في ليلة يوم الأحد 11 يوليوز 2010 انتقل عميد المناضلين والمقاومين المغاربيّين المقيمين بالخارج، الدكتور حافظ إبراهيم إلى الرفيق الأعلى وذلك ببيته بالعاصمة الاسبانية مدريد عن سنّ تناهز 94 سنة. وقد ووري جثمانه الطاهر الثّرى يوم الاثنين 12 يوليوز بالمقبرة الإسلامية بغرينون من ضواحي مدريد. وكان في توديع الفقيد المناضل أفراد عائلته وعدد من الشخصيات الإسبانية والمغاربية الرفيعة. ونظرا للخدمات السياسية الجليلة التي قدّمها الفقيد الراحل لفائدة القضية الوطنية وقضايا تحرّر أقطار المغرب العربي من الاستعمار الفرنسي والقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، يتحتّم علينا اليوم كمؤرخين وباحثين أن نعرّف بالرجل وبمسيرته النضالية للأحيال التي لا تعرفه وذلك اعترافا منّا له بالجميل وبمزاياه وأفضاله التي لا تحصى على هذا الوطن، وعلى أقطار شمال إفريقيا عموما علما بأنّه قد ربطتنا بالرجل وبعائلته علاقات وطيدة تعود إلى مدة تفوق 10 سنوات، كانت قد أثمرت بيوغرافيا علمية اعتمدنا فيها بالأساس على شهادة المترجم له نفسه وبعض الوثائق من أرشيفه الخاصّ وعديد المصادر والمراجع المتّصلة بنضاله، وأخيرا على التقارير التي اهتمّت به وبالأشخاص والتنظيمات التي ارتبطت به، والمودعة في عدد من مراكز الأرشيف العمومي بكل من فرنساوتونسوإسبانيا...1. نشأته وتكوينه: ولد حافظ ابراهيم بقرية أكودة بالسّاحل التونسي في 14 ماي 1916 وسط أسرة عريقة علمًا ونسبًا. شارك جده إبراهيم في حرب القرم إلى جانب الأتراك واستشهد في إحدى المعارك ضد الجيش الروسي. أمّا والده الشيخ راجح إبراهيم (...-1933) فقد كان إماما عالما ومثقّفا محافظا (منارة الساحل كما يدعى في الصحف التونسية حينئذ). بعد تخرّجه من جامع الزيتونة سنة 1903 عُيّن قاضيا بمحكمة الدريبة بتونس العاصمة لكنّه آثر الانتصاب كوكيل بمدينة سوسة أمّا والدته فهي عائشة بنت الكناني من أول العائلات المتعلّمة بالبلدة. كان حافظ آخر أبناء الشيخ راجح الثلاثة (ابنان وبنت) يواجه منذ صغره صعوبات صحية بسبب نحافته ومرضه المتواصل. فقد كان حسب شهادته يذهب إلى المدرسة حاملا معه الحراب السينغالي وأحيانا المسدّس للدفاع عن النفس، وهو ما سيكسبه أهليّة بالسّلاح وبالحروب والمعارك. في سنّ الثامنة التحق حافظ ابراهيم بالمدرسة الابتدائية العربية- الفرنسية بأكوده (التي تأسّست سنة 1910) فأظهر تفوّقا من بين أترابه. وفي سنة 1929 اجتاز بتفوّق شهادة ختم الدروس الابتدائية ليلتحق في السنة الموالية بكوليج سوسة. وأمام ما أظهره من تفوّق، التحق في السنة الموالية بالقسم الرابع عوضا عن الخامس. وفي ماي من سنة 1930 شارك في إضراب نظّمه تلامذة المعهد احتجاجا على الاحتفال بمائوية الإحتلال الفرنسي للجزائر وتنظيم المؤتمر الأفخارستي بتونس، فتمّ طرده لمدة عن الدروس بتهمة تنظيم إضراب والتحريض عليه. وفي سنة 1934 اجتاز امتحان البكالوريا «شعبة الفلسفة» بتفوّق وكان اختياره على موضوع في مادة الفلسفة عن النوم، نال فيه أحسن عدد في الإيالة التونسية وربّما في الامبراطورية الفرنسية (18 من 20) أمّا الإختبار الشفاهي فقد اجتازه أمام الفيلسوف الفرنسي الشهير ريني بواريي «Réné Poirier» الذي نوّه بمستواه وصوّب له بعض الأجوبة ودفعه لدراسة الفلسفة بفرنسا. وتشاء الصدف أن يجد هذا الأستاذ ضمن أساتذته بالسربون في السنة الموالية. دراسته العليا ونضاله الطلابي بفرنسا: في أكتوبر 1935 التحق الشّاب حافظ ابراهيم بالعاصمة الفرنسية باريس لدراسة الفلسفة حيث تتلمذ في سنته الأولى على كبار الأساتذة الفرنسيّين من أمثال بول فاليري «Paul Valéry» وريني بواريي «Réné Poirier»... كما حضر دروسا لكل من إميل أوگيست شارتيي «Emile Auguste Chartier» المعروف باسم آلان «Alain». غير أنّ صدور مرسوم وزاريّ في نهاية سنة 1935 يقضي بأنّ لا يُسمح بتدريس الفلسفة لغير الفرنسيّين، جعله يتوجّه للترسيم بشعبة الطب بمدينة مونبيليي، حيث تعرّف على عديد الطلبة المغاربة بمقهى ريشليو من أمثال: أحمد العلوي، عبد اللطيف بن جلّون، والمهدي بن عبّود الذين درسوا الطب. وفي 6 جوان 1944 تمكّن من النجاح والتخرّج بعد أن أتمّ كل تربّصاته بمستشفى مونبيليي (بين 1939 و 1940) وبالمستشفى المختلط العسكري- المدني بمدينة بايون بين 1940 و 1941 ثمّ بالمستشفى الاسلامي ببوبيني من ضواحي باريس بين 1941 و 1944 )وذلك بحكم اندلاع الحرب العالمية الثانية