بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    كيوسك السبت | أول دواء جنيس مغربي من القنب الهندي لتعزيز السيادة الصحية    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هو سر إصرار العروبيين على إلصاق النزعة العرقية بالهوية الأمازيغية؟
نشر في هسبريس يوم 29 - 08 - 2013

أولا يجب أن أوضح من أقصدهم بالعروبيين المغاربة. العروبيون المغاربة هم من يحملون أيديولوجية تقول إن المغرب عربي. وعادة ما يبررون "عروبة المغرب" بمبرر عرقي (الهجرات و"النسب الشريف") أو لغوي (وجود اللغتين الدارجة والعربية) أو بمبرر ديني يختصرونه في عبارة "المغاربة أمازيغ عربهم الإسلام".
ويؤمن "العروبيون المغاربة" بإحدى المعتقدات التالية:
- "المغرب كان أمازيغيا ثم أصبح عربيا"
- "المغرب كان أمازيغيا، ثم أصبح عربيا وإسلاميا وأندلسيا وأمازيغيا..."
- "المغرب لم تكن له هوية أبدا، ثم أصبح عربيا وإسلاميا وأندلسيا وأمازيغيا..."
- "المغرب لم تكن له هوية أبدا، ثم جاء العرب والإسلام فأصبح عربيا"
- "المغرب عربي منذ الأزل"
يجب التنبيه إلى أن المغربي الذي يعتبر نفسه عربيا، أو غير ذلك، على المستوى الشخصي أو العائلي (لأي سبب من الأسباب) أو ينفر من الأمازيغية ولا يستسيغها مثلا، ليس موضوعا لهذا المقال. هذا المقال لا يناقش قناعات الناس حول أنفسهم وميولاتهم النفسية والثقافية كأفراد أحرار، وإنما يناقش الأفكار حول المجتمع وهويته وتاريخه وجغرافيته.
"كل أرض يطأها عرب تصبح عربية" منطق استعماري واضح
يصر العروبيون المغاربة دائما على إلصاق "النزعة العرقية" بمفهوم الهوية الأمازيغية بنفس الطريقة التي يربطون بها العرقية العربية بالهوية العربية. ويؤمن كثير من العروبيين إيمانا راسخا بأن كل أرض (حتى لو كانت مملوكة لشعب ما) يطأها ويدخلها عرب فإنها تصبح أرضا عربية تضاف إلى الأرض الأصلية للعرب في شبه الجزيرة العربية. ويؤمن كثير من العروبيين أيضا بأن أبناء وأحفاد العرب المهاجرين إلى أراض ومجتمعات أخرى ذات هويات أخرى سيبقون عربا إلى الأبد (عن طريق الجد الأعلى والنسب الأول) بل وسيغيرون هوية الأرض والمجتمع اللذين هاجروا إليهما وذلك عن طريق النسب العربي دون مراعاة التاريخ الأصلي للأرض الجديدة والمجتمع الجديد، وكأن تاريخ تلك الأرض وذلك المجتمع يبدأ بلحظة دخول العرب إليهما. أما التاريخ السابق لوصول تلك الجماعة من العرب فهو ظلام وجاهلية وفراغ، حسب المنطق العروبي!
نحن نعلم أن منطق "كل أرض يطأها عرب تصبح أرضا عربية من الآن فصاعدا" هو منطق استعماري توسعي منسوج على منوال منطق طبقه المستعمرون الرومان والبريطانيون والإسبان والفرنسيون والإيطاليون والألمان وغيرهم.
قبل أن نجيب على السؤال المطروح في عنوان المقال يجب أن ننبه إلى حقيقة مهمة وهي أن خصوم الأمازيغية، ومعظمهم من العروبيين، ينكرون وجود شيء اسمه "الهوية الأمازيغية". فهم يحرصون دائما على طمس هذا المفهوم المزعج وحشره تحت "الهوية المغربية" أو "الهوية الوطنية" أو "الهوية الإسلامية" أو "الهوية العربية". ويريدون للأمازيغية أن تكون فقط جزءا عرقيا من تلك "الهويات". وكثيرا ما يختمون "بياناتهم" بعبارات "التمازج" و"الإختلاط" و"التزاوج"...إلخ إمعانا في الطمس والتمييع والتضبيب وصرف الإنتباه والإيحاء بأن الهوية الأمازيغية ليست سوى نزعة عرقية عنصرية.
الأمازيغ ينتسبون إلى أرضهم وليس إلى عرقهم
من المهم جدا أن نبين أن الهوية الأمازيغية ليست مبنية على العرق. وحتى لو كانت هناك نزعات قبلية عرقية أمازيغية في التاريخ السحيق فلا يوجد دليل على ذلك ولا أهمية لها اليوم إن وجدت. فالهوية العرقية نزعة عنصرية مرفوضة حتى لو آمن بها بعض الأمازيغ القدامى أو الحديثين. والنزعة العرقية الوحيدة المعروفة لدينا حول الأمازيغ هي تبني بعض زعماء القبائل الأمازيغية لنسب عربي "شريف" مزيف للوصول إلى السلطة بعد أن فطنوا لخدعة "النسب الشريف" التي استخدمها دهاة العرب لنفس الغرض السياسي.
