مع ارتفاع درجة حرارة الصيف، تعم مظاهر الاستجمام شواطئ العاصمة الاقتصادية، فحرارة الشمس أخرجت الناس من بيوتهم وأجبرتهم على البحث عن ملاذ آمن يقي أجسادهم من موجة الحر المرتفعة التي تجتاح البلاد، فتجد الآلاف يتهافتون للاستمتاع بالرمال الذهبية وأشعة الشمس الساطعة، منهم من يتوفر على الإمكانات المادية فتجده يقصد شواطئ خاصة مخصصة "للأغنياء" وآخرون وجدوا في الشواطئ القريبة منهم ملاذا لهم، بالرغم من غياب شبه تام للنظافة والمرافق الضرورية. توجهنا، منتصف النهار، صوب كورنيش عين الذياب بمدينة الدارالبيضاء، وبالتحديد في الطريق المؤدية إلى منطقة «طماريس». الحركة غير عادية ببؤرة الاستجمام والسهر بالميتروبول المغربية، حيث حركة السير تعرف ازدحاما كبيرا على طول الشارع، وضوضاء منبه سيارات الباحثين عن موقف شاغر لركنها يمتزج مع نغمات من الموسيقىالغربية التي يتجاوز صخبها شواطئ تحيط بها الأسوار ويحرسها «الفيدورات». على طول الشوارع، يأسرك نقاء الشواطئ الموجودة، «أتلنتيك بييش»، «ساني بييش»، «بابالو» و«فيات بلايا»، كلها شواطئ خاصة بطاولات مرتبة بعناية تطل على البحر، وكراسي للاسترخاء على ضفاف المسبح، وأخرى على رمال البحر، وأطفال يلهون هنا وفتيات يرقصن في الجهة الأخرى من المسبح، تقصدها الشخصيات التي يظهر عليها منذ الوهلة الأولى طابع الغنى والترف، فتجدهم بسيارات فخمة وملابس عصرية تتماشى مع الموضة، توجهنا أمام مدخل أحد الشواطئ الخاصة الموجودة بمنطقة طماريس، حيث يوجد «ڤيدورات» يحرسون الباب، خُولت لهم صلاحية السماح بالولوج إلى الشاطئ لمن رأوا مظهره وميزانيته يليقان بالاستمتاع ب«متعة العيش» ليوم واحد في الهواء الطلق أو رفض دخول من تبدو علامات الفقر واضحة عليهم، فتجد مختلف هذه الشواطئ الخاصة بمنطقة طماريس تتنافس فيما بينها لجلب أكبر عدد من الزبناء الذين يبحثون عن استجمام «ڤي. آي.پي». شواطئ يقصدها الزوار لأسباب معينة، تقول إحدى زائرات هذه الشواطئ الخاصة إنها تفضل المجيء للاستجمام في هذه الشواطئ لأنها أفضل من تلك المخصصة للعموم، إذ أن الأمن متوفر أكثر في هذا الفضاء والمرافق متنوعة تغري بقضاء وقت أطول رفقة العائلة أو الأصدقاء، رغم أثمنة دخوله التي تظهر للبعض أنها بعيدة عن الواقع، إذ تتراوح ما بين 500 إلى 700 درهم للفرد الواحد وأكثر في شواطئ أخرى، إلا أن وسائل الاستجمام المتوفرة، من مناطق للترفيه واللعب للصغار والكبار ومطاعم بجودة عالية، تستحق دفع هذه الأثمنة. الطبقة الاجتماعية التي تتوافد على الشواطئ الخاصة، لا تنتمي إلى تلك التي تقصد البحر محملة بوجبة الغذاء المعدة سلفا في البيت، فهم غالبا ما يقومون بحجز طاولاتهم مسبقا، عن طريق الاتصال الهاتفي أو ببريد إلكتروني، طاولات قد تبدو مكلفة للبعض، إلا أنها في المتناول بالنسبة لهؤلاء الزوار، إذ تكلّف من 800 درهم إلى ما فوق حسب الطلب. في الجانب الآخر من شواطئ الدارالبيضاء، الساعة تشير إلى تمام الثامنة صباحا، المكان متوسط الاكتظاظ، أناس من كل الأعمار ومن كلا الجنسين، البعض يستمتع بالمياه الزرقاء الجميلة، والبعض يستلقي تحت أشعة الشمس الساطعة، والبعض الآخر يفضل اتقاء لفحاتها بمظلة شمسية كبيرة مستمتعا بفك رموز الكلمات المبهمة لإحدى اليوميات المغربية، والبعض يمارس رياضة المشي أو الجري التي تزداد جمالية وصعوبة مع وجود عائق المياه، والبعض يفضل مرافقة صغاره إلى شاطئ السباحة، فيما ينهمك شباب متقارب الأعمار في تبادل كرات