وانتصاب السلطات الألمانية بأغلب المدن الفرنسية. منذ سنته الأولى بباريس انخرط حافظ إبراهيم بجمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا ليصبح عضوا بمكتبها مكلّفا بالأرشيف والمكتبة خلال السنة الجامعية 1935-1936 . كما تردّد على مقرّ جمعية نجم شمال إفريقيا حيث تعرّف على كل من خيضر عمّار ومحمّد الجيلاني. وأثناء الحرب العامية الثانية ولأسباب أمنية انتقل من مدينة بايون إلى الجزائر العاصمة حيث مكث ثلاثة أشهر تعرّف خلالها على كل من عبد الكبير الفاسي والمهدي بن بركة اللّذان كانا يدرسان بكلية العلوم هناك. وفي مطلع سنة 1944 وبموافقة من السطات الألمانية التي أصبحت صاحبة السيادة بفرنسا منذ جوان 1940 تمّت إزاحة المكتب الإداري القديم لجمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا، وتكوين مكتب جديد أصبح على إثره حافظ إبراهيم رئيسا لهذه الجمعية الطالبة العريقة يساعده في ذلك كل من: محمّد الدوخ - من الجزائر - (نائب رئيس)، وأحمد العلوي - من المغرب - (كاتب عام)، ومحمّد الميلي - من تونس - (أمين مال)، ومصطفى عون - من تونس- (كاتب عام مساعد) وخلال الجلسة الافتتاحية للمكتب الجديد ألقى الطالب حافظ إبراهيم خطابا هاما ذكّر فيه بدقة الوضع السياسي بأقطار المغرب العربي الخاضعة للاستعمار الفرنسي منذ القرن التاسع عشر، وبدقّة المرحلة الحاليّة في الكفاح الوطني وإمكانية الاستفادة من الظرفية الناجمة عن الاحتلال الألماني لفرنسا ولشمال إفريقيا. وقد أثار هذا الخطاب حفيظة السلطات الفرنسية التي رأت فيه دعوة صريحة إلى التعاون مع السلطات الألمانية فاتّهمته بالتعاون مع العدو بالتنسيق مع مجموعة المغربي أحمد بن موسى و»التونسي» عبد الرحمان ياسين. وبالتوازي مع هذا النشاط الطلابي كثّف حافظ إبراهيم اتّصالاته بمجموعة الشّعبة الدستورية للحزب الدستوري الجديد بباريس التي توقّفت عن النشاط منذ مداهمة مقرّها بالحيّ اللاتيني وتفتيشه إثر أحداث 9 أفريل 1938. وعلى إثر إنزال جيوش الحلفاء بفرنسا في 6 جوان 1944 وتحسّبا لإمكانية إلقاء القبض عليه ومحاكمته من طرف السلطات الألمانية بتهمة التعامل مع المحور بعد تحرير التراب الفرنسي، غادر حافظ إبراهيم خفية فرنسا في غشت 1944 على متن زورق صغير نهرا في اتّجاه إسبانيا حيث استقرّ إلى غاية وفاته. وفي أواخر غشت 1945 التحقت به زوجته هيلان (فرنسيّة من أصل إيطالي كانت عائلتها قد فرّت من بطش النظام الفاشي منذ وصول موسوليني إلى الحكم بإيطاليا). وكان قد أبرم عقد زواجه بها بجامع باريس على يدي الشيخين معروف الدواليبي وعزّة الطرابلسي. ٭ نضاله السياسي بإسبانيا: من طبيب إلى صاحب مخبر للأدوية بعد إقامته لفترة وجيزة بمدينتي سان سيباستيان «Saint Sébastien» و فونتارابي «Fontarabie» على الحدود الفرنسية - الاسبانية توجّه حافظ إبراهيم إلى مدريد بغاية الاشتغال بالطب، غير أنّ القانون الاسباني كان يمنع ممارسة هذه المهنة من قبل حاملي الشهادات الأجنبية. لذلك اضطرّ إلى فتح مخبر للأدوية مستغلاّ دراسته لفترة وجيزة لمهنة الصيدلة. وقد نجح في ذلك بفضل مساعدة زوجته والسلطات الإسبانية. وقد بقي يدير هذا المخبر الذي حقّق شهرة واسعة على الصعيد الدولي طيلة قرابة نصف قرن إلى غاية إيثاره تلقائيا منذ قرابة عشرين سنة غلقه والركون إلى الراحة بسبب تقدّمه في السنّ. غير أنّ هذه المهنة لم تكن إلاّ عطاءً لنشاطه السياسي وتحديدا لفائدة قضايا التحرّر بأقطار المغرب العربي. داخل «مكتب استعلامات العالم العربي»: بحكم العلاقة التي ربطته بعبد الرّحمان ياسين وأحمد بن موسى منذ فترة إقامته بفرنسا، وحسب تقارير الشرطة الفرنسية انضمّ حافظ إبراهيم منذ وصوله إلى إسبانيا إلى «مكتب استعلامات العالم العربي» الذي بعثه عبد الرّحمان ياسين بمدريد إبّان الحرب العالمية الثانية بالتعاون مع جهاز المخابرات الإسبانية و إشراف العقيد كرّي كوري، والذي تواصل عمله إلى غاية سنة 1948 بوفاة عبد الرّحمان ياسين. غير أنّ حافظ إبراهيم ينفي انضمامه لهذا المكتب الذي كان على صلة متينة بمفتي فلسطين، الحاج أمين الحسيني وبعديد الوطنيّين التونسيّين القادمين من ألمانيا عبر التراب الفرنسي على غرار: الحبيب ثامر، الرشيد إدريس، مصطفى العربي والهادي السعيدي والطيّب سليم وحسين التريكي والصادق بسباس... وإن لم تكن لدينا معلومات دقيقة حول نشاط هذا المكتب ونوعية الخدمات التي قدّمها للقضية الوطنية والدور