زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي ، المستقر في شمال مالي ، معروف بأساليبه المتطرفة، المسؤول عن اختطاف الفرنسيين السبعة في أرليت بالنيجر، بدأ يفرض نفسه تدريجيا كما يتحدى الغرب... لم يذكره أي كتاب عن القاعدة من قبل ، ولم يذكره أي متخصص حتى الآن كأحد الذين يحسب لهم حساب داخل التنظيم الإسلامي. لكن تحت هذا الإسم الحركي، أصبح أبو زيد مرادفا للقسوة. إنه «قاس ودموي» كما تؤكد مصادر مخابراتية فرنسية ومصادر الصحافة الجزائرية . هو المسؤول عن اختطاف سبعة من عمال شركة أريفا وساتوم العاملة في أرليت شمال النيجر، بينهم خمسة فرنسيين ليلة 15-16 سبتمبر الماضي، في جعبته عدة مواجهات دامية مع الجيش الجزائري والمالي والموريتاني والعديد من عمليات اختطاف الرعايا الغربيين. إثنان منهم قتلا، البريطاني إدوين دييرز في يونيه 2009 والفرنسي ميشيل جيرمانو في السنة الموالية. المخابرات الفرنسية تأكدت بأن الفرنسي جيرمانو، البالغ من العمر 78 سنة ، قتل بعد العملية العسكرية الفرنسية الموريتانية المشتركة في 22 يوليوز الماضي. اليوم، يعتبر عبد الحميد أبو زيد (44 سنة ) أحد أخطر أمراء تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ( آخر الفروع المرتبطة بتنظيم أسامة بن لادن)، وكل ما يتعلق به مصنف « أسرار الدفاع». يجلس من أجل الصورة إلى جانب آخر ضحاياه ، رهائن أرليت. الصورة التي نقلتها المواقع الجهادية كدليل على أن الرهائن مازالوا على قيد الحياة، وتأكدت من صحتها المخابرات الفرنسية ، هي جزء من شريط فيديو قصير يظهر فيه الرهائن الفرنسيون الخمسة فقط وهم يخضعون تباعا لسيل من الأسئلة : « ما اسمك؟ ما هي وظيفتك؟ أين تسكن؟ هل أنت متزوج؟...» الإستنطاق يجرى باللغة الفرنسية وينتهي بمرجعية القاعدة في المغرب الإسلامي. الرهينتان الآخران، ملغاشي وطوغولي لا يتكلمان . وغير بعيد ، يجلس أبو زيد بلحيته وعمامته الصفراء، يضع سترة عسكرية فوق جلباب وأمامه رشاش AK47 موضوع على سند ..ويبدو أنه يتحدى العالم . هو الوحيد الذي يظهر بوجه مكشوف من بين 12 رجلا مسلحا ملثمين .هذا المعطى يعتبر أمرا استثنائيا مثل رسالة تبني الإختطاف، ففي رسالة صوتية بثتها قناة الجزيرة يوم 21 سبتمبر ، أعلن صوت ، تم التعرف عليه كصوت صلاح أبو محمدو الناطق باسم القاعدة في المغرب الإسلامي ، أن جماعة من المجاهدين الأبطال نجحت يوم الأربعاء الماضي بقيادة الشيخ أبو زيد في اقتحام الموقع المنجمي الفرنسي في أرليت بالنيجر... بالرغم من الإجراءات العسكرية والحواجز الأمنية المتعددة ، وتمكنت من إحباط جميع إجراءات المراقبة واختطاف خمسة خبراء نوويين فرنسيين...» «الشيخ» وهو كلمة تعني السيد والحكيم، لم تستعمل اعتباطيا، بل هي مؤشر على أن أبو زيد ترقى في سلم تراتبية القاعدة إلى حد أن الخبراء يشيرون إلى أنه الأمير المقبل على كل الصحراء، مكان يحيى جوادي الملقب يحيى أبو عمار غير المعروف... حتى الآن أبو زيد هو قائد كتيبة طارق بن زياد المؤلفة من حوالي مائة رجل مجهزين بالأسلحة والمتفجرات ، على متن سيارات رباعية الدفع ، يجوب رجاله المتمركزون في شمال مالي في منطقة كيدال ومرتفعات إيفوغاس، منطقة شاسعة يحدها شرقا النيجر وجوبا