بعد الفضيحة المدوية التي كشف عنها المكتب الأوربي لمكافحة الغش، والمتعلقة بتحويل المساعدات الأوربية المخصصة لمحتجزي تندوف وإعادة بيعها في أسواق الجزائر، موريتانياومالي، لم يجد قادة الانفصاليين وعرابوهم الجزائر إلا اللجوء مرة أخرى إلى استجداء الجهات المانحة والتدليس والكذب في محاولة لكسب تعاطف المانحين لزيادة حجم المساعدات التي يذهب جزء كبير منها إلى جيوب قادة البوليساريو والضباط الجزائريين. ففي الوقت الذي كان ينتظر الرأي العام الدولي من ساسة الجزائر، اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تضمن وصول المساعدات الدولية إلى مستحقيها من ساكنة تندوف، دفعوا بالبوليساريو إلى إصدار نداءات حول وجود معاناة للسكان في مجال الغذاء. وفي هذا الإطار ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية، أن اجتماعا تنسيقيا لخلية تنسيق المساعدات الإنسانية قد عقد مؤخرا في الجزائر برئاسة برنامج الغذاء العالمي، وحضور كل الفاعلين في هذا الموضوع من المفوضية السامية لغوث اللاجئين ومنظمة اليونيسيف ومنظمة التعاون الدولي الإسباني، والمديرية العامة للمساعدات الإنسانية الأوروبية، بالإضافة إلى الهلال الأحمر الجزائري والصليب الأحمر الإسباني وبعض المنظمات الأخرى، خصص لموضوع المساعدات. ونقلت "و. أ .ج" عن المدعو يحيى بوحبيني رئيس ما يسمى بالهلال الأحمر الصحراوي أن الوضع الإنساني بمخيمات اللاجئين يعرف تدهورا "متزايدا"، موجها "نداء للمجتمع الدولي للإسراع بتقديم مساعدات عاجلة لتفادي تدهور الوضع في مخيمات اللاجئين"، مؤكدا في ذات الوقت "نفاذ المخزون الغذائي بالكامل مما ينذر بخطورة الوضع الإنساني بالمخيمات". وأضافت الوكالة المساندة للإنفصاليين أن بوحبيني التقى مؤخرا ببروكسيل بعدد من الشركاء الأوروبيين منهم اللجنة الأوروبية ومختلف المؤسسات الأوروبية، في محاولة كما يبدو للالتفاف على القرار الذي سبق أن اتخذه البرلمان الأوروبي الذي دعا إلى إعادة النظر في قيمة المساعدات الموجهة لمخيمات تندوف. وعوض أن يقدم بوحبيني أو غيره من تجار المساعدات الإنسانية تفسيرا مقنعا حول ما كشفه تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش مدعوما بمعطيات وأرقام وأدلة دامغة، لم يجد سوى الهروب إلى الأمام بدعوى أن هذا التقرير والقرار الذي اتخذه البرلمان الأوروبي كانا نتيجة للضغط الذي مارسه المغرب وأصدقاؤه. وجددت الهيئة التنفيذية التأكيد بقوة على طلبها ب "إحصاء" ساكنة مخيمات تندوف، بالجزائر، داعية إلى بذل "المزيد من الجهود" في هذا الصدد. وهو الطلب الذي تضمنته أيضا، ولأول مرة، "توصيات" التقرير الأخير حول الصحراء للأمين العام للأمم المتحدة، الذي تم تقديمه مستهل أبريل الجاري بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. يذكر أن مكتب مكافحة الغش، التابع لمفوضية الاتحاد الأوربي، أدان في تقرير رسمي، الاختلاس المنظم بالجزائر، منذ سنوات، للمساعدات الإنسانية الموجهة للصحراويين بمخيمات تندوف. وأكد أن جزءا كبيرا من هذه المساعدات يتم تحويلها لتباع في اسواق الجزائر، موريتانياومالي. وأوضح مكتب مكافحة الغش، في تقريره، أنه "من بين الأسباب التي جعلت هذه الاختلاسات ممكنة هي المبالغة في أعداد اللاجئين وبالتالي في المساعدات