الذي اضطلع به حافظ إبراهيم داخله، فإنّ هذا المكتب قد نجح في حماية الوطنيّين التونسيّين الذين «تورّطوا» في التعامل مع قوات المحور وتمكينهم من الاستقرار بإسبانيا. كما أنّ حافظ إبراهيم قد نجح إلى حد كبير في رفع الشبهات عنه والنشاط داخله ثمّ خارجه والنجاح في التمويه على أعوان الشرطة الفرنسية ممّا جعل أحدهم يصفه في أحد التقارير ب «الذكيّ جدا والخطير جدا»Très intelligent et très dangereux «! مساندة القضية الوطنية والتعريف بها في الخارج: بعد المحطة الأولى من نضاله الوطني بفرنسا، واصل حافظ إبراهيم نضاله لفائدة القضيّة الوطنية لبلاده انطلاقا من مدريد. تشير التقارير الاستخباراتية ووثائق الأرشيفات العمومية الفرنسية والإسبانية إلى حرصه المتواصل على التعريف بتونس وبالحزب الدستوري ومطالبه من فرنسا، سواء لدى الأوساط السياسية الإسبانية والأجنبية المعتمدة بمدريد، أو من خلال زيارته للعديد من الأقطار الأوروبية والعربية - الإسلامية التي تربطه بها علاقات عمل. وقد استغلّ في كل ذلك شبكة العلاقات التي كانت تربطه بالعديد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية الدولية دون أن يتمّ تكليفه رسميا بذلك من قبل أيّ طرف أو تنظيم سياسي بتونس، فكان بذلك خير سفيرا للقضيّة التونسية بالخارج، غير أنّ نشاطه الحقيقي لم ينطلق إلا بداية من سنة 1952 إثر فشل تجربة الحوار مع فرنسا واندلاع المعركة التحريريّة. في أواخر يناير 1952 سافر حافظ إبراهيم إلى مصر حيث التقى بالزعيم صالح بن يوسف ليعرض عليه إمكانية تزويد المقاومة التونسية بالسّلاح، غير أنّه لم يتّفق مع بن يوسف حول طريقة العمل والوسائل التي يجب اتّباعها في المقاومة. وفي الحقيقة يمكن تفسير هذا الاختلاف بين الرجلين باحتراز صالح بن يوسف ومن ورائه الحبيب بورقيبة وربّما رفضهما التعاون معه تماما بسبب ماضيه القريب و»نورّطه» مع الألمان إبّان الحرب العالمية الثانية. وقد تأثّر حافظ إبراهيم بهذا الصد من طرف زعيم الحزب أيّما تأثّر ممّا جعله يكتب في رسالة وجّهها إلى الباهي الأدغم المقيم بنيوورك بتاريخ 6 شتنبر 1952 قائلا: « ...ولقد ذهبت إلى الشّرق في الحقيقة لا للتجارة والاطلاع، ولكن قبل كل شيء لمد يد المساعدة لإخواني، ناسيا الماضي بما فيه من ضغن وإحن... ولكن يا للأسف إذ وجدت غير ذلك ورجعت بحزن يعقوب على يوسف يوم كاد أن يقتله اخوته...». إثر ذلك توجّه حافظ إبراهيم إلى كل من العراق وسوريا ولبنان داعيا إلى القضية التونسية. كما زار إيران ومكث بها شهرا كاملا في ضيافة أبي القاسم الكاشاني الذي اتّفق معه على إقامة مؤتمر إسلامي بالتنسيق مع رئيس وزراء تركيا مندريس الذي كان قد التقى به في تركيا خلال شهر رمضان من نفس السنة. وعلى إثر وصول الضبّاط الأحرار بمصر برزت في أوساط بعض الوطنيّين المغاربيّين المقيمين بالقاهرة فكرة بعث جيش تحرير المغرب العربي. وتنفيذا لذلك التقى عبد الكبير الفاسي بحافظ إبراهيم ليعلمه إثر لقاء جمعه بجمال عبد الناصر بالقاهرة عبر أستاذ القانون حسن أبو السعود، غير أنّ الزعيم المصري اقترح عليه لتنفيذ المشروع إقصاء علاّل الفاسي من هذا التنظيم، وهو ما رفضه قطعيّا حافظ إبراهيم بقوله : «...إذا ما رفض المصريّون مساعدتنا سنبحث عن حلّ آخر...» وقد سانده في ذلك عبد الكبير الفاسي وعبد الرحمان اليوسفي. وفي شهر فبراير 1955 غادر حافظ إبراهيم إسبانيا بواسطة جواز سفر مزيّف سلّمه له عبد الكبير الفاسي متوجّها إلى جينيف للإتّصال بصالح بن يوسف قصد إقناعه بإمكانية التدخّل لدى بورقيبة كي يوقف مفاوضات الاستقلال الداخلي مع فرنسا. غير أنّ صالح بن يوسف سخر من مقترحه واكتفى بالقول له: «... هل أنّ مفرقعات الدارالبيضاء جعلتك تحلم بأشياء خيالية ! » . وفي سنة 1956 ساند حافظ إبراهيم مبادرة بعث قيادة موحّدة لجيوش تحرير المغرب العربي تضمّ كلا من: أحمد بن بلّة (كممثّل عن جبهة التحرير الجزائرية) وعبد الكريم الخطابي (كممثّل عن جيش التحرير المغربي) والطاهر الأسود (كممثّل عن المقاومة اليوسفيّة)، إضافة إلى العقيد عزّ الدين عزّوز، بمعنى أنّه قد انحاز إلى صالح بن يوسف على منافسه الحبيب بورقيبة، كما تثبته المراسلات بين الرجلين منذ سنة 1955، وهو ما جعل بورقيبة يصنّفه ضمن «اليوسفيّين» ولا يرغب في ملاقاته لعدة سنوات. وإثر حصول تونس على الاستقلال التامّ ظلّ حافظ إبراهيم يتردّد على تونس وتحديدا على مسقط رأسه قرية أكودة. وقد توصّل