... هن نساء مغربيات مناضلات، احترفن الجهاد والمقاومة ، تركن علامات بارزة في تاريخ المغرب، إلى جانب الرجال، في حمل السلاح ضد الإستعمار الغاشم ، وقد بين عن صمودهن وشجاعتهن وتضحياتهن، وأنهن لا يقلن نضالا عن أشقائهن من الرجال، في المواجهة والتصدي لكل اشكال القمع الذي عرفته البلاد . ... نساء التحقن بالحركة الوطنية في بدايتها ومارسن السياسة ضد الظلم والإضطهاد من أجل الحرية والمساواة، نساء قويات جمعهن حب الوطن ، منهن من كانت أول طيارة مغربية في العالم العربي والإسلامي والإفريقي وذهبت ضحية أول جريمة سياسية ارتكبت في مغرب الإستقلال .. منهن من حصدتهن آلة الإختطاف والتنكيل خلال سنوات الجمر. ...هن نساء خالدات، دافعن عن المبادئ الشريفة والنبيلة إلى آخر رمق في حياتهن. شهيدات قدمن أرواحهن فداءا للوطن من أجل زرع الحرية والديمقراطية، و من أجل مجتمع يسوده العدل والإزدهار والتقدم .. نساء قاسين العذاب الوحشي في الأقبية والزنازن والمعتقلات السرية السيئة الذكر، مثل درب مولاي الشريف والكوربيس واكدز وقلعة مكونة والمنافي السرية الأخرى، في تلك الفترة من الماضي الملوث بانتهاكات حقوق الإنسان... ولازالت بلادنا تحتفظ بأسماء كثيرة تشرف تاريخ المغرب الذي لم يكتب بعد ... تعتبر من الوجوه البارزة في تاريخ المقاومة النسائية بالمغرب. ولدت بمدينة فاس بتاريخ 14 دجنبر 1934 ، من عائلة فاسية ، والدها هو عبد الواحد الشاوي رائد النهضة الفنية في المغرب وأحد مؤسسي الحركة المسرحية المغربية . تعرضت لأول اعتقال وعمرها لايتعدى 7 سنوات ، حينما كانت تدرس بمدرسة «دار اعدييل» بمنطقة واد ارشاشة بفاس بتهمة تحريض التلاميذ على مقاطعة الدراسة احتجاجا على أحداث العنف التي وقعت سنة 1944 . تابعت ثريا الشاوي دراستها في مدينة فاس ثم انتقلت مع والدها إلى الدارالبيضاء سنة 1948 ، (عبد الواحد الشاوي الذي يعتبر أحد رواد الحركة المسرحية والإبداعية الوطنية خلال عهد الإستقلال ). وهناك تابعت دراستها ، كانت الشاوي أول فتاة تصعد إلى خشبة المسرح في سن الثامنة ، حيث مثلت في بعض مسرحيات والدها . تعلمت سياقة الطائرات ، بمدرسة الطيران بتيط مليل وهي المدرسة التي كانت حكرا على الفرنسيين . حصلت على شهادتها سنة 1951 ، وكانت قد حصلت على الصف الأول ضمن 41 تلميذا ، وكان عمرها أنذاك حوالي 16 سنة و كانت أول امرأة تقود طائرة بالمغرب. الشاوي مرت بمراحل تكوين مدرسي وجمعوي ونضالي ومهني . كانت رمزا من رموز نساء المقاومة المغربية. استرخصت حياتها من أجل وضع لبنات الوحدة والسيادة والتقدم والحداثة ، و ذهبت ضحية أول جريمة سياسية ارتكبت في المغرب بعد الإستقلال . ثريا الشاوي هي أول طيارة في العالمين العربي والإسلامي وكذلك بكل بلدان إفريقيا، باستثناء مصر التي كانت لها فتاة مارست الطيران الحر في نفس السنة التي بدأت فيها الشاوي تحلق في السماء، عندما عاد محمد الخامس والأسرة الملكية من المنفى كانت طائرتها ترمي المناشيرفوق سماء مدينتي سلا والرباط مرحبة بعودة السلطان . هذه المرأة كانت رائدة زمنها باكتسابها قطب السبق في مجال اختراق عباب