... هن نساء مغربيات مناضلات، احترفن الجهاد والمقاومة ، تركن علامات بارزة في تاريخ المغرب، إلى جانب الرجال، في حمل السلاح ضد الإستعمار الغاشم ، وقد بين عن صمودهن وشجاعتهن وتضحياتهن، وأنهن لا يقلن نضالا عن أشقائهن من الرجال، في المواجهة والتصدي لكل اشكال القمع الذي عرفته البلاد . ... نساء التحقن بالحركة الوطنية في بدايتها ومارسن السياسة ضد الظلم والإضطهاد من أجل الحرية والمساواة، نساء قويات جمعهن حب الوطن ، منهن من كانت أول طيارة مغربية في العالم العربي والإسلامي والإفريقي وذهبت ضحية أول جريمة سياسية ارتكبت في مغرب الإستقلال .. منهن من حصدتهن آلة الإختطاف والتنكيل خلال سنوات الجمر. ...هن نساء خالدات، دافعن عن المبادئ الشريفة والنبيلة إلى آخر رمق في حياتهن. شهيدات قدمن أرواحهن فداءا للوطن من أجل زرع الحرية والديمقراطية، و من أجل مجتمع يسوده العدل والإزدهار والتقدم .. نساء قاسين العذاب الوحشي في الأقبية والزنازن والمعتقلات السرية السيئة الذكر، مثل درب مولاي الشريف والكوربيس واكدز وقلعة مكونة والمنافي السرية الأخرى، في تلك الفترة من الماضي الملوث بانتهاكات حقوق الإنسان... ولازالت بلادنا تحتفظ بأسماء كثيرة تشرف تاريخ المغرب الذي لم يكتب بعد ... عبد الرزاق السنوسي معنى ثريا الإنسانة التي كانت ترفض الظلم وتحارب العنف وتقوم بمواقف شجاعة. كانت شاهدة على الكثير من المحطات التاريخية والفترات العصيبة من تاريخ المغرب. من مواليد المدينة العتيقة بفاس يوم 10 أكتوبر 1935 ، من عائلة فاسية سقاطية أنجبت ثريا الشاعرة، والفنان الموسيقارعبد الرحيم ، والأديبة فاطمة . ترعرعت ثريا بالعاصمة العلمية ، و نشأت في زخم نضال الحركة الوطنية من أجل الإستقلال. تابعت ثريا دراستها الإبتدائية بمدرسة النهضة بمدينة مكناس على يد أساتذة وطنيين من بينهم محمد الوديع الأسفي الذي سوف يكون شريك حياتها في المستقبل ، كان من أهم ما ميز مطلع حياتها هو لقاؤها الأول بالمقاوم والمناضل والشاعر محمد الوديع الأسفي ،عندما نزح إلى فاس طالبا العلم ، كان عمرها 15 سنة . وقعت لها معه حادثة طريفة في الأربعينات من القرن الماضي ، حيث نهرها بعنف فاحتجت بشدة ودافعت عن حقها في التعبير . وفيما بعد سيغرم بها ويتقدم لزواجها . انقطعت عن الدراسة بعد زواجها ، إلا أنها لم تنقطع عن القراءة والكتابة ، فحين تنتهي من أشغال البيت تنهمك في القراءة . تعرض زوجها للإعتقال وبدأت معاناتها سنة 1951 مع السجون المغربية ، من سجن سلا ولعلو بالرباط والقنيطرة إلى سجن وجدة والجديدة . انخرطت في ورش محو الأمية وتأطير النساء في مدينة سلا . والوقوف بجانب عائلات وأمهات المعتقلين السياسيين، تعرض لعملية اختطاف مرة أخرى ، وعلى مدى سنة كاملة ظلت ثريا تبحث عنه بين السجون والمعتقلات إلى أن ظهر وهو في حالة صحية سيئة وتحت مراقبة طبية، وذلك من جراء التعذيب الذي مورس عليه. وأثناء غياب الزوج كانت ثريا تعوض غيابه في