بوعي حاد وذكي جدا، ضمن أحمد بوزفور، مجموعته الخامسة والأخيرة «قالت نملة» إلى ديوان السندباد عن قصد وعمد، لا لكون ديوان السندباد أعمال كاملة بالمفهوم التقليدي، أو مختارات قصصية كما يفعل بعض كتاب القصة . إنها إستراتيجية بمفهوم المتوالية القصصية من منظور« روبر لوشير» من هنا جاءت فكرة ديوان السندباد الذي يضم بين دفتيه خمس مجموعات قصصية، هي حصيلة 60 قصة، تراوحت كتابتها مابين(-1970 إلى2010-) هذه الحصيلة التي تنم عن الكتابة النوعية، الكتابة التي لا تؤمن بتحطيم الأرقام القياسية، لدخول كتاب « غينيس» . لأن صعوبة هذا الجنس الأدبي، الموصوف بثعلب السرد المراوغ، يحتاج إلى ثقافة مو سوعية، ورؤية عميقة للأشياء، وإلى رصد التحولات السياسية، والثقافية، والاجتماعية، لأن الكاتب الحقيقي محكوم عليه بالوعي وبالاستبصار الذاتي، لأنه يستحيل إنتاج فن حقيقي دونهما. إذا كان احمد بوزفور ُمقل في إبداعه القصصي، فشأنه في ذلك شأن، القاص العراقي المتميز محمد خضير، وهو كذلك لم يتجاوز خمس مجموعات قصصية : ( المملكة السوداء 1972)،( في درجة 45 مئوية1978 )،( رؤيا خريف 1990 )،( تحنيط 1998)،(حدائق الوجوه 2008 ) بالإضافة لهذا فإن لكل واحد منهما كتاب شبه نظري» الزرافة المشتعلة» لأحمد بوزفور، « والحكاية الجديدة « لمحمد خضير. وقد تم اختيارهما، كأفضل كاتبين للقصة العربية، بعد زكريا تامر، وبهاء طاهر.... في الملتقى الأول للقصة العربية بالقاهرة الذي فاز بجائزته الأولى زكريا تامر لسنة (2009/2010) أعود إلى ديوان السندباد كمتوالية قصصية، أو كتاب مفتوح، إن ما يعطيه شرعية المتوالية القصصية التي تحدث عنها « روبر لوشير»( إن كل قصة قصيرة، في سياق المتوالية يؤهلنا بطريقة ما للكشف التالي، وهو يلقي الضوء على العوالم المتضامنة لتصبح ككل بهذه الطريقة، كتابا مفتوحا يدعو القارئ لبناء شبكة من التداعيات تربط القصص مع بعضها البعض، وتمنحها أثرا موضوعاتيا، متراكما.) ولنقف على هذه « التيمات» لتمنح لهذا الكتاب المفتوح/ السندباد ذاك التماسك والمتوالية القصصية. وبقراءتنا لكتاب« ضحك كالبكاء » للناقد إدريس الناقوري، الذي أبرز فيه عدة « تيمات» التي اشتغل عليها بوزفور في قصصه السابقة، هي نفسها مع التوسع والإضافة في التقنية، وتطوير أساليب السرد، «كتيما ت « القرين/ ومحاكاة الأصوات/ واستعمال العامية لإضفاء روح الملامح المحلية الاجتماعية/ وتفصيح الكلام غير المصقول/ و اللعب اللفظي/ الحلم/ والحب/ والموت/ والكوميديا السلوكية / الرغبة في النكوص إلى مرحلة الطفولة (الفردوس المفقود). وبناء على ما تقدم نجد القصة، عند أحمد بوزفور لها القدرة الهائلة على «تنصيص» العالم. أي جعله نصا سرديا، دالا، و لهذا تتجه إلى اليومي بما يمتلئ به من تفاصيل، وجزئيات لتبني منها كينونة نصية، ولاسيما في تجلياتها الراهنة(1). كما في القصص التالية: «وإن. الفيلة تصعد الجلجلة. الباب المفتوح. بحال خوك. ممؤتى. بنية العنوان: في هذه المجموعة القصصية أول ما يصدم القارئ/ المتلقي عنوانها: « قالت نملة». إن هذه العنونة التنكيرية التي تؤدي وظيفة الإشارة إلى معلومات لاحقة، أي أحداث لغوية لم يوضحها المتكلم بعد. ويتوقع القارئ/المتلقي/السامع، أن يخبر