ورغم أن بعض الدول والقبائل الأمازيغية القديمة قامت بغزو واستعباد شعوب أخرى، كالإثيوبيين الذين استعبدهم الأمازيغ الجرمنتيون في ليبيا، والأوروبيين الذين كان يختطفهم القراصنة الأمازيغ في البحر المتوسط ويبيعونهم في أسواق مدن السواحل الأمازيغية، وسكان السنغال ومالي الذين استعبدهم السعديون والعلويون (جيش عبيد البخاري)، فإن تلك الأعمال والجرائم العرقية أو "شبه العرقية" تدخل في إطار حروب اقتصادية وسياسية قديمة قامت بها كل الدول والإمبراطوريات والعصابات القديمة والحديثة في العالم.
الشعب الأمازيغي متعدد عرقيا منذ آلاف السنين ما بين الشقر والسمر والبيض والسود. وكل هؤلاء السمر والشقر والسود والبيض في الشمال وأقصى الجنوب اعتبروا أنفسهم أمازيغيين ومازالوا. وعشرات المؤرخين الإغريق القدامى مثل Herodotus وHecataeus والكتاب والمؤرخين الرومان مثل Claudius Claudianus وAmmianus Marcellinus شهدوا على ذلك حينما كتبوا بأن سكان ليبيا (أي: شمال أفريقيا) كانوا يسمون أنفسهم ب Mazices / Maxyes / Mazikes / Mazyes / Mazages وهذه الكلمات هي تكييف إغريقي / لاتيني لكلمة Maziɣ (مازيغ).
التعدد العرقي الأمازيغي ليس بالشيء الجديد الذي جاء مع الرومان أو اليهود أو الأمويين أو عرب بني هلال أو الأندلسيين، وإنما هو قديم قدم الشعب الأمازيغي الذي سكن السواحل والسهول والصحارى. الهوية الأمازيغية الوطنية تتحدد بالزمان والمكان - أي بالتاريخ الأمازيغي والجغرافيا (الأرض) الأمازيغية. كما أن "النسب الشريف" و"الدم النبيل" أشياء لا وجود لها لدى الشعب الأمازيغي عبر التاريخ حسب المعلومات المتوفرة. بل إن معظم القبائل الأمازيغية كانت دائما تحمل أسماء منسوبة إلى المناطق التي تعيش فيها Ayt Adrar (بنو الجبل)، Ayt Azaɣar (بنو السهل)، iẓnagen (الصنهاجيون - بنو الخيام، أو بنو الواحات) حيث Aẓnig هي "الواحة" بالأمازيغية. وهناك At nnej (بنو الأعلى، أولاد المرتفعات)، وAt Wadday (بنو الأسفل، أولاد المنخفضات).
وبعض القبائل تنسب نفسها إلى نشاطها الإقتصادي الأساسي كالرعي لدى Ayt Buwulli أو Ayt Wulli (بنو أهل الشياه) التي ترجمت إلى "الشاوية"، حيث ulli تعني بالأمازيغية "الشياه" (جمع "الشاة"). وهناك مثلا قبيلة في فيگيگ استعملت كلمة عربية في اسمها الأمازيغي: At Lemɛiz (بنو أهل الماعز). وهناك أيضا قبيلة igdalen (گدالة / جدالة) المشهورة التي ينحدر منها المرابطون، واسمها جاء على الأرجح من كلمة Agdal الأمازيغية ومعناها "المرعى المحروس" أو "المنطقة الممنوعة (على الأغراب)". وهناك مدينة Azemmur ومنطقة Zemmur وقبائل izemmuren (الزمامرة)، حيث كلمة Azemmur الأمازيغية تعني "الزيتون".
كما أن قبائل دكالة الأمازيغية جاء اسمها من idukalen وهم المنسوبون إلى "الأرض الواطئة" (أي "السهول") حيث adu تعني "تحت" وakal تعني "الأرض" أو "التراب". إذن تشكلت الكلمة الأمازيغية Adukal لتعني "السهل / الأرض الواطئة" وهو ما ينطبق بالفعل على سهل دكالة المعروف. وعلى أساسه اتخذت قبائل تلك المنطقة اسم idukalen بالأمازيغية الذي تم تعريبه إلى "دكالة" بنفس طريقة تعريب imeɣrawen إلى "مغراوة"، inefzawen إلى "نفزاوة"، iznaten إلى "زناتة"، imeṣmoden إلى "مصمودة"، iẓnagen إلى "زناگة" أو "صنهاجة"، ihewwaren إلى "هوارة"، iktamen إلى "كتامة"، ikebdanen إلى "كبدانة"، imeknasen إلى "مكناسة"...واللائحة طويلة عريضة.
إذن فالإنتساب إلى الأرض (وليس العرق أو الدين) هو معيار هوياتي أمازيغي أصيل وعريق حدد هوية القبيلة الأمازيغية منذ آلاف السنين، حيث كانت القبيلة آنذاك بمثابة الإقليم أو الدولة أو المجتمع اليوم. أما الإنتساب إلى "جد أعلى" أو "نبي" أو "قديس" فهي عادة غير موجودة لدى القبائل الأمازيغية التاريخية حسب ما توفر لنا من معلومات. وحتى لو افترضنا أن قبيلة أمازيغية معينة كان لها جد أكبر (أو جدة كبرى) حملت اسمه فإن سكان القبائل الأمازيغية لا يكترثون بتعظيم وتقديس نسبه وسلالته. ولا نجد لدى القبائل الأمازيغية أية مؤشرات ثقافية أو فنية أو دينية أو رمزية تشير إلى الإفتخار بالدم أو العرق أو النسب أو السلالة. وإنما الإفتخار يكون بالأرض وبمنجزات الإنسان. كما أنه لا نجد أية ميثولوجيات وأساطير أمازيغية تشير إلى الهجرة من مكان معين، رغم أن الأمازيغ ينطبق عليهم ما ينطبق على الشعوب الأخرى من هجرة واختلاط وغير ذلك. إذن فسواء كانت هناك هجرات واختلاطات عرقية أو لم تكن فالأمازيغ لا يعيرونها أي اهتمام.
