استضافت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء يوم الأربعاء فاتح أبريل الجاري الباحث الأنتروبولوجي المغربي عبد الله حمودي لتقديم محاضرة في موضوع " الهوية الامازيغية والهوية العروبية". وقد قدم وأدار الجلسة كل من عميد الكلية السيد عبد القادر كونكاي والأستاذ عبد المجيد جحفة عن مختبر "الأدب والترجمة" بنفس الكلية. في البداية قدم المحاضر منهجية وموضوع المحاضرة مؤكدا أن لا علوم إنسانية بدون أفق خاص، أي الأفق الذي تتكوّن فيه الأسئلة لا الأجوبة. لذلك فالأفق الذي يشتغل داخله هو منهجية وإبيستيمولوجية تتعلق بمصير المغرب والمنطقة المغاربية والمشرقية بصفة عامة. وأضاف أن مشكلته كأنتروبولوجي هي صياغة العلوم الإنسانية في أفق تساؤلات المجتمع الذي ينتمي إليه. وهذا لا ينفي الموضوعية، التي هي ليست نفيا للذاتية، فالحياد العلمي ليس من خاصيات البشر. وأضاف أن المهم في كل ذلك هو الاعتراف والتفكير في تلك الموضوعات وفي المنهجيات التي ينبغي التسلح بها. وعن موضوع المحاضرة قال الأستاذ حمودي مخاطبا الحاضرين إنه يطلب منهم مناقشة الهوية الأمازيغية والهوية العروبية ببرودة ودون تشنج. وأضاف إن البرودة لا تعني النفاق. وانطلق في توسيع النظر في معنى الهوية. فما يقوله عن الهوية الأمازيغية لا ينطبق على الهوية العروبية. وهذا ليس إلا ورشا ينبغي استحضار نقيضه في خطابات متشنجة عند البعض. فالهوية الأمازيغية ما هي إلا ورش لوضع الأسئلة بالنسبة إلى الهوية العروبية. ثم ركز على نقطة ثانية لخصها في التفكير في المغرب الكبير، مادامت القضية تطرح نفسها بإلحاح في الحاضر والمستقبل. إننا نعيش اليوم زمن الهويات على مستوى القارة بأجمعها. فلا وجود في المجتمع الدولي لتساكن للهويات. بل هناك تطاحن. وأعطى المحاضر أمثلة بلبوسنة والهرسك، وبالشعب الفلسطيني الذي يقف ضد الماكنة الإسرائيلية التي تريد طمس هويته. إضافة إلى الاحتدام الموجود بسبب الأديان والانتماءات والإثنيات. وهذا الاحتدام يكون بوسائل شتى: ثقافية، دينية، لغوية أو مادية تتمثل في الأسلحة والإقتصاد هو أفتك الأسلحة. إن هذه التطاحنات والاحتدامات، يضيف حمودي، ليست شيئا جديدا. ومن يتأمل في تاريخ المغرب يستحضر الكيان العثماني. وهذه الثورات والحروب لا تخص الكيانات الإسلامية وحدها، فتاريخ أوربا حافل بتلك الظواهر. إذن ما هو الجديد في وضعنا الراهن؟ وكيف نستعين بتحديد جديد انطلاقا من أفق جديد؟ عن السؤالين قد الأستاذ حمودي ثلاثة أجوبة، أما الأول فيخص التحول الجذري الذي جسدته الهزة الاستعمارية. هذا التحول همّ العالم بأسره، خاصة في العالم الثالث، ومن مخلفات هذه الهزة أنها غيرت تلك المجتمعات جذريا، كما غيرت التوازنات التي كانت تحكم من قبل، إذ تغيرت المعايير بدورها. فكل مجموعة دخلت مرحلة السعي إلى تثبيت حقوقها أو كسب حقوق جديدة. والجواب الثاني هو أن هناك ديناميات رهيبة تنامت في قلب الكيان الوطني ما بعد الكولونيالي نفسه، الذي تكرس حول مفهوم الوطنية. وقد حاول الوطنيون بسط هذه الرؤية كالآتي: جدلية الوطنية والهويات المتجددة. أما الجواب الثالث فلخصه في مفهوم العولمة التي هي من أقوى الهزات التي اخترقت حدود الأوطان والدول. فتواجد عدد من البشر على رقعة واحدة أمر مثير وصعب. وهذه المجموعات الجديدة لا تفلح الدول الوطنية في خلق مناخ مناسب لتساكنها، وهنا يحدث الاحتدام الهوياتي. وحتى أوربا، يقول الأستاذ المحاضر، لا تعرف كيف تسيّر التمازج والتجاور. لكن ما هو ظاهر عندنا هو أن الدولة الوطنية الجديدة أسست ثم سيّرت على أسس أحادية، خاصة في التعليم، فأهملت لغات وثقافات متساكنة. والهوية الأمازيغية تندرج في هذا الإطار. هذا إضافة إلى ما سماه حمودي عولمة منظومة القوانين الدولية، التي بدأت تخترق التراب الوطني وتتصرف في مشكل التساكن. إن هذه الهويات لها مساندة دولية، ويمكنها تأسيس وداديات تتجاوز الدولة الوطنية. وفي مسألة تنافس الهويات هذا قال الأستاذ المحاضر إن على النخبة التفكير فيها للخروج من المأزق، لأن مسألة الهوية مرتبطة بالتنمية والديموقراطية، للوقوف في وجه الأطماع الخارجية. ثم أضاف الأستاذ حمودي إن الهوية هي شعور بوجود خاص، وتتكون عليه ترقبات وأهداف والتزامات