صباح المطر عبد الله زريقة الكاتب الذي ينقذ المنسي من نسيان آخر. ينصت إلى دبيب العالم هنا بالدارالبيضاء الكبيرة. يتبادل مع الكائنات «المجهرية» الصمت والعزلة. «الدارالبيضاء هي هو». صباح السعادة أيها المنسي في مقابر الدارالبيضاء وخراباتها وأكواخها. أكاد أكتب «مجنون» البيضاء ، كما نقول مجنون ليلى، «مجنون الأمل» أو «موحا المجنون موحا الحكيم». «الجنون» حين يكون تأملا في أحوال مدينة شاسعة والانصات إلى هوامشها السفلية. يستمد حكمته من المشي الطويل والصمت والتوحد بالدواخل والادغال والغابات السحيقة فيه. لم تروض حداثة يشفق عليها ، وبالعزلة السعيدة يواجه الحديد والضجيج ومطاردة الشعر. صباح «الزهور الحجرية» و»ضحكات شجرة الكلام» يا «مجنون المدينة». تعلِّمنا الصمت والحكمة وأنت تمشي وتكتب . حريص على «الهروب» من التجمعات التي تخفيك وبالكتابة «تتحرر» طفولتك الأبدية من لغات خارجة عنك. تصادق الشمس والاعشاب والتراب والاعشاش والطيور العليلة ولا تبالي بغول المدينة. تمشي نحو ما يتلاشى وما لا يظهر وما يكون صغيرا وهشا. تكتب كما تريد، لا كما يريد الواثقون . بأعواد الثقاب والفراشات والريش، تخيف الوحش الجاثم علينا بالطرق السيارة والاسمنت والزجاج الفظ. «أنت أنت» تكبر فيك الطفولة والشعر كل صباح. أتعلم منك الصمت وبساطة الماء وعناد الاطفال والإصرار على الكتابة ، كأنها البيت والارض والوطن وزرقة السماء وقوس قزح دافئ في زقاق الذكريات. بكتابتك أطمئن على الشهداء والمحاربين القدامى وسيدات الجمال والأبرياء والأنبياء وألوان الطيور ورائحة البحر من فساد المعنى وميوعته. البيوت البيضاء هناك. الأعلام الخاسرة . عربات الزمن القديم. قاعات السينما. المدارس البعيدة . المستشفيات . الحمام البري. «الرسائل التي لا تصل». أطفال حفاة . نساء ينسجن جلابيب في العراء. تراب يحتضر. عصفور جريح. أتذكر كل هذا، وأنا أكتب لك تحية صباح، ليس لي. أتذكر «المقدمة» الحمراء و»مسألة التحرر». بيروتك المنتفضة على الذل . قميصك الابيض النبيل. «تلعثمك» الطفولي. أرى فيك الكاتب المقاوم ، وأطمئن. أرى فيك قلعة الشموخ ، أيها الصعب على الكلمات التي لا تشفيني من طفولتي الجانحة نحو الدموع والغيابات الموجعة . أرى فيك أشجاري لما يصيبني اليتم بالبكاء ولما أحن إلى جوعي وتيهي في «تلك السبعينات الحمقاء». أنت أخي ، لأنك تكتب وتعلمني مالا أعرفه. أنتظر كتابك المقبل، لأفرح بحروفه وغلافه وروحك الصافية فيه. أنتظر في هذا الخريف، وأرسل لك جمر التقدير ودفء الهتافات ، ورياحين الاخوة الكبيرة على هذه الأرض.