إن نفي أهمية العرق في تحديد هوية الوطن والمجتمع لا يعني إلغاء أهمية الإنسان وإنما يعني إبعاد التقسيم العرقي العنصري الغبي بين البشر وإلغاء عقدة تمجيد أو تحقير الأجنبي أو المحلي، ويعني التأكيد على اعتبار الإنسان إنسانا ينتمي إلى أرضه ومجتمعه مهما كان لونه أو شكله أو أصل والديه أو أجداده.
إلغاء أهمية العرق يعني أن المهاجر الوافد يمكن له أن يندمج في أرضه الجديدة ومجتمعه الجديد ويصبح مواطنا أمازيغيا متساويا مع بقية سكان وطنه الجديد. كما أن نفي أهمية العرق يقطع الطريق على الأيديولوجيات الإستعمارية والإستبدادية القديمة الجديدة ويقطع الطريق أيضا على الصراعات العرقية العبثية. فالعرق يقسم ولا يوحد. أما الأرض فتوحد ولا تقسم.
لماذا يرفض العروبيون الإعتراف ب "الهوية الأمازيغية" للمغرب؟
يرفض معظم المثقفين المغاربة العروبيين الإعتراف ب "الهوية الأمازيغية" للمغرب لثلاثة أسباب:
1 - لأن الإعتراف بوجود الهوية الأمازيغية (على أساس تاريخ المغرب وجغرافيته) يفرغ "عروبة المغرب" من محتواها المفترض ويجعلها بلا معنى، لاشرعية، لامنطقية، وفي "وضعية تسلل" كما يقال في كرة القدم. وما نقوله عن بطلان "عروبة المغرب" ينطبق أيضا على "رومانية المغرب" أو "فينيقية المغرب" أو "وندالية المغرب" أو "أندلسية المغرب" أو "فرنسية المغرب"...
2 - لأن الإعتراف بالهوية الأمازيغية التاريخية الجغرافية اللالغوية اللاعرقية للمغرب يعني أتوماتيكيا أن العرق لا مكان له في تحديد تعريف الهوية الوطنية. مفهوم الهوية الأمازيغية التاريخية الجغرافية اللاعرقية يدمر شرعية "التعريف العرقي للهوية" وبالتالي يلغي الأهمية الذاتية المبالغ فيها للأعراق التي عاشت في شمال أفريقيا أو توافدت على شمال أفريقيا (العرق الأمازيغي، العرق الإغريقي، الأفريقي الأسمر، الفينيقي، الروماني، البيزنطي، الجرماني الوندالي، العبري، الشامي السرياني، العربي، التركي، الأندلسي...). كما أن إلغاء مفهوم الهوية المبنية على اللغة يدمر شرعية "التعريف اللغوي للهوية" ويفوت فرصة التفريق بين أبناء الشعب الواحد ذي الهوية الواحدة على أساس لغاتهم ولهجاتهم.
3 - لأن العروبيين يريدون الإحتفاظ بشرعية "التعريف العرقي للهوية" لكونها الطريقة الوحيدة التي تضمن مكانا ومقعدا للعروبة العرقية في هوية المغرب "العرقية المختلطة". وبذلك يتمكنون من الإحتفاظ بانتماءهم العرقي العربي الحقيقي أو المتخيل والنأي عن هوية المغرب الأمازيغية التاريخية الجغرافية الأصلية والترفع عنها وتجنب الإندماج فيها. ويبدو وكأن هذا الإنتماء العرقي العربي مسألة شخصية بالنسبة لكثيرين منهم كما نستشف من كتاباتهم، وكأنهم يحملون قَسَماً مقدسا ورثوه عن أجدادهم (الحقيقيين أو المتخيلين) بأنهم لن يعترفوا بهوية الأهالي (الأمازيغ أصحاب الأرض) وأنهم لن يندمجوا فيها وأنهم لن يدخلوا تحت لوائها.
أما بعض العروبيين الآخرين فيزعمون بأن العروبة مبنية على اللغة العربية ولهجاتها. وهذه محاولة لتعريب هوية كل يتكلم الدارجات أو يكتب بالعربية مثل كاتب هذه السطور مثلا. وحتى الدارجات المغاربية ليست لغات عربية وإنما هي لغات هجينة (خليطة بين الأمازيغية والعربية) ظهرت وتطورت في البلدان الأمازيغية وليس في البلدان العربية. والعروبة اللغوية خدعة مفضوحة طبعا لأن تغير لغة شعب لا يعني تغير هويته أبدا وإنما يعني فقط تغير الأداة / الوسيلة التي يعبر بها عن هويته الثابتة وذاكرته الجماعية الثابتة. فاللغة ليست سوى أداة تعبيرية حاملة للهوية والذاكرة وواصفة لهما. اللغة ليست إلا وعاءا أو كأسا يحمل مضامين وأفكارا معينة. وهكذا يمكن أن تكون لشخصين ناطقين بلغتين مختلفتين هوية وطنية واحدة لأنهما ينتميان لأرض واحدة وشعب واحد متعدد اللغات. فالمغربي الناطق بالدارجة كلغة وحيدة يبقى أمازيغيا لأنه ينتمي إلى الأرض الأمازيغية المغربية. لهذا فليس كل ناطق بالعربية عربيا وليس كل ناطق بالإسبانية إسبانيا وليس كل ناطق بالإنجليزية إنجليزيا. بل إن أغلبية الناطقين بالعربية ليسوا عربا، وأغلبية الناطقين بالإسبانية ليسوا إسبانا، وأغلبية الناطقين بالإنجليزية (كلغة أم) ليسوا إنجليزا.
