رغم معارضة جل النقابات.. مجلس المستشارين يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي لممارسة الإضراب    بتعاون مع الديستي.. توقيف سبعة أشخاص يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم "داعش" في إسبانيا    القضاء السويدي يصدر حكما في حق شريك سلوان موميكا حارق القرآن    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الشابي يخلف عبد الصادق في الرجاء    لاتسيو يضم المغربي رضا بلحيان في آخر لحظات الميركاتو    فرقة مسرح سيدي يحيى الغرب تحتفي بكتاب "الذاكرة السياسية والعدالة المغرب/ الأرجنتين    الشيخ بلا يكتب : "إلى الأصوات التي أدمنت التجريح في كل شيء جميل ..! "فقراء إداولتيت" تراث عريق يستحق الاحتفاء والتثمين"    عبد اللطيف لوديي: المغرب ملتزم بتعزيز التعاون الإفريقي لمواجهة التحديات السيبرانية    أولاد تايمة.. توقيف 3 جانحين في قضية سرقة باستعمال السلاح الأبيض    "المستشارين" يقر مشروع قانون الإضراب    الجزائر ترفض استقبال المرحلين    أمطار الخير تنعش آمال الفلاحين بإقليم الحسيمة بعد سنوات الجفاف    اعتداء على لاعبي المغرب الحسيمي داخل القاعة المغطاة بتطوان يثير الاستياء    جلالة الملك يبعث برقية تعزية إلى الرئيس الألماني على إثر وفاة السيد هورست كوهلر    الذهب يسجل مستوى قياسيا مرتفعا مع زيادة الطلب بعد رسوم ترامب الجمركية    وزير النقل: 32 مليون مسافر استقبلتهم مطارات المغرب خلال 2024    الشرطة الهولندية تلقي القبض على البطل العالمي بدر هاري في أمستردام لهذا السبب    لجنة الأخلاقيات تعاقب دومو والشرع    "نقابة UMT" توضح قرار الانسحاب    بنسبة تزيد عن 20%.. الجهة الشرقية تسجل أعلى معدلات البطالة    رئيس سوريا يؤدي مناسك العمرة    بورصة البيضاء تنهي التداول بالأحمر    أكثر من مليوني مغربي يرتادون السينما في 2024 وعائدات تصوير الأفلام الأجنبية ترتفع إلى 1.5 مليار درهم    "بوحمرون" يستنفر المدارس بعد العطلة .. والوزارة تتمسك بتدابير صارمة    شركة 'اوبن ايه آي' تكشف النقاب عن أداة جديدة في 'شات جي بي تي'    الوزارة تكشف عائدات السياحة بالعملة الصعبة في سنة 2024    إسبانيا.. بدء محاكمة روبياليس في قضية "القبلة" المثيرة للجدل    الرباط: انطلاق أشغال المنتدى الإفريقي للأمن السيبراني    المهاجم المغربي الشاب إلياس داو ينضم إلى نادي أندرلخت البلجيكي    ماسك: ترامب وافق على إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية    انتشار داء "بوحمرون" على طاولة المجلس الحكومي    ثورة علمية : رقاقات قابلة للزرع لعلاج قصور القلب    "أمر دولي" يوقف فرنسيا بمراكش    مبادرة توزيع أغطية في باب برد تروم لتخفيف معاناة مشردين مع موجة برد قارس    "دوغ مان" في طليعة شباك تذاكر السينما بأمريكا الشمالية    تاونات أكثر المدن إستقبالا للأمطار في 24 ساعة    سناء عكرود تعرض فيلم "الوصايا" عن معاناة الأم المطلقة    خيرات تدخل السايح إلى المستشفى    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المندوبية السامية للتخطيط: إحداث 82 ألف منصب شغل في المغرب سنة 2024    سكتة قلبية مفاجئة تنهي حياة سفيان البحري    مستحضرات البلسم الصلبة قد تتسبب في أضرار للصحة    أطباء مختصون يعددون أسباب نزيف الأنف عند المسنين    استئناف محاكمة أفراد شبكة الاتجار الدولي بالمخدرات التي يقودها رئيس جماعة سابق    وفاة سفيان البحري صاحب صفحة تحمل اسم الملك محمد السادس    تفشي بوحمرون : خبراء يحذرون من زيادة الحالات ويدعون إلى تعزيز حملات التلقيح    بعد "بيغاسوس".. إسرائيل استعملت برنامج "باراغون" للتجسس على صحفيين وناشطين على "واتساب"    جولة في عقل ترامب... وهل له عقل لنتجول فيه؟    