في آخر حلقة من البرنامج الحواري "مباشرة معكم" لسنة 2014 (القناة الثانية، مساء الأربعاء 24 دجنبر 2014)، والتي تمحورت حول الحصيلة السنوية، خصص مُعِده ومنشطه الأستاذ جامع كولحسن مشكورا، الشطر الأخير من الحلقة، للوقوف عند الشخصيات الوطنية التي رحلت في العام الفارط (2014)، من خلال روبورطاجات مختزلة وإشراك الضيوف في الحديث عن مناقب المرحومِين: محمد مجيد، المهدي المنجرة، أحمد الزايدي، عبد الله باها، محمد بصطاوي. أول انطباع مُفارِق انتابني، هو الاستحضار الرمزي لعالم المستقبليات المهدي المنجرة - أخيرا- في التلفزيون، و"إقصاء" الفنان التشكيلي فريد بلكاهية الذي وافته المنية في 25 شتنبر 2014. بخصوص الأول، علَّق صديق ضاحكا: تم استحضاره، فقط لأنهم لم يستطيعوا "تنحيته"، نظرا لسطوة حضوره في العالم. ولقد لاحظنا انبعاثه القوي بعد مماته الفيزيقي، من خلال الدراسات والبحوث والملفات التي نشرت بكثافة في مختلف المنابر الصحفية والمجلات المغربية والعربية بخاصة. وهو الصيت الإعلامي الذي لم يحظ به بلكاهية (باستثناء بعض المقالات الإخبارية وملف أنجزه الزميل شفيق الزكاري في جريدة "المساء"). هل تم تجاهل بلكاهية لأنه أقل من الذين احتفى بهم البرنامج ، إذا كان من اللازم مقارنته مع هؤلاء بوصفهم من رجالات المغرب الذين لا يختلف أحد في مَكانتهم الرفيعة وجهودهم الوطنية، فالأجدر مقارنته - بالنسبة إلي على الأقل- بالمهدي المنجرة للأسباب التالية: * المهدي المنجرة وفريد aبلكاهية ينتميان إلى نفس الجيل (الأول مولود في 1933، والثاني في 1934)، كما ينحدران من عائلات ميسورة. * ظلا مواظبان على ديمومة العمل والبحث والإنتاج والحضور منذ سن الشباب. * كلاهما، ظل مستقلا بتوجهاته، وجاهرا بآرائه الصريحة، بعيدا عن تبعية المؤسسات والأحزاب واللوبيات، مع الإشارة إلى أن بلكاهية ظل منحازا إلى الأنتلجينسيا. * إذا سلمنا بعدم المفاضلة بين العلوم والفنون، فإن ما حققه المنجرة علميا، قد يوازي ما حققه بلكاهية فنيا. * كلاهما، يَمتاز بحضور عالمي. بالنسبة لفريد بلكاهية، علاوة على حضوره الدولي بناءً على معارضه التي جابت كبريات العواصم، له الفضل في الإدماج الدولي والمُشرِّف للفن المغربي المعاصر، من خلال لوحته "تكريما لغاستون باشلار" التي اقتناها متحف جورج بومبيدو (المتحف الوطني للفن الحديث بباريس) في 2013، وهو من أهم المتاحف المرجعية في العالم، حيث أكد محافظه ميشال غوتييه على أن اقتناء هذا العمل مُبَرَّر من خلال توقيع فريد بلكاهية الذي "يعتبر من الفنانين التاريخيين للحداثة في المغرب وبشكل أوسع في شمال إفريقيا". على كل حال، يمكن إيجاد الأعذار لسقوط فنان بحجم بلكاهية "سهوا" من حلقة الكبار الراحلين، كأعذار ضغوط الوقت في تحضير البرنامج، وعدم تمتيع الفنانين التشكيليين عندنا بالشهرة الجماهيرية الموصولة بصناعات التلفزيون... لكن هل لنا أن نتصور بَداهَةَ سقوطه لو كان فنانا "رسميا"؟