إذن فأسهل وأرخص وسيلة يستخدمها العروبيون لتجنب الإندماج في الهوية الأمازيغية المغربية هي محاصرة مفهوم "الهوية الأمازيغية" و"تلويثها" عبر الزعم بأنها هوية مبنية على العرق ثم لعنها أمام الملأ وإعلانها "نعرةً عرقيةً يجب التخلص منها". وبهذه الخدعة البسيطة يتمكنون من إظهار كل من يتكلم عن الهوية الأمازيغية للمغرب ولشمال أفريقيا بأنه "عرقي" و"عنصري" يريد أن يرمي "العرب" في البحر أو أن يرسلهم إلى بلاد العرب في آسيا. وهذا هو التكتيك الوحيد الذي ثبت نجاحه في تضليل العامة والسذج وأصحاب النيات الحسنة وتجنيدهم ضد "الهوية الأمازيغية".
ولابد أننا جميعا قد أتيحت لنا الفرصة يوما ما للحديث مع بعض إخواننا المغاربة البسطاء (أو "الشلوح الطيبين") وسمعنا منهم عبارات من قبيل "إيوا حنا گاع مغاربة عرب وشلوح"، "نعلوا الشيطان الفتنة خايبة!"، "المغرب ديال العرب والشلوح"...إلخ. طبعا هذا النوع من "كلام الدراويش" يصدر عن أناس لا يملكون أي وعي حقيقي بكنه وماهية الهوية الأمازيغية ولا يملكون أي وعي بمعنى الإستقلالية والسيادة الهوياتية والحضارية ولا بالتاريخ القديم للمغرب والعالم الأمازيغي. وقلة الوعي هذه ناتجة عن عقود أو قرون من التدجين والترويض الأيديولوجي فضلا عن الأمية المنتشرة كالسرطان. إلا أننا طبعا لا ننكر نيتهم الحسنة ولا نملك إلا أن نحترم حقهم في إبداء رأيهم مهما وجدناه بدائيا أو غير وجيه أو غير منطقي.
يمكن تقسيم طريقة فهم المغاربة لهوية المغرب إلى قِسمين:
- القِسم الأول: يعتبر أن الشعب الأمازيغي جزء من الشعب المغربي. وهذا فهم عرقي للهوية.
- القِسم الثاني: يعتبر أن الشعب المغربي جزء من الشعب الأمازيغي. وهذا فهم لاعرقي للهوية.
لماذا يحرص العروبيون على جعل الأمازيغية "تحت" و"ضمن"؟
يحرص العروبيون حرصا عظيما على جعل "(الهوية) الأمازيغية" دائما جزءا من "الهوية المغربية" والتي بدورها يريدون جعلها جزءا من "الهوية العربية". ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أنه غير مسموح للأمازيغية أن تكون مستقلة بذاتها عن التبعية الأجنبية وغير مسموح لها بأن تكون شاملة لكل المغرب وكل شمال أفريقيا. يريدونها أن تكون دائما "ضمن" و"تحت" و"من بين" و"جزءا من" شيء أكبر منها.
ويندرج ضمن هذا حرصُهم على استخدام عبارة "المناطق الأمازيغية" وكأن المغرب فيه "مناطق عربية" أيضا! والأخرق هو أن بعضا من الناشطين الأمازيغيين الذين يملكون وعيا مضطربا بمفهوم الهوية الأمازيغية يستخدمون هذا المصطلح أيضا ("المناطق الأمازيغية") وهم يقصدون به المناطق التي تتكلم غالبية سكانها اللغة الأمازيغية (عادة يقصدون سوس والأطالس الثلاثة والجنوب الشرقي والريف). وزيادة على كون مفهوم "المناطق الأمازيغية" خاطئا من حيث المبدإ (لأن المغرب في مجموعه أرض أمازيغية)، فإن حتى الحقائق الديموغرافية واللغوية اليوم لم تعد متوافقة مع هذا التقسيم "السياحي التقليدي" المتقادم، لأن أكبر المدن الناطقة بالأمازيغية هي نفسها أكبر المدن المغربية (الدار البيضاء، الرباط، فاس، مراكش، طنجة، وجدة...).
كما أن بعض الحماقات التي تصدر عن بعض الناشطين والكتّاب في ميدان الأمازيغية حول "الهوية اليهودية العبرية" لليهود المغاربة/الأمازيغ الذين ما زالوا يعيشون في المغرب أو يزورونه بانتظام، لا تزيد إلا من إشاعة المفهوم العرقي الديني الأخرق للهوية الوطنية. تخيل نفسك للحظة مغربيا معتنقا لأيديولوجيا "القومية العربية" ومؤمنا ب"عروبة المغرب". حينما تسمع هؤلاء الناشطين وهم يعارضون "عروبة المغرب" و"العروبة العرقية" معارضة شديدة وفي نفس الوقت يحابون "الهوية اليهودية العبرية" لليهود المغاربة/الأمازيغ ويعترفون بها "هوية مستقلة" أو "رافدا من روافد هوية المغرب" فأنت لا تملك إلا أن تتعجب وتستنكر هذا المعيار المزدوج. ف"الهوية العرقية العربية" حرام ولكن "الهوية العرقية اليهودية العبرية" حلال! إنه تناقض وكيل بمكيالين. وهذا النوع من المعايير المزدوجة لن يزيد العروبيين العرقيين إلا إصرارا وتشبثا بذهنية "الهوية العرقية" الفاسدة.
