مشروع توقيف نشاط تعاضدية التأمينات لأرباب النقل المتحدين «ماتو MATU « يهدد بإغراق النقل الطرقي في المزيد من المتاعب التي يمكن أن تسفر عن إشعال فتيل التوترات الاجتماعية في ظرفية تؤكد كل الدراسات الإقتصادية الدولية والوطنية إلى أن تحقيق المشاريع التنموية رهين بالتوصل إلى التفاهم بين مختلف الأطراف المتدخلة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي. تحول مشروع توقيف نشاط تعاضدية التأمينات لأرباب النقل المتحدين «ماتو MATU « إلى خيار يهدد بإغراق النقل الطرقي في المزيد من المتاعب التي يمكن أن تسفر عن إشعال فتيل التوترات الاجتماعية في ظرفية اقتصادية دولية ووطنية دفعت بالمندوب السامي للتخطيط إلى ربط تحقيق المشاريع التنموية بالتوصل إلى التفاهم بين مختلف الأطراف المتدخلة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي. مشروع توقيف نشاط التعاضدية انطلق سنة 2007 برسالة بعثتها مديرية التأمينات بتاريخ فاتح يونيو لتخبر المشرفين على التعاضدية بأن فحوصات الوثائق المحاسبية والمالية وعمليات المراقبة وفرت حججاً على ما أسمته ب «النقصان الخطير الذي لا يمكن معه للتعاضدية الوفاء بالتزاماتها تجاه المستفيدين من عقد التأمين « وقد تم إحياؤه بعد حوالي ثلاث سنوات برسالة جديدة توصلت بها التعاضدية في نهاية ماي 2010 من مديرية التأمينات تهدد بتطبيق المادة 258 من مدونة التأمينات التي تخول الحق في تعيين مسير للتعاضدية عوض المسيرين الحاليين. التخوف من تحويل توجهات المديرية إلى فتيل يشعل لهيب التوترات الاجتماعية يستمد قوته من كون قطاع النقل الطرقي للنقل العمومي للبضائع والمسافرين لم يدخل بعد مرحلة تطبيق مقتضيات مدونة السير، وقد كانت الحكمة تقتضي استحضار الصعوبات التي واجهت المشروع الأولي وخاصة منها الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الوطني بفعل إضرابات الفاعلين في القطاع، كما كانت تقتضي التركيز في هذه المرحلة على التوعية والتحسيس بما حملته المدونة من إيجابيات لعل حصيلة الأشهر الثلاثة الأولى من التطبيق لمواصلة مشروع التحرير الذي ما زال لم يطل بعد قطاع النقل الطرقي للمسافرين «الكيران» و»الحافلات» وهو القطاع الذي يصعب تجاهل قيمة تغطية الاحتياطيات التي يفترض توفيرها من طرف المؤمن لأن حوادث السير الخاصة بهذا الصنف من النقل غالباً ما تخلف العشرات من القتلى ومن الجرحى فضلا عن الأضرار المادية. لو كانت التعاضدية تعاني فعلا من خلل يستوجب تدخل الإدارة لتصحيح الوضع لتلاشت كل التخوفات أما وقد حققت نتائج متميزة، باعتراف التقارير الرسمية، فهذا ما جعل رئيس الجامعة الوطنية للنقل الطرقي عبد الإله حفظي ورئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب يستنجدان بوزير الاقتصاد والمالية ويدعوانه للتحكيم في هذا الملف الذي سيعرض العديد من مقاولات النقل إلى الإفلاس وسيسفر عن الرفع من حوادث السير خاصة أن تعدد الآراء حول المشروع الأولي لمدونة السير أبان عن مدى صعوبة تأطير العاملين في القطاع وعن مدى تأثر باقي القطاعات بتوقف نشاط قطاع النقل الطرقي. إن الأمر يلفه غموض كبير، وهو لا يتعلق بتجاهل المقتضيات القانونية ولكنه، على العكس من ذلك، يتعلق بالمطالبة بتفادي منطق الكيل بمكيالين، وبوضع المصلحة العامة فوق كل الاعتبارات سواء منها تلك التي قد تكتسي طابعاً شخصياً أو تلك التي قد تخدم مصالح بعض اللوبيات، وإذا كانت المديرية تبني قرار التهديد بتعيين مسير للتعاضدية على ما تعتبره حججاً قانونية فإن المهنيين يعتبرون أن هذا الطرح لا أساس له من الصحة ويرون أن حل إشكالية تأمين الشاحنات والحافلات وسيارات الأجرة متوفر في السيناريوهات التي تمخض عنها ميلاد التعاضدية والتي سبق لرئيس جامعة شركات التأمين الأسبق عبد الجليل الشرايبي أن أثارها في رسالته الموجهة