بعد قليل عن هذه ا ل_ نملة _. إن العنونة في الخطابات القصيرة هو الذي يتكفل بإثارة انتباه المتلقي والإيقاع به ويتفوق بذلك على النص الذي يسميه في شعريته وهذه حال العنوان في خطاب القصة القصيرة التي قدمت عناوين مثيرة,أن العنوان قد أضحى لعبة مثيرة في الكتابة الأدبية، فالنص لم يعد في عنونته للنص مقتنعا بوفاء العنوان للنص والالتزام به فحسب, وإنما عليه أن يقلق القارئ ويدفعه نحو اقتناء الكتاب وقراءته، وهذا لا يتحقق إلا بتفخيخ خطاب العنوان بالإثارة تركيبا ودلالة ومجازا. قالت نملة_ ماذا قالت هذه النملة؟ هذا الاقتصاد الدلالي الذي يجتاح العنوان، بتضمين الخبر بالحذف أو بإنابة المفاعيل، أو نائب المفعول المطلق..هذا التضمين من شأنه تحقيق الوظيفة الاستراتجية للعنوان باستقطاب اهتمام المتلقي وإثارته، كما يعد الحذف خاصية من مكونات النص _النصوص_ يدشن به الصدمة لدى القارئ، تلقيا، و الغموض نصا. إن الحذف يقود إلى لعبة الإيهام من طرف الكاتب. قالت نملة : في هذه العنونة التنكيرية التي تدفعنا إلى التساؤل التالي: أية نملة هاته التي قالت؟ وبدورنا نستدعي ذاكرتنا المقروئية لتسعفنا عن هذه الإجابة:( إنها حكاية زاهد صالح كان يبصر نملة في بقعة محدودة من سجادة صلاته كلما بسطها لأداء فرض من فروض صلواته الخمس اليومية. كان الصالح الزاهد يعجب من هذه المصادفة، ويبحث عن تفسير لوجود نملة. وهل كانت نملة واحدة لا تغادر موقعها في السجادة كلما هم بنشرها للصلاة. وحتى هذا التساؤل، لا أن يعني في حكاية الزاهد نقطة تحول، كما ليس أنها نهاية موفقة لرؤيا ستبدأ إشارتها في الانهمار.. لكنك لو فتحت كتاب الحكايات هذا في اليوم التالي كي تواصل قراءة أخرى مبتدئا من النهاية التي بها الحكاية السابقة، و وجدت يا للمصادفة « نملة « كنملة الزاهد تذرع أرجلها الدقيقة صفحة الكتاب المفتوح، عابرة معك الحكاية السابقة إلى الحكاية اللاحقة، فإنك حينذاك تدخل حدود رؤيا، مفروشة بسجادات من الواقعية الوهمية إلى الرؤيا المرئية(2). وبهذا تكون « نملة» الزاهد بوزفور تعبر معنا الحكاية تلو الأخرى وهي تذرع بأرجلها الدقيقة فوق كتاب السندباد (ككتاب مفتوح بمفهوم المتوالية القصصية. من قصة إلى أخرى. التساؤل الذي يتبادر إلى ذهننا مرة أخرى لماذا لم يضع الكاتب عنوانا بديلا ؟ مثلا : قالت شهرزاد؟ أو قال الراوي؟ بدل قالت نملة؟ لأن في العنوان الأول والثاني يتبين أنهما يحتاجان إلى سامع..أما في عنوان « قالت نملة » فهو يحتاج إلى قارئ يتعقب النملة وهي تذرع بأرجلها الدقيقة ( للحم الحلم) المجزأ على طول هذه المجموعة (وهنا لا نعني اللحم/ الصوت/ لكساء العظم/ الحلم.. كما سنلاحظ ). بنية الاستهلال، أو البداية، أو الفقرة المبدئية إذا كان العنوان يشكل خطابا ثريا للقراءة الراهنة لتستدل على خصوصية العنوا ن, في القصة القصيرة وقوا نينها وبنياتها, فإن الاستهلال, أو البدايات, أو الفقرة المبدئية, هي بمثابة الافتتاح بالاختيار لأنه أول ما يطرق السامع من الكلام. ويجب أن يراعى فيه سهولة اللفظ , وصحة السبك , ووضوح المعنى , وتجنب الحشو , ويجب أن يكون الافتتاح مرتبطا مع الخطبة ببراعة الاستهلال (هذا ما تشير إليه الدراسات النقدية العربية القديمة.) ونجد