خلف حائط خرساني مرتفع يخفيها عن الطريق، تقبع مجموعة من الأكواخ ذات الأسقف القصديرية، أشبه ب «قبور للحياة»، أو كما يطلق عليها قاطنوها «علب السردين » التي تأوي أناسا كانت الحاجة و ظروف ما ، في الغالب سوسيو اقتصادية، وراء «اختيارهم» العيش بداخلها ، «بيوت» تتضاعف الحرارة بداخلها في هذه الفترة من السنة ... كاريان الرحامنة بسيدي مومن نموذج ل«تجمعات الصفيح» بالمدينة الاقتصادية . اليوم يوم سبت، بينما كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة ببضع دقائق ، ولجنا إحدى الأزقة الرئيسية بالكاريان دون تحديد الوجهة فكان علينا الاحتياط من الوقوع في برك آسنة لمياه الصرف الصحي التي تعبر الازقة ، ورغم روائحها التي تسد الأنفاس، فإن الامر يبدو أنه لا يثير انتباه الساكنة ، حتى أنه ، يقول مرافقنا ،لا يشكل فرقا عند «أهل المكان» ! واقع معيش اضحى لا مفر منه ، فيما باتت بعض الأخاديد التي تعبرها «فضلات الساكنة» فضاء للعب الأطفال و قضاء سويعات بالخارج . وأنت تغوص في عمق هذا الكريان الصفيحي الذي يبقى من أكثر الكاريانات كثافة ، وإن استفادت غالبية الساكنة! تكتشف تشبث الجميع بأمل الحصول على «سكن» يحميهم و أسرهم من قساوة الاحتماء خلف ألواح من القصدير. عند نهاية الزقاق الدي سلكناه كانت افواج من الكلاب تبحث لها عن فرصة للظفر بوجبة وسط تلال من الفضلات ، و على مقربة من المشهد ، كانت بعض النسوة يتجاذبن اطراف الحديث أثناء وقوفهن في صفوف للتزود بالماء، وغير بعيد كانت آلة لحام تضيء لفترات وجيزة قرب إحدى الورشات. في هذا الوقت كان الدخان يتصاعد في الفضاءات المفتوحة حيث يجلس صبية يحاولون حرق النفايات التي تعاظمت ، و يستنشقون دخانها المليء بالغازات السامة و المضرة، نظير ثاني اوكسيد الكربون! ، دون دراية ، بطبيعة الحال، بالأخطار التي تحدق بصحتهم وتهدد مستقبلهم! لكنه الواقع المر الذي حول « إلحاق الأذى » بالصحة» إلى وسيلة لا بديل لها، للترفيه وممارسة شغب الطفولة، في سياق ينعدم فيه الحد الأدنى من شروط الحياة الكريمة!