بعض المقرّبين منه إلى المصالحة بينه وبين بورقيبة الذي لم يتردّد أثناء زياراته الرسمية إلى إسبانيا في زيارته صحبة حرمه وسيلة بن عمّار ببيته بمدريد والتباحث معه حول مجالات التعاون التونسي- الإسباني. كما نسج على نفس المنوال العديد من كبار المسؤولين في الحكومة على غرار: الباهي الأدغم، الهادي نويرة، الأستاذ محمود المسعدي، الهادي البكوش... هذا لم يدّخر حافظ إبراهيم أيّة جهد في القيام بمساعي وساطة لإذابة الجليد الذي قد يطرأ من حين إلى آخر على العلاقات بين تونسوإسبانيا أو بين تونس وبعض الدول المغاربية المجاورة أو بين هذه الدول وإسبانيا وحتى بعض الدول الأوروبية التي تربطه بها صداقات. وهكذا ساهم حافظ إبراهيم من موقعه بفرنسا كطالب ثمّ من إسبانيا في التعريف بالقضيّة التونسية وكسب أنصار لها في الخارج، غير أنّ تجاوب الوطنيّين معه لم يَرْقَ إلى درجة عليا مقارنة بما بلغه تعامله مع الوطنيّين في المغرب والجزائر، وذلك بسبب علاقته بقوّات المحور إبّان الحرب العالمية الثانية. 1 المزيد التفاصيل حول الدكتور حافظ إبراهيم ونضاله المغاربي أنظر دراستنا بعنوان: مقدمة لدراسة مساهمة الحكيم حافظ إبراهيم في النّضال ضد الاستعمار الفرنسي بشمال إفريقيا، المجلة التاريخية المغاربية، عدد 102-103، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، زغوان مارس 2001، ص ص 47- 65. و كذلك كتاب محمّد خليدي و حميد خبّاش، جهاد من أجل التحرّر: الحكيم عبد الكريم الخطيب ? الحكيم حافظ إبراهيم، منشورات إفريقيا، الطبعة الأولى، الرباط، 1999، 92 صفحة. وقد أمدّنا الدكتور حافظ إبراهيم من مدريد بنسخة من هذا الكتاب أرفقها بكلمة رقيقة بخط يده بتاريخ 27 سبتمبر 2000، وذلك عن طريق ابنته الزميلة عائشة إبراهيم، أستاذة اللغة والآداب الفرنسية بكلية العلوم الإنسانية والإجتماعية بتونس. الدكتور حافظ إبراهيم و تموين ودعم المقاومة المغربية المسلّحة تموين ودعم المقاومة المغربية المسلّحة: منذ اندلاع المقاومة المسلّحة رسميّا بالمغرب الأقصى في 20 غشت 1953 وتنامي حاجتها للسّلاح والذخيرة اتّصل قادة المقاومة المغربية بحافظ إبراهيم عبر عبد الكبير الفاسي. وعلى إثر لقائه بالزعيم علاّل الفاسي بالقاهرة، بدأ حافظ إبراهيم في مد يد المساعدة للمقاومة المغربية منذ شهر شتنبر 1953 عبر ربط قادتهم وموفوديهم بالتجّار الإسبان المختصّين في ترويج الأسلحة. كما أعد للمقاومة شبكة محكمة التننظيم لنقل السلاح والذخيرة من مدريد وبرشلونة في اتجاه المدن المغربية وأساسا الدارالبيضاء، مستخدما خدمات البعض من أعوان الشرطة والجمارك بكل من إسبانيا والمغرب. كما نجح في إفراغ شحنة الباخرة الأردنية «ديناDina» التي غرقت في عرض سواحل مدينة الناظور وهي محمّلة بحوالي 750 قطعة سلاح، كانت موجهة من مصر إلى المغرب. وفي أواخر سنة 1954 وبالتعاون مع زعيمي جبهة التحرير الجزائرية، أحمد بن بلّة والعربي بن مهيدي، سعى إلى نقل العمل المسلّح المغربي إلى داخل فرنسا، غير أنّ مساعيه قد اصطدمت بيقظة البوليس الفرنسي. وأمام إقدام السلطات الفرنسية على تسليط كل أشكال التعذيب على رموز المقاومة المسلّحة بالمغرب قصد الحصول على أكثر ما يمكن من معلومات حول المقاومة أثناء عمليات الاستنطاق فقد طلب من حافظ إبراهيم إعداد أقراص تُعجّل بوفاة المقاوم، فما كان منه إلاّ أن قدّم لهم أقراص «ستركيلين» التي تمّ استخدامها في الغرض. ورغم امتلاكه للسّلاح ببيته فقد طلب منه إبراهيم فردوس سلاحا لقتل القايد المتواطئ مع فرنسا، التّهامي القلاوي أثناء زيارته لمدريد وإقامته بنزل «البلاص»، لكنّه رفض ذلك بدعوى ضرورة استمالته وأمثاله كمبارك الجديدي وبولعيش وغيرهم إلى الصفّ الوطني. ولم تتوقف علاقة الدكتور حافظ إبراهيم بالمغرب الأقصى عند الاستقلال التامّ لهذا البلد في 2 مارس 1956، بل تواصلت إلى ما بعد هذا التاريخ حيث حافظ على علاقاته بأبرز رموز المقاومة الذين تقلّدوا مناصب عليا في الحكومة والإدارة المغربية الجديدة، كما ربطته علاقة متينة بالملك محمّد الخامس. وفي هذا الصدد يكفي القول بأنّ حافظ إبراهيم هو الذي أقنع الملك محمّد الخامس بوجوب التحوّل إلى تونس رفقة قادة جبهة التحرير الجزائرية لعقد الندوة التونسية - المغربية حول القضية الجزائرية. غير أنّ السّلطات الفرنسية قد أقدمت على تحويل وجهة الطائرة المقلة لهم وإنزالها عنوة بمطار الجزائر العاصمة يوم 22 أكتوبر 1956. ولم