المقدمة"، مشيرا إلى أنه "لا الجزائر ولا جبهة البوليساريو وافقا على إجراء إحصاء لعدد سكان المخيمات ". ورغم أن التقرير أعد منذ حوالي ثماني سنوات وأشار بالأدلة الملموسة كيف يتم اختلاس المساعدات الأوروبية الموجهة لساكنة تندوف لتنتهي في جيوب قادة الانفصاليين والمسؤولين الجزائريين، إلا أنه ظل حبيس الرفوف ولم يسمح إلا لأفراد قليلين بالاطلاع عليه، كما أن التوصيات التي تقدم بها لوضع حد لعملية الاختلاس هذه ظلت حبرا على ورق، إلى أن تم كشفه في دجنبر الماضي وهو ما أثار ذهول العديد من المراقبين وجعل وسائل إعلام عديدة في الدول الأوروبية تسلط الضوء على ما اعتبرته واحدة من أكبر عمليات الغش التي وقع الاتحاد الأوروبي ضحية لها. ويغطي التقرير الفترة الممتدة من 2003 إلى 2007، حيث تم التحقق من تحويل المساعدات المقدمة إلى ساكنة تندوف إلى أسواق في الجزائر، ماليوموريتانيا. التحقيق الذي قام به المكتب الأوروبي لمكافحة الغش انطلق سنة 2003 عندما اكتشف مسؤول بالاتحاد الأوروبي صدفة في أحد أسواق مالي حيث كان يقضي عطلته، أكياسا تباع للعامة تحمل علامة الوكالة الأوروبية للمساعدات الإنسانية ويضم كل واحد منها 25 كيلوغراما من الحليب المجفف. ويقول التقرير إن الذي سهل عمليات الاختلاس هذه، تقديم الاتحاد الأوروبي لمساعدات غذائية لفائدة 155 ألف لاجئ على مدى سنوات، وهو رقم قدمته الجزائر ولا يستند إلى أي إحصاء حيث لم تسمح الجزائر لحد الآن للمفوضية السامية للاجئين بإحصاء ساكنة المخيمات، رغم النداءات المتكررة آخرها القرار الأخير لمجلس الأمن الذي دعا إلى إحصاء ساكنة المخيمات. ومع بدء التحقيق كلف الاتحاد الاوروبي مركزا الأبحاث بالتأكد عن طريق الأقمار الصناعية من العدد الحقيقي للمحتجزين الذي حدد إبانها ب 91 ألف شخص، وهو ما يعني أن الاتحاد الأوروبي ظل يقدم مساعدات ل64 ألف شخص غير موجودين على أرض الواقع. ومن بين أساليب الغش التي كشفها التقرير، إقدام المسؤولين الجزائريين وقيادة البوليساريو على إفراغ أكياس المواد الغذائية القادمة من أوربا وتعويضها بمواد غذائية محلية أقل جودة. وعلى إثر هذا التقرير، دعا البرلمان الأوروبي، في اجتماع عقده نهاية الشهر الماضي بستراسبورغ، إلى إعادة النظر في قيمة المساعدات الإنسانية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لمخيمات تندوف ومواءمتها مع الحاجيات الحقيقية بهذه المخيمات، وكذا إحصاء ساكنتها . قرار البرلمان الأوربي طالب كذلك المفوضية الأوروبية بتقديم توضيحات بخصوص التدابير المتخذة في إطار التفاعل مع خلاصات تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش ، مشددا على ضرورة أن تحرص على عدم ولوج المسؤولين الجزائريين ومسؤولي البوليساريو إلى المساعدات التي يمولها دافعو الضرائب الأوروبيون". وأعرب البرلمان الأوربي كذلك عن قلقه من عدم إجراء إحصاء لساكنة مخيمات تندوف "خلال مدة طويلة"، مؤكدا أن الأمر يتعلق ب"وضعية غير عادية وفريدة في سجل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ورغم كل هذه الأدلة والنداءات تواصل البوليساريو والجزائر نهج نفس السياسة، سياسة التضليل والتدليس وإخفاء الحقائق، والمتاجرة بمعاناة المحتجزين الذين يدفعون ثمن جشع ولامبالاة قادة الانفصاليين وعرابيهم الجزائريين.