القصة القصيرة أكثر العناصر البنائية بحاجة إلى فهم, فهو المدخل المتأرجح, وهو المدخل المبتدأ, بهذا الوعي بمفهوم الابتداء, والاستهلال, أو الفقرة المبدئية التي نجدها عند احمد بوزفور هي بمثابة القاعدة الخراسانية في كتاباته القصصية التي يرفع عليها باقي أعمدة النص ككل ،لأن بوزفور لاشيء عنده يأتي عفو الخاطر ,ابتداء من العنوان إلى الفقرة المبدئية , التي نعتناها بالقاعدة الخراسانية التي يرفع عليها أعمدة النص ككل حتى يكون محكم البنيان. فجل قصصه تجده يوليها العناية الفائقة, لأن القصة القصيرة أكثر عرضة للتشوه. إن أول ما يراعى في الاستهلال الجملة, التي تصبح جملتين، والخبر فيها يكون جملة اسمية, لأن في القصة الجملة الاستهلالية لا تولد إلى وهي مليئة بمادة النص أولا, ومحدودة في ارتباطاتها بمبنى - القصة - الحبكة- ومؤدية إلى النهاية، أو، ما تسميه يودورا ويلتي ( بسهم الخلق) إلا أن هذا المسار الذي انضج الجملة الاستهلالية في القصة، هو مسار الوعي لفن القصة, ونعني بذلك الانتباه المركز إلى البنية الفنية للقصة. بهذا يتملك الكاتب بزمام صميم الموضوع ، حتى تخرج القصة بأفكارها بنيانا عضويا لا حجر فيه بغير معنى (3) لأن القصة عند بوزفور أو أي كاتب مجيد يخضع قصته إلى تصميم هندسي سابق, ونعني التصميم الفكري, أو بعبارة أخرى فانه كلما تعددت أفكار الاستهلال توسع ثوب القصة واغتنى بالممكنات، والقصة الحديثة لا تكتفي بفكرة واحدة في استهلالها. إنها تعتمد فكرتين كما هو الشأن في قصص بوزفور وبالأخص في قصصه الأخيرة. كلما كانت الجملة الاستهلالية هي بمثابة البناء المتعدي, الخلاق الذي يوفر للحس والذاكرة واللغة مديات فعل تكويني واسع. بنية الحلم: « أنا اعرف من تجاربي السابقة، في الأحلام أن الصور مجرد هيكل عظمي.» « الصوت.. هو لحم الحلم.» (من قصة لحم الحلم.ص296 ) إن الحلم، ضرب من التفكير- وان يكون تفكيرا بدائيا, وهو تفكير أثناء النوم. و أدواته البصرية بدلا من الكلمات والخطوط كما في اليقظة، والأفكار فيه لا تكون مجردة, ولكنها تتجسد في أشكال مرئية, والحالم يرى في النوم أفكارا وصورا, فإذا استيقظ عاد يصوغ الصور أفكارا في كلمات ينقلها للآخرين ساردا ما رأى في الحلم..« كأني أهرب من وحش، اجري لاهثا والعرق يعمي عيني.» إن الحالم يسرد لنا ما رأى في حلمه وكأنه يسرد لنا فيلما مصورا ومكثفا تكثيفا دقيقا لهذه المطاردة.. ولكنه لا يخبرنا عن طبيعة هذا الوحش , إلا أنه يصفه بأذرع كالإخطبوط , وأذرعه تتضاعف بظلالها.إن دلالة هذه الأذرع المتعددة بظلالها تكمن رمزيتها في الرقابة المتعددة : رقابة الذات.رقابة السلطة بأذرعها المتعددة. رقابة الدين. رقابة المجتمع. رقابة الرقابة نفسها.رقابة الأسرة...الخ إلا أن بنية الحلم العميقة والمركبة في هذه القصة هي الحلم كنص أدبي هو مادته, وما يزيد في تعقيدها هو حلم داخل الحلم, والحالم يحاول أن يجد تفسيرا لحلمه وان لم يكون سوى لعبة ماكرة لإيهام القارئ في بناء نص حلمي..لأن ورود حلم في أعقاب حلم آخر غالبا ما يكون الأول معادلا لجملة شرط يكون الثاني - جوابها- (فرويد) وجواب الثاني في قصة لحم الحلم كما سلف في تأويلنا للوحش المتمثل في الرقابة في جميع ضروبها...