تتوقّف علاقة الدكتور حافظ إبراهيم بالأسرة العلوية بالمغرب على الملك محمّد الخامس، بل تواصلت مع الملك الجديد الحسن الثاني منذ تسلّمه مقاليد الحكم بالمغرب بعد وفاة والده سنة 1961. فكان كلّما حلّ بالمغرب يُستقبل كشخصية سياسية مرموقة، كما كان يكلّف من حين إلى آخر من طرف المَلِكَيْن ببعض المأموريات الديبلوماسية الصعبة بمدريد أو بالجزائر العاصمة أو من طرف الحكومة الإسبانية لدى الحكومة المغربية بالرّباط. بطاقة مقاوم مسلّمة من السلطات المغربية للدكتور حافظ إبراهيم بتاريخ 21 مارس 1985 تموين جيش جبهة التحرير الجزائرية بالأسلحة: بحكم المساعدة التي قدّمها للمقاومة المسلّحة المغربية تردّد اسم الدكتور حافظ إبراهيم في أوساط قيادة جبهة التحرير الجزائرية حتّى قُبيل اندلاع الثورة وذلك بغاية الحصول على السّلاح الضروري للمقاومة. الدكتور حافظ إبراهيم في صورة تذكارية إلى جانب أحمد بن بلّة وزوجته زهرة في سنة 1954 وقبيل انطلاق عمل أحمد بن بلّة في بارن بسويسرا (حيث كان مكلّفا بالتنسيق مع المقاومة المغربية) انتظم لقاء بين الجزائري بن بولعيد والمغربي عبد الكبير الفاسي تمّ خلاله الاتّفاق على توحيد حركات التحرير بأقطار المغرب العربي الثلاثة في انتظار اندلاع الثورة المسلّحة بالجزائر. وفور انتهاء هذا الاجتماع توجّه عبد الكبير الفاسي إلى مدريد لإعلام حافظ إبراهيم بقرب اندلاع الثورة وحاجة المقاومة الجزائرية إلى السّلاح. وفي الأثناء تعرّف حافظ إبراهيم على محمّد بوضياف شُهر «محمّد مزّوني» وأحمد بن بلّة شُهر «محمّد الدريدي». ومنذ ذلك التاريخ شرع حافظ إبراهيم في توجيه السّلاح نحو الجزائر وفقا لقدراته والامكانات المادية للثّورة الجزائرية فكانت الصفقة الأولى من السّلاح التي استخدمها الثوّار الجزائريّون بتموين من حافظ إبراهيم على حد شهادة أحد قيادي جبهة التحرير الجزائرية، المناضل محمّد البجاوي نفسه. وقبيل عودته إلى الجزائر أسند أحمد بن بلّة مسؤولية الاشراف على شبكة المخابرات لجبهة التحرير الجزائريةبإسبانيا إلى محمّد اليوسفي، الذي اتّصل بكل من عبد الكريم الخطيب و حافظ إبراهيم اللّذين مكّناه من جواز سفر يحمل إسم «مصطفى مالك: في خدمة سعادة سفير المغرب بإسبانيا». كما التقى حافظ إبراهيم بالسيّد الغالي العراقي الحسيني، أحد القادة البارزين في المقاومة وجيش التحرير المغربي. وإثر هذا اللّقاء بمدة وجيزة طالب الملك محمّد الخامس من هذا الأخير صرف المبلغ المالي الذي تبرّعت به الحكومة العراقية لفائدة جبهة التحرير الجزائرية. وإثر حصول المغرب على استقلاله واصل حافظ إبراهيم رفقة الدكتور عبد الكريم الخطيب مساعدة الثّورة الجزائرية ماديا ومعنويا. ففي يوم 20 أكتوبر 1956 حلّ أحمد بن بلّة بمدريد أين التقى بحافظ إبراهيم والأستاذ عبد الرحمان اليوسفي وأحمد بوضياف الذي أعلمهم بعد لقائه بالأمير مولاي الحسن برغبة والده السلطان محمّد الخامس الملحّة في مقابلة قيادة الثورة الجزائرية قبل تحوّله إلى تونس للمشاركة في أعمال الندوة التونسية- المغربية حول الثورة الجزائرية التي ستحتضنها تونس العاصمة بداية من يوم الإثنين 22 أكتوبر. وفي الساعة الثالثة والنصف تحديدا قدمت طائرة خاصة حملتهم إلى الرباط. وفي حدود الساعة السادسة مساءً التقى الملك محمد الخامس في مكتبه بكل من أحمد بن بلّة ومحمّد خيضر ومحمّد بوضياف وآيت أحمد ومصطفى الأشرف إضافة إلى الدكتور وعبد الرحمان اليوسفي وذلك بمحضر وليّ العهد الأمير الحسن . الملك محمّد الخامس أثناء لقائه بقادة جبهة التحرير الجزائرية بمكتبه بالقصر الملكي بالرّباط يوم 20 أكتوبر 1956 ويُرى الدكتور حافظ إبراهيم الثاني من اليسار إلى اليمين إثر إلقاء القبض على قادة جبهة التحرير بعد تحويل وجهة طائرتهم أصبح «بوسوف» مسؤولا عن ج.ت.ج بالمغرب الذي كثّف اتصالاته بحافظ إبراهيم. ومنذ نونبر 1956 وعلى إثر الهزائم التي مُني بها جيش التحرير الجزائري أمام القوات الفرنسية قرّر الملك محمّد الخامس تكثيف مساعدته لج.ت.