ولزامات. لذلك فالهوية هي من صميم الفلسفة. غير أنها تتجاوز وتتعدى تلك النظم والمنظومات الأخلاقية والثقافية التي تربط بين الناس. إن الهوية تتطور وهي عبارة عن سيرورة تاريخية وذاكرة. فلن تكون أي هوية هوية حية إلا إذا كانت حية، بمعنى الاختلاف الداخلي. وهذا من صميم الهوية حتى لا تموت وتتحجر. وتحدث الأستاذ حمودي عن مفهوم الاستبدال الذي هو درجات تبدأ بالاستبدال التدريجي تتطور فيه هوية الناس بكيفية تدريجية. ثم هانك الاستبدال غير التدريجي وأعطى كمثال عنه الهوية الدينية، فالناس غيروا دينهم من الجاهلية إلى الإسلام. وهو تغيير جذري في هويتهم. إن استبدال الهوية هو كسلخ الجلد عن الجسد، لكن رغم ذلك الهوية يمكن أن تتبدل. ثم انتقل إلى تنافس الهويات السلبي، وهذا ما يكبل اليوم المنطقة بكاملها. ومن دلالات الهوية أسماء الأشخاص والشعوب والأمكنة، لأن الاسم هو عربون الهوية. الاسم ليس شيئا بسيطا، إنه ترتيبات جغرافية. فتسمية الأشخاص تدل على السلالة. فعبد الله ومحمد اسمان يشيران إلى بدايات الإسلام. ومعاوية والزبير ترجع جذورهما إلى ما قبل الإسلام. إن تسمية الأشخاص ترجع إلى هوية المسمى وهوية المُسمّي. الاسم إرث موضوعي، والأسماء تعيش في حركة سرمدية. وأشار إلى خطأ ارتكبه أعضاء البرلمان المغربي في الماضي حين صوتوا على على تقنين الاسماء، وبذلك تم التضييق على الأسماء الأمازيغية. ولحسن الحظ أن المغرب تدارك ذلك، لكن ما زال بعض الموظفين يرفضون بعض الأسماء الأمازيغية. في السم ينبغي التمييز بين الهوية الممنوحة والهوية المتطورة مع العمر. اسم إبراهيم يرجع إلى سلالة ما قبل الإسلام فتبناه الإسلام وأعطاه هوية جديدة. لكن تفاعل الشخص مع هذا الاسم مع مرور السنين يتغير، إذ يبدأ في التطلع إلى أن يصبح مثل النبي إبراهيم. السم، إذن، يضيف حمودي، سياسة لتدبير الموروث، مادامت تدخل في حلقات المجموعات. وفي مسألة تسمية الشعوب، قال حمودي إنه من الصعب الوقوف عند من سمّى من؟ فمن سماهم الأمازيغ؟ وما معنى أمازيغ؟ معنى لفظة أمازيغ ليس فقط " ّإنسان حر"، بل كان يقابلها اسم "حراطين". وأضاف أننا لا نعثر على أبحاث تتذكر تلك الحمولات السياسية والتاريخية لكلمة "أمازيغ"، هذا ما هو موجود في القاموس الشفوي. لكن إذا أردنا التلخيص ف"أمازيغ" تعني "أسياد متحكمون" في غياب الدولة. وهذا ما يطبع التراتبية الاجتماعية في الواحات والقرى. ف"أمازيغ" اقترنت بالأنا والآخر. فهو ليس حرا فقط، بل هو حر مقابل "الحرطاني" (الأسود). واستدل حمودي بما كتبه الباحث الأمازيغي محمد شفيق الذي يدخل السم للدلالة على مجموعة من الجماعات التي دخلت المغرب في أزمنة سحيقة. كما تدل على التقشف والإباء والشجاعة والنبل. هذا كلام منشور من قبل مؤسسة وطنية. لكن، يسجل المحاضر، لا نجد في كلمة "أمازيغ" دلالة على السيادة أو الغزو أو الحرب. إن اختزال التعريف شيء يهمش الواقع، ويهمش الهوية المرتبطة بالآخر: الأسود، اليهودي... والنبل يفتخر به حتى العروبي منذ البدايات. إن الأمازيغية تبرز في تناقض تام مع العروبية. يرتبط بذلك تسمية الأماكن في حكاية الأصل. فأنت إذا لم تكن من الأصل ليس لك الحق في الماء أو السيادة. فيكون توظيف الّأصل في التداخلات والمناقشات والحروب. حكاية الأصل هي حكاية سياسية. في حكاية الأصل نقرأ أن أصل المغاربة أمازيغ. ويذهب أحمد بوكوس إلى أن تمازيغت هي التي تبني الشعور المغربي في أصله. لكنه لا يميز بين تلك البنية الشعورية، وبين ما يشعر به المغاربة اليوم. هذا فيه نظر. فلا يمكن باسم الموضوعي إسقاط شعورك على الناس. إلا إذا كان الأمر في السياسة. فإذا تم الإقرار بأن المغاربة أمازيغ فإن العروبة استعمار. إن الأصل الأمازيغي معروف لقد وجدوا في المغرب قبل العرب، لكن قبل الأمازيغ كانت أقوام أخرى انقرضت. وأضاف إنه في نظرية الأصل لابد أن يرتبط السابق باللاحق، ليصبح اللاحق هو الأصل الامعاش اليوم. وبذلك فالمغاربة اليوم يشكلون اللاحق، أي أصلا جديدا. فالأصل لا يقوم إلا باللاحق زمنيا. والأصل الحقيقي هو التمازج وانسجام السابق مع اللاحق. كيف إذن نواجه مشكلة الهوية؟ نواجهها بالتمازج الذي هو الأصل القوي، هو التاريخ. لأن فكرة نقاء النوع هو شعار نازي يؤدي إلى المحرقة.