بالأمس القريب، ودعنا المقاوم التونسي المغاربي الكبير حافظ ابراهيم الى دار البقاء، للأسف الشديد، لم تكلف وسائل إعلامنا بكافة أنواعها حتى عناء بث خبر صغير عن رحيله، لأنها في ما يبدو، مكلفة بمهام أخرى وبانشغالات أكبر، وفي المقدمة التصدي لرموز الحركة الوطنية المغربية ومحاولة محو وتسفيه جزء من تاريخنا المشرق، لدرجة أن بعض الكتبة الأزلام أصبح لا يجد حرجاً في النبش في ما يجهله، حيث وصلت الوقاحة الى قذف أنبل ما أنجب بلدنا في تاريخه من أبطال. بالأمس القريب، ودعنا المقاوم التونسي المغاربي الكبير حفيظ ابراهيم الى دار البقاء، للأسف الشديد، لم تكلف وسائل إعلامنا بكافة أنواعها حتى عناء بث خبر صغير عن رحيله، لأنها في ما يبدو، مكلفة بمهام أخرى وبانشغالات أكبر، وربما في المقدمة التصدي لرموز الحركة الوطنية المغربية ومحاولة محو وتسفيه جزء من تاريخنا المشرق، لدرجة أن بعض الكتبة الأزلام أصبح لا يجد حرجاً في النبش في ما يجهله، حيث وصلت به الوقاحة الى قذف أنبل ما أنجب بلدنا في تاريخه من أبطال. اليوسفي ناب عنا جميعا غير أن رجلا يدعى عبد الرحمان اليوسفي ناب عنا جميعاً عندما تسلل في صمت للمشاركة في تشييع جثمان الفقيد بالديار الإسبانية رغم تقدم سنه ووضعه الصحي أطال الله عمره. ليعود بعد ذلك الى المغرب، ويعمل على تشكيل وفد من قادة المقاومة وجيش التحرير، ضم في عضويته كلا من المقاوم الغالي العراقي والمقاوم محمد بنسعيد، حيث سافروا إلى إسبانيا للترحم على روح الفقيد وتقديم التعازي باسم المغرب الى عائلته. واليوم، والمغرب يحتفل بذكرى 20 غشت، ذكرى ثورة الملك والشعب، فمن بقي يتذكر من المغاربة بأن في بيت المناضل الفقيد حفيظ إبراهيم بإسبانيا، اتُّخِذَ قرار إحياء هذه الذكرى على المستوى المغاربي؟ بل في بيت هذا المناضل وقع اتفاق بين قيادتي المقاومة المغربية والمقاومة الجزائرية على إحياء ذكرى 20 غشت 1955 ، ذكرى نفي محمد الخامس، بانتفاضة مسلحة عارمة في كل من الجزائر والمغرب. وفي ذات البيت، بيت المناضل حفيظ إبراهيم وقع التحضير لانتفاضتي وادي زم بالمغرب وسكيكدةبالجزائر في 20 غشت 1955. وتنفيذاً لقرار القيادة العليا المشتركة، قامت قيادة جبهة التحرير الجزائرية في ولاية الشمال القسطنطيني في 20 غشت 1955 بتنفيذ القرار في منطقة سكيكدة، لكونها تعد في نظر المعمر الفرنسي النموذج الأمثل لنجاحه على أرض الجزائر. ففي الصباح الباكر من 20 غشت 1955 قام البطل الشهيد زيغوت يوسف، مسؤول جبهة التحرير بقيادة هجوم جماعي لأزيد من 2000 جزائري مسلحين بالمعاول والمدي والعصي، يؤطرهم مجاهدون من جيش التحرير من الجبال المحيطة بسكيكدة في اتجاه المراكز الحضرية، مستهدفين مزارع المعمرين ومنشآتهم الاقتصادية، حيث ألحقوا بها خسائر فادحة، ونفذوا حكم الإعدام في المئات من المعمرين ومن الخونة وسط حماس الجماهير وزغاريد النساء. وتكاد تكون معركة سكيكدة نسخة مطابقة لمعركة وادي زم بالمغرب، توقيتاً وتخطيطا واختياراً، نظراً لتمركز المعمر بمنطقة خريبكةووادي زم الغنية بالفوسفاط. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح هذا الحدث يحمل في المغرب اسم «ثورة الملك والشعب» باقتراح من المجلس الوطني للمقاومة المغربية الذي نظم الاحتفال الأول في 20 غشت 1956، وأصبح يحمل كذلك اسم: «اليوم الوطني للمجاهد» بالجزائر، تخليداً لآلاف المجاهدين الذين استشهدوا في هجومات الطيران الفرنسي عقب معركة سكيكدة. واليوم، نحيي هذه الذكرى المجيدة التي امتزجت فيها دماء المغاربة بدماء إخوانهم الجزائريين، وتآلفت قلوبهم وتعانقت أرواحهم فهبوا خفافاً للدوذ عن الأرض والمصير المشترك. ألا يحق لنا أن نسائل حاضرنا انطلاقا من ماضينا؟ ألا يحق لحركة سياسية مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن تسائل الاخوة الأشقاء في الجزائر، ليس بوصفها حزبا سياسيا بل لكونها استمرارا لحركة التحرير الشعبية ببلادنا، أن تسائلهم إلى أين نمضي؟ وإلى متى هذه المضيعة للوقت؟ وهل يقتضي الوفاء للعهد كل هذا الجفاء وهذه المشاكسة؟ مهما يكن، فلن نسمح لأنفسنا بأن نتحول إلى مطمع لغاصب أو نتخلى يوما عن جزء من وطن أو عن حفنة تراب من كميائه تشكلت عظامنا. الجزائر تقرر المصير على طريقتها كلما التقينا ببعض المسؤولين الجزائريين وحاولنا مفاتحتهم في مناقشة مصيرنا المشترك، إلا وتهربوا معتبرين أن ما يقومون به نابع من حرصهم على الدفاع عن قيم ومبادئ الثورة الجزائرية. هل صحيح أن الجزائر دولة مبادئ؟ وأن كل ما تقوم به ضد المغرب نابع بالأساس من دفاعها عما تؤمن به، وفي مقدمة ذلك مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها ومن ثم دعمها لتقرير مصير الشعب الصحراوي الشقيق كما تدعي؟. المؤسف أن حكام الجزائر تناسوا أنهم قرروا المصير (الذي يدعون أنهم يدافعون عنه) نيابة عن الآخرين فأنشأوا منذ البدء لأزيد من ثلاثة عقود)، دولة وأطلقوا عليها إسم: الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية R.A.S.D واختاروا لها علما هو نفس علم دولة الجزائر مضافا إليه جزء من علم فلسطين ثم جندوا أجهزة مخابراتهم واستنفروا آلتهم الديبلوماسية التي ورثوا من كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، مستغلين ما كانت تحظى به من إشعاع وتعاطف، فأسسوا لهذه الدولة الوهمية سفارات بالخارج، وهكذا وقع «في ما يشبه لمح البصر» تبادل سفراء مع قرابة «ستين دولة» جلها مشترى من سوق الفقر والتخلف على حساب معاناة الشعب الجزائري الشقيق الذي لايزال هو الآخر يركب قوارب الموت في عرض البحر الأبيض المتوسط، عوض أن يكون في وضع المنافس للدولة البترولية الخليجية. وتوج هذا المسلسل بإبعاد المغرب من حضيرة منظمة الوحدة الافريقية للأسباب المعروفة والتي جاهرنا برأينا فيها، بل وأدينا ثمن موقفنا الوطني غاليا حيالها. وللسبب ذاته استدرجت الدبلوماسية الجزائريةجنوب افريقيا إلى جانب أطروحتها باعتبارها دولة جسرا تَعْبُر من خلالها إلى عدد من الدول الافريقية، وباعتبار مانديلا اسما مقرونا بالتحرر من العنصرية والأبارتهايد، ورمزا للتضحية في سبيل ذلك. إنه الثمن الذي كان على حركات التحرر أن تدفعه للجزائر كتعويض عن فتح مكاتبها بالجزائر العاصمة وإقامة ممثليها بها ومن ضمنها حركة (A.N.C) المؤتمر الوطني الإفريقي. ونعود إلى طرح السؤال: ماذا تريد الجزائر من وراء هذه القيامة التي أقامتها لما يقارب أربعين سنة، أي قبل انطلاق المسيرة الخضراء؟ هل حقا تريد تقرير المصير؟. كم نبه فقيدنا الكبير عبد الرحيم بوعبيد حكام الجزائر إلى خطورة المشوار الذي يسلكونه وإلى خطورة التمسك بالطرح الأعمى لمبدأ تقرير المصير الذي يدعون إليه في الصحراء. ذلك أن الصحراء واحدة، شرقية كانت أم غربية، وأن تاريخها واحد. وأنها كانت كلها في فترات تاريخية معلومة تابعة للمغرب، لذلك اذا صح تقرير المصير على الصحراء الغربية، فهو يصح كذلك على الصحراء الشرقية والوسطى أي الصحراء التي توجد الآن تحت نفوذ السلطة الجزائرية، الصحراء التي وقف المغرب بالأمس من أجلها وقفة حاسمة أمام مناورات الاستعمار الفرنسي الذي كان يرمي إلى خلق دويلة صحراوية جنوبالجزائر باسم مبدأ تقرير المصير، دويلة يحتفظ لنفسه بثرواتها البترولية ويتخذها حقلا لتجاربه النووية ومقبرة لدفن نفاياته السامة. لقد استغل حكام الجزائر رصيد الثورة الجزائرية وعاشوا تحت ظل أمجاد وتضحيات الشعب الجزائري الشقيق وتناسوا ما قدمه المغرب من مطلق الدعم والمساندة، بما في ذلك تأجيل رسم الحدود الشرقية إلى حين تحرير الجزائر من الاستعمار. ولم يخطر قط ببال المغاربة أنهم سيتعرضون لعمليات احتجاز رهيبة، وسيكونون عرضة لعملية طرد جماعي وحشي إلى الحد الذي فُرّق فيه بين الزوجة وزوجها ، وبين الأم وأطفالها مع الحرمان من الأمتعة وقطع الأرزاق والتجريد من كل الممتلكات. هواري بومدين يفبرك ملف الصحراء لقد أخطأ الرئيس الجزائري الراحل، هواري بومدين، الحساب عندما اعتبر نفسه يمثل نظاما تحرريا ثوريا، وأن هذا النظام محط إشعاع دولي، ومدعوم من طرف المعسكر السوفياتي(آنذاك) وما يدور في فلكه من دول ومنظمات دولية، نقابية وشبيبية متعددة، مثل مجلس السلم العالمي، ومنظمة دول عدم الانحياز، الفيدرالية النقابية العالمية والفدرالية الديمقراطية للشباب العالمية، والاتحاد العالمي للطلاب وغيرها، فاعتبر أن فرصة الانقضاض على الصحراء سانحة، خاصة إبان ظرفية إسبانية استثنائية، بل وشديدة التعقيد، لما تطرحه من أسئلة حول مصير ومآل الوضع الإسباني بعد رحيل الجينرال العجوز فرانكو، المحتضر آنذاك. أما المغرب، في نظر بومدين، فإنه «في وضع من الضعف والترهل لا يحسد عليه، لأن الأمر يتعلق بنظام ملكي رجعي، معزول على المستوى الخارجي، ومواجه في ذات الوقت بمعارضة داخلية قوية يقودها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية». لم يخطر ببال معسكر الجزائر بقيادة بومدين أن قيادة المقاومة وجيش التحرير بالمغرب، وأن حفدة عبد الكريم الخطابي وشيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي.. لم يخطر بباله أن عبد الرحيم بوعبيد، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الذي قاد معركة استقلال المغرب ضمن ثلة من القادة السياسيين والمقاومين بعد نفي ملك المغرب محمد الخامس، ومحاولة استبداله بآخر.. أنه يستهيل أن يساوموا على ذرة رمل من وطنهم. لذلك كان الإخوة المغتربون (المنفيون) بالخارج: بالجزائر وفرنسا تحديدا، هم أول من أخطر الفقيد عبد الرحيم بما تحيك الجزائر من مناورات، وما أجرته معهم، ومع بعض العناصر المنحدرة من الصحراء، ومن موريتانيا، من اتصالات، قصد استمالتهم لأطروحتها. عاد عبد الرحيم بوعبيد إلى المغرب مباشرة، بعيد لقائه بالإخوة في باريز برئاسة الأخ عبد الرحمن اليوسفي. وفور وصوله إلى المغرب، طلب مقابلة الملك الراحل الحسن الثاني، وأطلعه على تفصايل المؤامرة الجزائرية. بعد صمت (يحكي لنا عبد الرحيم)، جال الحسن الثاني بناظرية في الأعالي، وأطرق هنيهة ثم قال: «لقد أضعنا الكثير من الوقت أسي عبد الرحيم، وما علينا اليوم إلا أن نتدارك». وهكذا انطلق في المغرب مسلسل آخر... وبذلك وضع حد لحالة الاستثناء.