الجزائر وإلى الغرب موريتانيا ، أراضي لا يترددون في اختراقها والتسلل إليها. الفرنسي بيير كامات من بين الغربيين المحتجزين. اعتقل من فندق ميناكا في مالي يوم 26 نونبر 2009 معتقل منذ ثلاثة أشهر ، وهو واحد من القلائل الذين تمكنوا من التحدث مباشرة مع الشيخ أبو زيد، يقول: «جسديا لا يوحي بشيء استثنائي، رجل قصير ونحيف، لكنه يحظى باحترام كبير من المحيطين به». الرهينة السابق ، كان يتحرك باستمرار « كل 12 يوما تقريبا» حسب قوله، كان بين أيدي مجموعة صغيرة من المقاتلين ، يلبس مثلهم حتى لا تتمكن وسائل الإستطلاع الجوية من تمييزه ، تعرض لمعاملة قاسية « كسروا بعض ضلوعي ، اصبت بكدمات ، طلبت مسكنات لكن لا شيء. قيل لي هنا في الصحراء لا يوجد شيء» . لم ير أبازيد سوى أربع مرات دون أن يعرف من هو حقيقة، «رأيته في البداية خلال الإستنطاق الأول لمعرفة هويتي ، ومرتين بعد ذلك، ثم مرة أخيرة عشية الإفراج عني ..، لكنه ، يضيف كامات، لم يقدم نفسه أبدا ، ولم أعرف من هو إلا بعد الإفراج عني. بعد ذلك أحسست برهبة». يتذكر الرهينة السابق أن محاوره كان يستنطقه عبر مترجم بالإنجليزية « كان يريد معرفة إن كنت أعرف مواقع كاتوغرافية عبر الأنتريت، مواقع روسية، مع إمكانيةالحصول على صور فورية». يؤكد دبلوماسي غربي طلب عدم ذكر إسمه ، كان قبل مدة قد تمكن من الإتصال هاتفيا مع أ بي زيد، أن التبادل تم عبر مترجم. وهذا مؤشر على رغبة مقصودة. ويشرح ماتيو غيدير الأستاذ بجامعة جنيف والخبير في شؤون تنظيم القاعدة أنه «بدون شك أكثر قادة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي أدلجة.. يريد تطبيق الشريعة على الجميع بمن فيهم الرهائن . يقبل التفاوض لكن بقواعد مطابقة للشريعة، بوسطاء يعتبر أنهم مسلمون صالحون. يفهم اللغة الفرنسية لكنه يرفض التحدث بلغة المستعمر».تقريبا على نهج أيمن الظواهري، منظر تنظيم القاعدة الذي يتقن الإنجليزية لكنه يرفض التحدث بها. تحت مؤشر QLH250.08 لم يظهر أبو زيد، واسمه الحقيقي، عبيد حمادو، إلا متأخرا بتاريخ 3 يوليوز 2008، على لائحة الأممالمتحدة للإرهابيين المبحوث عنهم في العالم من بين 26 جزائريا آخرين، مقارنة بالمختار بلمختار 38 سنة وهو أمير آخر لتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي الذي يوجد في اللائحة منذ 11 نونبر 2003. الرجلان يعرفان بعضهما جيدا هما من نفس الجيل ، يجوبان نفس المنطقة في الصحراء، تزوجا من عائلات عريقة من قبائل الطوارق، وشاركا في عمليات مشتركة. كلاهما جاء من الجماعة السلفية للدعوة والقتال وريث الجماعة الإسلامية المقاتلة السابقة (GIA). وتلقيا تكوينهما المسلح منذ أزيد من 20 سنة في مراكز تدريب المسلحين الجزائريين. ولكن بين الرجلين فرق شاسع؛ مختار بلمختارقاتل في أفغانستان وأصيب هناك في عينه. أما أبو زيد «فلم يحتل مناصب مهمة داخل الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وقبل أن يقود كتيبة، قاد سرية كما يوضح «لييس بوكرا» مدير المركز الإفريقي للدراسات والبحث حول الإرهاب بالجزائر« إنها ترقية سريعة، استثنائية تقريبا». ويشبهه جان بيير فيليو استاذ العلوم السياسية بباريس وخبير في الجماعات المسلحة، بالزرقاوي المسؤول السابق