نحن النقاد لدينا عادة سيئة ... حين نقرأ عملا أدبيا، أول شيء نقوم به هو أن نبحث في ذاكرتنا عن عمل آخر فنقول: هذا الشاعر يكتب مثل محمود درويش أو عبد الله راجح. و هذا الروائي يكتب مثل نجيب محفوظ أو عبد القادر الشاوي. و هذا القاص يكتب مثل زكرياء تامر أو أحمد بوزفور. و هكذا نشرع نقرأ مبدعا قياسا على صورة مبدع آخر. شخصيا أنا لا أقترف مثل هذا النقد السيء.. و كم كنت سعيدا عندما أنهيت قراءة المجموعة القصصية «كهف الرماد» ل عبد الحق اصويطط فوجدته تلقائيا يكتب نصوصه القصصية لا تشبه أحدا إلا هو؛ نصوص قصصية ذات بصمة إبداعية ذاتية ، يكتبها بطريقة تلقائية ، حرة من أوهام التشبه بالآخرين، متفردة الأسلوب السردي إلى درجة يمكن القول معها بأن سحر و فتنة عمل أدبي مثل» كهف الرماد» عائد بالأساس إلى كونه يختلف اختلافا جوهريا عما هو سائد من الأعمال التي سبق أن قرأناها، و صارت لدينا أحكام جاهزة و نمطية حولها. المجموعة القصصية هاته تتكون من سبع نصوص و هي على التوالي: حامل اللوح سؤال الريح الدوائر السفلى كهف الرماد مدار الصمت صوت الموت و معناه رحلة كاتالونية عناوين تصلح للقصائد أكثر مما تصلح لنصوص سردية ، هذا هو الإرباك الأول، لأن كل عنوان يشكل فضاء مجازيا يحبل بدلالات استعارية تحيلنا على الشعر أكثر مما تحيلنا على السرد. أما المتن الحكائي القصصي للمجموعة فإنه ليس من النوع الذي يسرد حبكة نسقية تقليدية. ثمة لغة سردية لها لحمتان: - اعتماد ضمير المتكلم الذي هو صوت السارد / الشخصية الرئيسية، و الذي يوهمنا أن البطل في القصص هو الكاتب نفسه. - ارتباط الحكي في مجمله بما يوصف ب « تخييل الذاكرة « Fiction of memory حيث كل قصة تستعيد من ماضي الذاكرة أحداثا و شخوصا و أزمنة و أمكنة تصهرها في فسيفساء حكي يحكمه طابع التداعي و التشظي و الترمز، مثلما يحكمه تداخل انصهاري بين الذات و الواقع ، بين الأنا الفردي و الأنا الجماعي ، بين مخزونات اللاوعي و التأمل الاستبطاني الزاخم بالدلالات و المعاني حول تاريخ الانكسار في بنية الواقع الاجتماعي العربي. اللغة الإبداعية لعبد الحق اصويطط تندرج فيما أسميه شخصيا ب «الكتابة الأرابيسك» كتابة مفتوحة على أكثر من أفق إبداعي ، و لن أتفاجأ إذا وجدت يوما ما سي عبد الحق اصويطط يكتب الشعر أو الرواية أو المسرح أو السيناريو.. و لربما النقد كما عبد ربه الفقير. بصيغة أخرى نحن إزاء مبدع لديه إمكانات شتى في الكتابة لأنه مبدع يكتب ب «وعي المثقف الواسع الإلمام بمختلف دروب الأدب» أديب منخرط في غمرة الواقع الثقافي ، مدرك كل الإدراك لأسئلة الإبداع المغربي و العربي و الكوني. ثمة شيء آخر بالغ الأهمية «عبد الحق اصويطط مثل أغلب المبدعين المغاربة يكتب من داخل رؤية تراجيدية للواقع و العالم» نصوصه ليست أقراص مسكنة للألم السائد في حياتنا، « لا تنتظروا بعد قراءة نصوصه القصصية أن تذهبوا سعداء إلى وسائدكم « إنه حزين مثل حزن يتامى العيد ، و جروح بألم داخلي عميق، و الكتابة لديه ليست في النهاية إلا لملمة لذات قيد التشظي. أحببت كثيرا نصه القصصي «رحلة كاتالونية» و التي يبدأها هكذا: « كل شيء كان جاهزا، لست أدري هل هي اللحظة المناسبة التي لم أكن أنتظر ، أم هي لحظة طارئة ، دخلت في حيرة ، و سهوت قليلا، ثم عدت لأقول شيئا، كلاما مبعثرا...» أترغبون بمعرفة كيف انتهت الرحلة الكاتالونية .. عليكم إذن قراءة المجموعة القصصية «كهف الرماد» و نسيان كل ما حكيته عنها. - «كهف الرماد»، عبد الحق اصويطط، منشورات مؤسسة نادي الكتاب بالمغرب (المجموعة مرفوقة بترجمة إلى الإسبانية أنجزها فرانسيسكو موسكوسو غارسيا وكمال الناجي).