ج فأمر بصرف مبلغ 250 مليون فرنك لفائدة حافظ إبراهيم و الخطيب. وهو مبلغ مكّن من شراء 2750 بندقية من صنف موزر Mauser والمعدّات اللاّزمة لها. وقد نجح الدكتور حافظ إبراهيم في إفراغ هذه الشحنة بالمغرب ووضعها على ذمّة بوسوف بداية من فيفري 1957. وبعدها بمدة قصيرة أمدّ حافظ إبراهيم كريم بلقاسم بمبلغ قيمته 100.000 دولار، فيما أمدّ السيّد الشريف (مستشار الملك محمّد الخامس) محمّد اليوسفي مبلغا بقيمة 117 مليون فرنك لإعادة تنظيم شبكة تسليح الثّورة من مدريد. كما ربط حافظ إبراهيم في نفس الفترة علاقة متينة بوزير الدفاع الإسباني، مونوسوانتش، الذي أعرب عن استعداده لتقديم تسهيلات كبيرة للمساعدة على شراء السلاح للثورة الجزائرية شريطة موافقة الدولة المعنية بالصفقة. غير أنّ استعداد إسبانيا للدخول في منظّمة الحلف الأطلسي وتجديد ترسانتها الحربية قد حال دون ذلك. وهكذا يكون الدكتور حافظ إبراهيم قد ساهم مرّة أخرى انطلاقا من موقعه بمدريد في خدمة حركة المقاومة المسلّحة الجزائرية قُبيل اندلاعها في 1 نوفمبر 1954 وذلك بتقديم الدعم اللوجستي والمادي اللاّزمين لانجاح الثورة الجزائرية إلى غاية تحقيق الجزائر لاستقلالها سنة 1962. وبعد استقلال الجزائر حافظ المترجم له على علاقات وطيدة بقادة الحكومة الجزائرية فكان دوما محلّ ترحاب واستقبال من طرفهم عند حلوله بالجزائر، سواء في زيارة رسمية لإحياء ذكرى أو مناسبة سياسية وطنية، أو لحضور مؤتمر أو ندوة علمية تُعنى بتاريخ الثورة الجزائرية، فلا يتردّد كبار المسؤولين في الحزب والدولة في تكليفه بالقيام ببعض المهامّ الدقيقة لدى حكومة مدريد. ونتيجة لهذا الدور المتميّز في المصالحة بين الدول لم تتردّد رئيسة الوزراء في الكيان الصهيوني، السيدة ڤولدا ماير «Golda Meir» (1969- 1974) إثر حرب 1967 في الاتّصال بالدكتور حافظ إبراهيم عبر زميل وصديق له كان يدير مخبر دولي شهير للأدوية بفرنسا قصد التوسّط لإقناع بعض الملوك والرؤساء العرب بوجوب مد قنوات حوار مع دولة إسرائيل تمهيدا للتطبيع التدريجيّ معها، وهو مقترح رفضه قطعيا الدكتور حافظ إبراهيم. خاتمة: هكذا كان الدكتور حافظ إبراهيم كما شبّهه بعضهم ب «جندي شمال إفريقيا المجهول»أو بمثابة «مادة الأقليتينين «LAglutinine» التي تجمع بين الأضداد ومِلْكًا لشمال إفريقيا كلّها يعمل على جميع الجبهات... » على حد قول رفيق دربه الدكتور عبد الكريم الخطيب. لئن رحل عنّا حافظ إبراهيم فإنّ مآثره ونضالاته وبصماته على الساحة السياسية المغاربية لا تحصى ولا تعد. فبالرغم من استقراره بإسبانيا فلم يميّز إطلاقا بين القضية التونسية والقضيّتين الجزائرية والمغربية، فلم يبخل ولو لحظة واحدة عن تقديم يد المساعدة بكل الطرق والوسائل التي كانت بحوزته حتى تقتلع بلدان المغرب العربي الثلاثة استقلالها من فرنسا وتنعم شعوبها بالحرّية. أملنا أن يهتمّ باحثو ومؤرّخو المغرب العربي بهذا المناضل المغاربي الأصيل ومآثره وأن يُطلق اسمه على نهج أو ساحة بتونس العاصمة وكبرى المدن التونسية وأن تحمل مؤسّسة أو جائزة تُعنى بالتقارب والعمل المغاربيَيْن اسم الراحل حافظ إبراهيم. د. عادل بن يوسف - كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة - (قسم التاريخ) 1 محمّد البجاوي، حقائق حول الثورة الجزائرية، منشورات قالّيمالر، باريس 1970، ص 126. ب(الفرنسية): Mohameed Lebjaoui, Vérités sur la révolution algérienne, Gallimard, Paris, 1970, p. 126. الدكتور حافظ إبراهيم و تموين ودعم المقاومة المغربية المسلّحة تموين ودعم المقاومة المغربية المسلّحة: منذ اندلاع المقاومة المسلّحة رسميّا بالمغرب الأقصى في 20 أوت 1953 وتنامي حاجتها للسّلاح والذخيرة إتّصل قادة المقاومة المغربية بحافظ إبراهيم عبر عبد الكبير الفاسي. وعلى إثر لقاءه بالزعيم علاّل الفاسي بالقاهرة بدأ حافظ إبراهيم في مد يد المساعدة للمقاومة المغربية منذ شهر سبتمبر 1953 عبر ربط قادتهم وموفوديهم بالتجّار الإسبان المختصّين في ترويج الأسلحة. كما أعد للمقاومة شبكة محكمة التننظيم لنقل السلاح والذخيرة من مدريد وبرشلونة في إتجاه المدن المغربية وأساسا الدارالبيضاء، مستخدما خدمات البعض من أعوان الشرطة والجمارك بكل من إسبانيا والمغرب. كما نجح في إفراغ شحنة الباخرة الأردنية «دينا»Dina» التي غرقت في عرض سواحل مدينة الناظور وهي محمّلة بحوالي 750 قطعة سلاح، كانت موجهة من مصر إلى المغرب. وفي أواخر سنة 1954 وبالتعاون مع زعيمي جبهة التحرير الجزائرية، أحمد بن بلّة والعربي بن مهيدي، سعى إلى نقل العمل المسلّح المغربي إلى داخل فرنسا، غير أنّ مساعيه قد اصطدمت بيقظة البوليس الفرنسي. وأمام إقدام السلطات الفرنسية على تسليط كل أشكال التعذيب على رموز المقاومة المسلّحة بالمغرب قصد الحصول على أكثر ما يمكن من معلومات حول المقاومة أثناء عمليات الاستنطاق فقد