كانت نسيباتي تتحدثن بصوت عال عن الثعبان الذي وجدوا أثره في الممر الخلفي للبيت، الحديث الذي يعلو بصخب يقضي على أي أمل في وقت إضافي للنوم الذي هرب من جفوني، كانت الاقتراحات تتساقط كالمطر من كل مكان، "... سنقطع الأشجار الصغيرة، سنغلق كل الثقوب، سنزيل كل الأشياء التي قد تجلبه، إنه هائل، ربما كان نوعا من أفاعي الكوبرا، سوف سوف..."، كنت نائمة بتلك الغرفة التي مر الثعبان من خلفها البارحة....آه البارحة، تذكرت..لم أستطع النوم، كنا أنا و ابراهيم زوجي نحاول "ذلك الشيء" دون جدوى، لا شك أن الثعبان عرف بما نحاوله، لم يكن يفصلنا عنه سوى بضع سنتمترات بعرض الحائط الذي مر قربه الثعبان ببطء شديد، من النحس أن يعرف أحد بما يحدث خلف الغرف المغلقة...ابراهيم غادر البيت باكرا، حانقا كالعادة وكأنني السبب فيما يحدث معه، لو استمع إلى نصائح طبيب السكري لتحسنت حالتنا، أقصد حالته.... حين خرجت من الغرفة كان الجميع ينتظر مني أن أقول شيئا...أخبرتهم أنه مجرد ثعبان يتجول في ما يعتبره مجاله الخاص وأننا مجرد دخلاء وعلينا تركه يفعل ما يرغب به خلال الليل ما دام لا يزعجنا خلال النهار ، حملقت النساء في وجهي المنتفخ بسبب قلة النوم وبدأن في القهقهة فضحكت أنا أيضا وسكبت بعض القهوة السوداء في الكأس كي أصحو جيدا وأفهم هذا الذي حدث البارحة داخل وخارج الغرفة... ابراهيم حانق، اقترحت عليه رؤية الطبيب، سبني بألفاظ رجل شارع، فسببته بنفس الطريقة، يسب أمي فأسب والده الرجل الطيب، تتعالى أصواتنا حتى نبَّح، ثم نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأخيرا أُخيِره بيني وبين الفحص قبل أن أتوجه لطبخ الأرانب التي اشتراها البارحة من سوق بوسط المدينة، أمنحه مهلة يومين ليفكر، يقبل قبل أن تمر الاربع والعشرون ساعة الأولى. لا نتبادل الحديث أثناء الطريق، يصر على قيادة السيارة بنفسه، لا أجادله، يسب الجميع على الطريق، يحرر لنا الشرطي مخالفة مرورية، يسبه أيضا لكن فقط بعد أن يدير ظهره. الدكتور يعرف بما يحدث، لا يحدثنا طويلا، يغير أدوية السكري يصف نوعا أخر ويطلب منا الصبر والثقة، يقول أن لا مشكلة في أي منا، طبعا لا مشكلة فيً، لكنه يصر على مسألة الجمع....في السيارة أرمقه من خلف نظارتي، وكأنه شخص آخر، يقول لي واضعا يديه على فخذي، أترين لا مشكلة في أي منا، فقط بعض التعب حبيبتي، يدعوني للغداء، يتناول بيرة أتناول كوكا كولا ونلتهم طبقا كبيرا من المأكولات البحرية، يذهب إلى عمله، أذهب إلى عملي، أحكي لصديقتي كل شيء، فتضحك ملء فمها، كاشفة عن أسنان ناصعة البياض، وتبدأ في إطلاق نكاث جنسية بذيئة لا أعرف من يمكنه أن يخبرها بها... في المساء، أتزين، أضع عطرا نفاذا يصيبني بالشقيقة فورا، لكنني أتحمله من أجل ابراهيم، ألبس ثوبا جديدا لم يره من قبل، أكاد أختنق من ضيقه، لكنني احتمل، المجلة النسائية مدحت تأثير الأثواب الضيقة على النفسية، لكن الأمر لا ينجح، أنا أختنق وهو يتعرق كثيرا، فجأة يسبُ الطبيب، يفتح النافذة كي يدخل الهواء البارد، لا أتكلم، لا أتزحزح حتى من مكاني، ما عساني أقول له لتجاوز ما حدث الآن للتو، أمكث في عرقي خامدة مثل مذنبة، يتعالى الصياح خارج الغرفة، لقد رآه أحدهم بالخارج، يهرع ابراهيم خارج الغرفة لكن الثعبان كان أسرع ، لقد اختفى كالسحر بمكان ما من الحديقة.... لم يتوقف زوجي عن السب طوال الليل و هو يتهدد الثعبان بالموت، ينام كل منا على جانب السرير، أتحاشى النظر إلى وجهه ويتحاشى التنفس بصوت مسموع، لكن سرعان ما يتعالى شخيره....في الفجر أطل من النافذة بحثا عن هواء نقي، كان الثعبان هناك على العشب الندي للحديقة، غير خائف من زوجي، رفع رأسه نحوي لفترة خلتها طويلة جدا، قبل أن يدخل في حفرة صغيرة أمام نظراتي الصامتة...