انتهت العطلة الصيفية وتقلصت حدّة ونسبة الإقبال/الطلب على شواطئ الدارالبيضاء، وتحديدا شاطئ عين الذئاب، الذي يمكن أن يوصف بكونه «نقطة الضوء» الوحيدة التي تشكل قبلة سياحية لقاطني المدينة، ممن لم يكتب لهم لظرف اقتصادي/اجتماعي وغيره، الاستمتاع بعطلة رفقة الأبناء في مدينة أخرى، واختيار وجهة من الوجهات التي يكثر عليها الطلب والإقبال في شمال المملكة أو جنوبها، كما أنه قبلة أيضا حتى لزوار العاصمة الاقتصادية الذين تتعثر خطواتهم ويتيهون إن هم أرادوا التجول في كبرى مدن المغرب التي لاتمنحهم عروضا للاختيار، مادامت أماكن الزيارة للتجول والاستمتاع، التي هي في متناول العامة من المواطنين، نادرة إن لم تكن منعدمة، ليبقى الملاذ الوحيد هو شاطئ عين الذئاب و»كورنيشه» بتعدد عللهما وعظم مشاكلهما! رمال مصادرة عطلة صيفية، لم يكلف القائمون على تدبير الشأن البيضاوي، بمعية مسؤولي السلطة المحلية، ومختلف المتدخلين المعنيين بالتنشيط السياحي والثقافي، وضمان الجانب الأمني، والحرص على البعد البيئي، أنفسهم عناء صون حق المواطن البسيط، المسحوق اجتماعيا، والمغلوب على أمره في مواجهة تبعات الحياة اليومية ومتطلباتها، في أن تطأ قدماه وأسرته رمال شاطئ عين الذئاب، بعيدا عن القاذورات وزجاج قنينات المشروبات الكحولية المتناثرة هنا وهناك، التي تؤكد حجم العربدة التي تختزنها تلك الرمال بين ثناياها، ومختلف أنواع النفايات التي تؤثث الفضاء برّا وبحرا على حد سواء، وأن تحفظ له حقه في أن يفترش الرمال ويبسط فوطته/مُلاءته بكل راحة، فلايجد ذراتها محتلة عن آخرها بالشمسيات التي يقف بالقرب منها فتوّات، يطالبون كل من اقترب منها بأداء مقابل مادي من أجل استغلالها هو ليس في متناول الجميع، أو يكون مصيره الطرد شر طردة، وحتى إن هو بحث بعد جهد مضنٍ عن رقعة معزولة بين الحشائش أو غيرها، يجد نفسه مطالبا مرة أخرى بأداء واجب استغلال «الأرض»، كما لو أن الأمر لايتعلق بملك عام وإنما بملك خاص، هو عبارة عن ضيعة تم تفويتها وتوزيعها على عدد من المضاربين الذين يرون في كل حبة رمل عائدا ماديا على حساب راحة وأمن وسكينة المواطنين، وأمام هذه الوضعية/الحالة، تتعدد السيناريوهات التي تمر مشاهدها أمام عينيه أو يحاول تركيبها في ذهنه، والتي تتوزع ما بين البحث عمن يسعفه دون أن يجد له أثرا، أو من ينصفه بعد الاعتداء عليه في مخفر للشرطة، وفي حالات أخرى التواري عن الأنظار مادامت البلطجة تستأسد تفاصيلها أمام مرأى ومسمع من الجميع؟ سكينة مفتقدة أن يكون شاطئ البحر وجهة بديهية وطبيعية من أجل قضاء يوم ممتع يتوزع بين الاستحمام والاستجمام والراحة، فهذا أمر غير قابل للتحقيق، وهو من الناحية العملية ليس بالممكن في يوميات «عين الذئاب»، فحتى لو تجاوز الشخص عائق المكان وتم تدبر الأمر بالاستكانة والرضوخ للأمر الواقع، فإنه سيجد نفسه مدعوا للتعايش مع أصوات الموسيقى الصاخبة، واستنشاق دخان قنينات النرجيلة ولفافات الشيرا أو السجائر «العادية» في الحدّ الأدنى، وأن يصمّ أذنيه لتفادي الإنصات لمصطلحات نابية تخترق طبلته، وأسماع أطفاله ومن يرافقونه هناك، والقبول بجملة من المشاهد الشائنة التي لايعير أصحابها اهتماما لمن يتقاسمون معهم رمال الشاطئ في مسافات ضيقة لاتمنح