« أحسني فوق سرير. أرقا مسهدا استجلب النوم بالتفكير في الحلم السابق». ومحاولة فهم الوحش الإخطبوط : من أين جاء , وكيف تصورته وما تأويله ووظيفته في الحلم وعلاقته بالوحوش الآدمية التي اعرف...« هذا الإفصاح داخل النص/الحلم، يبرز لنا « التيمة» /الموضوعة / أو الفكرة الرئيس التي تلخصها هذه الجملة:« (أنا القروي الساذج رأيت جزارا يبيع لحم الخيل. كيف يأكل الناس هذا اللحم- ومازلت - اعتبر الحصان أخا نبيلا يستحق الحب والاحترام.) إن المدينة قد تحول الإنسان من طبيعته إلى وحش أو إخطبوط يأكل لحم أخيه المتمثل في الحصان. إن المدينة تخرج الإنسان من إنسانيته لينحرف عن الجوهر. (كما عند روسو وفلسفة الفوضويين. وهيغل.) إن جوهر الإنسان لا يولد معه ولكنه ينتجه كما ينتج السلع والأفكار. نجد الكاتب يعزل الشخصية من حياتها الطبيعية/ البادية, ويضعها في محيط مديني حيث كل شيء منزاح من مكانه, و وضع مديني كهذا يشل رغبة الإنسان في الهروب منه إلى الطبيعة.. تبقى تأويلات هذا الحلم قابلة لعدة قراءات في ثنائيتها المتوالدة من دلالته كرمزية : النقاء/ الثلوت. الشر/ الخير . الخيل الذي يرمز إلى الخير ( الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة« حديث شريف » ) والجزار رمز للشر. والبادية المتمثلة في / الطبيعة/ الطهر, أو النقاء. والمدينة رمز/ الثلوت . وخروج الإنسان من جوهره. فتعرية بوزفور للإنسان في نهمه وشرهه لا يقف عند هذا فحسب , فحلمه ليلتحم ‹ أو› لحم أجزائه يتطلب قراءة متأنية وفاحصة, بدءا من حروف عنوان هذه القصة المركب من نفس الحروف: ل..ح.. م.-ح..ل..م.) و للحم أطراف هذا الحلم كما يأمرنا الكاتب في العنوان نعيد قرأته بهذه الصيغة بدل مكر اللعب بالعنوان لحم: القرين/( بالصوت/ اللحم ).. والحلم: القرين/( بالصورة/ العظم)...لكن مكر اللغة يعيدنا إلى « لحم» أطراف الحلم المركب من ثلاث مستويات، أ و ،الأحلام الثلاثة, لأن بوزفور دائما ما يلجأ إلى تكسير خطية القصة إما , بعنا وين, أو مقاطع, أو لازمة، أو أرقاما، كما في هذه الأحلام، ففي الحلم الثالث، والأخير من هذه القصة نجد طائر الحكمة الذي اشتراه في الحلم ينطق حرفي : «حاميم» كما جاء في هذا المقطع :« انه طائر الحكمة الإغريقي اسمه تيريزياس, فانخدعت للسائح الكريكي اللطيف واشتريت الطائر،».. »الطائر الأبيض الصغير نطق وقال : «حاميم» إذا قمنا بقراءة فاحصة نجد دلالة السائح الإغريقي الذي اشترى من عنده الحالم/ السارد الطائر/ تيريزياس. فإن رمزية الإغريقي تحيلنا على الشاعر اليوناني سوفوكل, ومسرحيته الشهيرة « أوديب »التي وظف فيها أسطورة تيريزياس ومن هنا نتعرف على العراف والحكيم تيريزياس لنصل إلى « لغز » الحرفين. إن ما يهمنا في هذا المقطع الثالث, أ و الحلم الثالث، هو تفسير هذين الحرفين « حاميم». اللذين نطقهما طائر الحكمة الذي هو تيريز ياس العراف و الحكيم الأعمى نفسه.. المتنكر في هيئة طائر..إن « الحاء « في دلالتها الرمزية : (-حكم.) و«الميم»( المطلق.) وبهذا تكون الدلالة الرمزية التي تفصح لنا عن ( حكم الفرد المطلق). أو الترانية أو التسلط:..