الصين: عدد الرحلات اليومية بلغ أكثر من 300 مليون خلال اليوم الرابع من عطلة عيد الربيع    كأس العالم لكرة اليد: المنتخب الدنماركي يحرز اللقب للمرة الرابعة على التوالي    النجمة بيونسيه تفوز للمرة الأولى بلقب ألبوم العام من جوائز غرامي    ارتفاع تحويلات مغاربة العالم    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثعبان
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 07 - 08 - 2015

كانت نسيباتي تتحدثن بصوت عال عن الثعبان الذي وجدوا أثره في الممر الخلفي للبيت، الحديث الذي يعلو بصخب يقضي على أي أمل في وقت إضافي للنوم الذي هرب من جفوني، كانت الاقتراحات تتساقط كالمطر من كل مكان، "... سنقطع الأشجار الصغيرة، سنغلق كل الثقوب، سنزيل كل الأشياء التي قد تجلبه، إنه هائل، ربما كان نوعا من أفاعي الكوبرا، سوف سوف..."، كنت نائمة بتلك الغرفة التي مر الثعبان من خلفها البارحة....آه البارحة، تذكرت..لم أستطع النوم، كنا أنا و ابراهيم زوجي نحاول "ذلك الشيء" دون جدوى، لا شك أن الثعبان عرف بما نحاوله، لم يكن يفصلنا عنه سوى بضع سنتمترات بعرض الحائط الذي مر قربه الثعبان ببطء شديد، من النحس أن يعرف أحد بما يحدث خلف الغرف المغلقة...ابراهيم غادر البيت باكرا، حانقا كالعادة وكأنني السبب فيما يحدث معه، لو استمع إلى نصائح طبيب السكري لتحسنت حالتنا، أقصد حالته....
حين خرجت من الغرفة كان الجميع ينتظر مني أن أقول شيئا...أخبرتهم أنه مجرد ثعبان يتجول في ما يعتبره مجاله الخاص وأننا مجرد دخلاء وعلينا تركه يفعل ما يرغب به خلال الليل ما دام لا يزعجنا خلال النهار ، حملقت النساء في وجهي المنتفخ بسبب قلة النوم وبدأن في القهقهة فضحكت أنا أيضا وسكبت بعض القهوة السوداء في الكأس كي أصحو جيدا وأفهم هذا الذي حدث البارحة داخل وخارج الغرفة...
ابراهيم حانق، اقترحت عليه رؤية الطبيب، سبني بألفاظ رجل شارع، فسببته بنفس الطريقة، يسب أمي فأسب والده الرجل الطيب، تتعالى أصواتنا حتى نبَّح، ثم نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأخيرا أُخيِره بيني وبين الفحص قبل أن أتوجه لطبخ الأرانب التي اشتراها البارحة من سوق بوسط المدينة، أمنحه مهلة يومين ليفكر، يقبل قبل أن تمر الاربع والعشرون ساعة الأولى. لا نتبادل الحديث أثناء الطريق، يصر على قيادة السيارة بنفسه، لا أجادله، يسب الجميع على الطريق، يحرر لنا الشرطي مخالفة مرورية، يسبه أيضا لكن فقط بعد أن يدير ظهره. الدكتور يعرف بما يحدث، لا يحدثنا طويلا، يغير أدوية السكري يصف نوعا أخر ويطلب منا الصبر والثقة، يقول أن لا مشكلة في أي منا، طبعا لا مشكلة فيً، لكنه يصر على مسألة الجمع....في السيارة أرمقه من خلف نظارتي، وكأنه شخص آخر، يقول لي واضعا يديه على فخذي، أترين لا مشكلة في أي منا، فقط بعض التعب حبيبتي، يدعوني للغداء، يتناول بيرة أتناول كوكا كولا ونلتهم طبقا كبيرا من المأكولات البحرية، يذهب إلى عمله، أذهب إلى عملي، أحكي لصديقتي كل شيء، فتضحك ملء فمها، كاشفة عن أسنان ناصعة البياض، وتبدأ في إطلاق نكاث جنسية بذيئة لا أعرف من يمكنه أن يخبرها بها...
