ووجه مشروع القانون الجنائي بمعارضة شديدة من قبل العديد من الجمعيات والمنظمات والفعاليات المدنية. وفي هذا الإطار عمم مجموعة من النشطاء المغاربة عريضة مفتوحة، تحمل توقيعات كتاب وجمعويين وصحفيين، وفاعلين سياسيين، ونشطاء مستقلين، تعبر عن رفضهم التام للمشروع الذي عرضته وزارة العدل والحريات، مطالبين بضرورة إعادة النظر فيه بشكل جذري. واعتبرت العريضة أن هذا المشروع يحمل في أحشائه مقتضيات غارقة في الماضوية وغير ملائمة للمجتمع المغربي الحالي، وللظرفية التي تم إخراجه فيها خصوصا بعد التطور الذي أتت به مطالب 20 فبراير 2011 وما تلاها من مقتضيات دستورية وقانونية ومؤسساتية، بالإضافة إلى أنه يشكل حلقة أخرى من حلقات الالتفاف على المطالب المشروعة للشعب المغربي، ومحاولة لتكميم أفواه المنادين بالمزيد من الديمقراطية واحترام حقوق الانسان في وطننا. ومن الملاحظات التي ارتكز الموقعون عليها للتعبير عن رفضهم لمشروع مصطفى الرميد، احتفاظه بعقوبة الإعدام رغم انخفاض عدد الجرائم المعاقبة بها من 33 الى 11 عقوبة، بالإضافة إلى أنه يجرم الإجهاض رغم النقاش الجاري مجتمعيا ومؤسساتيا والذي ينحو إلى تقنينه. كما عاب الموقعون على المشروع تضمينه مواد سالبة للحرية سبق أن جاءت بها "المدونة الرقمية" سيئة الذكر، والتي تم سحبها تحت ضغط نشطاء المجتمع الرقمي والمدني. واعتبرت العريضة أن الدستور المغربي يضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية، بينما يجرم مشروع القانون الإفطار العلني لمن "يعرف عنه الإسلام"، ويشدد العقوبة مقارنة بالقانون السابق، واحتفظ بالعقوبات بخصوص مفاهيم فضفاضة كزعزعة عقيدة مسلم ? التبشير... وفي مجال الحريات الفردية والجماعية، ذكرت العريضة أن المشروع جاء بعدة تعابير مبهمة (الأمن الداخلي للدولة، زعزعة الولاء للدولة، ازدراء الأديان، الإساءة إلى الله،...) يمكن تفسيرها بشكل مطاطي بغاية الحد من الحريات العامة والفردية (كحرية التعبير وحرية المعتقد)، والتضييق على المواطنين وأنشطة الجمعيات. واعتبر الموقعون أن المسودة تشرع لعذر تخفيض العقوبة في "جرائم الشرف" في استيراد فظ لتشريعات دول متخلفة حقوقيا وقانونيا، مؤكدين على ضرورة مواجهة هذا النوع من الجرائم بطريقة صارمة. وخلص الموقعون إلى ضرورة إعادة النظر في مشروع القانون الجنائي بشكل جذري، معلنين تشكيل فريق عمل من أجل صياغة مشروع بديل. مشروع القانون الجنائي شكل أيضا موضوع نقاش متواصل على صفحات التواصل الاجتماعي. وفي هذا الإطار أنشأ معارضون للمشروع صفحة على موقع فيسبوك باسم "القانون الجنائي لن يمر"، وحصدت إلى حدود أمس على أزيد من سبعة آلاف معجب بعد مرور أيام قليلة على إنشائها. وتهدف هذه الخطوة إلى التصدي لمشروع مصطفى الرميد، حيث تشهد الصفحة نقاشا على مدار الساعة لمواد المشروع التي تنتهك الحريات الفردية والجماعية، وتشكل تراجعا عما راكمه المغرب من مكتسبات بفضل المعارك النضالية التي خاضتها القوى الحية. من جهته أصدر مركز الحريات والحقوق بيانا، اعتبر فيه أن مشروع الرميد يرسخ لدولة التحكم والتسلط والاستبداد، بالإضافة إلى أنه مخيب للآمال ومعاد لحقوق الإنسان. وعبر المركز عن رفضه لما تضمنته المسودة من استمرار العمل بعقوبة الإعدام رغم لا إنسانيتها ولا أخلاقيتها، وعدم جدواها في محاربة الجريمة والإرهاب، وتعارضها مع الدستور الذي نص على أن الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان، والذي يجب على القانون حمايته. كما عبر المركز عن رفضه التكريس لما ذهبت إليه المسودة في تغليب إرادة السلطة والتسلط على إرادة الحقوق والحريات، وذلك بالتضييق على حرية الرأي والتعبير وحرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية وباقي الحريات الفردية، من خلال مواد تعود بالمغرب إلى زمن محاكم التفتيش، ولن تفيد المغرب في شيء سوى في التأسيس لمجتمع النفاق والخوف والرياء، الذي يستحيل معه أي حلم بالتقدم والنماء. وطالب المركز بأن تكون الندوة الوطنية التي أعلنت وزارة العدل والحريات عن تنظيمها يوم الاثنين 20 أبريل 2015، فرصة لتدارك ما فات، من أجل إدخال التعديلات اللازمة على المسودة، للوصول في آخر المطاف إلى قانون جنائي يحترم حقوق الإنسان، ويجعل من الحريات، بكافة أنواعها، خطوطا حمراء يستحيل المساس بها.