التنس بمضارب خشبية أو ممارسة هواية كرة القدم، يركضون وراء الكرة بشكل هستيري غير آبهين بالمستلقين على ظهورهم لأخذ قسط من أشعة الشمس. شواطئ عين السبع وعين الذياب وزناتة... تمثل كلها ملاذا للمصطافين من العائلات التي لا تستطيع الاستمتاع بنظافة ومرافق شبيهة بتلك الموجودة في الشواطئ الخاصة، فشاطئا عين السبع وزناتة مثلا ينعدم بهما عمال النظافة، فتجد النفايات هنا وهناك، تغطي الرمال ومياه البحر، وتغيب المرافق الأساسية من مراحيض وحمامات وأماكن للعب الأطفال، فتجد أغلب من يقصدونهما من الشباب الراغب في لعب كرة القدم دون السباحة لمعرفتهم بكون المياه غير صالحة لذلك، يقول أحد الشباب من شاطئ زناتة: «نأتي للعب دون أن نتمتع بالمياه لتلوثها، فغالبا ما نجد عددا من الكلاب تسبح فيها في غياب المسؤولين»، أما شاطئ عين السبع، فرغم أنه هذه السنة أفضل من سابقاتها، إلا أنه رغم ذلك لا يرقى لنظافة بعض الشواطئ الأخرى الموجودة بالمملكة، في حين يظل شاطئ عين الذئاب الذي يمتد على الشريط الساحلي للبيضاء، من الأماكن الأكثر جذبا للزوار والمصطافين في العاصمة الاقتصادية، لكونه يشكل المتنزه البيضاوي الأول الذي يشهد رواجا أكبر من حيث الزوار على مدار السنة، سواء في الليل أو في النهار، مع العلم أن في فصل الصيف تتضاعف نسبة زواره، خاصة مع توافد الأعداد الكثيرة من المصطافين الذين يقصدون شاطئ عين الذئاب نهارا، في الوقت الذي تشهدالمدينة درجات حرارة عالية. الفرق كان واضحا بين المصطافين في الشواطئ الخاصة وأولائك الموجودين في عين الذياب، فبمجرد أن وطئت أقدامنا رمال الشاطئ حتى أكدت المأكولات الموضوعة فوق موائد المصطافين كلامنا، حيث البيض المسلوق والطون يغزوان الموائد، عكس موائد الأغنياء بالشواطئ الخاصة. شاطئ عين الذياب أصبح متنفس العائلات الكازاوية في ظل غلاء السفر، إلا أن ما يثير الانتباه في شاطئ عين الذياب هو ظاهرة الكراء التي تثير سخط الأسر، فرمال الشاطئ أصبحت تستغل من طرف أشخاص يكترون أماكن من السلطات الوصية، ويحددونها بحبال وأعمدة خشبية، كما ينصبون مظلات ذات ألوان موحدة وكراسي، وكل من يود الدخول إلى تلك «الأماكن الخاصة»، عليه أن يؤدي ما بين 30 إلى 50 درهما، ناهيك عن خدمات أخرى تصل إلى 80 و150 درهما، ككراسي الاسترخاء والخيام المنصوبة على طول الشاطئ. وفي هذا الصدد، عبر شكيب، مواطن مصطاف، عن سخطه من هذا الاستغلال الغريب لشاطئ عمومي قائلا: «إن هذه مشكلة حقيقية، هؤلاء الناس يحتلون الشاطئ ويحددون الأسعار كما يحلو لهم في غياب كلي للسلطات، ف50 درهما هو سعر ليس في المتناول بالنسبة للجميع، فمثلا شاطئ مهدية يوفر مظلة شمسية بكرسيين بالمجان بالرغم من أنه أنظف وأأمن من شاطئ عين الذياب الذي تحتاج فيه إلى إبقاء أحد أقربائك أو أصدقائك لحراسة الأمتعة، أو طلب ذلك من أحد المصطافين المجاورين لك» . وبالتالي فالمواطن البيضاوي الذي ينظر إلى الشاطئ على أنه ملاذه الوحيد للترويح عن نفسه ومكانا للاستجمام، يجد نفسه بين استغلال المكترين للشاطئ وغياب الأمن والحراسة والمراقبة، الأمر الذي جعل أسرا من الطبقة المتوسطة تفضل الذهاب إلى شواطئ المدن القريبة كالمحمدية وبوزنيقة لتوفر مرافق جيدة، يقول محمد، رب أسرة من الدارالبيضاء: «أتوجه كل يوم سبت لشاطئ بوزنيقة مع زوجتي وأسرتي، إذ أفضله على شواطئ الدارالبيضاء، فهو يتوفر على مرافق لممارسة مختلف الرياضات ويتميز بالنظافة والأمن، عكس شواطئ الدارالبيضاء المتسخة» .