الشيء المؤكد هو أن "الهوية الأمازيغية اللاعرقية اللالغوية اللادينية" تنطبق على اليهود المغاربة/الأمازيغ الذين يدينون باليهودية (أو ينحدرون من عرق عبري) بمثل ما تنطبق به على بقية سكان المغرب. بمعنى: لا توجد "هوية يهودية عبرية" بالمغرب، وإنما توجد ثقافة عبرية يهودية بالمغرب بجانب الثقافات الأخرى الأمازيغية والإسلامية والعربية والأندلسية وحتى الإسبانية والفرنكوفونية. أما حريات العقيدة والتدين واستخدام اللغات فهي حقوق إنسانية تنطبق على الجميع. إذن فاليهود المغاربة هم أمازيغ أولا وأخيرا ما داموا يعيشون على أرض أمازيغية/مغربية.
ومن المهم أن نشير إلى أن إسرائيل لم تكترث يوما بإدماج الهوية الأمازيغية المغربية ك"رافد" من روافد هويتها رغم أن ما لا يقل عن 500000 إسرائيلي ينحدرون من أصل أمازيغي مغربي مباشر! هل عرفتم لماذا؟ لأن إسرائيل لا تعبث بهويتها الوطنية اليهودية العبرية ولن تسمح بتدجينها وخلطها ب"روافد أجنبية".
فهوية إسرائيل تبقى هوية واحدة رغم غلبة الأعراق الأوروبية والروسية والأمازيغية والعربية والفارسية والفلسطينية والشامية والعراقية على أعراق سكان إسرائيل وقلة نسبة العبريين الحقيقيين فيها. إسرائيل تعتبر أن كل من هاجر إليها يصبح إسرائيليا عبريا/يهوديا بمجرد استقراره بإسرائيل. ولا بد أننا قد انتبهنا جميعا إلى الإصرار الإسرائيلي في السنوات الأخيرة على ضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية/عبرية الدولة الإسرائيلية وأرض إسرائيل. فالهوية لديهم جد لا هزل فيه ولن يسمحوا بطمسها وتمييعها مثلما يحاول العروبيون المغاربة فعله بهوية المغرب الأمازيغية.
وفي السعودية/الحجاز يشكل الأفارقة السود المعربون حوالي 10% من السكان وقد هاجروا إلى الحجاز منذ قرون طويلة كتجار أو هُجّروا إليها كعبيد. ومع ذلك لن يقبل العرب في السعودية/الحجاز بإدخال "الرافد الهوياتي الأفريقي" في هوية السعودية العربية الحجازية. فهم يعتبرون (عن حق) بأن كل من هاجر إلى بلاد العرب يصبح عربيا مهما كان عرقه وأنه لا يمكن إقحام هويات أجنبية أو "روافد أجنبية" في الهوية العربية الحجازية.
أما في المغرب فيريد العروبيون أن يندمج المغرب في هويات المهاجرين إليه! بدل أن يندمج المهاجر في هوية المغرب الأمازيغي الذي آواه وأطعمه وسقاه! المغرب أصبح مطالَبا بأن يتغير ويتحور في هويته وذاتيته وكينونته من أجل سواد (أو زرقة) عيون المهاجرين والنازحين واللاجئين إليه حتى لا يغضبوا أو يشعروا بالغربة في المغرب!
استراتيجية العروبيين: عرقنة الهوية الأمازيغية من أجل تقزيمها
القاعدة الذهبية التي يسير عليها "العروبيون العرقيون" المغاربة هي: حذار من السماح لمفهوم الهوية الأمازيغية بأن يكون مستقلا يسمو فوق العرق! يجب دائما أن تتم عرقنة الأمازيغية لتسهيل تقزيمها ودمجها وتدجينها عرقيا مع "الأعراق الأخرى" في مشاريع "الهوية المغربية" و"المغرب العربي" و"العالم العربي" العرقية.
أما إذا تمكن مفهوم "الهوية الأمازيغية التي تسمو فوق العرق واللغة والدين" من الرسوخ في أذهان كل المواطنين فتلك هي الطامة الكبرى بالنسبة للعروبيين لأن الهوية الأمازيغية حينئذ ستكون قد خرجت رسميا عن "السياج العرقي" الوهمي الذي رسموه له مما يعني أتوماتيكيا أن "عروبة المغرب" لا معنى لها أمام هوية أمازيغية تاريخية جغرافية تسمو فوق العرق. وكيف تصبح "عروبة المغرب" بلا معنى خارج "السياج العرقي"؟ لأنه اليوم أصبح مستحيلا على العروبيين أن يزعموا ويثبتوا بأن المغرب أرض تاريخية للشعب العربي.
لهذا السبب يتشبث العروبيون بعرقنة الأمازيغية وعرقنة هوية المغرب (عبر التركيز على الأعراق وجعلها "مكونات" للهوية) وتجاهل الجغرافيا (الأرض) والتاريخ. العِرق هي قشتهم الوحيدة الباقية. يحاولون إنزال الأمازيغية إلى حضيض العرق والعنصرية لكي تتساوى مع الهوية العرقانية العربية التي يتبنونها.
