المستقلة للانتخابات والحكومة». وبالنسبة لعدد من المراقبين للشأن السياسي الايفواري، فإن موقف هذين العضوين المؤسسين للتحالف الوطني من أجل التغيير، يجسد بوضوح هشاشة المعارضة الإيفوارية في الوقت الراهن، ويمكن اعتباره بمثابة شعور مسبق بهزيمة «مؤكدة» في هذه الانتخابات . وحسب هؤلاء المراقبين، فإن الانسحاب من اللعبة الانتخابية أفضل من تلقي هزيمة يمكن أن تكون قاسية بل ومهينة لأنها قد تضع حدا لمشوارهم السياسي، لاسيما في مواجهة خصم كبير من قبيل مرشح تجمع الهوفوتيين من أجل الديمقراطية والسلم، الرئيس المنتهية ولايته الحسن واتارا . وتجدر الاشارة أيضا إلى أنه إذا كان خصوم حسن واتارا يتهمون علانية الدولة الإيفوارية بأنها تستغل الوضع وتحاول تنظيم اقتراع في ظروف مواتية جدا لها، وينتقدون «الوضع الحالي» للجنة المستقلة للانتخابات، فإن «هيئة الحكام» الكبار المكلفين بمراقبة وتتبع العملية الانتخابية، وهم عملية الأممالمتحدة في كوت ديفوار، والاتحاد الافريقي، والاتحاد الأوروبي، أو بعض القوى العظمى مثل الولاياتالمتحدةالامريكية، يرون عكس ذلك. وبالفعل، فإن هؤلاء الحكام ما فتئوا يبرزون الجهود المبذولة من قبل اللجنة المستقلة للانتخابات من أجل تنظيم انتخابات «شفافة» و»منفتحة» و»هادئة» وذات «مصداقية». بل إن الاتحاد الأوروبي مضى أبعد من ذلك حين قال إنه لا يعتزم إيفاد مراقبين إلى كوت ديفوار خلال فترة الانتخابات على أساس أن البلاد لم تعد في أزمة . وفي الواقع، بالنسبة للاقتراع المقبل، المقرر إجراؤه في 25 أكتوبر الجاري، فقد تغير الوضع بشكل ملحوظ مقارنة مع انتخابات 2010، ويمكن القول في هذا الصدد بوجود وعي ملحوظ لدى الإيفواريين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية بضرورة رفض العنف والانتصار للسلم والأمن اللذين يعتبران مفتاح الاستقرار وكل تنمية اقتصادية منشودة. وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أنه من بين المرشحين للاستحقاق الانتخابي، فإن أربعة مرشحين فقط وقعوا يوم 7 أكتوبر الجاري على ميثاق «حسن السلوك». ويتعلق الأمر بالمرشحين كوانكوا جاكلين، ولاكو هنرييت، وباسكال أفي نغيسان، رئيس الجبهة الشعبية الإيفوارية المعارض، والحسن واتارا. ومن خلال هذا التوقيع، يكون هؤلاء المرشحون قد عبروا عن التزامهم بالعمل خلال الانتخابات الرئاسية ليوم 25 أكتوبر، على رفض العنف اللفظي والمادي. ووعيا منها بالأهمية الاستراتيجية لهذه الانتخابات التي من شأنها تمكين كوت ديفوار من فتح صفحة جديدة بعيدا عن العنف وعدم الاستقرار، وإعادة الوصل بالديمقراطية، قررت الدولة الإيفوارية منح 100 مليون فرنك إفريقي (1 أورو يعادل 656 فرنك أفريقي) لكل مرشح لتمويل حملته الانتخابية، وهي إشارة قوية تؤكد إرادة الدولة استعادة السلم وتمكين الايفواريين من التصويت في سلام وحرية وهدوء. يذكر أن أكثر من 6.3 مليون ناخب إيفواري مدعوون إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع للتعبير عن أصواتهم على مستوى 19 ألف و841 مكتب تصويت، موزعة على 10 آلاف و335 مركز تصويت في كوت ديفوار وفي الخارج. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من ثلاثة آلاف لقوا مصرعهم في الأحداث الدامية التي تلت أزمة ما بعد انتخابات (2010-2011) التي تفجرت بعد رفض الرئيس الإيفواري السابق لوران غباغبو الاعتراف بهزيمته في انتخابات 2010 ضد منافسه الحسن واتارا.