في المساء، أتزين، أضع عطرا نفاذا يصيبني بالشقيقة فورا، لكنني أتحمله من أجل ابراهيم، ألبس ثوبا جديدا لم يره من قبل، أكاد أختنق من ضيقه، لكنني احتمل، المجلة النسائية مدحت تأثير الأثواب الضيقة على النفسية، لكن الأمر لا ينجح، أنا أختنق وهو يتعرق كثيرا، فجأة يسبُ الطبيب، يفتح النافذة كي يدخل الهواء البارد، لا أتكلم، لا أتزحزح حتى من مكاني، ما عساني أقول له لتجاوز ما حدث الآن للتو، أمكث في عرقي خامدة مثل مذنبة، يتعالى الصياح خارج الغرفة، لقد رآه أحدهم بالخارج، يهرع ابراهيم خارج الغرفة لكن الثعبان كان أسرع ، لقد اختفى كالسحر بمكان ما من الحديقة....
لم يتوقف زوجي عن السب طوال الليل و هو يتهدد الثعبان بالموت، ينام كل منا على جانب السرير، أتحاشى النظر إلى وجهه ويتحاشى التنفس بصوت مسموع، لكن سرعان ما يتعالى شخيره....في الفجر أطل من النافذة بحثا عن هواء نقي، كان الثعبان هناك على العشب الندي للحديقة، غير خائف من زوجي، رفع رأسه نحوي لفترة خلتها طويلة جدا، قبل أن يدخل في حفرة صغيرة أمام نظراتي الصامتة...هل حلمت بذلك، كان العرق يتصبب من جسدي مرة أخرى...
ابراهيم زوج طيب وأنا أحبه، أتصور أننا سنبقى معا وسنشيخ معا مهما حدث، ابراهيم بإمكانه أن يضحكني في أسوء حالاتي، عاشق لا يكل ولا يمل حد الجنون، كلما قرأ كتابا جديدا أخبرني عنه في عشرة دقائق لا غير، وبفضله أصبحت أعرف كل الكُتاب الجدد إلا اليابانيون، فأسماءهم غريبة جدا وطويلة ويصعب الاحتفاظ بها في الذاكرة.