بالقاعدة في العراق، الذي قتل سنة 2006 «عنيف، كون نفسه بنفسه، له ثقافة محدودة، لكنه يتوفر على إصرار كبير» يقول فيليو « أبو زيد هو إضافة لمسة القاعدة على العصابة ( في المغرب العربي)». «فمنذ قيامه سنة 2007 ظل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي يبحث عن الشرعية تجاه التنظيم الأم والفصيل العربي»، يقول دومينيك توماس الباحث في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الإجتماعية . أبو زيد أكثر صرامة من مختار بلمختار-تمكن من تعويض أغاني الطوارق بقراءة القرآن في معسكرات التدريب- ويعتقد أيضا أنه المسؤول عن أكثر عمليات التنظيم جرأة وإثارة، لكن ليس هناك أي دليل على وجود تنافس بين الرجلين ، بل إنهما يقدمان خلاصة تركيبية مشتركة للعمليات التي ينفذونها كل شهرين في بيان واحد». أبو زيد من مواليد 12 دجنبر 1965، في توغورت وهي واحة تقع في ولاية ورغلة في جنوب شرق الجزائر، غير بعيد عن مدينة حاسي مسعود البترولية. في سن مبكرة، تعاطى للتهريب مع تونس القريبة ، وهو ما جعله ، حسب مصادر جزائرية، يدخل السجن عدة مرات. ومنذ نهاية سنوات 1980، تقرب من الإسلاميين، ومنذ سنة 2003 سنجده إلى جانب إحدى الشخصيات الغامضة في تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال المسمى عبد الرزاق البارا، واسمه الحقيقي هو عماري صيفي مظلي سابق في الجيش الجزائري ، وعضو سابق في الجماعة الإسلامية المقاتلة ، والمسؤول عن عدة عمليات اختطاف سياح أجانب سنة 2003 ، في الجنوبالجزائري ( 32 في المجموع ) ، خاصة من الرعايا الألمان ، سيفاوض الإفراج عنهم بعد ذلك مقابل فدية، وإلى جابه رجل ينفذ العمليات ، إنه أبو زيد. عبد الرزاق البارا المتمركز في منطقة كيدال شمال مالي، سيعتقل في النهاية من طرف تشاد بعد مواجهات مع الجيش، وتم تسليمه لليبيا قبل ترحيله إلى الجزائر في أكتوبر 2004 . ومنذ هذا التاريخ يعتقد أنه في السجن، لكن هناك شبهات بأنه كان مخبرا مندسا يعمل لحساب المخابرات الجزائرية. والشيء الأكيد هو أنه عندما كان يتوجه لحضور مجلس قادة الجماعة السلفية للدعوة والقتال كان دائما يصحب معه مساعده ، عبيد حمادو. وهكذا من منفذ، انتقل أبو زيد إلى قائد عمليات، وقاد في نونبر 2008 عملية اختطاف زوجين نمساويين في جنوبتونس . في تلك الفترة ،توسلت إليه والدته فاطمة حمادو عبر نداء عمومي ، بإيعاز من السلطات الجزائرية، بالإفراج عن الرهينتين . وهي أيضا التي تحدثت في مجلة باري ماتش في المقال الصادر في 30 سبتمبر ودعت الله أ«ن يهديه ويعيده إلى الطريق المستقيم».أما والده بلعباس فقد توفي منذ مدة. وداخل التنظيم الهرمي لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي كل شيء ما زال يمر عبر الأمير القائد عبد المالك دروكدال الملقب أبو مصعب عبد الودود، المقرب من أبو زيد . لكن نشاط زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي محصور في شمال الجزائر في منطقة القبائل التي لا يستطيع الخروج منها. وبالتالي فإن التحول الحقيقي الذي طرأ على الجماعة السلفية للدعوة والقتال - استيراد أساليب القاعدة، تدويل معاركها - أصبح يجسده وجه جديد ، إنه أبو زيد. عن لوموند: بقلم إيزابيل ماندرو