أصبح من ثوابت الخروج الإعلامي لأعضاء الحكومة، ومنهم قادة حزبيون، زرع الإلتباس في أذهان المواطنين والمتتبعين، بشأن قضايا أصبحت من صميم البديهيات في العمل السياسي. وقد ألفنا، عودة لازمتين اثنتين في حديث الأغلبية، في الآونة الأخيرة، تتعلق الأولى بوجود من يسعى إلى تعطيل إجراء الانتخابات المقبلة في موعدها. والثانية بوجود نية أو مخطط لإسقاط الحكومة. وحقيقة الأمر أن هذا السلوك الحكومي المكرور واللامسؤول، يهدف ، من وراء نسب السياسة إلى المجهول، تحميل الشركاء السياسيين، من معارضة أو غيرها، مسؤولية ليست مسؤوليتهم، وبدون تقديم حقائق تزكي ما يذهبون إليه. وذلك للأسباب التالية: بخصوص الزعم بتعطيل موعد الانتخابات ، يعرف الرأي العام أن الحكومة هي المتحكمة، زمنيا وسياسيا في تدبير الاستحقاق الانتخابي، كيفما كان نوعه، وهي تملك الاغلبية العددية لذلك. ثم الحكومة، كما هو معروف في حكم الثقافة الديموقراطية، مسؤولة عن أي تأخير قد يقع ولا يمكنها أن تتهرب منه، سواء كان الهروب بشكل جماعي أو كان فرديا. ثانيا، لم يعلن أي طرف سياسي في البلاد عن رغبة تبني عليها الحكومة خطابها المهزوز وغير المستند إلى أي وقائع ملموسة ، بالتالي فالحكومة تؤثث خطابها بالنوايا والافتراضات في سعي واضح إلى تعميم الخلط. وبخصوص إسقاط الحكومة، نجد أنه يدخل في تركيبة التواصل السياسي المزعوم للحكومة مع الرأي العام بزرع الشك والتشكيك في انتظامية الحياة السياسية المغربية. والأنكى من ذلك أن الحكومة عندما تغذي النزعة التشكيكية في الفضاء السياسي، فهي تعاكس المجرى الطبيعي للحياة الدستورية للبلاد. ذلك لأن الوثيقة الأسمى في البلاد اندرجت في مشروع كبير واستراتيجي يرمي إلى خلق سلاسة في العمل المؤسساتي، يحتكم إلى صناديق الاقتراع، بعيدا عن أي تجارة لمخاوف الديموقراطيين والمناضلين الذين دافعوا باستماتة عن المنهجية الديموقراطية، عندما سكت عنها الجميع كما يشهد التاريخ القريب على ذلك. لقد سبق لرئيس الحكومة أن ركب على الموجة التي أعقبت الارتباك الذي عرفته موجات التغيير في العالم العربي، وشمال إفريقيا بالخصوص، واستصرخ الإخوان والرفاق «إنذارا» بما يحاك في «ذهنه »من أجل إسقاط الحكومة. وتبين ، بعد وقائع الحياة الوطنية، أن ذلك كان «فوبيا» أو رهابا إيديولوجيا أكثر منه حقيقة سياسية في البلاد، التي دخلت المجرى الطبيعي للتداول السياسي منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، وقطعت مع نزعات العمليات الارتدادية في تغيير نتائج الاقتراع. ولم نكن ندري قبل اليوم أن فوبيا السقوط، يمكنها أن تكون معدية في الخطاب والسلوك داخل الحكومة. ومن الطبيعي أن الديموقراطيين الحقيقيين سيستغربون عودة البكائية السياسية من جديد ونحن على أبواب مرحلة سياسية جديدة، باقتراعات جديدة سيحكم فيها المواطنون على السياسات العمومية وعلى التحالفات وعلى المسؤولية في الأوضاع الحالية ، ومنها أوضاع تعطيل الدستور ومضامينه التي تحمي لوحدها الديموقراطية في البلاد. من حق المغاربة أن يطالبوا الحكومة ب»المعقول» ويطرحون عليها السؤال الفعلي: من بمقدوره أن يسقط الحكومة؟ ومن حق القوى الديموقراطية في البلاد أن تذكر، من باب تقديم عناصر تساعد على الجواب، بالمسلمات التالية: إن الحكومة - أولا وأخيرا- هي المسؤولة عن انسجام أغلبيتها، وإقناعها بالاستمرار في الميثاق الذي دبجته وتعاهدت عليه، وبالتالي فهي التي تملك، إن أرادت ذلك، قدرة إسقاط نفسها بنفسها، ثم إن "إسقاط" الحكومات، في كل دساتير العالم ومنها دستور المملكة تخضع لمقتضيات منصوص عليها ، وهي معروفة، وتتطلب الشجاعة السياسية أن تعلنها الأغلبية إن إرادت إخبار الرأي العام بما تراه من استهداف لها!