هل حلمت بذلك، كان العرق يتصبب من جسدي مرة أخرى... ابراهيم زوج طيب وأنا أحبه، أتصور أننا سنبقى معا وسنشيخ معا مهما حدث، ابراهيم بإمكانه أن يضحكني في أسوء حالاتي، عاشق لا يكل ولا يمل حد الجنون، كلما قرأ كتابا جديدا أخبرني عنه في عشرة دقائق لا غير، وبفضله أصبحت أعرف كل الكُتاب الجدد إلا اليابانيون، فأسماءهم غريبة جدا وطويلة ويصعب الاحتفاظ بها في الذاكرة. لا يمكنني إيجاد رجل يشبه ابراهيم، راحتي لديه مقدمة على كل شيء، والأهم أنه لا يطالبني باقتسام راتبي معه، والأجمل في كل هذا الأمر أنني لم أكن مضطرة لخوض أي معركة نسائية داخل البيت، منذ البداية فرض على الجميع احترامي بمن فيهن والدته، كان شخصا رائعا بكل بساطة، والآن أنا لا أعلم من أي جاء هذا المشكل الذي لم أكن لأحسب له حسابا، كانت الأمور رائعة حتى الآن، من أين جاءنا هذا "التعب" ومعه هذا الثعبان الذي يتجول مثل صاحب بيت بجوار حائط غرفة نومنا ؟ لم نعد إلى المحاولة خوفا من حدوث شيء سيء، لم نتحدث بالأمر، لكننا فضلنا ترك الأمور على حالها، ابراهيم يقرأ كتابا جديدا، أنا أقرأ مجلة شهرية، الصياح يتعالى في الخارج، إنه الثعبان، مثل نمر متحفز يقفز ابراهيم من مكانه، أصيح خائفة: "قد يقتلك إن اقتربت.." يقول بحزم: "سأقتله الليلة"، أغلق نافذة الغرفة بسرعة، لا أريد مشاهدة الأشياء السيئة، لماذا لا يمكنهم ترك الثعبان وشأنه، مجرد حيوان زاحف في الحديقة، يكفي أن لا يقترب منه أحد....أسمع صياحا حادا، زعيقا، صوت نساء البيت، صوت حماتي، صوت ابراهيم، نعم إنه ابراهيم يصيح بقوة، إنه يصرخ إنه يضحك، يفتح باب الغرفة، حاملا ثعبانا أسودا مهشم الرأس، ثعبان طوله متر ونصف يتدحرج في مقدمة قضيب حديدي، "أرأيت يا فاطمة، ها هو ثعباننا العزيز مجرد جثة..." تبادلنا النظرات للحظة، كان يضحك ويحاول اخافتي به، هربت في أرجاء الغرفة وهو يضحك والنساء خلفه يضحكن، وحدها حماتي أنهت الضحك كعادتها طالبة الهدوء...لم يهدأ أحد، بقي الجميع يتحدث عن الثعبان حتى وقت متأخر من الليل، وكيف قتله ابراهيم وكيف حاول الهرب، وحجمه الخرافي، ومن أين جاء، وهل هو ذكر أم أنثى، أخيرا أصدرت حماتي أمرها الملكي بالذهاب إلى النوم، في تلك الليلة رحل التعب عن ابراهيم، عادت الأمور إلى سيرها العادي، كان سعيدا بطريقة لم أره عليها من قبل و كان عملية قتل الثعبان كانت أقوى مفعولا من كل عقاقير الطبيب، ولسبب غريب حزنت لمقتل الثعبان الأسود..."أنت حمقاء يا فاطمة"، قالت صديقتي، أتعلمين؟ لو سمع زوجك عن هذه الاحاسيس الغريبة تجاه الثعبان لخاصمك للأبد...هل كنت تخونينه مع الثعبان؟ قالتها صديقتي وانخرطت في موجة ضحك هستيرية جعلتني أعود إلى مكتبي عابسة ... لم أصدق أن الأمر ممكن الحدوث مرة أخرى، كنت واقفة حينها في نافذة غرفتنا، واقفة بدون سبب غير عادة اكتسبتها بسبب الأرق الذي لم يعد يفارقني منذ تلك الليلة، كان هناك، ينظر نحوي مباشرة، أسودا بحلقات صفراء باهتة، نفس الشكل ونفس الطول، كنت أتمنى..لو وضعت يدي على جلده الناعم الأسود، تحرك ابراهيم في فراشه، قفزت من مكاني كمذنبة، كان ذلك الوقت كافيا كي يختفي، حين التفت لم يكن هناك من أحد، رويت لإبراهيم ما حدث معي، ضحك بشدة، وأخبرني ساخرا أن في مملكة الحيوانات لا مجال لوجود ثعبانين اثنين...صدقته لكنني كنت عاجزة عن تفسير مشاهدة ذلك الثعبان الذين كنت ألمحه كلما وقفت فجرا في النافذة. مضت أكثر من سنة على الحادث، ولا زال الثعبان يلوح لي برأسه كلما رميت بصري نحو تلك الزاوية من الحديقة، عشر سنوات وزوجي ابراهيم يستخف بوهمي، في حين أن ابنتنا الصغيرة "مي" كانت تعرف بوجوده وتلوح له بيديها الصغيرتين قبل أن تتوقف عن فعل ذلك حين عثرنا ذات صباح على جثة ثعبان هامدة دون أن يكون على جسمه أي أثر، كانت الجثة مسجاة تحت نافذة غرفتنا تماما، أحرقتها حماتي وهي تستعيذ بالله من شر الزواحف والدواب، واستغرب الجميع أن يختار الثعبان هذا المكان كي يموت فيه. تبادلنا أنا وابراهيم نظرات مريبة لشهور قبل أن ننسى كل شيء ونواصل حياتنا بهدوء بارد دون...ثعابين !!