يجتمع المكتب الجامعي للفيدرالية الوطنية للنقل يومه الثلاثاء بالدار البيضاء للتداول في ما آل إليه القطاع والتدابير الممكن اتخاذها لتفادي إفلاس المزيد من المقاولات وتعرض العاملين فيه إلى نكسة يستعصي تخطيها. وأمام تعدد مطالب المهنيين وخاصة ما يرتبط منها بإخراج المراسيم التطبيقية التي تؤمن تطبيق القوانين والقرارات المتخذة في إطار من التوافق والتشاور بين الحكومة والفاعلين في القطاع، ثم ما يرتبط منها بالتنافسية الأجنبية غير المتكافئة وبالنظام الضريبي، فإنه من غير المستبعد أن يختتم الاجتماع بالدعوة إلى اعتماد أساليب احتجاجية قد تتخذ شكل إضراب وطني. للوقوف على طبيعة المشاكل التي يعاني منها القطاع وانعكاساتها على المهنيين وعلى النمو الاقتصادي أجرينا زوال يوم الأحد الأخير ،أي ساعات قبل الإعلان عن الأسعار الجديدة للمحروقات، لقاء مع رئيس فيدرالية النقل الطرقي بالاتحاد العام لمقاولات المغرب عبد الإله حفظي، هذا أهم ما جاء فيه: ظل قطاع النقل الطرقي للبضائع يعاني باستمرار من تبعات المرحلة التي حولته إلى قطاع يخضع بشكل شبه تام إلى علاقات اقتصاد الريع، وبعد أن كان من المرتقب أن تسفر علاقات الحوار والتعاون مع الوزارة الوصية عن بلوغ الأهداف القائمة على ترسيخ علاقات الاحترافية والشفافية فإن اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية الجديدة عمق حدة المشاكل التي يعاني منها لدرجة أن بعض المقاولات لا تنجز ولو رحلة واحدة في يوم بأكمله، فسواء تعلق الأمر بالمشاكل الطارئة أو بالصعوبات التي حالت دون تنفيذ العديد من الأهداف المتفق عليها بين الحكومة ومهنيي القطاع فإن تزامن تراجع الطلب على خدمات النقل مع تراكم المشاكل صار يجعل من عدم الاستجابة للمطالب الحيوية للقطاع تهديداً حقيقياً بإفلاس عدد كبير من المقاولات دون تمييز بين تلك التي تتوفر على أقل من ثلاث شاحنات وبين التي تسعى إلى أن تكون قاطرة للقطاع في مجال الحد من استحواذ الأسطول الأجنبي على نسبة كبيرة من أنشطة النقل داخل التراب الوطني. واستناداً إلى إحصائيات منتصف مارس 2008 ،فإن عدد الشاحنات المسجلة في السجلات الرسمية يصل إلى حوالي 70 ألف، منها حوالي 40 ألف في صنف الممارسة لفائدة الغير،بينما الباقي مسجل في صنف الممارسة لفائدة النقل الخاص، نفس الإحصائيات توضح أن حوالي 20 ألف شاحنة مصنفة في خانة الشاحنات التي يقل وزنها الإجمالي المأذون به مع الحمولة (حسب المفهوم الجديد) عن 8 طن. ورغم كل الصعوبات التي يواجهها القطاع، فقد تم منذ سنة 2003 إحداث حوالي 11 ألف منصب، مما ساهم في خلق حوالي 15500 منصب شغل، وقد كان بالإمكان مضاعفة هذا الرقم بمرتين أو ثلاث، لولا أن بعض المقاولات لا تتوفر على أية شاحنة، وبعضها الآخريقوم على شاحنة واحدة بشراكة مستثمرَيْن او أكثر، من المؤكد أن قانون تحرير القطاع نزع عن المكتب الوطني للنقل حق الاحتكار، ولكن مرحلة ما بعد الشروع في تطبيقه، أي سنة 2003 لم تسفر الا عن تسجيل 91 وكيلا بالعمولة، وحتى هذا العدد، تم بلوغه بفضل الدور الذي لعبته الجمعية المغربية للنقل الطرقي الدولي، إذ بمساعدة الادارة العامة للجمارك، صار من المفروض في كل السلع الموجهة نحو التصدير ان تمر عبر الوكلاء بالعمولة المعترف بهم من طرف مصالح الوزارة الوصية، وهذا ما يطرح التساؤل عن الاسباب التي تشجع أغلبية الوكلاء العاملين في النقل الوطني على ممارسة نشاطهم في القطاع غير المهيكل. فبدون هيكلة