السماء وقيادة الطائرة لأول مرة في تاريخ المرأة المغربية والعربية إلى جانب أدوارها النضالية الوطنية في العديد من الإطارات الجمعوية . كتب عنها الصحافي عبد السلام السفياني مقالا تحت عنوان : «ثريا ، فوق الثريا» نشره بتارخ 22 يناير 1978 بالملحق الثقافي لجريدة «الميثاق الوطني» وجاء فيه : «في سنة 1946 تعرف بنفسه على ثريا بفندق الجامعي بفاس ، وكان طاقم فني يستعد للسفر إلى ضواحي وادي زيز بالصحراء لالتقاط مناظر (الباب السابع). ويضيف «عندما رحلنا إلى الصحراء وشرعنا في التقاط مناظر الشريط كان أحد أهم المشاهد يقتضي أن تركب ثريا على ظهر جواد يجري بها ثم تسقط منه ، فتصاب بجرح في ركبتها ، وأدت ثريا هذا المشهد ببراعة جعلتنا لا نعيد تصويره» . وعندما جاء دور الفنانة الفرنسية (ماريا كازاريس) لأداء هذا المشهد لم تستطع أداءه إلا بعد اثنتي عشرة مرة ، الشيء الذي جعل المخرج (أندري زفوربادا) ينتف شعره ويصيح في وجه ماريا : «الأحسن أن تتلقي دروسا في الركوب على يد ثريا» . كانت يد الغدر قد طالت شعلة الفقيدة ثريا وحرمتها من فرحة الإحتفال بالإستقلال ، حيث تعرضت أمام منزل عائلتها بالدارالبيضاء يوم فاتح مارس 1956 لعملية إجرامية نفذت ، من قبل مجرمين ، وذلك في أول ذكرى للإحتفال بالإستقلال ، في الوقت الذي كانت تستعد لحضور أول اجتماع للإعلان عن تأسيس النادي الملكي للطيران. وقيل إن عصابة فرنسية مكونة من رجال الشرطة الفرنسيين مهمتها اغتيال المغاربة ، وهي من يقف وراء اغتيالها ، ويروي محمد بنعياد في كتابه «أهل التمثيل في معركة الاستقلال» أنه في يوم 12 دجنبر 1955 وزعوا الأدوار بينهم ضمن فرقة «المسرح الشعبي» وكانت سلطة الاستعمار قوية في البلاد ، فظهرت جماعة مسلحة ضد الوطنيين ، وقتلت عددا من الشهداء بالدارالبيضاء والرباط وفاس ، من بينهم ثريا الشاوي ، والتي دفنت بمقبرة الشهداء بالدارالبيضاء ، وكتب على قبرها : الآنسة ثريا الشاوي شهيدة الوطن . وكانت فاطمة التهامي ، وهي أول مولدة مغربية - قد صرحت بأن عملية الإغتيال قد يكون دبرها أحمد الطويل، والذي كان يترأس عصابة ويدعي أنه مقاوم إلا أنه لاعلاقة له بالمقاومة ولا بجيش التحرير وقد أصدر الأمر باعتقاله وأثناء عملية الإعتقال سقط قتيلا بعد المواجهة بالأسلحة ، وتضيف فاطمة التهامي بأنها نفسها ، تعرضت للاختطاف في ذلك اليوم ، وانه عندما حضر أحمد الطويل لمتابعة عملية التعذيب، صاح في وجه رجاله بأنهم أخطؤوا في اعتقال فاطمة التهامي، لأنها لم تكن هي المقصودة . وفي مساء ذلك اليوم تم اغتيال ثريا الشاوي . لقد تعرضت ثريا لمحاولة اغتيال عدة مرات ، المرة الأولى كانت في نونبر 1954 حيث وضع إرهابيون فرنسيون قنبلة أمام مسكنها بالدارالبيضاء . والثانية في دجنبر من نفس السنة حيث تعرضت سيارتها لوابل من الرصاص . والثالثة في غشت 1955 حيث أطلق عليها شرطيان فرنسيان الرصاص . ثم في شتنبر من نفس السنة اعترضها إرهابيان فرنسيان يتخفيان في لباس الشرطة الفرنسية وطلبا منها أن تحملهما إلى مكان ما ، ولما رفضت، اتهموها بمخالفة المرور ، و تدخل جمهور من المواطنين لإنقادها .