«يرى كثيرون أن الوظيفة الأساسية للغة هي التواصل. أي نقل معلومات وتبادل أفكار وتعزيز أدوار وتحقيق منافع اجتماعية. لكن الواقع أن اللغة هي أكبر من مجرد آلية تواصلية بل تحمل في ذاتها مقومات الوجود الإنساني وتميزه. مما يجعل من الدفاع عن اللغة وحمايتها دفاعا عن الوجود الإنساني. وترتبط حياة اللغات بحمايتها، حيث أضحى احتكاك اللغات أو تصادمها واقعا مطروحا بتحدياته ومفارقاته. فعلى الصعيد الدولي، نعيش وضعا خاصا يفرض أحادية لغوية مهيمنة، ويقر، على الصعيد الوطني، تعددا لغويا متوازنا أحيانا ومختلا أحيانا أخرى. وفي هذا الوضع، قد تضيع الحقوق اللغوية، ويغيب الأمن اللغوي. فلغات كثيرة اندثرت، وأخرى عطلت عن أداء وظائفها، أو وقع تحول لغوي من لسان وطني إلى لسان أجنبي. ومجرد تصنيف لغة معينة ضمن اللغات الحية لا يؤكد استمرار التكلم بها، ما لم تتخذ إجراءات عاجلة لإنعاشها والمحافظة عليها. وتطرح حماية اللغات باستعجال، ولا تقل هذه الحماية عن حماية سيادة الأوطان ومقدساتها. واللغة العربية اليوم، ورغم أنها تأتي في المرتبة السادسة من ضمن ثمان لغات يستعملها نصف البشرية (بعد الصينية والإنجليزية والهندية والإسبانية والروسية وقبل الفرنسية)، تجد نفسها محاصرة داخل الوطن العربي نفسه ببعض اللغات الأجنبية التي ينقل من خلالها العلم والتقانة وجانب من مواد التدريس وبها تتكلم وسائط الإعلام بمعناها الواسع وتقنيات التواصل بمختلف أنواعها وأشكالها. وعلى صعيد آخر، يبدو استيعاب اللغة العربية لمستحدثات العلم والتقانة والفكر والأدب في عصرنا قليل جدا من خلال ما تظهره حركة الترجمة إلى العربية من آثار علمية وأدبية وفكرية أجنبية. كما أن تطوير تدريس اللغة العربية تحد آخر يتعيّن على الوطن العربي مجابهتها. فالشكوى من تدني مستوى الطلاب في اللغة العربية ومن عزوف جانب من الشباب عن إيلائها الأولوية في اهتماماتهم الدراسية، فضلا عن ضرورة إعادة النظر في مناهجها وطرائق تدريسها وربطها بالتقنيات الجديدة في مجال الاتصال والمعلومات وتأهيل مدرسي هذه اللغة، يضع مادة اللغة العربية ضمن أولويات مراجعة النظم التربوية في الوطن العربي، باعتبار الدور الذي تنهض به العربية في تعزيز الهوية وتثبيت الشعور بالانتماء وسط تهديد العولمة الثقافية للهويات والخصوصيات الثقافية.» هذه المحاور، ومعها أسئلة أخرى، ستتداول حولها الندوة العلمية المخصصة لموضوع «اللغة العربية: أهميتها التداولية والحضارية»، والمنظمة من طرف الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية (فرع وجدة) والمجلس العلمي المحلي لإقليم جرادة، وذلك يوم الأحد 26 دجنبر 2010 بالمركب الثقافي بجرادة، ابتداء من الساعة العاشرة صباحا.