شنت بعض الأوساط الرجعية الجزائرية، في شبكات التواصل الاجتماعي، حملة تدعو الذكور إلى إرغام النساء على الالتزام بما أسموه "ملابس الحشمة"، تحت شعار "كن رجلا ولا تترك نساءك يخرجن بلباس فاضح". وقد ردت بعض الجزائريات على هذا الشعار بحملة أخرى مضمونها " غير نفسك أولاً وكن رجلا لا تقذف أعراض المحصنات، كن رجلا وغض بصرك، كن رجلا وطهِر لسانك من قول الفواحش، كن رجلا ولا تتحرش، فهناك أكثر من طريقة لتكون رجلا، أما ذاك، هو شأنها وليس بشأنك". ويلخص هذا الجدل إشكالية التوجه الرجعي الذي يجعل من جسد المرأة محور تفكيره ودعايته السياسية، بمرجعية ذكورية، واضحة في شعار "كن رجلا"، حيث تحيل كلمة "الرجولة" على الفحولة والإقدام والشرف، وكل قيم الفروسية البدوية. ومن المؤكد أن خلفية الحملة سياسية، حيث تعتبر التنظيمات الاصولية انتشار ما تعتبره زيا إسلاميا، يخدم توجهاتها داخل المجتمع ويشكل دعامة لدعايتها، التي تتعامل مع جسد المرأة، كعورة، بينما العورة في القرآن، هي "السوأة"، أي الأعضاء التناسلية وكما يقول محمد شحرور في "الكتاب والقرآن" هي الجيوب (ما بين الثديين وتحت الإبط والفرج والإليتينح). الوهابيون اعتبروا جسد المرأة كله زينة وعورة، فألبسوها النقاب وأرغموها على إخفاء حتى يدها، بينما هناك من يكتفي ب"الحجاب"، أي غطاء الرأس، علما أن مصطلح "الحجاب"، الوارد في سورة الأحزاب هو الستار، والأصح أن يسمى الخمار، الذي كان معروفا قبل ظهور الإسلام، واستعملته شعوب من مختلف الحضارات، والقرآن أمر المؤمنات بأن "يضربن بخمرهن على جيوبهن"، أي ستر النهود (سورة النورح). أما في موضوع إدناء الجلابيب فقد جاء مرتبطا، في سورة الأحزاب، بأزواج النبي وبناته ونساء المؤمنين، "حتى يعرفن و لا يؤذين". أما الجواري، فكان عمر بن الخطاب يمنعهن عن ذلك، حتى لا يتشبهن بالحرائر، حسب ما كتب ابن تيمية. وملخص القول، إن التأويلات التي أعطيت لهذه النصوص، لها طبيعة سياسية وإيديولوجية، ولا يسعفها حتى النص الديني، بل هي نتاج ردة فكرية واجتماعية في العالم العربي، وكما يقول مالك شبل، في كتابه "الجنس الحريم"، فإن مسألة الحجاب والجسد، "عملية معقدة، تتجسد في ثنائية الرغبة في امتلاك الجسد الذي يغطيه الحجاب والرغبة الأخرى المعكوسة في تلافيه"، لذلك نتفق مع الجزائريات في حملة "كن رجلا وغض بصرك" واحترم نفسك.