( الترانية في أولها تكون صورة المثل الأعلى في الحكم وما يبصر ببواطنها إلا العالمون ، وحين تكون صورة فناء كشبل الأسد الصغير يفرح به الأولاد حتى إذا اشتد عضده وكشف غرائزه افترس أهل البيت. ) تبقى مجموعة» قالت نملة» التي تبتدئ ب. لحم الحلم. بقراءة ماكرة هي « لحم» هذه الأحلام المجزأة داخل هذه القصص و ليس اللحم الذي يكسو الهيكل العظمي/ الصوت.. الحلم/ الصور.إن اللعب اللفظي في هذا العنوان المفخخ, هو حلم» اليقظة» الذي سيتحول في قصة الأغنية الزرقاء إلى كابوس مع هبوط اليمين وصعود اليسار المحلوم به ، ثم اختفاء العازفة الزرقاء/ الديمقراطية، (2002 ) التي جعلت المايسترو وباقي الكومبارس والجمهور يستغربون لهذا الاختفاء غير المتوقع والذي خيب آمالا عريضة , وحولها إلى خيبة أ مل ، في قصة الأغنية الزرقاء حلم يؤرق قراءها بدلالتها العميقة والقوية التي أفصح عنها الكاتب بتقنية عالية جدا، عندما نجد العازفة /( الديمقراطية) تبندل رأسها.» السانية.«( بالتناوب) تميل إلى اليمين الهابط إلى اليسار الصاعد..ثم..فثم.. وتذكرني هذه القصة بقصيدة محمود لبريكان «حارس الفنار» الساعة السوداء تنبض - نبض إيقاع بعيد- رقاصها متأرجح قلق يميل إلي اليمين إلي اليسار إلى اليمين- إلي اليسار- ..إن نبرة المثقف الحقيقي الشريف تنبض في قلوب كل الشرفاء البعيدين عن الانتهازية والوصولية العمياء..إن قصديه بوزفور المتعمدة لكتابته بالعامية في بعض قصصه, لا, ليضفي عليها ملامح الروح المحلية الجماعية, كما فعل توفيق الحكيم, ويوسف إدريس، وآخرون، إنها إدانة، واحتجاج على تدهور المشهد الثقافي, بصفة عامة، وعلى نكوص القصة المغربية، بصفة خاصة, وهذا النهج سلكه علماء الأزهر في القرن السابع عشر، والثامن عشر، حين لجئوا إلى الكتابة بالعامية، تعبيرا على التدهور الثقافي ، كما نجد كذلك هذا الاحتجاج الحضري، عند المثقفين المضطهدين, الذين امتلكوا لغة الحياة العامة ،لنسف الاستخدام البيرو قراطي للكلمات العادية, استخدام تكتيك حرب العصابات لدى السرياليين. وقد رفعوا اللغة الاجتماعية في وجه أسيادها. إن القصص الثلاث:«الضاية» « العازفة الزرقاء» لحم الحلم. من أفضل قصص المجموعة لأ نها تعبر عن حلم جيل بأكمله. ( وفي اعتقادي المتواضع لو نشرت هذه المجموعة مستقلة لأحدثت وقعا كبيرا في صفوف المثقفين لأن ديوان السندباد غيبها عن التداول والانتشار.) كما نجد بوزفور يتحلى بأخلاق ثقافة الاعتراف بالآخر والاحتفاء بروحه (ونعني بذلك قصة «زفزاف» ) هذه الشيم والأخلاق الحميدة نجدها كذلك عند الكاتب المصري محمد المخزنجي الذي احتفى بدوره بروح الكاتب الكبير يوسف إدريس بقصة عنونها « ب. يوسف إدريس» في مجموعته المتميزة (البستان).ص.55 انهي هذه القراءة بقولة من قصة يونان و الحوت: حين يكلم يونان ( الخالق) مع خالق( الفنان) مع فنان، فماذا يفعل الرب بشعب هو, كما عبر عنه بسخرية إلهية«لا يعرف يمينه من شماله . »؟ احالات: (1)-سوزان لوهافر، الاعتراف بالقصة القصيرة، ترجمة محمد نجيب لفتة، مراجعة عزيز حمزة،دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1990.ص15 (2) - محمد خضير ، الحكاية الجديدة،نقد أدبي، دار عبد الحميد شومان .1995.ص92 (3) ياسين نصير، الاستهلال وفن البدايات في النص الأدبي ، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع،2009.ص.184