مجموع الوكلاء البالغ عددهم، حسب مصادر متطابقة، حوالي 3000 وكيل، فإن بلوغ الاهداف التي يتوخاها قانون التحرير سيصطدم دوما بعراقيل يصعب تجاوزها، وبدون وضع آليات تحد من فرض التحايل على القانون، فإن علاقات التسامح والتساهل ستكون عمليا هي السائدة. إن سوء تنظيم القطاع لم يسفر فقط عن تشرذم وبلقنة القطاع، حيث ان الاغلبية الساحقة من المقاولات تملك اقل من شاحنتين، ولكنه حال دون تجديد الحظيرة بوتيرة تؤمن تشبيبها، فما يعرفه القطاع من كساد وسوء تنظيم هو الذي حال دون الاستثمار في تجديد الشاحنات، وهو الذي جعل حصة الشاحنات التي يقل عمرها عن 5 سنوات لاتتعدى 23 بالنسبة للنقل لفائدة الغير، بينما تصل الى 38 من مجموع الوضعية ترتب عنها ارتفاع حصة الشاحنات التي يزيد عمرها عن 10 سنوات الى 55 من مجموع الشاحنات العاملة لفائدة الغير، بينما لاتتعدى 43 من مجموع الشاحنات العاملة لفائدة الحساب الخاص. معاناة القطاع تظهر كذلك بشكل جلي في توزيع الشاحنات حسب طبيعة نشاطها، إذ أن استحواذ الشاحنات ذات المقطورات السطحية (بلاطو) على حصة 52 من مجموع الشاحنات يعكس الى حد بعيد عدم مواكبة المغرب لما تحققه أوربا من تقدم في الميدان، ويعني ان كل الاطراف المغربية المعنية مطالبة بمضاعفة الجهود لكسب الرهانات المرتبطة بتقليص التكلفة وبالحد من حوادث السير. اما بالنسبة لارتفاع حصة الشاحنات القلابة (لبين) الى معدل 37، فإن السبب في ذلك يعود لتوجهات تنظيمية بقدر ما يعود الى دور الحبوب، حيث يصل معدل الواردات السنوية منها الى حوالي 5.4 مليون طن، ويعود كذلك الى أوراش البناء. الى جانب الصنفين السالفي الذكر نجد ان حصة الشاحنات الصهريجية لاتتعدى نسبة 4%وهي موجهة بالدرجة الاولى لنقل المحروقات في شروط اكثر ضبطا من باقي الاصناف وبالدرجة الثانية لنقل الحليب. لقد كان بإمكان النقل عبر الشاحنات المبردة ان يستفيد من طبيعة المغرب كدولة مصدرة للمواد القابلة للتلف كالاسماك والمنتجات الفلاحية ويستحوذ على حصة مرتفعة من مجمع الشاحنات، ولكن التنافسية غير المتكافئة مع الاساطيل الاجنبية العاملة في المغرب وعدم تطبيق مرسوم 1999، الخاص بنقل الخضر والفواكه واللحوم والاسماك القاضي بنقل كل هذه السلع في صناديق عازلة او في مبردات، حصرت حصته في حوالي 5%، والجدير بالذكر ان المغرب صادق على الاتفاقية الدولية لنقل المواد القابلة للتلف وصار ملزما بتنفيذ مقتضياتها ليشمل مجال تطبيقها حتى السلع الموجهة للسوق المغربية عوض الاقتصار على السلع الموجهة للتصدير، فتصحيح الوضع يقتضي من جهة اتخاذ اجراءات مواكبة وتحفيزية ومن جهة ثانية تقوية المراقبة. وبخصوص نقل الحيوانات يمكن القول انه، باستثناء نقل الدواجن، فإنه لا وجود لأي عقد نموذجي خاص بنقلها، فهناك قصور بين وزارة الفلاحة في تنظيم هذا الميدان. على ضوء كل هذه المعطيات وقف عبد الاله حفظي عند الوضع الذي يستخلص منه إن 7 % من المقاولات لاتتوفر على أية شاحنة، كما ان القطاع يغلب عليه طابع التشتيت وهيمنة مقاولات الاشخاص الذاتيين، كما يستخلص منه ان حوالي 2 من مجموع المقاولات هي التي تعمل في النقل الدولي، مع ملاحظة ان نسبة كبيرة منها انشئت برأسمال أجنبي وان اقل من 100 شاحنة هي التي تعبر فعلا مضيق جبل طارق، بينما الباقي تتلخص مهمته في الجر بين طنجة وباقي المدن المغربية. أما بالنسبة لمخطط تجديد الحظيرة فسجل رئيس الفيدرالية أن المكافأة على تحطيم الشاحنات القديمة مقابل اقتناء