لوزير المالية بتاريخ 4 فبراير 1992 إذ طالب فيها بالرجوع إلى الأهداف التي أنشئت من أجلها التعاضدية. وبالفعل فقد كان أعضاء الفيدرالية المغربية لشركات التأمين وإعادة التأمين قد وضعوا 6 سيناريوهات لتجاوز الخسائر التي تكبدتها مختلف الهياكل التي أنشئت من قبل بهدف تحقيق التوازن المالي في مجال تأمين الشاحنات والحافلات الحضرية منها والرابطة بين المدن، وعندما وقع الخيار على السيناريو السادس القائم على إحداث تعاضدية التأمينات لأرباب النقل المتحدين وحينها تم حصر سلبيات القرار في ثلاث نقط شملت ضرورة البحث عن العنصر البشري المِهل وعدم ملاءمة الضرفية لوضع تنظيم محكم وارتفاع كلفة إعادة التأمين، رغم ان هذه الكلفة أقل من كلفة السيناريوهات الخمسة الأخرى. أما الإيجابيات فتم حصرها في تسع نقط من أبرزها إيجاد حلول نهائية لكل المخاطر العويصة التي أثرت على سوق التأمين بفعل حالة المكتب الوطني للنقل وحالات السائقين المتهورين وما شابه ذلك. لقد كان خيار السيناريو السادس بمثابة حل عملي لوضعية متأزمة وكان هول الأزمة عاملا محفزاً على القبول الجماعي بعدول كل شركة تأمين عن 5 %من باقي خدمات التأمين المربحة والضعيفة، أو منعدمة المخاطر لفائدة التعاضدية الجديدة، وفضلاً عن ذلك التزمت السلطات العمومية بتقديم دعم مالي للمولود الجديد. هكذا كان الخيار، أما التطبيق فإنه تميز بإقدام شركات التأمين على إنشاء «شركة تأمين النقل CAT « لتتولى نفس المهام المنوطة بالتعاضدية المحدثة وبدل تقديم الدعم للتعاضدية فإنها تعرضت لعقوبات قاتلة من أبرزها سحب مجموعة من الرخص المربحة خلال سنة 2008 والمطالبة بدعيرة باهظة القيمة عن أداء التنفيدات القضائية بالرغم من احتلالها رتبة مشرفة ، ثم المطالبة بالتقويم الهيكلي ومن ثمة التلويح بتعيين مسير وهو ما تم تفسيره بتوفير شروط إفلاس التعاضدية وتم وضعه في خانة التخلص من التعاضدية ليتسنى لشركات التامين الزيادة في تعريفة التأمين، خاصة أن تجربة الشركات الخمسة المفلسة كانت مسبوقة بتعيين مسيرين.... من خلال الاطلاع على مجموعة من الوثائق تبين أن تعاضدية التأمينات توجد في وضعية أحسن بكثير من وضعية بعض أكبر شركات التأمين في ما يخص تنفيذ الأحكام القضائية ولم تطالب بأداء ولم تطالب بتقديم برامج التقويم. ومن خلال المقارنة مع النصوص الواردة في مدونة التأمينات اتضح أن دوافع تطبيق المادة 254 الخاصة بمخطط التقويم غير متوفرة لأنها لا تحترم تراتبية النصوص المنظمة لكيفية المراقبة ولأن المطالبة بالخطط تنطبق على الشركات العاجزة عن الوفاء بالتزاماتها بينما نتائج سنوات 2005 و 2006 و 2007 بشأن التوظيفات المالية الموجهة لتغطية الاحتياطيات تزيد بكثير عن الاحتياطيات التقنية وهو ما يعني أن المبالغ التي ترصدها التعاضدية لتغطية كلفة الملفات المعروضة على المحاكم تزيد عن الأحكام النهائية وقد تبين من خلال الإحصائيات الرسمية أن فائض التغطية ارتفع سنوياً وبلغ 181.974 مليون درهم سنة 2007وهذا ما ساعد على تحقيق أرباح بلغت 19.405 مليون درهم وهو المبلغ الذي أضيف إلى رأس المال ما دام أن التعاضدية لا تهدف إلى تحقيق الأرباح. لقد طالبت مديرية التأمينات بإعادة تقويم تعاضدية حققت فائضاً مرباحاً رغم أنها تختص في تدبير الملفات التي تخلت عنها شركات التأمين ، أما مهنيو النقل الذين يرون في التعاضدية أداة مهنية ضرورية لمواكبة إستراتيجية القطاع وتنميته يتوخون من تحكيم وزير الاقتصاد والمالية الاستناد إلى بحث من طرف خبراء محايدين واستحضار الإجراءات والشروط التي صودق عليها إبان الإعلان عن إنشاء التعاضدية. وإذا كان هذا هو رأي المهنيين المرنين فإن من الذين يرون في القرارات الجديدة حكماً على مقاولاتهم بالإفلاس من صار يرى أن توفير شروط تقوية دور التعاضدية يمر عبر وضع مخطط التقويم لمديرية التأمينات نفسها.