فالعروبيون لا حيلة لهم مع التاريخ (لأن تاريخ المغرب وشعبه وحضارته منذ 5000 عام لا يعجبهم). ولا حيلة لهم مع الجغرافيا لأنه من المستحيل أن يتم "تحريك" أو "اقتلاع" أرض المغرب من أفريقيا وجعلها في آسيا بجانب اليمن أو الحجاز والزعم بأن المغرب "تحرك" أو "هاجر" من آسيا إلى شمال أفريقيا! أي أنه من المستحيل اختلاق واستخراج "نسب جغرافي" عربي يمني أو حجازي لأرض المغرب على غرار اختلاق واستخراج "النسب العرقي" العربي اليمني الخرافي لسكان المغرب!
باختصار: الجغرافيا الأمازيغية عنيدة مستعصية عليهم، والتاريخ الأمازيغي عنيد وقائم وشاهد لم يعد ممكنا تزويره ببضعة خربشات على وريقات صفراء. إذن فالقشة الوحيدة التي بقيت لهم لإنقاذ عروبة المغرب الخرافية هي العرق والهوية العرقية المعرقنة. لهذا يركز العروبيون على العرق ويحرصون على ترديد عبارات "الهوية الأمازيغية نزعة عرقية" و"المغاربة مختلطون عرقيا" و"الهوية المغربية متعددة عرقيا" و"يجب أن نتجنب النعرات العرقية" و"لا يوجد عرق أمازيغي أو عربي صاف 100%" و"حذار من الحرب الأهلية العرقية". استراتيجيتهم اليتيمة الوحيدة هي: العِرق. العِرق. العِرق.
"الأجنبي الأبدي"، من ينسب نفسه وهويته إلى الأجانب هو أول من سيرحب بهيمنتهم
يندرج اختزال الأمازيغية في "مكون" من بين "مكونات الهوية المغربية" ضمن الخطاب العروبي العرقي الذي يقزم الهوية الأمازيغية ويختزلها في نسب قبلي عرقي على غرار النسب العربي القبلي ("الشريف" و"غير الشريف"). إنهم يقولون لنا: "أيها الأمازيغ، أنتم مجرد مكون!"، "أنتم مجرد عرق من بين أعراق المغرب!".
والغرض المباشر من هذا الخطاب العروبي العرقي هو تقزيم الأمازيغية واختزالها في العرق والإثنية من أجل الحفاظ على الهوية العرقية العربية حية. أما الغرض غير المباشر فهو معروف لدى الجميع ويتلخص في حفظ أو تنمية المصالح السياسية والإقتصادية والإقطاعية المعلومة القائمة على الروابط العائلية المعلومة.
كما أن الأيديولوجيات الإثنو- دينية Ethno-religious ideology (التي يتشابك فيها الدين بالعرق) تفسر ذلك في حالة غياب المصلحة المادية.
بعبارة أخرى يريد أصحاب نظرية "الروافد والمكونات" أن يقولوا لنا بأن هوية شعب المغرب لم تكتمل إلا بقدوم الأعراق العبرية والعربية والأندلسية. الأسئلة التي تطرح نفسها هي: كيف كانت هوية سكان المغرب قبل قدوم الرومان واليهود والعرب والأندلسيين؟ هل كانت حقا ناقصة تحتاج إلى من يسد نقصها؟ ما سبب هذا النقص؟ كيف يعقل أن كل شعوب العالم (الفرس، العرب، اليابانيون...) تملك هوياتها كاملة بدون روافد ولا يدعي أحد بأنها خليطة أو ناقصة أو لقيطة باستثناء المغرب الأمازيغي الذي يزعمون بأنه احتاج لهذه "الروافد والمكونات"؟ هل هناك عيب خِلْقي في هوية المغرب يستدعي علاجها وحقنها ب"الروافد"؟ هل كان المغاربة القدامى قبل 3000 سنة مثلا منكسرين أو تائهين هوياتيا ويحتاجون ل"ترميم هوياتي" أو "هداية هوياتية"؟ هل كان هناك حقا عجز في هوية سكان المغرب احتاج إلى سده ب"المكونات الأجنبية" على غرار سد النقص في المال بالإقتراض من الخارج؟!
يجب التنبيه إلى أن مفهوم "مكونات الهوية المغربية" مفهوم جديد التقطته الدوائر السياسية والإعلامية الرسمية لكونه يقسم الهوية إلى "تقطيعات" عرقية دينية سياسية يسهل على الدولة "تدبيرها" حسب حاجاتها. فالزعم القائل بأن الهوية الوطنية لها "مكونات" و"روافد" هو زعم يعني ببساطة أن هوية المغرب لم تكن مكتملة في الماضي وأنها كانت تنتظر من الأجانب أن يأتوا لإتمام نقصانها، وهذا يعطي لشعوب أجنبية معينة نوعا من "الأبوية" على المغرب. إذن فحينما يقول العروبيون أن "المغرب بلد عربي" فهم يقولون لنا بأن: المغرب هو ابن العرب، أو ابن اليمن، أو ابن الحجاز، أو ابن جزيرة العرب. العروبيون يقولون لنا بأن المغرب ليس سوى فرع من العرب وابن لهم ينتمي إليهم وسيكون تابعا لهم منسوبا إليهم إلى الأبد لأنه جاء منهم!