حافلات جديدة، لم يتجاوز عدد المستفيدين منه بضع عشرات من الناقلين. وفي رده عن أسئلتنا المرتبطة بمستقبل القطاع في ظل إعادة هيكلة وزارتي التجهيز والنقل وادماجهما في وزارة واحدة، سجل عبد الاله حفظي تقزيم قطاع النقل بفعل حذف بعض المعالم كمديرية التكوين المهني ومديرية الدراسات والتنسيق والتوقعات ومصالح الوقاية والسلامة الطرقية، علما بأنها تفتقر اصلا الى الموارد البشرية ووسائل العمل، وعلى ضوء ذلك توقع تفاقم المشاكل وعدم مسايرة حاجيات النقل، واعتبر انه بينما كان من المرتقب إنشاء كتابة للدولة في النقل تم تغليب المهام التجهيزية في الوزارة على حساب قطاع النقل، وبعد أن لاحظ أن إدماج أربع مديريات في مديرية واحدة ينم عن مقاربة ادماجية، ذكر بأن المغادرة الطوعية عمقت مشاكل القطاع، لأن مجموعة من الاطر الكفؤة غادرت دون أن يتم تعويضها بمن هو في مستواها. ولتجاوز المصاعب التي تواجه القطاع والمهنيين، دعا حفظي الى أجرأة الاصلاحات البنيوية المتفق عليها مع الوزارة وفي هذا السياق خص بالذكر. - الاصلاحات الجبائية من أجل إضفاء تنافسية حقيقية تحمي الأسطول المغربي من التنافسية غير المتكافئة مع الاساطيل الاجنبية العاملة في المغرب. - اعتماد نظام الكازوال المهني من خلال رفع الضريبة على القيمة المضافة من 7% الى حوالي 20 %مع الابقاء على الحق في استرجاعها. - إرساء الآليات الكفيلة بالقيام تلقائيا بعكس تقلبات سعر البترول في الاسواق الدولية على السعر عند الاستهلاك، على غرار ماهو معمول به في أوربا. - التفكير في كيفية تطبيق التعريفة المرجعية لوزارة النقل لتفادي مخاطر اندحار الاسعار الى مستويات تقل عن سقف التكلفة. اما بالنسبة للاصلاحات المرتبطة برفع التحديات الهيكلية والظرفية فخص منها بالذكر: - تحسين المحيط القانوني للمقاولة عبر آليات تقنية من أجل إرساء توازن حقيقي بين الاطراف المتدخلة في علاقات النقل على غرار مشروع مدونة السير التي تبنت في الفصل 111 مفهوم المسؤولية الجنائية المشتركة بين الناقل والآمر بالنقل. - الاهتمام بمجالات التكوين والنقل الطرقي الدولي وتجميع الحظيرة لتفادي التشرذم والبلقنة. - تقوية المراقبة النزيهة. ولبلوغ هذه الاهداف،اعتبر حفظي ان لا مفر من توفير أربعة شروط وهي: التنسيق - التخطيط - التكوين - التخليق. كما استحضر الوضع الدولي العام الذي وضع المقاولات في حالة اختناق حاد لم يشهد العالم مثيلاًَ له في الألفية الثالثة ليدعو إلى اتخاذ تدابير ظرفية استعجالية، تقي من الانزلاق من القطاع المهيكل إلى القطاع غير المهيكل وتحول دون رهن الأهداف المرسومة من طرف الحكومة كتجديد الحظيرة واعتماد منطق التعريفة المرجعية وغيرها من التدابير المهيكلة، ففي ظل الظرفية الحالية هناك حاجة ماسة إلى تخفيض سعر الكازوال المهني ليصل إلى مستويات تقل عن 7.22 درهم للتر المعمول بها حالياً. وفي رده على سؤالنا المرتبط بنتائج الحوار مع الوزراء المعنيين، أكد لنا عبد الإله حفظي بأن الوزير الوحيد الذي لبى الطلب واستقبل المكتب الجامعي هو وزير التجهيز والنقل، أما وزراء المالية ، الطاقة والمعادن والشؤون العامة للحكومة، فلم يستجيبوا لطلب المهنيين، وإننا إذ نقدر التزاماتهم نعتقد أننا نستحق جزءاً من اهتماماتهم، أما عدم الاهتمام بهذا القطاع فسيؤدي بالضرورة إلى توقيف النقل الطرقي بشتى أشكاله في ظرفية تتميز بكون المغرب محتاج إلى المزيد من الثقة والدعم وليس إلى الاحتجاج والإضراب.