مجالات للتململ! مسلكيات تجعل من يومٍ تمناه هذا النوع من المواطنين أن يكون للسكينة والراحة فإذا به يتحول إلى عنوان للنرفزة والعصبية وللسخط وكل التداعيات التي تترتب عن ذلك، ينضاف إليها جموع الشباب الذين يتقاذفون الكرة، الذين وإن كانوا يزعجون غيرهم وقد يعرضونهم للأذى خاصة بالنسبة للأطفال الصغار، فإنهم بدورهم يجدون أنفسهم في مواجهات مع «مُلاّك» الشاطئ الجدد، الذين يطمعون في كل حبة رمل يريدون استغلالها! قصص البحر صمّ الآذان على رمال الشاطئ وإغلاق الأعين أو القفز على الصور المختلفة، «حلول» لاتدوم طويلا، فليس الشاطئ لوحده الذي يعج بالفوضى ، بل انتقلت كل عناوينها وتفاصيل فصولها إلى مياه البحر، الذي تسبح فيه الكلاب جنبا إلى جنب مع المواطنين من مختلف الأعمار. كلاب قد تكون مصابة بمرض ما أو بسلسلة أمراض حتى، ومنها فصائل المفروض أنه من الممنوع تجولها على مقربة من المواطنين بكل طلاقة وحرية، بل إن تربيتها مقيّدة بعدد من الضوابط القانونية، ومع ذلك فهي تسبح بدورها وتقفز و»تستحم» هي الأخرى وإن كانت مصدرا للعلل أو للرعب والفوضى؟ وليس مشهد الكلاب الوحيد الذي يكون مبعثا على التقزز لوحده وهي تسبح في البحر، بل إن السباحة هي متاحة كذلك للحمير والبغال وغيرها من الدواب، هذا في الوقت الذي اصطحب البعض قنينات بلاستيكية وإطارات مطاطية وغيرها، وجعلوا منها أدوات للسباحة واللهو والمرح، وسط أمواج تتراقص من حولهم، هي ليست بالضرورة أمواج آمنة، فكم من الضحايا ارتموا بين أحضانها طلبا للاستمتاع فإذا بها تضمهم إليها بكل قوة وبمنتهى القسوة ولم تتركهم إلا وهم غرقى جثثا هامدة! عالم المتناقضات المتوجهون إلى عين الذئاب وإلى الكورنيش هم ليسوا بالضرورة من نفس الشريحة الاجتماعية، فمنهم المعوزون الذين يقفون مبهورين أمام الفنادق والملاهي والحانات، والمسابح، وأمام مركب تجاري ضخم أضاف بعضا من الحياة إلى كورنيش جامد، لم يبدع القائمون على تدبير الشأن المحلي، وسلطات الدارالبيضاء في منحه مسحة جمالية تليق بحجم العاصمة الاقتصادية وعدد سكانها وزوارها، إذ يظل فقيرا مقارنة بكورنيشات مدن عدة، لم تعوزها الإمكانيات لخلق فضاء يليق بمرتاديها مادامت تتوفر على إرادة فعلية لخدمة الصالح العام. وإلى جانب الفقراء، هناك الميسورون الذين تفتح في وجوههم كل الأبواب الموصدة التي يلجونها بكل يسر، والتي يحظر على غيرهم حتى مجرد الاقتراب منها أو التقاط صور إلى جانبها. فضاءات يعيشون بداخلها عالما غير العالم الخارجي، حيث الفوضى والأوساخ، وحيث الباعة المتجولون والمتسولون، المشردون والمتسكعون، «الأسوياء» والمختلون، فالكل هائم يسير على الكورنيش، والبعض قد لايشعر بالبعض الآخر، وحدها بعض المشاحنات التي ترتفع خلالها الأصوات تثير الانتباه، والتي تكون في الغالب الأعم لبعض المواطنين من أرباب السيارات، ليست الفارهة بطبيعة الحال، بل العادية والاقتصادية، الذين يعبرون عن سخطهم لمطالبتهم من طرف «حراس للسيارات» بدفع مبالغ مالية بشكل مسبٌّق من أجل ركن سياراتهم، تفوق التعريفة الفعلية وتضاعفها أحيانا لخمس مرات وما فوق، والذين لايجدون صدى لاحتجاجاتهم مادام عين الذئاب وكورنيشه أضحيا مثل الغابة تخضع لمنطق القوي، تغيب فيها القوانين وتسود الفوضى!