ونحن نعلم جميعا أن هناك الآلاف وربما الملايين من المغاربة الذين يعتقدون بأنهم من ذوي أصل أندلسي أو عبري أو عربي "شريف" أو "غير شريف" وبعضهم يرفض الإندماج الرمزي في الهوية الأمازيغية ل"مجتمعهم الجديد وبلدهم الجديد" ويريدون فرض هويتهم الأجنبية على المغرب وكأنها "سفارة" أو "قنصلية" أو "تمثيلية" تمثل شعبهم الأصلي المفترض الموجود في أرض بعيدة. ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أنهم متشبثون ب"أجنبيتهم الأبدية" و"ولائهم الأجنبي" الرمزي الأبدي ويعتبرون ذلك مصدر فخر واعتزاز يتباهون به أمام الأهالي البربر الذين لا يملكون أي "نسب شريف" سوى انتمائهم للأرض الأمازيغية. هذا التشبث ب"الأجنبية الأبدية" والإنتماء الأبدي إلى شعوب أجنبية يبرر ويسوغ تبعية "المغاربة الأجانب" للأراضي والدول والشعوب التي جاء منها أجدادهم المفترضون. إن من ينسب نفسه وهويته إلى الأجانب هو أول من سيرحب بهيمنتهم وأكبر متحمس للتبعية لهم. ومن يرفض الإندماج في هوية المغرب الأمازيغية الأصلية ويفضل عليها هوية شعب أجنبي معين في قارة معينة إنما هو في الحقيقة مُصِرّ على "أجنبيته الأبدية" ولن نتوقع منه إلا سلوك الأجانب الغرباء عن الوطن. فالغريب للغريب نسيب. والأجنبي للأجنبي تابع وحليف.
المبالغة في الحديث حول "تنوع المغرب": هل المغرب جزيرة كاريبية هجينة تافهة؟
يبالغ المغاربة كثيرا في حديثهم حول التنوع العرقي والديني واللغوي والثقافي بالمغرب وكأن التنوع موجود بالمغرب فقط، بل وكأن المغرب أكثر تنوعا من البلدان الأخرى. ويبلغ "جنون التنوع العرقي" إلى درجة يتم فيها تحويله إلى "تنوع هوياتي" بالمغرب. وهكذا يتم تمييع هوية المغرب الأمازيغية وتهجينها وتحويلها إلى هوية خلاسية هجينة أشبه بدويلات وجزر الكاريبي السياحية الصغيرة التافهة.
والحقيقة هي أن درجة التنوع العرقي واللغوي والديني والثقافي بالمغرب جد متواضعة أو أقل من متوسطة، مما يضع المغرب في خانة "الدول العادية" ذات التنوع الخفيف أو المعتدل. فالمجتمع المغربي/الأمازيغي بقي متماسكا بقوة عبر آلاف السنين ولم تطرأ عليه طيلة تاريخه أية تغييرات جذرية أو انهيارات ديموغرافية وهوياتية كبرى كالتي طرأت على الشعوب الأصلية في أمريكا الشمالية وجزر الكاريبي مثلا. ولم تحدث أبدا أية إبادة عرقية بالمغرب (كما حدث في أمريكا الشمالية). ولم يحدث أن هرب الأمازيغ من بلادهم أو هُجّروا منها عنوة بالكامل (كما حدث في إسرائيل خلال الغزو البابلي والروماني وفلسطين خلال الغزو الإسرائيلي).
بل بقيت بنية المجتمع الأمازيغي/المغربي متوازنة وشبه ثابتة عبر القرون. وتمكن الأمازيغ من استيعاب وتذويب الهجرات الأجنبية واللغات والثقافات الأجنبية ومن بينها لغات وثقافات الأوروبيين والفينيقيين واليهود والعرب. كما تمكن الأمازيغ من استيعاب الضربات الإستعمارية الأجنبية (الرومانية، الوندالية، الأموية، العثمانية، الفرنسية، الإسبانية، الإيطالية...) وتمكنوا في كل هذه الحالات من طرد الإستعمار بالقوة العسكرية الماحقة.
وقامت امبراطوريات أمازيغية كالمرابطين والموحدين والسعديين بغزو بلدان أخرى واحتلالها واستيطانها جزئيا لفترات طويلة. فالمرابطون اجتاحوا واحتلوا الأندلس والسنغال. والموحدون احتلوا الأندلس والصحراء الكبرى.
والسعديون احتلوا بلاد مالي وجزءا من الصحراء الكبرى. والفاطميون الشيعيون الأمازيغ غزوا مصر والحجاز والشام بجيش أمازيغي ضخم انطلاقا من تونس والجزائر والمغرب، وبنوا مدينة القاهرة، وأحدثوا تأثيرا ديموغرافيا وثقافيا عميقا في مصر والشرق. وهاجر كثير من الأمازيغ إلى بلاد مصر في الحقبة الفاطمية فأصبحوا اليوم مصريين ينتمون إلى الهوية المصرية والأرض المصرية (القبطية).
وفي العصر الحديث توجد بلدان شديدة التنوع العرقي/الديني/اللغوي إلى حد يقترب من الفوضى (ماليزيا، سوريا، لبنان، إيران، العراق، نيجيريا، جنوب أفريقيا، البوسنة، باكستان، أفغانستان، الهند، الولايات المتحدة...) وبالمقارنة معها يظهر المغرب قليل التنوع وشديد التجانس والوحدة.
إذن فالمغرب ليس أكثر تنوعا من معظم بلدان العالم على الإطلاق. وفكرة التنوع المغربي/الأمازيغي الإستثنائي ليست سوى فكرة سياحية يرددها السياح الأجانب وأصحاب "الرؤية السياحية" للمغرب. ومن بين هؤلاء هناك طبعا العروبيون الذين يحاولون تمييع و"تنويع" الهوية وترويج فكرة أنه "يحق للمهاجرين الأجانب تعديل هوية المغرب الأمازيغية على مقاسهم"، بدل أن يندمجوا فيها ويتصرفوا كمواطنين أمازيغ مغاربة متساوين في المواطنة والإنتماء للأرض.