لا يمكنني إيجاد رجل يشبه ابراهيم، راحتي لديه مقدمة على كل شيء، والأهم أنه لا يطالبني باقتسام راتبي معه، والأجمل في كل هذا الأمر أنني لم أكن مضطرة لخوض أي معركة نسائية داخل البيت، منذ البداية فرض على الجميع احترامي بمن فيهن والدته، كان شخصا رائعا بكل بساطة، والآن أنا لا أعلم من أي جاء هذا المشكل الذي لم أكن لأحسب له حسابا، كانت الأمور رائعة حتى الآن، من أين جاءنا هذا "التعب" ومعه هذا الثعبان الذي يتجول مثل صاحب بيت بجوار حائط غرفة نومنا ؟
لم نعد إلى المحاولة خوفا من حدوث شيء سيء، لم نتحدث بالأمر، لكننا فضلنا ترك الأمور على حالها، ابراهيم يقرأ كتابا جديدا، أنا أقرأ مجلة شهرية، الصياح يتعالى في الخارج، إنه الثعبان، مثل نمر متحفز يقفز ابراهيم من مكانه، أصيح خائفة: "قد يقتلك إن اقتربت.." يقول بحزم: "سأقتله الليلة"، أغلق نافذة الغرفة بسرعة، لا أريد مشاهدة الأشياء السيئة، لماذا لا يمكنهم ترك الثعبان وشأنه، مجرد حيوان زاحف في الحديقة، يكفي أن لا يقترب منه أحد....أسمع صياحا حادا، زعيقا، صوت نساء البيت، صوت حماتي، صوت ابراهيم، نعم إنه ابراهيم يصيح بقوة، إنه يصرخ إنه يضحك، يفتح باب الغرفة، حاملا ثعبانا أسودا مهشم الرأس، ثعبان طوله متر ونصف يتدحرج في مقدمة قضيب حديدي، "أرأيت يا فاطمة، ها هو ثعباننا العزيز مجرد جثة..." تبادلنا النظرات للحظة، كان يضحك ويحاول اخافتي به، هربت في أرجاء الغرفة وهو يضحك والنساء خلفه يضحكن، وحدها حماتي أنهت الضحك كعادتها طالبة الهدوء...لم يهدأ أحد، بقي الجميع يتحدث عن الثعبان حتى وقت متأخر من الليل، وكيف قتله ابراهيم وكيف حاول الهرب، وحجمه الخرافي، ومن أين جاء، وهل هو ذكر أم أنثى، أخيرا أصدرت حماتي أمرها الملكي بالذهاب إلى النوم، في تلك الليلة رحل التعب عن ابراهيم، عادت الأمور إلى سيرها العادي، كان سعيدا بطريقة لم أره عليها من قبل و كان عملية قتل الثعبان كانت أقوى مفعولا من كل عقاقير الطبيب، ولسبب غريب حزنت لمقتل الثعبان الأسود..."أنت حمقاء يا فاطمة"، قالت صديقتي، أتعلمين؟ لو سمع زوجك عن هذه الاحاسيس الغريبة تجاه الثعبان لخاصمك للأبد...هل كنت تخونينه مع الثعبان؟ قالتها صديقتي وانخرطت في موجة ضحك هستيرية جعلتني أعود إلى مكتبي عابسة ...
لم أصدق أن الأمر ممكن الحدوث مرة أخرى، كنت واقفة حينها في نافذة غرفتنا، واقفة بدون سبب غير عادة اكتسبتها بسبب الأرق الذي لم يعد يفارقني منذ تلك الليلة، كان هناك، ينظر نحوي مباشرة، أسودا بحلقات صفراء باهتة، نفس الشكل ونفس الطول، كنت أتمنى..لو وضعت يدي على جلده الناعم الأسود، تحرك ابراهيم في فراشه، قفزت من مكاني كمذنبة، كان ذلك الوقت كافيا كي يختفي، حين التفت لم يكن هناك من أحد، رويت لإبراهيم ما حدث معي، ضحك بشدة، وأخبرني ساخرا أن في مملكة الحيوانات لا مجال لوجود ثعبانين اثنين...صدقته لكنني كنت عاجزة عن تفسير مشاهدة ذلك الثعبان الذين كنت ألمحه كلما وقفت فجرا في النافذة.
مضت أكثر من سنة على الحادث، ولا زال الثعبان يلوح لي برأسه كلما رميت بصري نحو تلك الزاوية من الحديقة، عشر سنوات وزوجي ابراهيم يستخف بوهمي، في حين أن ابنتنا الصغيرة "مي" كانت تعرف بوجوده وتلوح له بيديها الصغيرتين قبل أن تتوقف عن فعل ذلك حين عثرنا ذات صباح على جثة ثعبان هامدة دون أن يكون على جسمه أي أثر، كانت الجثة مسجاة تحت نافذة غرفتنا تماما، أحرقتها حماتي وهي تستعيذ بالله من شر الزواحف والدواب، واستغرب الجميع أن يختار الثعبان هذا المكان كي يموت فيه. تبادلنا أنا وابراهيم نظرات مريبة لشهور قبل أن ننسى كل شيء ونواصل حياتنا بهدوء بارد دون...ثعابين !!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.