شهدت سنة 2014، التي أوشكت على الانتهاء، أحداثا ثقافية وفنية غاية في الأهمية، وتم خلالها تنظيم تظاهرات كبيرة في العديد من المجالات، كما شهدت السنة رحيل قامات كبيرة في عوالم الفكر والأدب والفن، فيما لا يزال الأفق مفتوحا على تحقيق منجزات ثقافية جديدة في المقبل من الأيام، من قبيل تنظيم اتحاد كتاب المغرب للمناظرة الوطنية الأولى للثقافة يومي 9 و10 يناير 2015 بطنجة، وتنظيم الهيئة العربية للمسرح الدورة السابعة للمهرجان العربي للمسرح بالرباط ما بين 10 و16 يناير القادم. ولعل الحدث الأكثر إشعاعا في أنشطة السنة المنصرمة تدشين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في سابع أكتوبر الماضي، متحف محمد السادس للفن المعاصر، الذي استقبل، منذ افتتاحه، أزيد من 50 ألف زائر قدموا لاستكشاف المعرض الافتتاحي (1914-2014 : مائة سنة من الإبداع)، والذي يستجيب، حسب مدير المؤسسة الوطنية للمتاحف، مهدي قطبي، "للمعاير الدولية للمتاحف، ويعد أول متحف يخصص للفن العصري والمعاصر للمغرب". كما أشرفت صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم، رفقة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بباريس، على تدشين معرض "المغرب المعاصر"، الذي ينظمه معهد العالم العربي بشراكة مع المؤسسة الوطنية للمتاحف، كما ترأست الأميرة للا مريم، خلال اليوم ذاته بباريس، تدشين معرض "المغرب الوسيط : امبراطورية من إفريقيا إلى إسبانيا" الذي ينظمه متحف اللوفر بشراكة مع المؤسسة الوطنية للمتاحف أيضا. وقال رئيس معهد العالم العربي بباريس جاك لانغ إن التظاهرة الكبرى "المغرب بشتى الألوان" التي خصصها المعهد للمغرب المعاصر، والتي افتتحت في 15 أكتوبر شكلت "حدثا استثنائيا لبلد متفرد"، مضيفا أن الجمهور سيكتشف عبر معرض كبير يستمر الى غاية بداية 2015، "مختلف أوجه الحراك الفني بمغرب اليوم". وعرضت هذه التظاهرة، التي أقيمت على مساحة 2500 متر مربع وفي كافة أروقة معهد العالم العربي بباريس، أعمال أزيد من 80 فنانا (تشكيليون، مصممون، مخرجون، مهندسون معماريون، مبدعون في مجال الموضة) يمثلون تيارات فنية متعددة تجسد التنوع الثقافي واللغوي والإثني والديني بالمغرب، ما جعل من هذا المعرض "أحد أهم المعارض التي لم يسبق أن خصص مثلها بفرنسا للحقل الفني المعاصر لأي بلد أجنبي"، حسب جاك لانغ. وضم برنامج التظاهرة أزيد من ثلاثين حفلا موسيقيا مغربيا لبت جميع الأذواق، من الموسيقى الكلاسيكية، والموسيقى التقليدية والشعبية الى الروك والراب والهيب هوب، فضلا عن أربع حفلات للرقص، وعروض لأفضل الأفلام المغربية، ومحاضرات وندوات حول مواضيع متنوعة تنوع لغات وثقافات المغرب، كما تم في بهو المعهد نصب خيمة كبيرة مخصصة للمغرب الصحراوي أعيد تصميمها من قبل المهندس المعماري طارق ولعلو وعرضت على مساحة 500 متر مربع، إبداعات فنية ومنتجات الصناعة التقليدية وأطباق الطبخ المغربي. كما شملت هذه التظاهرة ورشات وزيارات لفائدة للصغار، فضلا عن تنظيم معهد العالم العربي بباريس حفلات أخرى مخصصة للمغرب المعاصر بعدة فضاءات بباريس الكبرى كمسرح المدينة، ودار ثقافات العالم، ومسرح جيرار فيليب بسان دوني. وعلى غرار السنوات السابقة، واصلت وزارة الثقافة تنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب، إذ ارتفع عدد زوار دورته العشرين (13-23 فبراير الماضي) إلى مستويات غير مسبوقة وذلك بخلاف عدد من المعارض العربية التي "عرفت تراجعا إما لظروف اقتصادية أو سياسية أو أمنية" كما لاحظت رنا سهيل إدريس مديرة "دار الآداب" اللبنانية، التي تشارك في المعرض منذ دورته الأولى، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء. وصادق مجلس الحكومة أيضا على مشروع مرسوم يتعلق بدعم المشاريع الثقافية والفنية، ويهدف إلى جمع النصوص المعمول بها والمتعلقة بالدعم المقدم من قبل وزارة الثقافة للكتاب والإبداع المسرحي والأغنية المغربية في نص واحد، مع إضافة دعم الفنون التشكيلية والفنون الشعبية والتظاهرات والمهرجانات الثقافية والفنية ودعم الجمعيات العاملة في الميدان الثقافي والفني بنفس