بصفتي مسيحيا من الكنيسة الإنجيلية، فإنني أتعامل مع ديانتي، والمسؤوليات المترتبة عنها، بشكل جدي. ومؤخرا فقط، عدت من مهمة في البرازيل، حيث كنا نعمل على تحسين ظروف عيش الساكنة البرازيلية في المناطق النائية والفقيرة. رحلات من هذا القبيل، وأعمال من هذه الطينة تكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للمسيحيين الذين يقومون بها، كما بالنسبة للأشخاص الذين يستفيدون منها. غير أن القيام بهاته المهام لا يعني أنه ينبغي علينا استقطاب أكبر عدد ممكن من الأشخاص إلى المسيحية في الوقت الذين نكون فيه هناك. والحقيقة أن كل مبشر حقيقي يفضل أن يجعل الأفعال هي من يتحدث عن دينه، مما يجعل الناس يميلون إليه. وعلى هذا الأساس، فقد أصبت بصدمة كبيرة وأنا أسمع عن رد فعل العديد من أعضاء الكونغرس إزاء عمليات الترحيل الأخيرة التي تعرض لها مسيحيون أمريكيون بالمغرب. الحكومة المغربية اتهمت أولئك المسيحيين بالتبشير، على اعتبار أن ذلك السلوك يتنافى والقوانين المعمول بها في المغرب. يمكن أن أتفهم الغضب الذي قد شعر به بعض المسؤولين المنتخبين إثر عملية الترحيل، ويجب أن أقر بأنني لا أغض الطرف عن الكيفية التي عالج بها المغاربة الوضعية. لكن أن تتم الإشارة إلى المغاربة بصفة «النازيين»، كما فعل النائب البرلماني الأمريكي «جو بيتس»، من ولاية بنسلفانيا، فإن هذا أمر خطير وغير معقول. أما النائب البرلماني فرانك وولف، من ولاية فرجينيا، فقد ذهب بعيدا بمقارنة المغرب بأفغانستان، ذلك البلد الذي تتلقى حكومته ملايير الدولارات من أمريكا كمساعدات، تلك الحكومة التي دعت مؤخرا إلى إعدام معتنقي المسيحية الجدد وكذا المبشرين. أما الحكومة المغربية، فلم تقم بأي شيء من هذا القبيل. ولقد دعا وولف، في السابع عشر من يونيو الماضي، في جلسة الاستماع التي عقدها الكونغرس، دعا «لجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان» إلى التحقيق في «تردي أوضاع حقوق الإنسان في المغرب». ولسوء الحظ، فإن الشهود الوحيدين الحاضرين كان من المسيحيين الإنجيليين الذين يدعون تعرضهم للتمييز العنصري والاضطهاد. ولم يكن هناك يهود، كاثوليك، الطائفات البروتستانتية الرئيسة أو الأرثودوكس ضمن الحضور. إذا كانت وضعية الحرية الدينية تسير في منحى خطير، ألم يكن من الضروري استدعاء باقي الطوائف والأديان للإدلاء بشهاداتها في الموضوع؟ ويبدو أن التصريحات والسلوكات التي بدرت عن عضوي الكونغرس المذكورين، إلى جانب النائب البرلماني «ترينت فرانكز»، من ولاية أريزونا، والنائب «كريس سميث»، من ولاية نيو جيرسي، توضح مبدأين خطيرين بشكل كبير على المسيحيين الإنجيليين الأمريكيين، سواء على المستوى السياسي أو الديني: فأما المبدأ الأول، فيعني أن المسيحيين الإنجيليين يملكون الحق لخرق قانون أي بلد دون أن يترتب عن ذلك أي شيء، سيما إن كانت تلك القوانين تعتبر عائقا أمام التبشير والتنصير. وأما المبدأ الثاني، فيدل على أن الزعماء السياسيين الأمريكيين سيستغلون مواقعهم في السلطة لتعزيز حقوق أولئك الساعين إلى التبشير والتنصير، وبالتالي إضعاف السلطة القانونية للدول الأجنبية لتحقيق ذلك المسعى. وكمسيحيين إنجيليين أمريكيين يؤمنون بأن الحكومة الأمريكية ستغض الطرف عن أنشطتنا التبشيرية وتوفر لها الحماية في كل الأوقات، دون احترام قوانين البلدان الأخرى، فإننا لن نساهم إلا في إضعاف جهود الحكومة الرامية لتعزيز الحرية الدينية المشروعة في مختلف مناطق العالم. والأكثر من ذلك، فإنه عندما يقوم مسؤولون من أمثال وولف، بيت، سميث، وفرانك باستغلال العملية التشريعية من أجل دعم الأفكار التبشيرية، فإن ذلك لا يعدو أن يكون إلا تجسيدا للتوجسات الموجودة في العالم الإسلامي وفي مناطق أخرى من أن الحرية الدينية تعتبر عبارة أمريكية تخفي وراءها أنشطة التبشير الإنجيلي. وعندما تواجه الأقليات الدينية حملة ضد الصليبيين في باكستان، وقطع الرؤوس في السعودية، والاعتقال في فرنسا، والإبادة في روسيا، فحينها ينبغي استخدام القوة السياسية والنفوذ الأمريكيين من أجل دعم الأكثر ضعفا، وليس من أجل حماية مصالح طائفة دينية معينة. لا يمكن استغلال الحرية الدينية كغطاء للتنصير، كما لا ينبغي أن تكون الرحلات التبشيرية كذلك. علينا كمسيحيين أن نتبع نصيحة «القديس فرانسيس». وسواء كان وولف، بيت، سميث وفرانك مسيحيين أم لا، فينبغي عليهم أن يستغلوا الرأسمال السياسي لأمريكا من أجل الدعوة لنشر القيم الأمريكية: الحرية، الصدق، الرفاهية، بدلا من نشر التبشير. عن صحيفة «ذي ريبورتر» الأمريكية