التكفل بتلامذته . في 16 يوليوز 1963 تأخر زوجها عن البيت ، بعدما أخبرها أنه ذاهب إلى اجتماع للحزب . وعندما لم يظهر له أي أثر توجهت صباح الغد تبحث عنه في مقر الحزب فأخبرها الحارس بأن عناصر القوات الأمنية حاصرت مقر الإجتماع واعتقلت الجميع . ثريا السقاط المرأة المناضلة الصامدة القوية التي خبرت سجون المغرب ومنافيه ، رسمت لنفسها مسارا فريدا وهي تواجه زوار الليل . ثم تابعت محنتها مع اعتقال أبنائها الثلاثة سنة 1965 و سنة 1974 . بعد اعتقال أبنائها الثلاثة ، وبعدما أصيب إبنها عزيز بانهيار مؤلم بفعل اشتداد القهر والقسوة عليه حيث تم نقله للمستشفى بالرباط لمدة خمسة أشهر تحت الحراسة ، ثم نقل إلى الدارالبيضاء بمستشفى ابن رشد. تقول ثريا في كتابها أثناء بحثها عن ابنها : « كنت أتنقل يوميا وبشكل منتظم بين السجن والمحكمة والمستشفى ، فإدارة السجن تقول بأنها أرسلته إلى المستشفى وإدارة المستشفى تقول بأنها لم تتسلمه ، والمحكمة تقول بأنها أعطت أمرها لنقله إلى المستشفى ، إلى درجة أن المعتقلين السياسيين دخلوا في إضراب عن الطعام «. وكان الفقيد عبد الرحيم بوعبيد يسأل باستمرار عن أحوال أبنائها. ثريا السقاط امرأة دونت تضحياتها الجسام صفحات مشرقة في السنوات المظلمة من تاريخ المغرب، حين اخبرها زوجها بالحكم على أبنائها ب 22 سنة سجنا، أجابته: «وإن يكن ذلك افضل من المؤبد أو الإعدام» . ثريا السقاط عانت مع زوجها وأبنائها ظروف الاعتقال ومرارة التعذيب والترحال بين السجون، كانت تتحلى بالهدوء والإبتسامة ، صنعت مجدها بصدقها ، مناضلة وصامدة ، لامثيل لها ، وبحبها للوطن ونضالها . كانت معلمة واستطاعت بحنكتها وتبصرها زرع بذور حب الوطن في تلامذتها ... وهبت حياتها من أجل الدفاع عن حقوق الآخرين في حياة كريمة ، كما استطاعت أن تكون شخصية سياسية بامتياز بعد غياب زوجها في سجون الإحتلال وفي السجون المغربية بعد الإستقلال . شاركت في المؤتمر الإستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1975 ، وقالت في كلمة أمام المؤتمرين: « إن كل المهتمين بدراسة تاريخ الشعوب والحركات السياسية ، سيلاحظ أن العديد من النساء عبر التاريخ ساهمن بكل جدارة وقدرة في جل الميادين الثقافية والإجتماعية والسياسية ، بل حتى الحربية منها (...) لماذا لم تتطور الحركة النسائية بعد الإستقلال ؟ (...) من المسؤول عن هذا الفراغ المخجل الذي تعيشه المرأة المغربية في المرحلة الحالية ؟ « مضيفة «لقد كنت من جملة من فسح لهن المهدي بنبركة المجال للعمل بجانبه ، فهل وقع التفكير في شأن المرأة من طرفهم ؟ وهل وضعتم لذلك تصميما لفتح مجال العمل لها داخل حركتنا ؟ علما أن المرأة اليوم تحمل مكان الصدارة في مختلف الحركات الثورية عبر العالم ، ولقد اتفق المفكرون والقادة على اختلاف مبادئهم السياسية على أن مشاركة المرأة في الميدان السياسي لا يمكن الاستغناء عنه أبدا لأنها المدرسة الأولى لتكوين الشعب وتوجيهه « . ساهمت ثريا السقاط في تأطير الحركة النسائية ومحاربة الأمية ، وتأسيس قطاع نسائي اتحادي تابع للحزب. تقدمت سنة 1977 للإنتخابات البلدية وقامت بحملتها الإنتخابية بحي السيال بالدارالبيضاء ، وركزت فيها على توعية المواطنين بدورهم الإجتماعي في دائرتهم وكان نصيبها التزوير ... ثم تقدمت سنة 1983 عن حي الرجاء وحصلت على مقعد وأصبحت مستشارة بجماعة المعاريف بالدارالبيضاء ، وكانت من أولوياتها في الجماعة القضاء على الحي القصديري باشكو . كما شاركت في الحملة الإنتخابية البرلمانية لسنة 1984 بدائرة سيدي عثمان حيث كان زوجها الوديع مرشحا . كانت ثريا مسكونة بالقضية الفلسطينية. ففي سنة 1982 بعد حصار بيروت التقت بالقائد الفلسطيني ياسرعرفات في مؤتمر للأممية الاشتراكية باليونان ، كما التقت بزوجة رمز الإنتفاضة الفلسطينية الشهيد خليل الوزيرأبوجهاد عند زيارتها للمغرب في منتصف الثمانينات . انتخبت عضو الكتابة الوطنية للنساء الاتحاديات أواخر السبعينات، ثم عضو اللجنة المركزية للاتحاد في المؤتمرالوطني الرابع للحزب في يوليوز 1984 ، وفي المؤتمرالوطني الخامس سنة 1989 ، وهو آخر مؤتمر حضرته وشاركت فيه بقوة . كانت من ضمن أعضاء رئاسة المؤتمر الوطني الخامس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1989 ، إلى جانب كل من الإخوة عبد الرحمان اليوسفي ، محمد منصور، عبد الر فيع الجواهري . وحين غضب عبد الرحيم بوعبيد وانسحب من المؤتمر ، استطاعت ببصيرتها إرجاع عبد الرحيم إلى المنصة وسط هتافات المؤتمرين . كانت تتحمل مسؤولية باللجنة المركزية للاتحاد ، وعضو بالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان . ثريا مناضلة وشاعرة تقول في كتابها «مناديل وقضبان « : «اللقاء الأول بيني وبين زوجي كان قاسمه المشترك معاناة الأمة ، فبمجرد أن تم زواجنا ونحن في سن مبكر ، جاء قرار النفي في حق زوجي الذي أبلغ - أثناء غيابي عن المنزل - بقرار الإبعاد ... « بالإضافة إلى الشعر كتبت للأطفال قصص جميلة . أصبحت عضوة باتحاد كتاب المغرب في شتنبر 1990 . في أواخر الثمانينات تم تكريمها ، وفي بداية التسعينات كانت في وضعية صحية حرجة ، ومع ذلك حرصت أن تحضر إحدى الندوات ، وأثناء النقاش قامت من مكانها ثائرة حينما حاول أحد المتدخلين ذو أفكار متزمتة عن الدين، المساس بحق المرأة في التعبير والتسيير ، حيث أشارت في تدخلها أن الإسلام دافع عن حق المرأء ومساواتها مع الرجل في كل الحقوق ، داعمة رأيها برأي الرسول (ص) الذي دعا إلى أخذ نصف الدين عن الحميرة ، مشيرا إلى عائشة رضي الله عنها . ثريا نموذج الفعلي للأم المغربية الصامدة ، وهي المرأة التي تبنت الدفاع عن الكرامة الإنسانية ، ظل إسمها يتردد على مسامع الأجيال الحاضرة كلما ورد إسم «مركب ثريا السقاط» بالدارالبيضاء ، أو المؤسسات التعليمية التي تحمل إسمها . انتقلت إلى جوار ربها بإحدى المصحات الفرنسية بعد صراع مع المرض مساء يوم 19 فبراير 1992.