المشروع. وفي ذات الصدد، قال وزير الثقافة، محمد الأمين الصبيحي، إن الوزارة خصصت ضمن ميزانيتها لسنة 2014 دعما خاصا للمشاريع الثقافية والفنية في قطاع الفنون التشكيلية والبصرية بغلاف مالي يقدر ب10 ملايين درهم على شكل طلبات عروض مشاريع، بهدف "تشجيع ومواكبة المواهب الشابة والفنانين المكرسين مع التأكيد على مبادئ الجودة والابتكار والإشعاع وفي أفق تقريب الفن المعاصر من شرائح واسعة من الجمهور باحترام تام لاستقلالية الفنانين وحقهم في الإبداع". وأوضح أن الدعم يتوزع على خمسة مجالات تتمثل في الإقامات الفنية ومحترفات التكوين، ونشر مونوغرافيا الفنانين وكاتالوغات المعارض والمواقع والمجلات الورقية والإلكترونية، وتنظيم المعارض والصالونات المتخصصة في الفنون التشكيلية والبصرية، والمشاركة في معارض وصالونات الفنون التشكيلية والبصرية، والفنون البصرية وخصوصا التنشيط الإلكتروني والفن التفاعلي والأشرطة المرسومة والتصوير الفني والتركيب البصري بالأبعاد الثلاثية. وأشار وزير الثقافة إلى أن الوزارة ستواصل العمل بالأوراش الاستراتيجية في مجال الفنون التشكيلية وخاصة على المستوى التشريعي، وبالأخص وضع إطار قانوني لفتح الأروقة والتصدي لعمليات التقليد والبيع غير المنظم إلى جانب مراجعة النظام الضريبي للقطاع. وتحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تم في بحر هذه السنة تنظيم ثلاث تظاهرات ثقافية مهمة تمثلت في الدورة الÜ14 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش ابتداء من 5 دجنبر المنصرم بمشاركة 15 فيلما في المسابقة الرسمية من بينها الفيلم المغربي "جوق العميين" للمخرج محمد مفتكر، والدورة 14 لمهرجان (موازين ... إيقاعات العالم)، التي نظمتها جمعية مغرب الثقافات من 29 ماي الى 6 يونيو الماضي، وكذا مؤتمر فكر السنوي الثالث عشر، الذي نظمته مؤسسة الفكر العربي بمدينة الصخيرات من 2 إلى 5 دجنبر الجاري حول موضوع "التكامل العربي : حلم الوحدة وواقع التقسيم". وعرفت الجلسة الافتتاحية لمؤتمر فكر 13، التي حضرها عدد من أعضاء الحكومة وخبراء ومسؤولون وأكاديميون وديبلوماسيون وثلة من رجال الثقافة والإعلام من مختلف البلاد العربية، منح مؤسسة الفكر العربي، التي تتخذ من بيروت مقرا لها، جائزة "مسيرة عطاء" لهذه السنة لمنتدى أصيلة، منظم مهرجان أصيلة الثقافي الدولي، ممثلا برئيس مؤسسة منتدى أصيلة، السيد محمد بن عيسى. وعلى الصعيد التشكيلي، شهدت هذه السنة تنظيم عدد كبير من المعارض التشكيلية وسلسلة ندوات بباب الرواح بالرباط على هامش معرض استرجاعي يشمل 40 سنة من أعمال الفنان التشكيلي عبد الحي الملاخ، عنونت ب"عبد الحي الملاخ .. السيرة الجمعوية والمسار النضالي". من جهة أخرى، انتقلت إلى دار البقاء خلال السنة المنصرمة أسماء ثقافية وفنية وازنة بصمت المشهد الثقافي المغربي على أكثر من صعيد. فقد رحل في 13 يونيو من هذه السنة بالرباط المفكر وعالم المستقبليات المهدي المنجرة عن عمر يناهز 81 سنة، كما رحل في 7 فبراير محمد جسوس، عالم السوسيولوجيا المرموق وأحد قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عن 76 سنة، وغيب الموت أيضا القاص والباحث عبد الرحيم المودن بهولندا عن 66 سنة والباحث والمؤرخ محمد بن عزوز حكيم بتطوان عن 90 عاما، وكذا محمد جلالي العضو المقيم بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات. كما رحل الفنان الشعبي محمد العروسي في 14 فبراير بأحد مستشفيات فاس بسبب مضاعفات مرض القلب عن 80 سنة، والفنان والمؤلف المسرحي المهدي الأزدي عن 76 سنة، والفنان المسرحي أحمد بنكيران أحد الوجوه المسرحية البارزة بمكناس منذ نهاية الستينيات عن 62 سنة، والفنان عبد العزيز الشامخ عن 63 سنة، والممثل المسرحي والتلفزيوني والسينمائي مصطفى ياسر بالدار البيضاء عن 70 سنة، وتوفي المخرج عبد الله أوزاد خلال حضوره الدورة 15 للمهرجان الدولي للفيلم بطنجة عن 54 سنة، والممثل محمد بسطاوي عن 60 سنة. ورزئ الفن التشكيلي برحيل أحد رواده، الفنان فريد بلكاهية، الذي وافته المنية بمراكش في 29 يناير المنصرم، عن عمر ناهز 80 عاما.