كيف يمكن للمثقفين الأمازيغيين الرد على "الدعايات والتكتيكات العرقية"
تكتفي الحركة الأمازيغية بالنقاش الدفاعي والدعوة إلى تبني المصطلحات المحايدة على غرار "المغرب الكبير". كما أن كثيرا من الناشطين الأمازيغيين يسقطون في فخ "الهوية العرقية المتعددة" وفخ "تعددية الهوية" (بدل تعددية الثقافة). كما أن بعض المثقفين يسقطون في فخ "الهوية المتغيرة عبر التاريخ والمبنية على الإختلاط العرقي وتغير الأديان والمذاهب". بينما الحقيقة هي أن الأديان والمذاهب واللغات والعادات تندرج ضمن الثقافة وليس ضمن الهوية. فتغير دين أو لغة شعب لا يؤثر على هوية الشعب. إلا أنه من الممكن أن ينسى شعب هويته تحت تأثير البروباغاندا طويلة النفس و"غسيل الدماغ". فالأمازيغ غيروا أديانهم ومذاهبهم مرارا وتكرارا عبر التاريخ واختلطوا ببعض الشعوب وتغيرت لغتهم ولهجاتهم ولكن هويتهم الأمازيغية بقية ثابتة يحددها التاريخ والجغرافيا، وبقي وعيهم بها حيا في أجزاء كبيرة من العالم الأمازيغي وانطفأ في أجزاء أخرى مثل تونس وموريتانيا بتأثير النسيان وعوامل أخرى.
ولكن الهوية لا تتغير وإنما الثقافة هي التي تتغير وتتبدل عبر الزمن. أما الهوية فهي واحدة ثابتة لأنها تعبر عن الذاكرة الجماعية الثابتة. الهوية إما تحيا وإما تموت بالنسيان فتأتي هوية أخرى لتحل محلها. أما أن تختلط هوية بهويات أخرى فهذا تناقض منطقي لا يقبله العقل. إذا لا يمكن لإنسان أن تكون هويته الوطنية المجتمعية عربية وأمازيغية في نفس الوقت، ولكن يمكنه أن يتقن اللغتين العربية والأمازيغية في نفس الوقت أو أن يكون مطلعا على الثقافتين في نفس الوقت. ويمكن لنفس الشخص أن يكون أمازيغي الأب وعربي الأم مثلا ولكن هويته الوطنية المجتمعية ستتحدد بالأرض التي يعيش عليها. فإن عاش في اليمن فهو عربي يمني وإن عاش في تونس فهو أمازيغي تونسي.
ماذا يعني أن نقبل بالهوية العرقية؟ إنه يعني أن هوية المغرب يحددها المهاجرون واللاجئون وأنها متغيرة بتغير الأعراق الوافدة. بمعنى: كل من هب ودب وهاجر أو هرب إلى المغرب يحق له أن يغير هوية المغرب وهوية العالم الأمازيغي. إلى ماذا تقودنا "الهوية العرقية" في النهاية؟ إنها تقودنا إلى استنتاج رهيب وهو: المغرب لا هوية له. هوية المغرب الذاتية منعدمة! ولا تتحدد إلا بالأعراق والقبائل والعائلات التي هاجرت إليه واستوطنته. المغرب أوطيل Hotel أو ملجأ للقطاء المنبوذين أو اللاجئين والمسافرين الذين تقطعت بهم السبل. وهذا يعني أن نزلاء الأوطيل أو الملجأ المتغيرون سيحددون هويتَه! وبدون هؤلاء النزلاء والسياح والمهاجرين واللاجئين لا هوية للمغرب ولا شعب له ولا تاريخ له ولا حضارة له!
هذا ما تؤدي إليه "الهوية العرقية". ولكنه كلام فارغ يناقض التاريخ لأن المغرب يملك فعلا هوية تاريخية جغرافية أصلية ذاتية خاصة به. إنها الهوية الأمازيغية التي تميزه أتوماتيكيا عن بلدان العالم الأخرى خارج العالَم الأمازيغي. وكل من هاجر إلى المغرب فهو مهاجر إلى الهوية الأمازيغية ومنضم إليها.
إذا كانت استراتيجية العروبيين هي: العِرق ثم العِرق ثم العِرق، فإن استراتيجية المغاربة المدافعين عن هوية مغربهم الأمازيغي وعن استقلاليته وسيادته يجب أن تكون: التاريخ والجغرافيا.
نحن نعلم أن من يفرض مصطلحاته الموضوعية في النقاش هو الذي سينتصر في النقاش. لهذا يجب تجنب السقوط في تبني مصطلحات النقاش التي يحددها العروبيون والتي تدور دائما حول تيمة "العِرق" البائسة، وأحيانا يضيفون إليها مواضيع اللغات والأديان تلطيفا من وطأة خطابهم العرقي القبيح. ولابد من مخاطبتهم بالمصطلحات التي تعبر عن الهوية الأمازيغية المغربية وهي: التاريخ والجغرافيا.
- تاريخ المغرب لا يبتدئ منذ 12 قرنا، وإنما يبتدئ منذ 5000 سنة وأكثر من الحضارة والعمران.
- جغرافية المغرب ليست عربية ولا آسيوية ولا أوروبية، وإنما هي أمازيغية أفريقية.
هذه هي الحقائق الصلبة التي تحدد هوية المغرب الأمازيغي وتميزه عن بقية بلدان وشعوب العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.