طلب من حافظ إبراهيم إعداد أقراص تُعجّل بوفاة المقاوم، فما كان منه إلاّ أن قدّم لهم أقراص «ستركيلين» التي تمّ استخدامها في الغرض. ورغم امتلاكه للسّلاح ببيته فقد طلب منه إبراهيم فردوس سلاحا لقتل القايد المتواطئ مع فرنسا، التّهامي القلاوي أثناء زيارته لمدريد وإقامته بنزل «البلاص»، لكنّه رفض ذلك بدعوى ضرورة استمالته وأمثاله كمبارك الجديدي وبولعيش وغيرهم إلى الصفّ الوطني. ولم تتوقف علاقة الدكتور حافظ إبراهيم بالمغرب الأقصى عند الاستقلال التامّ لهذا البلد في 2 مارس 1956، بل تواصلت إلى ما بعد هذا التاريخ حيث حافظ على علاقاته بأبرز رموز المقاومة الذين تقلّدوا مناصب عليا في الحكومة والإدارة المغربية الجديدة، كما ربطته علاقة متينة بالملك محمّد الخامس. وفي هذا الصدد يكفي القول بأنّ حافظ إبراهيم هو الذي أقنع الملك محمّد الخامس بوجوب التحوّل إلى تونس رفقة قادة جبهة التحرير الجزائرية لعقد الندوة التونسية - المغربية حول القضية الجزائرية. غير أنّ السّلطات الفرنسية قد أقدمت على تحويل وجهة الطائرة المقلة لهم وإنزالها عنوة بمطار الجزائر العاصمة يوم 22 أكتوبر 1956. ولم تتوقّف علاقة الدكتور حافظ إبراهيم بالأسرة العلوية بالمغرب على الملك محمّد الخامس، بل تواصلت مع الملك الجديد الحسن الثاني منذ تسلّمه مقاليد الحكم بالمغرب بعد وفاة والده سنة 1961. فكان كلّما حلّ بالمغرب يُستقبل كشخصية سياسية مرموقة، كما كان يكلّف من حين إلى آخر من طرف المَلِكَيْن ببعض المأموريات الديبلوماسية الصعبة بمدريد أو بالجزائر العاصمة أو من طرف الحكومة الإسبانية لدى الحكومة المغربية بالرّباط. بطاقة مقاوم مسلّمة من السلطات المغبية للدكتور حافظ إبراهيم بتاريخ 21 مارس 1985 تموين جيش جبهة التحرير الجزائرية بالأسلحة: بحكم المساعدة التي قدّمها للمقاومة المسلّحة المغربية تردّد إسم الدكتور حافظ إبراهيم في أوساط قيادة جبهة التحرير الجزائرية حتّى قُبيل اندلاع الثورة وذلك بغاية الحصول على السّلاح الضروري للمقاومة (أنظر الصورة المرافقة). الدكتور حافظ إبراهيم في صورة تذكارية إلى جانب أحمد بن بلّة وزوجته زهرة ففي سنة 1954 وقبيل انطلاق عمل أحمد بن بلّة في بارن بسويسرا (حيث كان مكلّفا بالتنسيق مع المقاومة المغربية) انتظم لقاء بين الجزائري بن بولعيد والمغربي عبد الكبير الفاسي تمّ خلاله الاتّفاق على توحيد حركات التحرير بأقطار المغرب العربي الثلاثة في انتظار اندلاع الثورة المسلّحة بالجزائر. وفور انتهاء هذا الاجتماع توجّه عبد الكبير الفاسي إلى مدريد لإعلام حافظ إبراهيم بقرب اندلاع الثورة وحاجة المقاومة الجزائرية إلى السّلاح. وفي الأثناء تعرّف حافظ إبراهيم على محمّد بوضياف شُهر «محمّد مزّوني» وأحمد بن بلّة شُهر «محمّد الدريدي». ومنذ ذلك التاريخ شرع حافظ إبراهيم في توجيه السّلاح نحو الجزائر وفقا لقدراته والامكانات المادية للثّورة الجزائرية فكانت الصفقة الأولى من السّلاح التي استخدمها الثوّار الجزائريّون بتموين من حافظ إبراهيم على حد شهادة أحد قيادي جبهة التحرير الجزائرية، المناضل محمّد البجاوي نفسه1. وقبيل عودته إلى الجزائر أسند أحمد بن بلّة مسؤولية الاشراف على شبكة المخابرات لجبهة التحرير الجزائريةبإسبانيا إلى محمّد اليوسفي، الذي إتّصل بكل من عبد الكريم الخطيب و حافظ إبراهيم اللّذان مكّناه من جواز سفر يحمل إسم «مصطفى مالك: في خدمة سعادة سفير المغرب بإسبانيا». كما إلتقى حافظ إبراهيم بالسيّد الغالي العراقي الحسيني، أحد القادة البارزين في المقاومة وجيش التحرير المغربي. وإثر هذا اللّقاء بمدة وجيزة طالب الملك محمّد الخامس من هذا الأخير صرف المبلغ المالي الذي تبرّعت به الحكومة العراقية لفائدة جبهة التحرير الجزائرية. وإثر حصول المغرب على استقلاله واصل حافظ إبراهيم رفقة الدكتور عبد الكريم الخطيب مساعدة الثّورة الجزائرية ماديا ومعنويا. ففي يوم 20 أكتوبر 1956 حلّ أحمد بن بلّة بمدريد أين التقى بحافظ إبراهيم والأستاذ عبد الرحمان اليوسفي وأحمد بوضياف الذي أعلمهم بعد لقائه بالأمير مولاي الحسن برغبة والده السلطان محمّد الخامس الملحّة في مقابلة قيادة الثورة الجزائرية قبل تحوّله إلى تونس للمشاركة في أعمال الندوة التونسية- المغربية حول الثورة الجزائرية التي ستحتضنها تونس العاصمة بداية من يوم الإثنين 22 أكتوبر. وفي الساعة الثالثة والنصف تحديدا قدمت طائرة خاصة حملتهم إلى الرباط. وفي حدود الساعة السادسة مساءً التقى الملك محمد الخامس في مكتبه بكل من أحمد بن بلّة ومحمّد خيضر ومحمّد بوضياف وآيت أحمد ومصطفى الأشرف إضافة إلى الدكتور وعبد الرحمان اليوسفي وذلك بمحضر وليّ العهد الأمير الحسن (أنظر الصّورة المرافقة). الملك محمّد الخامس أثناء لقاءه بقادة جبهة التحرير الجزائرية بمكتبه بالقصر الملكي بالرّباط يوم 20 أكتوبر 1956 ويُرى الدكتور حافظ إبراهيم الثاني من اليسار إلى اليمين وإثر إلقاء القبض على قادة جبهة التحرير بعد تحويل وجهة طائرتهم أصبح «بوسوف» مسؤولا عن ج.ت.ج بالمغرب الذي كثّف اتصالاته بحافظ إبراهيم. ومنذ نوفمبر 1956 وعلى إثر الهزائم التي مُني بها جيش التحرير الجزائري أمام القوات الفرنسية قرّر الملك محمّد الخامس تكثيف مساعدته لج.ت.ج فأمر بصرف مبلغ 250 مليون فرنك لفائدة حافظ إبراهيم و الخطيب. وهو مبلغ مكّن من شراء 2750 بندقية من صنف موزر «Mauser» والمعدّات اللاّزمة لها. وقد نجح الدكتور حافظ إبراهيم في إفراغ هذه الشحنة بالمغرب ووضعها على ذمّة بوسوف بداية من فيفري 1957. وبعدها بمدة قصيرة أمدّ حافظ إبراهيم كريم بلقاسم بمبلغ قيمته 100.000 دولار، فيما أمدّ السيّد الشريف (مستشار الملك محمّد الخامس) محمّد اليوسفي مبلغا بقيمة 117 مليون فرنك لإعادة تنظيم شبكة تسليح الثّورة من مدريد. كما ربط حافظ إبراهيم في نفس الفترة علاقة متينة بوزير الدفاع الإسباني، مونوسوانتش، الذي أعرب عن استعداده لتقديم تسهيلات كبيرة للمساعدة على شراء السلاح للثورة الجزائرية شريطة موافقة الدولة المعنية بالصفقة. غير أنّ استعداد إسبانيا للدخول في منظّمة الحلف الأطلسي وتجديد ترسانتها الحربية قد حال دون ذلك. وهكذا يكون الدكتور حافظ إبراهيم قد ساهم مرّة أخرى انطلاقا من موقعه بمدريد في خدمة حركة المقاومة المسلّحة الجزائرية قُبيل اندلاعها في 1 نوفمبر 1954 وذلك بتقديم الدعم اللوجستي والمادي اللاّزمين لانجاح الثورة الجزائرية إلى غاية تحقيق الجزائر لاستقلالها سنة 1962. وبعد استقلال الجزائر حافظ المترجم له على علاقات وطيدة بقادة الحكومة الجزائرية فكان دوما محلّ ترحاب واستقبال من طرفهم عند حلوله بالجزائر، سواء في زيارة رسمية لإحياء ذكرى أو مناسبة سياسية وطنية، أو لحضور مؤتمر أو ندوة علمية تُعنى بتاريخ الثورة الجزائرية، فلا يتردّد كبار المسؤولين في الحزب والدولة في تكليفه بالقيام ببعض المهامّ الدقيقة لدى حكومة مدريد. ونتيجة لهذا الدور المتميّز في المصالحة بين الدول لم تتردّد رئيسة الوزراء في الكيان الصهيوني، السيدة ڤولدا ماير «Golda Meir» (1969- 1974) إثر حرب 1967 في الاتّصال بالدكتور حافظ إبراهيم عبر زميل وصديق له كان يدير مخبر دولي شهير للأدوية بفرنسا قصد التوسّط لإقناع بعض الملوك والرؤساء العرب بوجوب مد قنوات حوار مع دولة إسرائيل تمهيدا للتطبيع التدريجيّ معها، وهو مقترح رفضه قطعيا الدكتور حافظ إبراهيم. خاتمة: هكذا كان الدكتور حافظ إبراهيم كما شبّهه بعضهم ب «جندي شمال إفريقيا المجهول» أو بمثابة « مادة الأقليتينين «L?Aglutinine» التي تجمع بين الأضداد ومِلْكًا لشمال إفريقيا كلّها يعمل على جميع الجبهات... « على حد قول رفيق دربه الدكتور عبد الكريم الخطيب. لئن رحل عنّا حافظ إبراهيم فإنّ مآثره ونضالاته وبصماته على الساحة السياسية المغاربية لا تحصى ولا تعد. فبالرغم من استقراره بإسبانيا فلم يميّز إطلاقا بين القضية التونسية والقضيّتين الجزائرية والمغربية، فلم يبخل ولو لحظة واحدة عن تقديم يد المساعدة بكل الطرق والوسائل التي كانت بحوزته حتى تقتلع بلدان المغرب العربي الثلاث استقلالها من فرنسا وتنعم شعوبها بالحرّية. أملنا أن يهتمّ باحثوا ومؤرّخوا المغرب العربي بهذا المناضل المغاربي الأصيل ومآثره وأن يُطلق اسمه على نهج أو ساحة بتونس العاصمة وكبرى المدن التونسية وأن تحمل مؤسّسة أو جائزة تُعنى بالتقارب والعمل المغاربيَيْن اسم الراحل حافظ إبراهيم. د. عادل بن يوسف - كلية ىلآداب والعلوم الإنسانية بسوسة - (قسم التاريخ) 1 محمّد البجاوي، حقائق حول الثورة الجزائرية، منشورات قالّيمالر، باريس 1970، ص 126. (بالفرنسية): Mohameed Lebjaoui, Vérités sur la révolution algérienne, Gallimard, Paris, 1970, p. 126. --------------- ------------------------------------------------------------ --------------- ------------------------------------------------------------ 6